من الطبيعي أن نشعر بالغضب لأيّ هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية، وخاصة أن يبقى بدون رد. والذي يزيد غضبنا هو عبارة: “سنرد في التوقيت والمكان المناسب”. هذا الغضب حقٌّ لكل جندي سوري يحمل السلاح ولكل مواطن سوري يقف مع وطنه ضدّ أعدائه. ثلاثة أصوات احتجاج نسمعها عقب كل غارة إسرائيلية:
- صوت احتجاج الجندي والمواطن السوري، ويكون احتجاجاً وطنياً واعياً دون ضوضاء، ويتمنون أن نرى رداً ساحقاً على الغطرسة الإسرائيلية، لأنهم سوريون بجدارة ويستحقون أن يحملوا راية الوطن، وهو الصوت الوحيد الذي يُسمع ويُحترم، وعلى الدولة أن تُصغي له وتقدّم له ولو شرحاً بسيطاً عما يجري.
- الصوت الثاني وهو عويل وصراخ واحتجاج وانتقاد الجيش السوري لعدم رده، وتكتيكات عسكرية فذّة، وخبرة بصواريخ إس 400 لا يعرفها حتى الروس، وترديد عبارة “وين الـ إس 400؟”… ويأتي من الفارين من خدمة العلم، ومن المتكئين على وسائد حريرية دافئة أمام شاشات اللاب توب. يمكن لهؤلاء “الخبراء” بضغطة زر أن يحرروا الجولان ويمسحوا إسرائيل عن وجه الأرض، وربما إن طالت جلسة اتكائهم أن يصلوا إلى مشارف واشنطن.
- الصوت الثالث: صوت المعارضة السورية والخونة والشامتين من العُربان، الذين يتمنون أن يرد الجيش السوري، ليس حباً بسوريا بل كي تشن إسرائيل حرباً شاملة، وتتحقق أهدافهم التي فشلوا بتحقيقها على مدى ست سنوات.
نلفتُ الانتباه إلى أنّ عبارة “حق الردّ” لم تعد مقتصرة على العرب، فحتى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني، قال هذه العبارة في أعقاب الهجوم الصاروخي الذي شنته المقاومة اللبنانية على قافلة عسكرية إسرائيلية، في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، فدمرت سيارتين عسكريتين وقتلت حسب معلوماتنا 14 جندياً إسرائيلياً، وذلك قبل عامين في كانون الثاني 2015، وهذا ما قالهُ أيضاً أردوغان عدة مراتٍ، كان آخرها عقب الغارة الجوية السورية على جنوده قرب مدينة الباب.
حقائق عن الغارات الإسرائيلية
- لقد ردت سوريا دائماً، لكن ما نفع النقاش مع ذاكرات الذباب؟ راجعوا المقالة في سياق الحديث.
- ما يخفى عن الغارات الإسرائيلية ونتائجها أكثر مما يُكشف، لكن المؤكد لنا من خلال المعلومات التي تصل مركز فيريل للدراسات أنّ نصف الغارات أصابت أهدافاً وهمية، وضعتها المخابرات العسكرية السورية لإيهام الإسرائيليين، بينما كان الهدف المقصود يصل إلى مبتغاه سالماً…
- حدثت الغارة بعد أربعة أيام على عملية الدهس في القدس، والتي سخِرتْ فيها حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية، من جبن الجنود الإسرائيليين الذين فرّوا من مكان العملية كالنعاج، رغم أنهم بكامل عتادهم العسكري، وهذا ما اعتبر فضيحة عسكرية، وجاءت أيضاً ساعات قليلة عقب التفجير الانتحاري الإرهابي الذي حدث في كفر سوسة.
- الغارة رسالة مباشرة لدمشق فقط، وقصّة أنّ الغارات الإسرائيلية رسالة إلى روسيا أو لإيران، وأنّ الهدف خروج القوات الحليفة للجيش السوري، هذا غير صحيح. هذه القوات وكلنا يعرف موجودة منذ سنوات، وإسرائيل ليس لديها أعراف أو مبادئ عسكرية، ولن تتردد بقصف القوات الإيرانية بشكل مباشر، لو كانت هذه الرسالة. أما القول المضحك بأنها رسائل روسية عبر إسرائيل إلى إيران وسوريا، فهل روسيا دولة ضعيفة لتلجأ لدويلة بحجم إسرائيل، كي ترسل عبرها البريد؟ كل هذا يصبّ في تضخيم خلاف بين طهران وموسكو.
- القاعدة التالية باتت ثابتة: “كل انتصار عسكري يحققهُ الجيش السوري بتحرير منطقة ما، سيعقبهُ بالتأكيد غارة إسرائيلية”. والعكس غير صحيح، فلم نرَ غارة إسرائيلية عقب احتلال المسلحين لمدينة أو قرية! إذاً أحد أسباب القصف هو انتقامي ورفع لمعنويات المسلحين.
- روسيا ليست عدوة لإسرائيل، لكنها ليست حليفة ولا صديقة أيضاً، والقوات الروسية تتحاشى أيّ صدام معها، لأنّ هذا الصدام سيحرف مسار أهدافها، ويقود لتطوراتٍ أكبر مع الناتو والولايات المتحدة. كما أنّ صواريخ إس 300 وإس 400 وجدت كي تحمي القوات الروسية والسورية، ولكن ضدّ هجوم كبير متوقع من حلف الناتو، ولن يتم استخدامها من أجل غارة إسرائيلية، ولا كشف قدرتها العسكرية، كما لن يتم استخدامها ضد طيران لم يدخل الأجواء السورية، حتى من قبل الجيش السوري. وطائرات الـ F35 التي قصفت مطار المزة، كانت خارج الأجواء السورية، وهي التجربة القتالية الأولى لهذه الطائرات الحديثة.
- عندما تقف روسيا بجانب عدو إسرائيل، ألا تصبح بالمنطق العسكري عدواً لها؟ هدف إسرائيل من وراء دعم المسلحين عسكرياً وطبياً في الجنوب السوري، هو مساعدتهم على تحقيق أهدافهم، بينما تقوم روسيا بعكس ذلك، إذاً موسكو وتل أبيب متضادان في الأهداف.
- بالأرقام؛ ثمن ساعة طيران الـ F35 هو 84 ألف دولار، وسعر الصاروخ الواحد يصل إلى مليون دولار، فقط خوذة الطيار ثمنها 400 ألف دولار. بحساب بسيط كلّف الهجوم الإسرائيلي على مطار المزة حوالي 9 مليون دولار، أي 4,5 مليار ليرة سورية، فهل كانت الخسائر السورية بهذا الحجم؟
- مقالة ذات صلة:
هل أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرتين إسرائيليتين؟ Firil Center For Studies, Berlin, Germany
- قد يأتي ردّ سوري مباشر، لكن لا نتوقع أن تعترف به دمشق أو تل أبيب، وقد حدث ذلك أكثر من مرة، ونشرنا عنه في المركز. المرجح أن يكون غير مباشر، فإعادة المياه لـ 5 ملايين سوري في دمشق، هو أهم من أي ردّ قد يحمل في طياته مخاطر متسلسلة، وهو أحد أهداف إسرائيل: أن ترد عليها سوريا.
- نتوقع في مركز فيريل للدراسات أن لا تتوقف الغارات الإسرائيلية على المواقع السورية، بعد استلام ترامب لكرسي الرئاسة، بل قد تزداد لأنه سيكون حليفاً أقوى لإسرائيل من أوباما، لكننا بالمقابل ومن خلال خبرتنا بسياسة “فقع المثانة” السورية، نتوقع أن يكون هناك دائماً ردّ سوري موجع وأين؟ ردّ موجعٌ في خاصرة… إسرائيل…
الكاتب: د. جميل م. شاهين. 13.01.2017. مركز فيريل للدراسات، برلين
رد سوري آخر: