لا يفصل بين اغتيال السفير الروسي في أنقرة وعملية ملهى رينا الإرهابية، سوى ثلاثة عشر يوماً فقط، وهما أخطر وأهم عمليات إرهابية جرت في تركيا. سنبحثُ هنا نقاط التشابه والاختلاف، وقد يقودنا هذا للاشتباه بالفاعل.
- الجهة المتهمة والجاهزة دائماً، في معظم العمليات الإرهابية في العالم، هي داعش، ولكن في العمليتين ليس هذا أسلوب داعش، وعلى فرض أنّ داعش وراءهما، فهل لهذه المنظمة “الفوضوية” القدرة الخارقة لتنفيذ هكذا عمليات دقيقة عبر الدول البوليسية كتركيا؟ هدف وطريقة داعش الإرهابية هو ايقاع أكبر عدد من الضحايا، ولو كانت هي الفاعلة لجهّزت انتحارياً بحزام ناسف، فأوقع ضعف هذا العدد في ملهى رينا، وكونه يرتدي ملابس بابا نويل، كان بإمكانه حمل عشرات الكيلوغرامات من المتفجرات، ووصوله إلى هناك أسهل من وصول القاتل الذي يحمل بندقية وعدة مخازن.
- القاتل في العمليتين كان محترفاً، قتل ببرودة أعصاب غير طبيعية، وتصرف بثقة وكأنه يعلمُ أنه سينجو بفعلته، لأنّ أحداً ما ينتظرهُ في الخارج، وهو الذي أوكلَ لهُ المهمة. قاتل السفير وقف خلفه بكل هدوء وثقة، قتله، ثم ألقى محاضرة بعد العملية لمدة 9 دقائق، بينما القاتل في ملهى رينا بدأ بإطلاق النار في الشارع قبل دخوله، ثم أطلق النار داخل الملهى وشاهدناه يمشي بثقة غريبة وينتقي ضحاياه، وكأنه مطمئن من أنّ الأمن غير موجود، والأغرب أنّ أحداً من المحتفلين لا يحمل سلاحاً نارياً يدافع به عن نفسه!. والسؤال: لماذا كان ملهى رينا الشهير، خالياً من الأمن؟ وحسب مالك الملهى محمد كورشاسلان: “كانت هناك اجراءاتٌ أمنية استثنائية ليلة رأس السنة”. أين هي هذه الإجراءات؟!
- في العمليتين لم يكترث الفاعل لوجود الكاميرات، ولم يكن انتحارياً.
- في هجوم مطعم “أوسمان يلماز” الصغير، وتفجير السيارة بالقرب من محكمة أزمير قبل يومين، استطاع الأمن التركي قتل المهاجمين بسرعة خارقة، بينما نرى في عملية ملهى رينا، القاتل “يقتل وهو يتنزه” وعندما ينتهي من عملية القتل، يجد متسعاً من الوقت لتبديل ملابسه! ثم الفرار…
- القاتل في العمليتين اختفى، الأول تمّ قتله كي يصمت إلى الأبد، والثاني حسب ما ورد من أنباء وصل إلى الرقة، ولا دليل ملموس. فوسائل الإعلام الرسمية التركية ربما تعمّدت تشتيت المشاهدين، بصورة خاطئة لتاجر قرغيزي وصل مطار استنبول، ولا علاقة له بالعملية، إلى أن استطاع القاتل الحقيقي الفرار ربما خارج تركيا، أو أنّهُ لقي مصير “مولود مرت ألتن تاش” قاتل السفير أندرية كارلوف.
- في العمليتين، المنفذ شخص واحد، وهنا يسهل إسكاته إلى الأبد.
- العمليتان ليستا مجرد عمل إرهابي، بل تحملان أهدافاً أبعد بكثير؛ ذكرنا أنّ هدف قتل السفير هو انتقام أنقرة من موسكو على إفشال مخططات التوسع العثماني ودعم القيادة في سوريا، وبنفس الوقت انتقام واشنطن من روسيا بسبب ما يجري في سوريا، واشعال النيران بين موسكو وأنقرة. لكن دهاء بوتين كان لها بالمرصاد.
من نتائج عملية ملهى رينا:
إعطاء الضوء الأخضر شعبياً ودولياً للنظام التركي للانخراط في الحرب في سوريا، لسببين رئيسيين:
الأول: منع إقامة دولة كردية أو حتى حكم ذاتي للانفصاليين الأكراد في الشمال السوري، عن طريق استبدال داعش في المناطق التي تحتلها، باحتلال الجيش التركي والعصابات التي دربتها، وأولها مدينة الباب، ثم منبج، والهدف الأكبر القادم هو… الرقة.
عين أردوغان على الرقة.
الثاني: نقولها ونكررها “تركيا لم ولن تُغيّر موقفها وأطماعها في سوريا”. وأردوغان لن يُغيّر سياسته تجاه دمشق، فقط “عزرائيل” هو الذي سيجعلهُ يتراجع عن أحلامه باعتلائه عرش “سلطان الحريم”. بدخوله لسوريا سوف يدعم المرتزقة المسلحين من عبيده. والمساومة القادمة لأردوغان هي:
“حكم ذاتي للأكراد في الجزيرة السورية، مقابل حكم ذاتي للتركمان في محافظة إدلب”.
صحيح أنّ عدد التركمان في محافظة إدلب وحلب لا يتجاوز 75 ألفاً، لكنهم سيصبحون 5 ملايين وفق احصائيات أردوغان، وسوف نرى أن عشرات الآلاف من العرب السوريين يدّعون أنهم تركمان، ومع الاستفتاء سنعيد مأساة لواء اسكندرون المحتل.
في الحالين نرى أن المصلحة مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا. وحتى إن عانت السياحة التركية من مصاعب، ستكون مؤقتة، والنتائج أهم من انخفاض في سعر الليرة التركية لأسابيع.
- حركات الولايات المتحدة نفسها في العمليتين؛ أغلقت سفارتها، وصرحت أنّ الاسم الثاني على لائحة الاغتيال لداعش هو السفير الأميركي. بعد عملية ملهى رينا: سمعنا قصّة الآي فون من الأميركي جاك راك. حصل مركز فيريل للدراسات في برلين، على معلومات مثيرة عن جاك راك، نقدم جزءاً منها لكم، بالإضافة لما صرّح به جاك راك هذا لوسائل الإعلام عن قصته “المشوقة”، ونترك لكم الحكم.
قصة جاك راك، ملهى رينا
وليم يعقوب راك William Jacob Raakيلقب بـ جاك، 35 عاماً، من مواليد Greenville ولاية Delaware، يملك شركة Tech Manufacturing Corporation وعنوانها: 801 Chester Pike, Sharon Hill, PA 19079, USA. وتقع جنوب غرب مدينة فيلادلفيا أكبر مدن بنسلفانيا. الشركة تأسست عام 1952 وتختص بتصنيع الصفائح المعدنية الدقيقة التكنولوجية للطائرات الهجومية بدون طيار التي تحمل صواريخ، وأنظمة الطائرات العمودية والالكترونية. هذا هو ترخيص الشركة، لكننا ومن خلال معلوماتنا والصورة المرافقة عن مدخل الشركة الرئيسي، نتساءل: “هل يمكن لصاحب هكذا شركة السهر في ملهى رينا مادياً، ودعوة 9 أشخاص.”؟. شاهدوا الصورة. إلا إذا كان مقر هذه الشركة… وهمياً…
نعود لما رواه جاك للإعلام الأميركي حول ما جرى، ولمحطة إن بي سي، فقال: “سافرت إلى استنبول للاحتفال بعيد ميلادي ورأس السنة”. يتركُ أهلهُ وأتلانيك سيتي القريبة منهُ، ليطير 7 آلاف كلم. ثم يضيف: “لم أتحرك من مكاني عندما بدأ إطلاق النار، ولم ارتمِ على الأرض، بقيتُ واقفاً وتركتهُ يُطلق النار عليّ.” وحرفياً قال: “When he shot me I didn’t move — I just let him shoot me“. ثم: I was shot when I was already on the ground. He was shooting people that he had already shot بطوله الكامل، لم يُطلق عليه النار، فقط عندما ارتمى على الأرض أصابه، وأين؟ الرصاصة أصابت هاتف آي فون في جيبهِ، ولم تخترقهُ، بل انحرفت باتجاه الركبة! بتجربة بسيطة يمكن لمن يريد التضحية بهاتفه أن يُطلق النار عليه من مسافة 5 أمتار من بندقية كلاشينكوف، وسنرى إن كانت الرصاصة ستُبقي له أثر…
يتابع جاك حديثهُ فيقول: “كنا تسعة أشخاص على الطاولة، مات منهم سبعة وجُرح الثامن جرحاً بليغاً، وأنا لوحدي نجوت.”!. صدقوا هو الوحيد الذي اصطفاهُ الله من تسعة أشخاص… هذه قصة جاك راك كما وردت على لسانه.
تركيا على شفير الهاوية
وستبقى ولن تكون آمنة طوال السنة حتى إن استقرت الأمور في سوريا. سلطان الحريم يلعب لعبة أكبر من حجمهِ وسيكتوي بالنار التي أشعلها، ولن تفيدهُ مازوخيتهُ أو غرورهُ، سيدخل بقوة أكبر بجيشه الأراضي السورية، ولكن هل سيبقى الجميع متفرجاً؟
إنّ عمليتي اغتيال السفير وملهى رينا، تحملان بصمات جهاز مخابرات عالمي محترف، والثانية ليست عمل مافيا كي تضرب الملهى، أو عملية من صنع منظمة عشوائية، هذا الجهاز وغيره يلعب بحرية فوق الأراضي التركية، وحسب معلومات مركز فيريل للدراسات، فإن 9 أجهزة مخابرات عالمية تنشط في تركيا، وعلى الثعلب هاكان أن يروي لأردوغان شيئاً مما يجري في سلطنتهِ، أو على هاكان أن يُزيـــحَ أردوغان ويجلس مكانــــــــهُ…
مركز فيريل للدراسات في برلين. 06.01.2017. د. جميل م. شاهين.
اقرأ أيضاً:
و: