نستعرضُ لكم اليوم كتابَ “الكيان: خمسة قرون من جاسوسية الفاتيكان السرية The Entity: Five Centuries of Secret Vatican Espionage ” الكاتب: Eric Frattiniإيريك فراتيني، ترجمهُ وحرّره للعربية مركز التعريب والبرمجة في الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2010. قدّمهُ لمركز فيريل للدراسات المهندس باسل قس نصر الله.
يقدم لنا الكاتب “إريك فراتّيني” كتاباً جديداً مثيراً للاهتمام والجدل بآن واحد، وبشخوص واقعيين ما زالوا يعيشون بيننا ولكننا لا نراهم، فهل هم ملائكة؟
يكشفُ Eric Frattini حقيقةً هامة وخطيرة وهي أنّ الفاتيكان وهو أقدمُ منظمة في العالم، وطوال خمسة قرون وهو يصنعُ الملوك ومعهم التاريخ، قد استعان بجهاز سري يُدعى “الحلف المقدس” أو “الكيان” أي “المخابرت الفاتيكانية”، جهازٌ اعتمد عليه أربعون من الباباوات لتنفيذ سياساتهم، ولعب حتى الآن دوراً غير مرئي لمواجهة حالات الارتداد عن الدين المسيحي والانشقاقات والثورات والدكتاتوريات والاستعمار والترحيل، والاضطهاد والحروب الأهلية والحروب العالمية، والاغتيالات والاختطاف.
فقراتٌ لا تغني عن قراءة الكتاب
أقدمُ لكم فقراتٍ منه لا تُغني عن قراءة الكتاب الأصلي بشكل كامل:
في اغتيال الملك المخلوع هنري الثالث Henri III de Valois عام 1589 على يد راهب دومينيكي جاك كليمنت Jacques Clément
في التقليد الأعم للاغتيال السياسي الذي كان سلاحاً فعالاً استخدمه الحلف المقدس، لتبديل وجهة السياسة الأوروبية. جرت محاولة اعتداء واحدة فاشلة على حياة ملك فرنسا هنري الرابع من قِبَلِ راهب أرسله الفاتيكان.
في ذهنية بابا القرن السابع عشر؛ يمكن منح الغفران الكامل لكاثوليكي مخلص فَقَدَ حياته في أثناء محاولة قتل مهرطقٍ ما.
في بداية عام 1688، أبلغ البابا (إينوسنت الحادي عشر) ملكَ فرنسا لويس الرابع عشر ، عبرَ قاصده الرسولي في باريس بالحكم عليهِ ووزرائه بالتعنيف الكنسي.
في الهداية: يتمتعُ مجرمو الكردينال “نيكولو كوسيا” بحرية التصرف في الشوارع الرومانية، فَنشر بعضهم الأسطورة القائلة: إن كل مَن ينجح في حمل مهرطق على الاهتداء إلى الإيمان الكاثوليكي يدخل الجنة تلقائياً. وفي الأشهر التالية، انتُزع العديد من الأطفال اليهود من منازلهم وعُمِّدوا بالقوة في نوافير الماء أو بمياه المطر.
في عداء الماسونية: منعَ البابا اقليمنضس الثاني عشر (في البيان الرسمي الذي أصدره في 28 نيسان 1738 بعد تلقي تقرير من الحلف المقدس حول التهديد الذي يشكله الماسونيون)، منعَ كل أتباعه من الانتماء إلى المنظمات الماسونية، أو حضور احتفالاتهم تحت طائلة التعرض لعقوبة الحرم. كما أصدر البابا إقليمنضس الثاني عشر، الذي حكم الفاتيكان من 12 تموز 1730 حتى 8 شباط 1740، بيانه البابوي بإلقاء الحرم على كل الماسونيين.
في 21 تموز 1773، وقّع إقليمنضس الرابع عشر المذكرة البابوية “السيد والمخلّص” التي حلّت الرهبنة اليسوعية.
في 15 شباط 1798، احتل جنود نابليون روما، وعزلوا البابا بيوس السادس في 7 آذار بوصفه حاكماً مؤقتاً وأعلنوا الجمهورية الإيطالية.
أُطلق على منظمة التجسس المضاد اسم “جمعية بيوس”، وعُرفت داخل أسوار الفاتيكان بالاسم المختصر “جي بي”
تدخّلت المخابرات الإيطالية في شؤون الفاتيكان بفكرة واعتقاد تمّ ترويجه بأنّ البابا “بندكتس الخامس عشر” ورِث صناديق مال فارغة من “بيوس العاشر” في العام 1914، ولكنها اكتشفت أن البابا الجديد أنقذ الموارد المالية للفاتيكان بشكل غامض عام 1915.
في معاداة النازية: نجحَ قسم كتابة الشيفرة التابع للحلف المقدس (مخابرات الفاتيكان) في حل رموز البحرية الألمانية قبل أسبوعين من اندلاع الحرب (العالمية الأولى 1914 – 1918)، وسلّم الشيفرة إلى ونستون تشرشل، أول لورد في وزارة البحرية الملكية.
في قوة مخابرات الفاتيكان: بقيت رموز الحلف المقدس (مخابرات الفاتيكان) التي ابتكرتها دائرة الكتابة بالشيفرة في الفاتيكان، هي الرموز الوحيدة التي لم تتمكن أجهزة مخابرات دول الوفاق والقوى الوسطى من حلّها.
في كانون الأول من العام 1915، أي بعد أشهر من إعلان الحرب العالمية الأولى، أنشأت أجهزة المخابرات الفاتيكانية وحدة خاصة من واضعي الرموز، وأخرى من كاتبي الرسائل بالشيفرة أُطلق على أفرادها اسم (حالّو الرموز)
في 11 شباط 1926، استدعى (البابا) بيوس الحادي عشر (المونسينيور ميشيل) دربيني إلى مكاتبه الخاصة وأصدر إليه أمراً بالقيام بمهمة سرية داخل الاتحاد السوفياتي.
في أثناء ولاية بيوس الحادي عشر الحَبرية، وقّع الفاتيكان معاهدات مع إيطاليا الفاشية عام 1929 وألمانيا النازية عام 1933، وهما من الحكومات الأكثر عداءً للسوفيات
أدان (البابا) بيوس الحادي عشر “النازية وقادتها” في منشوره البابوي مستخدماً تعبير “بكل أسف” الصادر بتاريخ 14 آذار 1937.
قرر البابا بيوس الحادي عشر عزل نفسه في مقر إقامته في كاستل غاندولفو، لتجنب استقبال آدولف هتلر في أثناء زيارة قام بها هذا الأخير إلى روما بين 3 و 9 أيار 1938. وطلب الحَبر الأعظم أيضاً بإقفال كل متاحف الفاتيكان وعدم قيام (جريدة) الأوسرفاتوري رومانو بنشر أي شيء عن زيارة المستشار الألماني.
في أواخر العام 1943 في الذكرى العاشرة للحكم النازي، كان المظليّون الألمان يسيطرون على محيط ساحة القديس بطرس تحت الأنظار القلقة للحرس البابوي.
في السنوات الأربع، والأشهر السبعة، 1958 حتى 1963، والأيام الستة التي أمضاها (البابا) “يوحنا الثالث والعشرون” في إدارة شؤون كنيسة روما، لم يقُم الحلف المقدس (مخابرات الفاتيكان) بأية نشاطات.
طلب البابا (بولس السادس عام 1970) بنفسه من رئيس جهاز التجسس المضاد إغلاق التحقيق حول الماسونية في الفاتيكان، وأمر بوضع التقرير في المحفوظات السرية.
أظهرت “عملية القدس” التي قام بها الحلف المقدس (مخابرات الفاتيكان) و “عملية الماس” التي قام بها الموساد (الاسرائيلي) أن جهازي التجسس يعملان معاً. وأتى هذا التعاون ثماره بعد سنوات قليلة عندما كشف الموساد النقاب عن عملية لاختطاف البابا بولس السادس أو اغتياله.
بالمقابل؛ (الأب عيدي) عياد لم يكن عضواً في الحلف المقدس فحسب، بل صلة وصل غير رسمية أيضاً بين البابا بولس السادس وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
في 20 كانون الثاني 1981، أصبح رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. قبل عدة أسابيع من القَسَم، كانت الاتصالات الاستراتيجية قد استُهلّت بين واشنطن والفاتيكان، بين رونالد ريغان والبابا يوحنا بولس الثاني، وبين وليام كاسي مدير CIA والمونسينيور لويجي بوغي، مدير الحلف المقدس (المخابرات الفاتيكانية).
–بتفويض من الرئيس الأميركي جيمي كارتر و البابا يوحنا بولس الثاني 1981، وضع الكردينال جوزيف تومكو ، رئيس الدعاية ورئيس الأسبق لجهاز التجسس المضاد “جمعية بيوس” في الفاتيكان، و زبيغينيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي “عملية الكتاب المفتوح”، وهي خطة تقضي بإغراق دول أوروبا الشرقية إضافة إلى مناطق الاتحاد السوفياتي، مثل أوكرانيا ودول البلطيق، بكتب مناهضة للشيوعية. وكان من المفترض أن يجري التنسيق بين CIA والحلف المقدس (مخابرات الفاتيكان)، من خلال الكهنة العاملين في تلك المناطق، لتنفيذ هذه العملية.
في تشرين الأول 1982 عيّن البابا يوحنا بولس الثاني لجنة خاصة للتحقيق في شأن الدور الذي لعبه الفاتيكان، ومصرف الفاتيكان، وأجهزة المخابرات البابوية، في الأعمال الشاذة لبنكو أمبروزيانو.
أصدر رئيس الحلف المقدس لحظة وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، أوامر لعملائه؛ الأول مواكبة الكردينال مارتينيز سومالو إلى مكتب الحَبر الأعظم، لإتلاف ختم صياد السمك المصنوع من الرصاص والذي يضعه في إصبعه. وهكذا، لمنع أيّ شخص من استخدام الختم البابوي لتوقيع وثائق لم تتم المصادقة عليها قبل وفاة الحَبر الأعظم.
رأي مركز فيريل للدراسات بما ورد في كتاب الكيان
الكتاب تأليف إيريك مارتيني، وهو صحفي ومحلل سياسي من مواليد ليما في البيرو ويعيش في إسبانيا. له عشرات الكتب في السياسة تعرّضَ بعضها لانتقاد من وسائل إعلام كبيرة. معلوماته عن الفاتيكان قد يكون بعضها على الأقل صحيحاً، ولكنها بمجملها لا نعتبرها معادية أو ضد السلطات في الفاتيكان بشكل تام، أو هكذا حاول الكاتب أن يُظهرها بقصد تصنيفهِ حيادياً، رغم ظهوره وبشكل واضح أنّه شخص معادٍ للفاتيكان ولسبب ما.
ففي حين تُدين أحداثٌ وعمليات سرية قامت بها مخابرات الحلف المقدس، السلطات الدينية في الفاتيكان، نرى في المقلب الآخر أنّ الكاتب تحدّثَ عن معاداة المخابرات في الحلف المقدس للنازية ولبعض الديكتاتوريين ووقوفها ضد الحروب الأهلية والفاشية والانحلال الأخلاقي والثورة الجنسية، ودورها في النهضة الاوروبية وحتى الإصلاح الديني وإسقاط الشيوعية، وهذا كلّهُ يصبُّ في صالحها وحتى إن لم يتقصّد الكاتب ذلك.
بالمحصلة؛ الفاتيكان مؤسسة سياسية اقتصادية اجتماعية مؤثّرة وفاعلة عالمياً، وهي كي لا ننسى مؤسسة “دينية” تهتم بشؤون المسيحيين في العالم فقط عندما يصبّ ذلك في مصلحتها، تماماً كغيرها من المؤسسات الأخرى “الدينية” لباقي الأديان والطوائف.
لعبت المؤسسات الدينية عبر التاريخ وحتى يومنا هذا، دون استثناء، دوراً رئيسياً في تثبيت أنظمة الحكم أو زوالها بغض النظر عن مصلحة الشعوب. انخرطت المؤسسات الدينية في السياسية والاقتصاد والحروب والقتل والدمار وغسل الأدمغة وخداع الفقراء ونشر الإشاعات. وفي العصور الحديثة، غسل أموال المافيا والتلاعب بالأسواق المالية ودعم أنظمة حكم ديكتاتورية، ووصل الأمر للترويج للشذوذ الجنسي وتردي الأخلاق و “تحليلها شرعاً”. كلّ ما ورد من موبقات كان باسم الله. الفاتيكان واحد من هذه المؤسسات الدينية حول العالم وقد لا يكون… أسوأها لكنّه بالتأكيد الأكثرُ نفوذاً على الساحة الدولية. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 02.04.2023. قدّمها المهندس باسل قس نصر الله.