البراكين ظاهرة طبيعية، يقذفُ فيها جوف الأرض المنصهر حمماً ورماداً على إرتفاعات تصل إلى 15 كيلومتراً، فيُخفف من الضغط الكبير ويساهم بتبريد باطن الكرة الأرضية. تتواجد البراكين النشيطة غالباً في منطقة الحزام الناري حول المحيط الهادئ، حيث تلتقي الصفائح التكتونية مسببة حركات زلزالية في غربي الأمريكيتين وشرقي آسيا. كما تتواجد براكين أخرى ناشطة في أوروبا ووسط أفريقيا.
لا تنحصرُ خطورة البراكين بتدمير المناطق السكنية وقتل الناس، بل تتعداها إلى آثار بعيدة المدى تبعاً لقوة واستمرارية الثورة البركانية. بركان Mount Vesuvius في إيطاليا، أدى عام 79 للميلاد لقتل نصف سكان مدينة Pompeii ودفن مدينتين وعدة قرى برماد وصلت سماكته إلى 6 أمتار، هذا مثال بعيد، فهل هناك أمثلةٌ قريبة زمنياً؟
هل ما يحدث طبيعي؟
خلال شهر واحد ثارت عدة براكين حول العالم في ظاهرة غير مألوفة، قد يكون لها نتائج سيئة على الكرة الأرضية من جهة، ومفيدة من جهة أخرى.
بتاريخ 9 كانون الأول 2019، ثار بركان White Island في نيوزيلاند وتسبب بمقتل 18 شخصاً.
بتاريخ 17 كانون الأول 2019 منطقة Mount Tangkuban Perahu جنوب شرقي جاكرتا في أندونيسيا، حيث توجد أخطر براكين العالم، سنفصّل ذلك من مركز فيريل للدراسات بعد قليل، أرسل أحد البراكين سحب دخان، فطلبت السلطات من السكان والسائحين الحذر. وحسب الخبراء فإنّ إنفجار “أخطر” البراكين في العالم هو مسألة وقت.
بتاريخ 27 كانون الأول 2019 عاد بركان Mount Etna في صقلية بإيطاليا للنشاط، بعد ثورته ثم هدوئه في 20 تموز 2019. يرتفع البركان إلى 3326 متراً. عام 1928 دمر البركان مدينة Mascali القريبة منه. البركان من أنشط براكين أوروبا وثوراته مستمرة سنوياً تقريباً.
بتاريخ 06.01.2020 ثار بركان Shishaldin في آلاسكا بالقرب من خليج Cold Bay، قاذفاً الرماد إلى 9 آلاف متر، وقد مُنع الطيران في المنطقة حيث غطت سحب الدخان مسافة 130 كلم إلى شرقي البركان.
في اليوم التالي 07.01.2020 بدأ الدخان يندفع من فوهة بركان Dukono في جزيرة هالماهيرا شمال أندونيسيا ويرتفع إلى 1185 متراً، علماً أن آخر ثورة كبيرة له كانت عام 1550 لكنه عاد للنشاط منذ عام 1933.
بتاريخ 08.01.2020 ثار بركان Volcán de Fuego جنوب غرب غواتيمالا، يرتفع البركان إلى 3762 متراً، وكانت آخر ثورة له في صيف 2018 حيث خلّف 200 قتيلاً. سحب الرماد وصلت إلى ارتفاع 4800 متر.
في اليوم التالي 09.01.2020 ثار بركان Popocatépetl في المكسيك، وارتفعت سحب الدخان إلى 6600 متر. يبعد البركان عن العاصمة مكسيكو حوالي 65 كلم إلى الجنوب الشرقي ويرتفع إلى 5426 متراً، وهو بنشاط دائم، لكنه ازداد بشكل كبير عام 2019 لتبلع عدد ثوراته 10 مرات، بينما كانت قبل ذلك بمعدل مرة سنوياً.
البارحة الأحد 12.01.2020 عاد بركان Sabancaya Vulkan في البيرو بنفث الرماد إلى ارتفاع 7600 متر، بعد أن هدأ لأيام منذ نشاطه في نهاية كانون الأول 2019. ترتفع الفوهة إلى 5679 متراً. البركان هادئ منذ أكثر من 200 سنة، لكنه عاد للنشاط عام 1990.
بركان آخر ثار أيضاً البارحة 12.01.2020 في الفليبين وهو بركان Taal جنوب العاصمة مانيلا بـ70 كلم. تم إجلاء عشرات آلاف الأشخاص وإلغاء 500 رحلة طيران تعبر الأجواء وكذلك رحلات مطار مانيلا، ورفعت السلطات الفليبينية درجة التحذير إلى 4 درجات من أصل 5، الثوران العنيف والمفاجئ قد يتسبب بموجة تسونامي. سحب الرماد ارتفعت إلى أكثر من 14 ألف متر والحصى السوداء وصلت إلى 15 كم بعيداً عنه.
اليوم 13.01.2020 بدأت سحب دخان تندفع من فوهة بركان Aso في جزيرة Kyushu جنوب اليابان، وآخر ثورة كانت في 8 تشرين الأول 2016.
حسب Volcanic Ash Advisory Centres VAAC هناك 9 براكين حول العالم بحالة ثوران بتاريخ 13.01.2020، وهو رقم كبير. حسب ملاحظات مركز فيريل للدراسات فإن عدد البراكين الناشطة يومياً على اليابسة هو 3 براكين، وهنا يظهر أنّ الحالة استثنائية.
خطورة البراكين على مناخ الأرض
تؤثر البراكين على الطقس ومناخ الأرض بصورة واضحة، حيث تطرحُ ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكبريت (SO2) الذي يتفاعل مع الرطوبة الجوية مشكلاً حمض الكبريت، لتسقط أمطار حمضية تقتلُ الحياة النباتية. قد لا يكون عدد ضحايا البراكين المباشر كبيراً مقارنة بالزلازل، لكنّ المخاطر اللاحقة هي الأخطر… السحابة البركانية وتبعاً لحجمها تسبب حجب ضوء الشمس بوصولها لطبقة الستراتوسفير، وهي الطبقة الثانية المحيطة بالأرض على ارتفاع 12 كلم، هنا تتحرّك هذه السحابة وتتمدد لتلّف مناطق واسعة جداً، فيأتي التأثير الآخر وهو تغيّر درجة حرارة المناطق التي تغطيها، على الأغلب هبوطاً. ففي عام 1991 بعد ثورة بركان Mount Pinatubo في الفلبين، سجلت درجات حرارة أقل بـ 0,5 درجة حول العالم.
براكين أندونيسيا هي الأخطر حالياً
أخطر ما حدث كان عام 1815 بثورة بركان Tambora Volcano في أندونيسيا، وهو أقوى إنفجار مُسجّل. سحابة بركانية عملاقة لفّت عشرات الملايين من الكيلومترات المربعة، أدت لخفض درجات الحرارة حوالي 3 درجات مئوية. واستمر الانخفاض لعدة سنوات تالية، حيث سُمّي عام 1816 بـ “عام بدون صيف“. فسقطت الثلوج في تموز في أوروبا وأميركا الشمالية.
بركان Anak Krakatau volcano في أندونيسيا ثار عام 1883 مسبباً مقتل أكثر من 36 ألف إنسان، ثم أتت المجاعة بسبب هلاك المزروعات فحصدت أرواح 92 ألف إنسان. كانت آخر ثورة كبيرة للبركان في 2010 تسببت بمقتل وفقدان 674 شخصاً، وقبلها في 1930 أسفرت عن مقتل 1300 شخص. خبراء عالميون وأندونسيّون حذّروا من احتمالات وقوع ثورات أخرى لبراكين نشيطة في جزيرة سومطرة.
هل هناك براكين أخرى خطيرة؟
هناك عشرات البراكين النشطة حول العالم والتي تُصنّفُ من قِبل العلماء على أنها خطيرة، كبركان Kīlauea في هاواي الذي يُعتبرُ الأكثر نشاطاً في العالم، ثم بركان إتنا في إيطاليا الذي ذكرناه في البداية، إلا أنّ ما يحدث يؤكد عدم إمكانية وضع أيّ تصنيف للخطورة، فالإنفجار قد يحدث حتى في أية لحظة حتى في البراكين التي صُنفت بضعيفة النشاط، وهو ما يحصل الآن في الفيليبين. رغم وسائل الكشف الحديثة، إلا أنّ ثورات بركانية مفاجئة أصابت دولاً متطورة مسببة قتلى، كما حدث في نيوزيلاند في كانون الأول الماضي.
ثوران بركان Eyjafjallajökull في آيسلند 20 آذار 2010، كانت متوقعة نتيجة تسجيل هزات أرضية سابقة وارتفاع حرارة المحيط، لكنّ استمرارية الإنبعاثات كانت غير متوقعة. ابتدأ نشاطه فعلياً في نهاية 2009 واستمر عدة أشهر حتى نهاية تشرين الأول 2010. لم تكن الثورة كبيرة جداً، لكنها عطلت الملاحة الجوية في 20 دولة أوروبية لأسابيع، هذا التعطيل لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية. وصل الرماد البركاني إلى بريطانيا والدول الإسكندنافية. إنبعث 250 مليون متر مكعب من الدخان في الجو، وكلنا يذكر كيف كم كان الشتاء التالي قاسياً في أوروبا…
توقعات مركز فيريل للدراسات هي استمرار الثورات البركانية بنسبة أعلى من الطبيعي، بسبب حركة الصفائح التكتونية النشيطة. ثورة براكين عديدة بآن واحد مع استمرارية تتجاوز الشهر تعني أنّ الكرة الأرضية ستتأثر بسحب بركانية ضخمة ستؤدي حتماً لإنخفاض درجات الحرارة، وهذا إن حصل خلال الشهور القادمة يعني أنّ الصيف 2020 سيكون أقل حرارة والشتاء أكثر برودة، وهو الجانب الإيجابي الوحيد من البراكين حالياً لخفض حرارة الأرض بسبب النشاطات البشرية، طبعاً بالإضافة للنتائج الكارثية الأخرى على السكان. لا يوجد تأثير مباشر على سوريا والشرق الأوسط، سوى من براكين إيطاليا، فالمنطقة خالية من أي بركان ناشط، لكن تأثير إنخفاض الحرارة سيكون شاملاً للعالم، إن استمرت الثورة البركانية الحالية. مركز فيريل للدراسات. 13.01.2020 Firil Center For Studies FCFS Berlin