صُعقتُ لإجابته: “عم جيب مصاري لأهلي”، أي؛ إنني أعمل لأحصل على المال لأهلي.
طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، يتيم الأب، يقف قرب المراحيض في المطعم ويعطيك المحارم فتنفحهُ بعض المال.
طفل مكانه في المدرسة لتحصيل العلم الذي سيكون له قوة لمستقبله. هذا ما أفهمه من الآية الكريمة: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ.”
هذا الطفل يحميه العقد الاجتماعي المُبرم معنا، نحن الذين نُشكّل الدولة، وهو الذي يُشكل مستقبلنا… أي مستقبل ينتظرنا بعد ظهور أشكال جديدة للفساد. نعم… إنه فساد…
ليس الموظف المرتشي بمبلغ مالي هو فقط فاسد
ليس الذي يستغلّ الوطن لمصلحته هو فقط الفاسد
ليس الصحفي الذي يبتزّ الناس لكي يصمت ولا يفتري عليهم هو من يفسد في الأرض
ليس رجل الدين الذي يحاول أن يغتصب علاقة الإنسان بربه ويبني مجده الشخصي بذلك، هو وحده الفاسد
ليس المسؤول الذي يسكن في برجٍ عاجي ويرى بقية الشعب نعاجاً هو الفاسد، وليس المدير الذي يتقاضى “الشهريات” من موظفيه لكي “يفيّشهم” من الدوام هو الفاسد الوحيد، وليس الذي يقبض الرشاوى من المراجعين على أساس أنّ عليهم واجبُ “التعرفة” من اجتزاء قوله تعالى “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”…
أين: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه”؟ أين: “قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل” وهذا الطفل من اليتامى والمساكين؟
نتبارى في سهراتنا وطَربنا وألوان أطعِمتنا… وننسى أننا في مرحلةٍ، نحتاج فيها بناءَ الإنسان، وهذا الطفل هو مثل مئات آلاف الأطفال الذين يشكلون مستقبلنا.
لا أنكرُ الكثير من الأشخاص والهيئات والجمعيات وغيرها من ذوي النوايا الحسنة، الذين يحاولون بشكل جدّي العمل على بناء الإنسان، ولكن لا يجب أن نسكت عندما نرى منكراً من مثل هذه الحالات. يجب أن نهتم بشكل أكثر جدية بهذه الفئات المُهمّشة والمُعْدمة. أولئك الأطفال الذين يحاولون العيش على ضفاف الحياة.
أُذكّركم بالأحاديث الشريفة: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ”. و”من رأى منكم منكراً فليغيّره بيدهِ، فإن لم يَستطع فبِلسانه، فإن لم يستطع فَبِقلبهِ، وذلك أضعف الإيمان”
وأنا اقول … اللهم اشهد أني بلغت.