منْ سيتمُّ اغتيالهُ أولاً؛ بشار الأسد أم أبو محمد الجولاني؟

منْ سيتمُّ اغتيالهُ أولاً؛ بشار الأسد أم أبو محمد الجولاني؟ بحث من مركز فيريل للدراسات. 15.02.2025 كغيرهِ من زعماء التنظيمات الإسلامية المتطرفة، قُتِلَ الجولاني عدة مرات، وفقَ أخبار ومن وسائل إعلام عالمية أكدت موته سابقاً، ولأهداف متعددة. كذلك وسائل تواصل إجتماعي لإثارة البلبلة، والمصدر منافسو الجولاني، أو بروباغندا من مساعديه أنفسهم للفت الانتباه إليه، أو من جهات خبيثة لها مقاصد أخرى.

مات الجولاني عدة مرات فهل ستكون هذه المرة كغيرها؟

كان فوق رأسِ الجولاني 10 ملايين دولار أميركي، قبلَ أن يسحبَ البنتاغون المكافأة تلك، في عملية تبييض مستمرة لكنها فاشلة حتى الآن، لكنّ رأس الجولاني مازال مطلوباً لجهات دولية ومحلية أيضاً، بعضها قد يستغربهُ قرّاءُ ومتابعو مركز فيريل الكرام، لكن هل سيكون مصيرهُ أسرع من مصير بشار الأسد؟

آخر مرة، مُعلنة، قُتِلَ فيها أبو محمد الجولاني كانت في 4 كانون الأول 2024، بعد ادعاءات “فيسبوكية” تحدثت عن مصرعِ زعيم جبهة النصرة الإرهابية التي تزعّمت ومعها فصائل إسلامية متطرفة متحالفة معها، التحركاتِ العسكرية شمالي سوريا آنذاك. ادعاءات مدعومة بصور وبيانات ومنشورات تؤكد مصرعَه، كلها كانت كاذبة وقادها صغارُ صفحات التواصل الإجتماعي، مُدّعين أنّ غارة جوية روسية قتلتهُ. ليتبيّن لاحقاً أنّ الصور المنشورة هي لشخص آخر، عُدّلت بطريقة بدائية.

أحصينا في مركز فيريل مصرع الجولاني 7 مرات، وهي بالتأكيد أكثر، منها في 25.10.2013، عندما تحدثت وسائل “الإعلام الخشبي”  عن مصرع الجولاني زعيم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، باشتباكات ريف اللاذقية. خلال ساعتين فقط؛ سحبت وكالة “سانا” الخبر واختفى عن شاشات الفضائيات الخشبية، ومنها الإخبارية السورية.

02 آب 2014؛ جاء خبر “فرانس برس” ومعها قنوات عربية “عريقة”، ليقول وحسب الصور: مصرع “أمير جبهة النصرة الإرهابية” أبو محمد الجولاني في إدلب بتفجير عبوة ناسفة بسيارته منتصف ليل الجمعة. ثم أكّدَ ما سُمّيَ “بريطانياً” المرصد السوري لحقوق الإنسان، هذا الخبر، نقلاً عن “الجيش الحرّ” الذي قتلهُ. ليتبيّن لحقاً أنّ الجميع كاذبون.

بعدها بشهر تقريباً، 10.09.2014، نشرت الصحافة الفرنسية خبر: مصرع أمير جبهة النصرة الإرهابية أثناء اجتماعه بحركة أحرار الشام الإسلامية ببلدة رام حمدان، منطقة حارم بريف إدلب، ليتبيّن أنّ الجولاني، لسبب ما، تخلّفَ عن الاجتماع! بينما لقيَ حسّان عبود “أبو عبد الله الحموي” أمير الجماعة مصرعهُ ومعه 11 زعيماً إرهابياً آخرين، مثل أبو يزن الشامي، أبو طلحة المخزومي، أبو عبد الملك الشرعي، أبو أيمن رام حمدان، محي الدين الشامي، أبو حمزة السعودي، أبو أيمن الحماوي، أبو سارية الشامي، أبو يوسف بنش، طلال الأحمد تمام وأبو الزبير الحماوي. ليتبيّن أيضاً أنّ العملية ليست قصف لا سيارة مفخخة ولا انتحاري، إنما تفجير مُدبر في مخزن الأسلحة المجاور لمكان الاجتماع تحت الأرض، والفاعل قريبٌ جداً من الجماعة. ثم توالت أخبار مصرع الجولاني هنا وهناك، بينما مازال حيّاً حتى لحظة كتابة هذا البحث في مركز فيريل للدراسات، فإلى متى؟ لا أحد يعلم سوى عالِمُ الغيب.

ما لا يعرفهُ ولا يُدركهُ أبو محمد الجولاني أنه يجلسُ على أصعب كرسيّ حكم. الأفضل له، وهذه نصيحة مركز فيريل لكَ يا جولاني: احرص أن يكون كرسيّك تيفال لا يلتصق، وكلما تخلّصت منه بسرعة أكبر، كانت حياتك أطول. حتى الآن أضعتَ فرصة ثمينة فلا تُكرّرها لأنّ بشار الأسد ينتظركَ

أخطاءٌ كثيرة ارتكبها الجولاني منذ وصوله إلى دمشق، وتسليمهِ الكرسي ثم تنصيبهِ لنفسه ولرفاقه، كلٌّ فوق كرسيّ. لا شكّ أنّ خبرتهُ في القتال والتفجيرات والاغتيالات والعمليات الانتحارية واسعة ومشهود له بها، لكن فجأةً رئيس جمهورية! أمرٌ لم يتوقعهُ ومعه كامل الفريق الذي انتقل خلال ساعات من حالة محلية محصورة إلى حالة دولية مفتوحة، لهذا تراكمتْ وستتراكم أكثر الأخطاء داخلياً قبل الخارج.

العثمانيّون أكبرُ داعم للجماعات والتنظيمات الإرهابية عبر التاريخ، وجماعة الجولاني، جماعة مطيعة للعثمانيين لكن هذا لا يكفي حتى لو فتحوا غرف نومهم للخليفة. المشكلة التي، ربما، بدأوا يُدركونها متأخرين، أنّ لكلّ “دولة فاعلة” مصالح متناقضة على الساحة السورية، فكيفَ سيُرضي هؤلاء “البدائيّون” خمسَ دول على الأقل بآن واحد؟ الأمر مستحيل.

اجتمع الجولاني بأردوغان وتناولوا المُرطّبات، والتقت السلطانة ابنة جمال جولبران بابنة الدروبي، وسط تهليل وتطبيل من “الإعلام الخشبي” نفسهُ، وكأننا نرى بشار الأسد وأسماء الأخرس قبل سنوات في استنبول، نسخة طبق الأصل. ولكن ما هي النتيجة؟ هل وصلتكم متابعو مركز فيريل أية نتائج عملية لهذا الاجتماع ولو كان “بوري بوظة”؟

دعوة أيردوغان للجولاني لزيارة أنقرة بعد يوم واحد من عودته من السعودية، كانت وحسب رأي مركز فيريل للدراسات، مفضوحة وغبية بآن واحد، والذين لبّوا الدعوة، “مُراهقون” في السياسة. أراد التركي أن يُثبتَ للسعودي؛ (نحنُ العثمانيين، مُسيطرون على سوريا) ردّاً على الانخراط السعودي في الملف السوري، والعثمانيون سيملؤون الفراغ الذي خلّفته إيران وروسيا.

طلبَ أيردوغان بشكلٍ مباشر من “جبهة النصرة” الحاكمة قِتال الأكراد في تنظيم قسد، بنفس الوقت؛ ادّعى أيردوغان، كاذباً، أنّهُ يحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها، بينما جيشهُ العثماني يحتل 20% منها! قبلها كانت اتفاقية الدفاع المشترك الخرندعية، بين تنظيم الجولاني وتركيا، والتي أضفت شرعيّة نظرية على احتلال الأراضي السوريّة. وأيضاً إنشاء قاعدتين عسكريتين عثمانيتين وسط سوريا، بحيث يتم اقتسام سوريا بين العبرانيين والعثمانيين، هل باتت الصورة واضحة؟

إذاً؛ هدف تركيا احتلال سوريا والعراق ولقاء العبرانيين جنوباً، واستكمال ما قام به عبد الحميد الثاني، بائعُ فلسطين، بمساعدة السذج والغوغاء ومعهم زعاماتهم. هذا منذ عقود وليس وليدَ الساعة، والمتابعة مستمرة.

رُغم التنازلات وتقديم فروض الطاعة للسلطان العثماني، لا يبدو التركي راضياً عن خنوع الزعامات السورية الحالية، وقد يُكرّرُ ما فعله مع بشار الأسد، لكن المشكلة كالتالي:

المطلوب من الجولاني ردّ الفضل بوصوله للكرسي: اتفاقيات دفاع مشترك وقتال قسد إن حصل، الخنوع وتناول المرطّبات، والتنازل عن حلب وإدلب والرقة وووو كلّ هذا لا يكفي. التركي مُستعجلٌ على حصد النتائج، والسبب المباشر سوء وضعه الاقتصادي، وهجوم المعارضة التركية على حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الشعبية المتراجعة، حيثُ طلب رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزعور أوزيل إجراء انتخابات مبكرة في تشرين الثاني 2025، وعدم الانتظار حتى 2028.

شعبية أيردوغان وحزب الإخوان العثماني الحاكم، متراجعة رغم “النصر التاريخي”، لكن على الأرض: الوضع التركي نحو الأسوأ وهو بحاجة لإبراز هذا النصر عملياً للأتراك، بضم أراضٍ جديدة للإمبراطورية العثمانية الجديدة.

لهذا المطلوب من الجولاني، وقبلَ حزيران 2025؛ إنهاء الترسيم البحري غير القانوني والتنازل عن اللاذقية مبدئياً، والانقطاع عن العرب نهائياً وأولهم السعودية، والاستمرار بسياسته الطائفية والتصفيات الدينية والعرقية ومنها قتال الأكراد، وفتح الأسواق السورية أكثر أمام الشركات والبضائع التركية، وإلا.

الاتحاد الأوروبي؛ بوجود جنديّ روسي في سوريا، لن يُساعد، بالإضافة لشروط يصعبُ على حكومة “المجتمعات الذكورية البدائية” تحقيقها، بالنسبة لحقوق المرأة والأكراد وأبناء الأديان الأخرى.

قطر لا تريدُ أية علاقات بين سوريا والسعودية كي تُساعد، وحتى خط الغاز مترددة بمده لأسباب عديدة.

تركيا شرحنا عنها، بحاجة لمَنْ يُساعدها مادياً دائماً، وترى أنّ موسم الحصاد قد جاء كي تُمارس عاداتها السرية بالسرقة.

 روسيا، مُنسّقةُ التسليم والاستلام، لن تُساعد إلا ببقاء القاعدتين مع نفوذ روسي.

إيران أيضاً بدون نفوذ وتمرير أسلحة إلى حزب الله، لن تُساعد، عِلماً أنّ مباحثات عبر طرف ثالث تجري بين الجولاني وطهران، فلا تستغربوا.

السعودية والإمارات أحجمتا عن المساعدة لانعدام الثقة بجماعة القاعدة الإرهابية، فهل يُساعدون أعداءهم الإخوان المسلمين، أتباعُ العثمانيين؟

دونالد رامبو يهمه ملءُ الجيوب، وسوريا بالنسبة له نبع شحيح، لكنه فخّ كبير للآخرين.

وسائلُ إعلام تركية نقلت مرتين عن اعتراض المخابرات التركية لمحادثات هاتفية ووصول معلومات تشير إلى وجود مؤامرة لاستهداف الجولاني، مع الإشارة لخطة كانت مدبرة من قبل جهات “ما”، لكنها رجحت أن تكون مرتبطة بدول أو فصائل معادية لـ “هيئة تحرير الشام”، الخبر جاء بصياغة تتقصّد الغموض، وتمرير رسائل للجولاني والداخل السوري قبل الخارج؛ فأنقرة الحامية والمدافعة عن “القيادة” السورية!

تاريخُ أبي محمد الجولاني حافلٌ باغتيالات قام بها ضدّ خصومه، وهو مُدان بعشرات العمليات في إدلب فقط، بالإضافة لأضعافها في مناطق ودول أخرى، لهذا من الوارد “نظرياً” أن يُثأر منه، هنا جاءَ الاتهام التركي لفصائل معادية.

يقول الخبر الذي نقلتهُ “صحيفة تركيا” واسمها Türkiye Gazetesi، وعلى ذمة الراوي وباختصار:

عُقِدَ اجتماع سري في فيلا يملكها رجل أعمال شيعي في النجف العراقية، شارك فيه “فلول النظام السوري السابق” اللواء أسعد العلي، واللواء محمد خلوف، والعميد عادل سرحان. مع قادة من الحرس الثوري الإيراني بينهم مدير عمليات الاستخبارات الخاصة في طهران، وقائد القوات الفضائية في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده واللواء حسين أكبري، والهدف واحد؛ “التخطيط لانقلاب عسكري بعد اغتيال أحمد الشرع”. بالإضافة لمشاركة حزب الله والحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني! إيران وعدت بدعم لوجستي وعسكري واسع للقادة السوريين السابقين، مع توفير الأسلحة والذخائر عبر المعابر الحدودية بين سوريا والعراق، بالإضافة إلى إمدادات بحرية من مدينتي طرطوس واللاذقية.

بعيداً عن صياغة الخبر وباعنا طويل في هذا المجال، بحثنا عن أصول الصحيفة لنصل لحقائق ليست غريبة على العثمانيين، آلهة ملايين من الغوغاء.

تتبعُ الصحيفة ناشرة الخبر والتي تأسست منذ 1970، لشركة الإخلاص، الاسم عربي طبعاً كون اللغة التركية قامت أيضاً على السرقة. اسم الشركة: IHLAS Holding A.Ş، مقرها إستنبول تأسست 1993، أي أنّ الصحيفة أقدم من الشركة وهي تكتل تجاري يُسوّقُ الحديد والإسمنت والطاقة، مَنْ يا تُرى عميلها الأساسي؟ تعرفونه بالتأكيد.

تمتلكُ الشركة فرعاً خاصّاً بعيداً عن اختصاصها، وهي “İhlas Yayin Holding (IHYAY)” المتخصصة بالإعلام، ولديها محطة تلفزيونية “مجانية” اسمها (TGRT) بفروعها. المهم؛ مَنْ اشتراها؟ فيريل. اشترتها مجموعة FOX TV في شباط 2007، ومالكها هو “Rupert Murdoch” روبرت مردوخ وبدأت تبثُ تحت اسم FOX Türk. لتعود من جديد إلى إخلاص ضمن نفس الاتجاه، وبطاقةٍ قوية هي 120 محطة تقوية في كافة أنحاء تركيا ودول الجوار. هذه المحطة والصحيفة راحت تُروّج لانقلاب عسكري جديد في دمسق، يذهب ضحيتُه الجولاني وفريقه، على يد طبعاً “فلول النظام السابق” وإيران.

صياغة الخبر والحبكة ضعيفة وواضح أنّ المقصود فيها ضرب عدة عصافير بيد بحجر عثماني واحد: تهديد الجولاني وأتباعه. زجّ اسم إيران في أية تصفيات وفوضى قادمة، ومعهم الأكراد وقسد وحزب العمال الكردستاني، وحتى حزب الله والحشد الشعبي، أي أنّ الطائفية تقطرُ من هذا الخبر. كذلك؛ التمهيد لما ستقوم به المخابرات التركية والجيش التركي في سوريا من “نشر الفوضى الدموية”، وأخيراً التخلص من بعض أعداء الجولاني لترتيب البيت السوري تمهيداً لـ “والي سوريا” الجديد.  

عندما ننشرُ في مركز فيريل هكذا تحليلات ومعلومات، فإننا نُساعد على إجهاض أيّ مخطط سيء تجاه سوريا. سبقَ وأجهضنا عدة مخططات. هذا ما كان لدينا اليوم باختصار، فالمعلومات كثيرة ولا يمكنُ نشر إلا أجزاءَ منها. مع تحيات مركز فيريل للدراسات. 15.02.2025