سر العداء البريطاني لروسيا. الروسفوبيا. بحث من مركز فيريل للدراسات. المهندس باسل علي الخطيب. الجزء الأول RUSSIAPHOBIA. Part one
سمعنا وقرأنا الكثير عن سوء العلاقات بين روسيا وبريطانيا عبر التاريخ، التأكيد ترسّخ في الحرب الأوكرانية، فمنذ بدايتها ظهرت لندن كأكبر عدوّ لموسكو بتصريحاتٍ تحملُ حقداً واضحاً، بدأها جونسون بالتزامن مع وزيرة خارجيته آنذاك ليز تراس التي ختمتها بتاريخ 24 أيلول 2022 بعد استلامها كرسي رئاسة الوزراء بالقول: (يجب ألا نُنصتَ لتهديدات فلاديمير بوتين “الجوفاء” الذي أمرَ بتصعيد عسكري فوري بسبب “خسارته” الحرب على أوكرانيا).
المعروف والمؤكد أن بريطانيا كانت ومازالت “وطن المؤامرات”، والدولة التي احتلت نصف المعمورة. صحيح أنّ قوتها تراجعت وعظمة التاج البريطاني آخذة بالأفول، لكنها مازالت دولة فاعلة خاصة عندما تلقى دعماً أميركياً. حقيقة العداء بين روسيا وبريطانيا نتحدثُ عنها على عدة أجزاء، نتمنى لكم الفائدة.
خطة ضرب الاتحاد السوفيتي بالأسلحة النووية 1945
قبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانية في 02 أيلول 1945، وقبل أن تهدأ المدافع وتصمت قنابل الموت، طلبَ رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل مقابلة الرئيس الأميركي على عجل. هاري ترومان كان استلم منصبهُ قبل أيام في 12 نيسان خلفاً لفرانكلين روزفلت، وترومان هذا نفسهُ الذي أمر فيما بعد في 6 و9 آب 1945 بقصف هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذرية.
تقدّم تشرشل بتاريخ 22 أيار 1945، أي بعد أسبوعين من استسلام ألمانيا، بخطة اسمها Operation Unthinkable، لتدمير الاتحاد السوفيتي. تنص على أن يشنَّ الجيش الأميركي والبريطاني ومعهم ما تبقى من الجنود الألمان الذين سيُعادُ تسليحهم، هجوماً كاسحاً ضد الجيش الأحمر السوفيتي في مدينة درزدن الألمانية.
الجنرال Hastings Lionel Ismay وبعد إجراء تعديل على الخطة بتاريخ 8 حزيران 1945، بحيث أصبحت تتضمن أن يشنّ الجيشان الأميركي والإنكليزي اعتباراً من 1 تموز 1945، وأمامهما 47 فرقة من الحلفاء وما تبقى من جيش هتلر أي أكثر من 100 ألف جندي، هجوماً كاسحاً ضد الجيش الأحمر في مدينة درزدن شرقي ألمانيا، ويتم تدميره ومتابعة السير شرقاً إلى حدود الاتحاد السوفيتي وفرض شروط الغرب وبريطانيا تحديداً على السوفيت. في حال مقاومة الجيش الأحمر وفشل الخطة، يمكن استخدام الأسلحة النووية لتأمين استسلام موسكو.
فشل الخطة البريطانية بضرب الاتحاد السوفيتي بالأسلحة النووية 1945
بعد مناقشة الخطة التي تقدم بها “البطل الأسطوري” ونستون تشرشل لضرب الاتحاد السوفيتي وتدميره. تبيّن للقادة العسكريين أنها خطة خيالية، فأولُ معوقاتها هو التفوق العددي للجيش الأحمر بنسبة 4/1 والتفوق بالدبابات 2/1، ومهما زاد الحلفاء من عدد جنودهم، ستبقى الغلبة العددية للسوفيت.
عَلِمَ السوفيت بالخطة البريطانية عن طريق جواسيسهم في لندن، لهذا اتخذوا احتياطات عسكرية إضافية، رغم إدراكهم أنّ بريطانيا لن تتردد لحظة في تدمير الاتحاد السوفيتي عندما تأتيها الفرصة. لهذا بدأ التركيز على تطوير السلاح النووي السوفيتي قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية.
من المبررات التي سيقت من البريطانيين أنّ السوفيت، وحتى إن انتهت الحرب العالمية الثانية واستسلمت ألمانيا، سيتابعون القتال ويغزون فرنسا ثم إيطاليا في الغرب والجنوب، كما سيغزون شمالاً الدنمارك والنرويج، لهذا فإنّ الخطة هي ضربة استباقية لوقف الطموح السوفيتي.
اجتمعت لجنة رؤساء الأركان البريطانية والأميركية، وبعد نقاش طويل رأت أنها خطة غير عملية عسكرياً وبالتالي تم إسقاطها. في مذكراته وصفها رئيس الأركان البريطاني آنذاك آلان بروك: (هي خطة خيالية نسبة النجاح فيها صفر).
رُغم انتصاره في الحرب العالمية الثانية، خسر وينستون تشرشل انتخابات عام 1945 لأنّ الرأي العام اعتبرهُ رئيس وزراء حرب ولايمكنهُ العمل كرئيس وزراء سلام. فغابَ عن المسرح السياسي إلى الولايات المتحدة وهو ابن السبعين ليلعب البوكر ويخسرَ أموالاً طائلة أمام الرئيس الأميركي ترومان نفسهُ.
في الانتخابات التالية 1950، عاد تشرشل إلى المسرح السياسي ومن باب الحرب أيضاً، حيث استلم حقيبة وزير الدفاع البريطاني في تشرين الأول 1951 ثم رئيس الوزراء بعد عام أي 1952. كان تدمير الاتحاد السوفيتي هدفهُ وحلمه الدائم، لكن فات الأوان…
السلاح النووي السوفيتي أفشل الخطة البديلة
بعد الهجوم النووي الأميركي على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، أدرك السوفيت أنّ دورهم قد يأتي بأسرع مما يعتقدون، لهذا سرّعوا في عملية تطوير سلاحهم النووي فأعلنوا عن أول مفاعل نووي بتاريخ 25 تشرين الأول 1946 قربَ موسكو، ونجحت أول تجربة لسلاح نووي أسماهُ الغرب RDS-1 وأطلق عليه اسم First Lightning البرق الأول بتاريخ 29 آب 1949، في منطقة Semipalatinsk شمال شرقي كازخستان، ليدخل الاتحاد السوفيتي نادي الدول النووية الثنائي بعد الولايات المتحدة. المخابرات البريطانية اتهمت السوفيت بالحصول على الخبرات النووية من برلين، وتحديداً من برنامج هتلر للسلاح النووي الألماني، وأيضاً من التجسس على البرنامج النووي الأميركي.
هنا عجّل البريطانيّون من وتيرة عملهم للإنتاج السلاح النووي، ورغم مشاركتهم المبكرة في مشروع مانهاتن Manhattan Project الذي ضمّ كندا أيضاً منذ كان فكرة عام 1940، إلا أنّ الأميركيين منعوهم من الحصول على السلاح النووي بشكل مستقل. خسيت لندن أن تفقد مكانتها كأعظم إمبراطورية أمام السوفيت، ومع عودة تشرشل فجّرت بريطانيا بتاريخ 3 تشرين الأول عام 1952 أول قنبلة ذرية في جزر مونت بيلو غرب أستراليا، لتدخل النادي النووي كثالث دولة وتكر السبحة.
لمَنْ يسأل كيف حصلنا في مركز فيريل للدراسات على هكذا معلومات سرية؟ كُشِفت الخطة للجمهور وأزيلت عنها السرية عام 1998.
بريطانيا زعيمة الحرب على روسيا
لاشك أنّ العداء مُشترك بين القوتين، كي لا يُظنّ أننا نُصوّرُ روسيا ملاكاً طاهراً يمشي على الأرض، الفارق أنّ روسيا ليست مشغولة إلى هذه الدرجة بتدبير المؤامرات ضد بريطانيا، ولم يُكشف النقاب عن أية خطة سوفيتية أو روسية لتدمير أو تقسيم بريطانيا حتى مِن قِبل المخابرات البريطانية نفسها.
رغم أزمتها الاقتصادية والسياسية الخانقة، تتزعم لندن جبهة الحرب على روسيا حتى قبل 24 شباط 2022، وما تلى هذا التاريخ من دعم عسكري واقتصادي وانخراط مباشر في الحرب الأوكرانية. بريطانيا سبقت كافة الدول بما في ذلك الولايات المتحدة بفرض العقوبات على موسكو والتزامها بها، وشجّعت على لسان وزير خارجيتها السابقة ليزا تروس ودعمت تطوع المرتزقة في القتال إلى جانب النازيين الأوكران، بل حضّت البريطانيين على الذهاب للقتال.
سمعنا بوجود مرتزقة من كافة دول العالم وفي الجانبين؛ الروسي والأوكراني، لكنّ المُفاجئ أنّ المرتزقة البريطانيين هم الأكثر عدداً! مما رشح من معلومات أنّ عدد البريطانيين المشاركين في القتال تجاوز 3 آلاف مقاتل، وهذا الخبر يعود لحزيران 2022، لهذا فالعدد تجاوز هذا الرقم بكثير ونحن ندخل العام الثاني للحرب. المصدر جاء من أعداء روسيا ومن قائد الفيلق الجورجي Mamuka Mamulashvili ونشرته صحيفة Independent البريطانية بتاريخ 14 حزيران 2022، قال فيه: (يُقاتل حالياً أكثر من 20 ألف أجنبي ضد الاحتلال الروسي لأوكرانيا، بينهم حوالي 3000 جندي بريطاني ويحتلون المرتبة الثانية بعد الجورجيين عدداً، بينما يأتي المقاتلون الأميركيّون في المرتبة الثالثة).
تمّ تشكيل الفيلق الجورجي كوحدة عسكرية تحت قيادة أوكرانية، بمقاتلين أجانب، منذ عام 2014 وبعد سنتين عام 2016 تمّ ضم الفيلق للجيش الأوكراني. الفيلق هو المحطة الأولى للمقاتلين الأجانب من ذوي الخبرة القتالية، قبل أن يتم فرزهم لقطاعات عسكرية أخرى، منها الفيلق الدولي. لقي حوالي 130 مقاتلاً مصرعهم من هذا الفيلق على الأقل، بينما فُقد آخرون أو وقعوا بالأسر. حسب معلومات مركز فيريل للدراسات يُقاتل في الفيلق الجورجي متطوعون من 21 دولة أغلبهم أوروبيّون بما في ذلك ألمان.
الانخراط البريطاني لم يقتصر على المقاتلين بل شمل جهاز المخابرات، فالمستشارون العسكريون البريطانيّون هم الغالبية، والمعلومات الضرورية والهامة عن تحركات الجيش الروسي ونقاط ضعفه وأماكن تواجده، جمعتها المخابرات البريطانية وسلمتها للأوكران. تفجير خط أنابيب Nord-Stream-Pipelines وجسر القرم وإغراق الطراد Москва والهجوم على أسطول البحر الأسود في Sewastopol وغيرها، كلها بتخطيط وتدبير بريطاني.
باختصار نقول هنا: تنطلقُ الاستراتيجية البريطانية في الحرب في أوكرانيا من قناعة نتجتْ عن تجارب فاشلة وهي؛ قد تكون الحرب في أوكرانيا آخر فرصة للقضاء على روسيا وإلا.
من أسرار العداء البريطاني لروسيا. نلتقي في الجزء الثاني. مركز فيريل للدراسات. إدارة التحرير الدكتور جميل م. شاهين.