جدري القرود. بقلم الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. فيريل الثقافية. هو مرض معد يسببه فيروس جدري القرود (MPXV) يُصيب بعض الحيوانات ومنها ينتقل إلى البشر. أطلق عليه اسم فيروس القرود “ظُلماً” وبالإنكليزية Monkeypox ونُسب لنوع “النسناس”، عِلماً أنّ القوارض هي المستودع الرئيسي لهذه الفيروسات.
تاريخ المرض
بالتأكيد الفيروس موجود منذ القِدم وكذلك المرض، لكن رسمياً؛ عُرِفَ جدري القرود لأول مرة عام 1958 بين قرود أحد المختبرات في كوبنهاغن عاصمة الدانمارك. بعدها تمّ عزل حالات إصابة لدى البشر عام 1970 في جمهورية الكونغو الديموقراطية “زئير”، التي باتت تُعتبرُ موطنه الأصلي. حدثت جائحة في وسط وغرب إفريقيا عام 1996 مع حدوث عدة وفيات. كما حدثت حالة تفشي للمرض في الولايات المتحدة عام 2003، والسبب استيراد قوارض لأحد المتاجر الأميركية لبيعها كـ “حيوانات أليفة” من “الجرذان والفئران” من غانا. عام 2005 تفشّى جدري القردة في ولاية الوحدة بالسودان.
حالياً عاد لينتشر بدءاً من بريطانيا في أوائل هذا الشهر أيار 2022، ثم تظهر عشرات الإصابات في كندا وأوروبا، فرنسا والبرتغال وإسبانيا وتصل حتى أستراليا. بجميع الأحوال، لا أدري إن كان بامكانهم اتهام الصين هذه المرة.
الأعراض
تصل مدة الحضانة من 5 أيام حتى ثلاثة أسابيع، تبدأ بعدها الأعراض بالظهور وتكون مشابهة لأعراض الجدري، لكنها أقل حدّةً. الجدري تخلصت منه البشرية باللقاح عام 1980. تبدأ بالحمى والصداع الشديد وآلام في العضلات، مع تضخم الغدد اللمفاوية والشعور بالوهن والتعب. يتلوها بعد يومين ظهور طفح جلدي على الوجه بنسبة 94% بشكل حويصلات مملوءة بسائل وبثور وقشور، تنتشرُ إلى الساعدين وأغشية الفم وأحياناً إلى المناطق التناسلية. فترة الأعراض من 14 يوم حتى شهر. تشخيص المرض يتم بالإضافة للأعراض؛ بفحص الحمض النووي للفيروس viral DNA.
طرق الانتقال والعدوى
دعونا أولاً نعرف مكان وجود الفيروس والحيوانات التي يمكن أن تُصاب به أو تحمله؛ عُزِل الفيروس في القوارض، الفئران والجرذان والسنجاب والأرانب، كما أصيبت به الكلاب الشاردة والقرود. لهذا العدوى تأتي إما من الحيوانات تلك أو من شخص مصاب. والطريق الرئيسي هو الطريق التنفسي.
إذاً عضات الحيوانات أو مداعبتها كإعطاء الطعام للقرود المصابة أو القوارض أو حتى الكلاب الشاردة، ووصول سوائل هذه الحيوانات إلى الجسم. العدوى بين البشر تتم بالاحتكاك المباشر بين شخص سليم وآخر مصاب، أو استخدام أدواته الملوثة ووصول السوائل؛ اللعاب أو المخاط أو الدم للمتلقي أو المعاشرة الجنسية.
العلاج
لُقاح الجدري يمكن أن يمنع العدوى بنسبة 80 حتى 85%، لكن هذا اللقاح توقف إعطاؤه منذ سنوات طويلة، لهذا في حالة انتشار المرض عالمياً، سيتم إعادة إنتاجه… يبدأ العلاج بالراحة في الفراش بعد عزل المصاب عن محيطه، وإعطاء السوائل الكافية وخافضات الحرارة والمسكنات في حالة الآلام الشديدة. كما يُعطى علاج وحيد تمت الموافقة عليه في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هو Tecovirimat واسمه التجاري ST-246 أو Tpoxx، ويُستخدم أيضاً لعلاج الجدري.
خطر الموت يصل إلى 11% من الحالات المهملة غير المعالجة، خاصة عند الأطفال. سُجلت هذه النسبة في إفريقيا. في حالة المعالجة نسبة الوفاة أقل من 1%.
الوقاية من جدري القرود
نلفتُ الانتباه إلى اكتشاف حالات يمكن للشخص الذي كان على احتكاك غير مباشر مع الحيوانات المصابة ولفترة طويلة، أن يحمل الفيروس دون أن تظهر عليه أية أعراض سريرية، فيكون ناقلاً للمرض غير متوقع.
الوقاية تتحمل الحكومات جزءاً من مسؤوليتها بمنع استيراد الحيوانات الأليفة وفرض قيود على تجارتها، خاصة من المناطق الأصلية للمرض، وإرسال رسائل نصّية لتنبيه المواطنين، في حالة اكتشاف إصابات في مناطق معينة دون التستر عليها.
تجنّبُ المخالطات الحميمة وتبادل القُبل في المناطق التي تفشى فيها الوباء، مع نشر الوعي بين الناس. ارتداء كمامات وقفازات يُفيد في الوقاية أيضاً، مع غسل الأيدي دائماً بعد مصافحة شخص مشكوك بإصابته. وأيضاً طهي اللحوم جيداً لأن وجود الفيروس فيها أمر وارد جداً في المناطق الموبوءة.
ختاماً؛ جدري القرود ليس بالمرض القاتل وانتقاله ليس بسهولة فيروس كورونا، إلا إذا قرر أصحاب الشأن العالمي استبداله بموجة أخرى تشغل الناس وتسجنهم داخل منازلهم. أتمنى لكم السلامة الدائمة. الدكتور جميل م. شاهين. 20.05.2022. مركز فيريل للدراسات. فيريل الثقافية.