عندما أصدرنا في مركز فيريل للدراسات عام 2014، دراستنا الواسعة عن المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون الجيش السوري، وقلنا هناك 83 جنسية عالمية موجودة فوق الأراضي السورية، قامت الدنيا ولم تقعد، وتحدّث “ثوار الناتو” عن ثورة محلية الصنع صافية العرق!
مع اتضاح الأمور نقول اليوم وفي عام 2017، عدد الجنسيات التي تقاتل الجيش السوري أصبح 93 جنسية عالمية، وما يدور في سوريا حرب عالمية بمعنى الكلمة، ومنبج هي نموذج مصغّر عنها، فعن أيّ “ثورة صافية” تتحدثون؟!
بعد تحرير الجيش السوري لعشرات المدن وآخرها مدينة حلب، تحوّلت مدينة منبج في ريف حلب الشمالي إلى نقطة صدام دولية، وفي مساحة لا تتجاوز ألفي كلم مربع، تدور معركة عالمية باردة أحياناً، وأحياناً حارّة بين دول عظمى وصغرى.
بتحليل بسيط نرى أنّ:
- جنوب مدينة منبج يتمركز صاحب الأرض الجيش السوري وحلفاؤه من لبنان وإيران وروسيا.
- شمالاً الجيش التركي وأتباعه من المجموعات المسلحة المسماة “درع الفرات”، مع دعم سعودي وقطري مادي، والتي تضم أقل من 40% مقاتلين سوريين، والباقي مقاتلون من أكثر من 20 دولة، أهمها الشيشان وتركيا وتركمنستان.
- في الوسط والشمال الشرقي، ميلشيات قسد الكردية، والتي بدورها تضمّ 10% جنسيات أجنبية بينهم ألمان وإسرائيليون ونمساويون، والمدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة. والتي يؤمّن لها التحالف تغطية جوية عسكرية، والمؤكد لنا وجود ضباط ومستشارين عسكريين أمريكيين ضمن هذه الميليشيات.
- إلى الجنوب الشرقي تتمركز داعش والتي تضم 70% مقاتلين من جنسيات أجنبية تصل إلى 40 جنسية عالمية، بينهم 54% عرب من السعودية وتونس ومصر والأردن ولبنان والعراق… وتدعمها السعودية والكويت بالمال والسلاح.
بمناسبة الحديث عن منبج، يجب أن نعلم أنّ منبج كلمة آراميـــة من الجذر “نابيجو”، وتعني النبع لوجود ينابيع كثيرة فيها أهمها نبع كبير يسمى “الروم”، وتلفظ بالآرامية الحديثة “منبــغ” أي المنبع. بناها الحثيّون في الألف الثاني قبل الميلاد. وهي مدينة آرامية سكنها العرب لاحقاً. ومنها جاء الشاعر البحتري. للمزيد:
مدينة منبج؛ من احتلال داعش إلى احتلال “قسُد”. د. جميل م. شاهين
المعركـــــة القادمــــة
احتمالات كثيرة بانهيار الوضع العسكري في المدينة وما حولها بسبب هذا الحشد الدولي، لكن بنسب متفاوتة. فصدام بين الجيش التركي والسوري، تتجنبهُ تركيا قبل سوريا. لكنّ سعي تركيا لطرد ميليشيات “قسد” من المدينة يرجحُ كفة معركة واحدة تحاول أنقرة تجنبها، وهي بين الجيش التركي وأتباعه وقسد والناتو، أي معركة ضمن صفوف الناتو لكن بالإنابة. والتي ستكون إن حصلت، أكبر ضربة توجهها تركيا للتفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية.
الأخبار الواردة تشير إلى اتصالات تركية “مُلحة” بالجانب السوري، وطلب من أنقرة نفسها أن يسيطر الجيش السوري على المدينة، بوساطة روسية، وهذا سبب تصريح أنقرة: “الأرض السورية للسوريين ولسنا ضد فرض سيطرة الجيش السوري على منبج”. وقد بدأ دخول الجيش السوري للمدينة يوم الجمعة 03.03. في الحقيقة هو تصريح إلزامي وهروب تركي من معركة مع قسد، وليس محبة بسيطرة الجيش السوري على منبج. وحتى إن تمّ تجنّبُ هكذا معركة، فالباب مازال مُشرّعاً لمعارك قادمة بين قسد والجيش التركي.
بالنتيجة:
هي معركة عالمية مُصغّرة في منطقة منبج، اصطفت فيها قوات عسكرية من 14 دولة، ومقاتلون من أكثر من 60 دولة، ورصاصة واحدة تكفي لإشعال حريق قد لا ينتهي… وما زال حديث ببغاوي مُتداول عن “ثورة صافية”!!
د. جميل م. شاهين 05.03.2017