
ثوران براكين غريب 30.11.2025. بحث من مركز فيريل للدراسات. Firil Center For Studies. Berlin الدكتور جميل م. شاهين.
بتاريخ 13.01.2020 نشرنا بحثاً بعنوان (ثورة براكين 2020 حول العالم)، كان الوضع يومها استثنائياً، لكنه يحملُ دلالاتٍ علمية هامة، ذكرناها وحذرنا منها آنذاك. اليوم وبعد مرور 5 سنوات، يزداد الأمرُ “غرابةً”، وربما خطورةً كونه يحملُ أيضاً تأكيداتٍ علمية. رابط البحث السابق ضمن السياق.
نعود لنهاية 2025، هذا العام الذي لا يبدو أنه سيُغادرنا دون بصماتٍ تستمرُ عصوراً، من كوارث طبيعية إلى بشرية، فقد ثارت عدة براكين حول العالم بوقت واحد تقريباً، الخبر إلى هنا شبه طبيعي، كونهُ حدثَ في شهرٍ واحد، حسب بحث مركز فيريل 2020، فما هو غير الطبيعي الآن؟ غير الطبيعي سنناقشهُ هنا دون استفاضة، مع معلوماتٍ عن السنوات السابقة أيضاً
البراكين دليل حياةٍ وطاقة!
يذهبُ بعض العلماء للقول أنّ (البراكين دليلٌ على كون الأرض تزخر بالحياة والطاقة). قولٌ صحيحٌ نوعاً ما، لكن بعد تجاهل نصيب النشاطات البشرية من التسبب بذلك، وأيضاً تناسي نتائج تلك الثورات التي تصلُ لحد “الفناء”! كيف؟
النشاطات البشرية تُساعدُ، انتبهوا هنا تُساعدُ ولا تتسببُ بشكل كامل، بحدوث كوارث طبيعية منها البراكين، الشرح المُبسط يقول: تؤدي السدود العملاقة إلى تنامي ونشوء ضغوط ما كانت موجودة من قبل، منها:
الضغط الهيدروستاتيكي، بالإنكليزية Hydrostatic Equilibrium، حيثُ يضغطُ الماء المحجوز خلف السد، باتجاه الأسفل، وكلما كانت الكمية أكبر ازداد الضغط، فإذا تشاركَ مع ضغط الرواسب، تكون النتيجة خطيرة على جسم السد. بالإضافة للضغط الرافع الذي يُخلخلُ السد، هذه الضغوط ليست المقصودة هنا، بل الأخطر على البشر في محيط السد، هو
الضغط المسامي porous pressure، حيث تدخل المياه المسامات والشقوق الصخرية، فتزيدُ الضغط عليها، فإن كانت المنطقة التي بُني عليها السد زلزالية، سترتفعُ نسبة الزلازل وشدتها دون أدنى شك، لهذا من الغباء الذي يصل لحد “جريمة ضد البشرية”، بناء السدود الكبيرة في مناطق الصدوع والتقاء الصفائح. ومنها تركيا وإثيوبيا، ولولا ضعف وهوان العراق وسوريا ومصر، لما فكر زعماء تلك الدول ببناء سدود مثل سد النهضة وسد أتاتورك.
إلى هنا يحدث زلزال، فما علاقته بالبركان؟
- ببساطة، العلاقة بين البراكين والزلازل وثيقة جداً، فحدوث زلزال يؤدي لإثارة البراكين بسبب الشقوق التي قد تحدث، فإن كانت تلك الشقوق قريبة من الصخور المنصهرة، والواقعة تحت ضغط كبير، تجد طريقها إلى السطح فيثور بركان، وفي مناطق “قيل” أنها براكين خامدة. أعتقد الصورة باتت واضحة لما حدث في إثيوبيا، وما سببته سدود تركيا من زلازل.
عام 2025 للبراكين بأرقام قياسية
في الكرة الأرضية 1350 بركان بحالة نشِطة، أي ينفثُ الغبار والدخان أو يثور بقوة. ثار منها خلال العقود الماضية 596 بركاناً، بمعدل سنوي 62.5 بركاناً. هذا العام 2025، أصبحَ عدد البراكين المُصنّفة “نشطة” 1498 بركاناً، ثارَ منها بشكل مؤكد 63 بركاناً حتى تاريخ 19 أيلول 2025، ومصدرنا هو Smithsonian و USGS، لمن يريدُ الاستفاضة. أي أنّ رقماً قياسياً سُجّلَ قبل نهاية العام بأربعة أشهر تقريباً، والثورات الأخيرة هي فزق المعدل لتأكيد الأرقام القياسية. هل عرفتم الآن لماذا نقول في مركز فيريل أنّ 2025 كان استثنائياً؟ الأعداد ترتفعُ فأثناء كتابة هذا البحث مازال بركان Sheveluch Volcano في الشرق الروسي، ينفثُ غبارهُ إلى ارتفاع 7600 متر.
هذا ليس كلّ شيء، فلنستعرض بسرعة أهم وأخطر البراكين النشطة والخامدة، وتأثيراتها على البشرية، والتي سيكون بينها المفاجأة الأخطر والتي جرت قبل أيام.
جبل ميرابي، إندونيسيا Vulkan Merapi, Indonesien
أندونيسيا من أكثر دول العالم تعرّضاً للكوارث الطبيعية، وفيها تقعُ أخطر البراكين، منها جبلُ النار في جزيرة جاوة، Insel Java، المسمى ميرابي أكثر براكينها نشاطاً، يثور كل خمس سنوات تقريباً، ثورات خطيرة، لكنها تكون “مفيدةً” نعم مفيدة، لأنها تُحسّنُ جودة التربة وتُفيدُ الزراعة مع وجود كميات أمطار كبيرة هناك. الغريب هنا أن ينتقلَ النشاط إلى بركان مجاور! إنه بركان Semeru، هو البركان الأعلى في الجزيرة، 3676 متراً، ويقع إلى الشرق من بركان ميرابي ضمن “جزيرة النار”. ثورانه الأخير بتاريخ 19.11.2025، عطّل النقل الجوي في المنطقة بسبب سحابة غبار بركاني واسعة، على ارتفاع 4,5 إلى 6 كلم، لكنها تحركت شرقاً ببطء. هذا الثوران دمّر 200 منزل من الجهة الجنوبية.
بركان روسيا Bezymianny volcano (Kamchatka)
مع سلسلة الزلازل القوية التي بدأت تضربُ المنطقة منذ أيلول 2025، أخذَ البركان ينفثُ غباراً ثم حِمماً وصلت ذروتها 22.11.2025. تذكروا التواريخ. البركان بارتفاع مخروطي 3020 متراً، إلى الشمال يقع بركان Sheveluch Volcano بارتفاع 3307 متراً، بدأ ينفثُ دخانه قبل يومين!
بركان اليابان SAKURAJIMA
إلى اليابان القريبة من الشرق الروسي، حيث أصدرت هيئة رصد البراكين اليابانية VAAC، تحذيراً عالياً بسبب نفث بركان SAKURAJIMA، الذي يرتفع لـ 1117 متراً، ويقع أقصى جنوب البلاد، لغبار بركاني بتاريخ 23.11.2025، هل لاحظتم التاريخ؟ ثوران هذا البركان بقوة سيسبب مشاكل كبيرة للمنطقة الحيوية.
جبل إريبس، أنتاركتيكا Mount Erebus . Antarktis
حتى أنتَ يا إريبس! يقعُ جبلُ جبل إريبس في القارة القطبية الجنوبية، Ross Island ويرتفعُ إلى 3794 متراً. جزيرة روس. ثورانه مستمر منذ اكتشافه قبل 170 عاماً، رغم أن محيطه يبقى بحرارة 50 درجة تحت الصفر. فيه يجتمع الجليد والنّار في لقاء نادر.
بُركان آيسلاند Svartsengi
أثناء كتابتنا لهذا البحث، أصدر مكتب الأرصاد الجوية الآيسلندي (IMO)، تحذيراً من الدرجة الصفراء، يقضي بأنّ اضطرابات جيولوجية تحدثُ منذ 19.11.2025 في Reykjanes، لهذا يجب توخي الحذر والإبقاء على مستوى تأهب 2، بالنسبة للسكان وللنشاطات المحلية والطيران الدولي. يتألف المقياس من 3 درجات.
للتذكير، بتاريخ 20.03.2010 ثار بركان Eyjafjallajökull في آيسلاند، قاذفاً غباراً وحمماً تسببت بتعطيل الرحلات الجوية إلى 20 دولة في الاتحاد الأوروبي. وقتها نذكرُ أنّ الغبار وصلَ إيرلندا وبريطانيا والنرويج، حيث انبعثَ حسب التقديرات، 250 مليون متر مكعب من الغبار في طبقات الغلاف الجوي، ليأتي شتاء 2010. 2011 قاسياً في أوروبا، والسبب معروف.
البراكين المؤثرة على سوريا والشرق الأوسط
هناك عشرات البراكين الأخرى النشطة حول العالم، لكننا اكتفينا بالسابق، من يريد الاطلاع فليراجع بحثنا السابق. الآن إلى البراكين المؤثرة على المنطقة.
جبل سترومبولي، إيطاليا Stromboli
بركانٌ نشط عُرف تاريخياً باسم “منارة البحر الأبيض المتوسط”، كونه يقذفُ حممهُ منذ 2050 عاماً بشكل شبه متواصل، فيُرشدُ السفن في البحر الأبيض المتوسط. يقع شمال جزيرة صقلية في جزيرة صغيرة باسمه، ويرتفع إلى 924 متراً.
بركان فيزوف، إيطاليا Mount Vesuvius
أخطر براكين حوض المتوسط موجود في إيطاليا. فبركان آزوف، بالإيطالية Monte Vesuvio، الذي درسنا عنه في الصفوف الأولى، يرتفعُ فوق نابولي 1281 متراً، أدى ثورانه عام 79 للميلاد لقتل نصف سكان مدينة Pompeii، ودفن مدينتين وعدة قرى برماد وصلت سماكته إلى 6 أمتار، تخيلتم السماكة؟ خطورة هذا البركان أنه يخمد لمئات السنين، ثم يثور فجأة، وهذا ما حدث عام 1631 عندما عاد للثوران، فطمر 7 قرى وقتل 3 آلاف شخص. هدأ نوعاً ما حتى عام 1944 وهو آخر ثوران قوي له.
بركان إتنا إيطاليا، Mount Etna
من أنشط البراكين في العالم، لدينا عنه فيديو صورناه أثناء زيارتنا له، وكان ينفثُ غباراً ثم ثار بشكل ضعيف. الإنفجارات فيه دائمة، ويمكن سماعها على بعد عشرات الكيلومترات. يقع في الشمال الشرقي من جزيرة صقلية الإيطالية. ارتفاعه متباين بين عام وآخر، لا تستغربوا فثورانه يرفعه أحياناً بضعة أمتار، وآخر قياس له كان 3357 متراً. تُغطيه الثلوج شتاءً، بينما تُعد السياحة حول مخروطه رائجةً. كما أنّ التربة البركانية الخصبة، أدت لأفضل زراعةٍ حوله. هذا لا يعني أنه بركان مُسالم وديع، فقد ثار عدة مراتٍ مسبباً مقتل عدة أشخاص، وتدمير القرى حوله، آخرها 1987 عندما لاقى سائحان مصرعهما وهما قربَ فوهته!
بركان إثيوبيا Hayli Gubbi

سُجّلَ يوم الأحد 23.11.2025 عند 8:29 دقيقة، الثوران “الأغرب” لبركان Hayli Gubbi، أقصى شمال شرق إثيوبيا، إقليم عفر قرب الحدود مع أريتيريا. البركان لا يملكُ مخروطاً واضحاً وارتفاعه لا يتجاوز 521 متراً. حيكت حوله عشراتُ القصص المُسلية، منها تفجير نووي ما، قامت به إحدى الدول، ثم انتقام إلهي إلخ… لكن لماذا قلنا أنه غريب؟
الغرابة حسب مركز فيريل في أمرين: الأول: تجمَعُ إثيوبيا، بالقرب من المنطقة، جيشها لاحتلال الجزء الجنوبي من أريتيريا، بدعم من الإمارات الشقيقة للوصول إلى البحر الأحمر. ثوران البركان عطّلَ إلى حد ما هذه العملية العسكرية، أو أخّرها على الأقل، هذا إن افترضنا أن الثوران توقف نهائياً، وهذا لا يمكن توقعهُ علمياً. الأمر الثاني؛ البركان مُصنّف خامد، وآخر ثوراته كانت، وحسب مؤسسة Smithsonian Institution، قبلَ 12 ألف عاماً
ارتفعت سحابةٌ من الغبار البركاني إلى مسافة خطيرة، تجاوزت 8500 متراً، فعطلت الطيران في المنطقة، ثم اتجهت شرقاً، فتسببت بتعطيل طيران الهند وباكستان وعُمان واليمن، المتجهة غرباً، وكافة الرحلات العابرة، ولأيام.
ختاماً، رأيٌ سريع لمركز فيريل للدراسات
ما نراهُ في مركز فيريل أنّ السدود التي تبنيها إثيوبيا، مثل سد_النهضة_الإثيوبي، عدا عن كون المنطقة زلزالية أصلاً وبناء سدود كبيرة فيها خطأ قاتل، وجريمة إنسانية، فإنّ ضغط المياه الكبير وتسرّبها ضمن الشقوق الصدعية، ساعد على زيادة الزلازل وبالتالي عودة الحياة لهذا البركان الخامد. السؤال الواضح الآن: هل سنرى إجراءاتٍ مصرية حاسمة برعاية سعودية ضد أديس أبابا؟ عسى ألا نرى أيضاً نتائج أسوأ لـ سدود_تركيا مما شاهدناه سابقاً!! فالبراكين الخامدة في سوريا كثيرة، هذا إن تناسينا التقاء الصفائح التكتونية… مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. 30.11.2025. برلين. ألمانيا.