عدد القراءات 1302في دورة إعادة جديدة “بالوتاج”، غلب عليها الطابع الجدلي وروح الانقسام والتنافس داخل الأسرة الواحدة والمجتمع البرازيلي، وعبر حملات التضليل الإعلامي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي… فاز اليميني المتطرف جائير بولسونارو، من الحزب الليبرالي الاجتماعي، بمنصب رئاسة البرازيل بفارق 10 نقاط 55%، بينما حصل منافسه من حرب العمال البرازيلي فرنادو حداد على 45%.
بولسورنارو نسخة عن ترامب
رفع بولسورنارو الشعار الشعبوي الذي رفعه الرئيس الامريكي دونالد ترامب في التغيير، مستخدما الطريقة ذاتها في إثارة الناخبين حول مسائل حيوية: محاربة الفساد، تعزيز الامن، وحق حمل السلاح. محاربة الاجهاض، نظرته للمرأة، التمييز ضد العرق الأسود والفقراء، حق الشرطة في إطلاق النار على المجرمين، محاربة الشيوعية، الهجرة، الشذوذ الجنسي.
كل هذا جعل الصحافة العالمية تسميه “ترامب الاستوائي”، أو “ترامب البرازيل”، الذي سيخلص البرازيل من الفساد وفقدان الأمن والجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات. تتضمن خطط بولسونارو للسياسة الاقتصادية مقترحاتٍ لترشيد الإنفاق الحكومي ووعود بتقليص تدخل الدولة في الاقتصاد، وتنظيف البرازيل من السياسيين الفاسدين. وعودٌ جعلت حملته الانتخابية تحظى بشعبية كبيرة لدى البرازيليين الذين يقولون إنهم تعبوا من الفساد… كان العشرات من كبار السياسيين من الأحزاب السياسية الحالية، قد سجنوا جراء ذلك، وغالبية كبيرة منهم؛ حوالي 30 سياسياً، لم يستطيعوا دخول البرلمان بسبب تاريخهم المرتبط بالفساد. تأتي في المقدمة رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف، التي بلم تستطع تأمين مقعد لها في مجلس الشيوخ، علما أنه جرى تجريدها من صلاحياتها وعزلها بتهم الفساد عام 2016، ورئيس حزب العمال البرازيلي أغناسيو لولا دا سليبا، الرئيس البرازيلي السابق الذي يقضي عقوبة بالسجن لعشر سنوات بتهم الفساد، بغضّ النظر عن الوجهة القانونية والحقوقية وعدالة قضيتهم.
من هو ترامب البرازيل؟
جائير بولسونارو مواليد عام 1955 ضابط متقاعد دخل عالم السياسة عام 1988، بعد أن أصبح عضواً في مجلس مدينة ريو دي جانيرو عن الحزب الديمقراطي المسيحي. فاز عام 1990 بالانتخابات وأصبح عضواً في الكونغرس. في 2014 حصل على أكبر عدد من الأصوات في ريو دي جانيرو، وقدم خلال 27 عاما من عضويته في الكونغرس البرازيلي، 173 مشروع قرار! وعدّل قانوناً واحدا على الأقل، لكنه فشل تقريبا في جميع مقترحاته في تغيير القوانين.
تزوج بولسونارو ثلاث مرات وله خمسة أبناء، ثلاثة منهم يعملون في السياسة، اثنان نواب والثالث عضو مجلس بلدي بمدينة ريو دي جانبيرو. يعيش حالياً مع زوجته الثالثة ميشيل دي باولا بولسونارو، وهي أم ابنته الوحيدة لورا.
وصفه الضباط المسؤولون عنه بـ “الطموح والعدواني”، عندما كان يخدم في وحدة المظليين في الجيش. وصل لرتبة نقيب قبل أن يترك الجيش، وعُرفَ عنه تطرفه وعنصريته ضد السود والفقراء.
برامج وسياسات بولسونارو المتوقعة
بولسونارو زعيم حزب جديد “الحزب الليبرالي الاجتماعي”. لا يملك هذا الحزب القواعد الشعبية والهياكل التنظيمية في عموم المدن والمناطق البرازيلية، مثله مثل 33 حزباً سياسياً آخر لهم تمثيل في البرلمان. يعكس هذا بدرجة كبيرة تنوع وصعوبة قيادة البرازيل قبل الانتخابات. ليس لحزبه تمثيل بالبرلمان سوى 3 أعضاء، لكنه بعد انتخابات الجولة الأولى حصل على 42 مقعداً اي 10% من البرلمان، 3% في مجلس الشيوخ، مما يعقد مهمته كثيراً في تمرير مشاريع القوانين والاصطلاحات التي يريدها، وهو مضطر للتحالف مع قوى وأحزاب متعددة الأهداف والمبادئ والمصالح المتناقضة، وأولهم حزب العمال البرازيلي الذي يمتلك 54 نائباً، فالحملة الانتخابية شيء وإدارة البلاد على أرض الواقع شيء آخر…
بتوجهات ليبرالية ذات طابع “إنجيلي” صرف يتقارب فيها مع ترامب، الذي دعاه لزيارة الولايات المتحدة بعد تسلمه مهامه مطلع كانون الثاني 2019، ومن المتوقع أن يتغير سلوكه وخطابه العنصري، كما تغيّر خطاب مثله الأعلى في واشنطن تدريجيا.
بالنسبة لبرامجه؛ في الواقع لا يمتلك بولسونارو خططاً وبرامج واضحة المعالم سوى بعض الشعارات والتوجهات ذات الطابع الليبرالي الحر. فقد وصفت صحيفة الواشنطن بوست ما حدث في البرازيل بالتحول الدراماتيكي السريع نحو اليمين المتطرف لرجل أعمال جاء من قطاعات النفط والغاز “بتروبراس” وقطاع الكهرباء “الكترو براس”. وزير اقتصاده باولو غيدس ليبرالي خريج جامعة شيكاغو، يؤمن بأهمية خصخصة القطاع العام والشركات الكبرى، وعسكرة الاقتصاد بواسطة جنرالات المؤسسة العسكرية الذين أيدوه. ملامح سياسته في قطاع المتقاعدين والتأمينات الاجتماعية الاتجاه العام هو إدخال إصلاحات جديدة على آليات عملها، وكتلة الرواتب والأجور لجهة التخفيض.
قبضة حديدية ضد مظاهر العنف والجريمة، علماً أن 60 ألف قتيل هم ضحايا الجريمة سنويا في البرازيل، كما أنّ منح الشرطة الفيدرالية والمحلية صلاحيات واسعة ضمن خططه.
على صعيد البرامج الاجتماعية ومحاربة الفقر، تراجع بولسونارو عن جميع برامج المساعدات وسيعيد تنظيمها من جديد، كما تراجع عن سياسة توزيع الأراضي الزراعية لمن لا يملك أرضاً. على صعيد البيئة ينوي الانسحاب من المعاهدات الدولية الخاصة بالتغير المناخي وانبعاث الغازات الدفيئة، مُقلّداً ترامب على اعتبار أن البرازيل تساهم بنسب كبيرة بتلوث البيئة وانبعاث الغازات وارتفاع درجة حرارة الأرض.
على صعيد التجمعات الاقتصادية اللاتينية، وخاصة الميركوسور، يخطط لإعطاء الأولوية للسياسات الثنائية أما الالتزام بالمواثيق الدولية فلا يشكل لديه أولوية… يخطط أيضاً لإعطاء حرية أكبر لحركة السوق الداخلية والخارجية.
على صعيد السياسة الخارجية؛ تبدّل في التحالفات لتكون الولايات المتحدة الحليف التجاري بدل الصين وروسيا، كذلك التسليح والتعاون العسكري. علماً أن الصين تشتري النفط البرازيلي ولها استثمارات كبيرة ليس من السهل التراجع عنها. بالتالي؛ تحجيم دور البرازيل في مجموعة “بريكس” التي تضم روسيا الصين الهند وجنوب إفريقيا.
على صعيد العلاقات العربية البرازيلية؛ قدّم بولسونارو وعوداً لتل أبيب بنقل السفارة البرازيلية إلى القدس المحتلة، وستكون علاقات البرازيل مع إسرائيل على حساب العلاقات البرازيلية العربية التي شهدت تطوراً كبيرة خلال 13 عاما من حكم حزب العمال البرازيلي، وفتح قنصلية عامة في رام الله.
على الصعيد اللاتيني؛ تقوية أواصر التعاون مع اليمين اللاتيني في الأرجنتين، تشيلي، باراغواي، كولومبيا، البيرو، ومحاولة تكوين جبهة جديدة ضد الرئيس الفنزويلي نقولاس مادورو، واوفو موراليس في بوليفيا، ودانييل اورتيغا في نيكارغوا.
هل ينجح بولسونارو في تحقيق سياساته وأهدافه المعلنة؟
من السابق لأوانه الحكم على ذلك، هي بدايات لمرحلة جديدة مختلفة في سياسة البرازيل، رغم أنّ “المكتوب يُقرأ من عنوانه”، فالسياسات الرأسمالية و الليبرالية الحرة التي تولد وتفرّخ الفقر، لم تنجح سابقاً في أمريكا اللاتينية، حيث تمثل الفروقات الطبقية والاجتماعية في الدخل، تحدّ لكل الحكومات، كما أنّ وصفات صندوق النقد الدولي أثبتت فشلها، كونها تكريس للتبعية السياسية والاقتصادية للاستعمار الجديد. عدنان نقول، إعلامي ومحلل سياسي الارجنتين. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.