عدد القراءات 1198714 تاريخ النشر 5 آذار 2016. الأناركية تغزو سُوريا والعالم. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات ـ برلين
الأناركية Anarchismus باليونانية ἀναρχία، تعني اللاسلطوية، والفوضى الخلاقة في اللاتينية القديمة ORDO AB CHAO. تتخذ من الحرف A رمزاً لها. أول من تحدّث عنها هو الفيلسوف الطاوي “لاو تزو” 600 قبل الميلاد داعياً إلى لاسلطوية الدولة، حيثُ قال:
“يوضـع اللص الصغير في السجن، بينما قاطع الطرق الكبير يصبـح حاكمًا للأمّــة”
في دستور المتنورين الصادر 1 أيار 1776، ومن خطبة المؤسس الأول البرفسور القس آدم فايس هاوبت 1782، والذي نُشر في فرانكفورت، وحسب الكاتب البريطاني الإسرائيلي WAYNE JOHN STURGEON، نقرأ ما يلي:
“يجب خلق مشروع عالمي يؤدي إلى فوضى عارمة وعنف مطلق وإراقة الدماء، وبث حالة رعب بين البشر على الأرض، تمهيداً لإنشاء نظام عالمي جديد من رحم الفوضى، لا يعترف بدين و لا قومية و لا حدود. نظام عالمي إلحادي دنيوي يحكمه في النهاية الشيطان.”
/العهد الجديد مع الشيطان „Neue Testament Satans“./
في البروتوكول العاشر من بروتوكولات حكماء صهيون نقرأ أيضاً:
(بعد أن يتمزق الناس بسبب صراعاتهم وخلافاتهم سيصرخون: إخلعوا الحكّام، وأعطونا حاكماً واحداً يوحدنا ويزيل أسباب خلافنا وهي القوميات والأديان والديون الدولية.)
باختصار وحسب رأي مركز فيريل للدراسات:
الأناركية: هي العدمية، حركة سياسية اجتماعية، حسب فيريل، تهدفُ لإزالة السلطة المركزية للدولة وبالقوة، وخلق مجتمـع فوضوي مُقطّع يخضع لمنظماتٍ مستقلة، متعاونة أو متصارعة بين بعضها تدير كنتونات لها قوانينها الخاصّة، وأصبحت الكلمة تعني “المخربون والفوضويّون”.
تسيّدت الولايات المتحـدة الأمريكية الفوضوية الفردية متخذة من العقيدة الأنجلوسكسونية مبادئها والتي تقول:
“مصلحة الفرد هي محـور المجتمع“.
نشأت الفردية الأنانية بوجه الجماعية الإيثارية، ونشأت معها الرأسمالية بوجه الإشتراكية، واخترقت الأناركية كافة الدول والأنظمة السياسية والمجتمعات في كافة الدول دون استثناء، من اليابان حتى تشيلي، لكنها كانت تُقمع في الدول القوية وتستشري في الضعيفة فتؤدي لتفتيتها، كما حصل في يوغسلافيا ويحصل الآن في الدول العربيـة ومنها ســوريا.
شعار الأناركية الرئيسي للعامـة:
“افعَــل ما يحلــو لك“.
هي عقيدة الشيطان، والشيطان نستخدمهُ في مركز فيريل كمعنىً مجازي فقط وليس ككائن ديني.
حيث الحرية الكاملة و انتفاء القوانين الناظمة والحدود والديانات والشرائع. ومَنْ يريد أن يعرف أكثر يكفيهِ أن يُشاهد فيلم V For Vendetta 2006 الذي يتحدث عن الأناركيين، فالبطل فوضوي أناركي، يقوم بثورة في بريطانيا مرتدياً قناع هاكرز، تمّ تصوير ما قام به من حرق وعنف وخروج على الشرعية والقوانين في الفيلم، على أنه بطولة خارقة. ولم يكن محض صدفةٍ أن يختار القائمون على صفحة
“كلنا خالد سعيد”
منذ حزيران 2010 شعار فيلم “V for Vendetta ” لتحريض الشباب على التظاهر وخلق الفوضى، يظهر في الشعار خلف البطل الفوضوي بحر هائج تغرق فيها المساجد والأهرامات والكنائس وبرج القاهرة والناس، وهو تعبير واضح عن سقوط الحضارات والأديان والدولة والناس، لتعـمّ الفوضى في مصر.
طرق نشر الأناركية حسب مركز فيريل
مهاجمة كافة المعتقدات والأديان والطوائف، وليس مهاجمة رجال الدين وأصحاب هذه الديانات، والفارق كبير، والتعامل على أساس التمييز الجنسي بين الذكر والأنثى، والعرقي والديني والقومي، وزرع حب الذات والأنانية والجشع وحب المال والسلطة لدى أفراد الشعب، بحيث يشعر كل شخص، مهما كانت ثقافته وتحصيله العلمي، أنّهُ جدير باسـتلام منصـب رئيـس الدولة!
زيادة عدد الأحزاب والمنظمات والهيئات الخاصّة، منظمات حقوق الإنسان والحيوان، منظمات الدفاع عن المرأة، الجمعيات الخيرية والإنسانية. كل هذا يخلقُ مجتمعاً منقسماً يتبعُ فيه كلّ فردٍ منظمة أو حزباً ما.
تقديس البطولـة الفردية، وخلق نجـوم وأبطـال فجائييـن، يتم اطفاؤهـم فور الانتهـاء من مهمتهـم، فنرى مثلاً شاباً أو فتاة عادية جداً، تصبـحُ فجأة بطلـة حريـة ومناضلة لها تاريخ عريق يتجاوز سنوات عمرها، تقود المظاهـرات والاعتصامـات، ثم تحصل على جوائز عالمية وتستضيفها قنوات فضائية يومياً، ونقرأ اسمها في الانترنت بصفحة الويكيبيديا!
تشجيع القوميات والأقليات العرقية والدينية على المطالبة بكنتونات أو حكم ذاتي، تمهيداً لتجزئة وتفتيت الدولة.
مظاهـراتُ عشوائية وإضرابات لا يدري المشاركون فيها لماذا خرجوا للشوارع سوى لترديد شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، ماذا بعد إسقاط النظام؟ لا نعرف، المهم أن يسقطَ النظام، وبعدين منشوف!!
خلق جيل لا هوية له، جاهل، ثقافتهُ معدومة، برؤيا قاصرة، عاشق للفوضى والمظاهرات، لا يؤمن بالقومية أو بالدولة ويكفر بكل مؤسساتها، جيل يتوحد تحت الصيرورة الثوريَّة فقط، وزرع فكرة النضال في سبيل الحرية، والتخطيط ودعم الثورات لقلب أنظمة الحكم، عن طريق تشكيل ميليشيات مسلحة تُدمّر مؤسسات الدولة باعتبارها ملك للحاكم وليس للشعب، ثم الإتيان بمعارضة سيئة، فتعود الثورة من جديد، ليستمر شعار “الثـورة مستمرة“. كما في مصر وتونس.
بتتبعك للفقرة السابقة ومقارنة ما جرى منذ سنوات ويجري حالياً، هل ترى أنّ الأناركية انتشرت في سوريا؟
حتى إسرائيل تعترفُ بأن الأناركية هي الهدف في سوريا! فيريل للدراسات
صحيفة جيروزاليم بوست، التاريخ 25 كانون الأول 2016، المقالة بعنوان
(لماذا يكره المقاتلون الأجانب البلدان التي يقاتلون فيها؟)
مستشهدة بعبارة الأناركية الشهيرة ANARCHIST EMMA GOLDMAN. التي وصف الشرطة عام 1917: (قتلة بلباس رسمي “brutal gangsters in uniform”).
إيما هذه من أسرة يهودية أرثوذكسية هاجرت إلى الولايات المتحدة عام 1885 وأصبحت ناشطة سياسية… دقّقوا على تعبير “ناشطة سياسية”… الناشطة إيما راحت تدعو إلى “اللاسلطوية” أي الفوضى، وتُحرّضُ “القطعان” على المظاهرات والعصيان والعنف وتخريب كل ما هو حكومي وتدعو لتجنيد الشباب للقيام بالتفجيرات وقتل الشرطة والأمن…
الصحيفة الإسرائيلية شبّهت ما حدث قبل مائة عام في الولايات المتحدة بما جرى ويجري في سوريا. واضعة الصورة التالية كمقارنة.
من جديد: هل تفشت الأناركية في سوريا؟
للأسف الجواب بنعم، وليعذرنا أصحاب المعالي؛ تفشّت الأناركية في كل مكان، حتى المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري، ولا أحد على رأسه خيمة.
أخطر ما يحدث الآن في سـوريا هو انتشار الأناركية بعدة أشكال، والذي تتم تغذيته من مخططي الأناركية الذين يسوقون قطيعاً واسعاً من السُـذج البلهاء، ومن قبل أشخاص يدرون وربما لا يدرون، وهي ليست حكراً على المعارضة السورية، كما اسلفنا، بل موجودة في الجانبين بقوة واتساع:
ـ الصراع الديني وانتشار الطائفية وتكفير الآخر، وتغذية الفكر الإسلامي المتطرف الذي لا يؤمن بالقومية أو بالدولة بل بالأممية، ويستند في تشريعاته لفتاوى قتل وإرهاب تحت شعار “حكم الله”. هنا نلاحظُ تضاعفَ عدد رجال الدّين مهما كان تصنيفهم بين معتدلين وراديكاليين، وكلُّ له فتاوى وأحكام خاصة وكأنه دين قائم بذاته.
ـ انعدام الشعور الوطني لدى شريحة واسعة من السوريين، واعتبار مؤسسات الدولة ملكاً للحاكم، تمهيداً لسرقتها وتدميرها، تجلى ذلك في المظاهرات.
ـ صراع قومي، وطرح أفكار: لامركزية الحكم، الفيدرالية، الحكم الذاتي تمهيداً للانفصال. والقصد الوصول لدولة فاشلة.
ـ ازدياد عدد الأحزاب والمنظمات والهيئات الخاصة والجمعيات الخيرية والتنسيقيات ومعارضة المعارضة، وانقسام السوريين بين جمعية فلان وحزب علتان، وفلان أشرف من فلان، وكأنّ كثرة عدد الأحزاب دليل على الديموقراطية.
ـ مئات التنظيمات والكتائب والألوية المسلحة التي تتبع كل واحدة زعيماً فاشلاً أخلاقياً، وتسيطر على منطقة محددة.
ـ كثرة الزعماء السياسيين والدنيين والأغنياء داخل وخارج الدولة، حيثُ يُشكل كل زعيم مجموعة تؤيدهُ وتهتف بحياته، وتُسقط الزعيم الآخر وتتهمهُ بالفساد والخيانة والإلحاد. ولعل عدد المرشحين لمجلس الشعب يُعطينا فكرة عن عدد الزعماء.
ـ انتشار الفوضى الأخلاقية لتصل إلى “إنعدام الأخلاق العامة“، وعدم احترام قوانين المجتمع كاحتقار الأبوين والمُعـلّم والعلم وكبار السن والمعاقين، وسهولة الانحراف وارتكاب الجرائم، وخلق جيل من الشباب العاطل اليائس المتسيب الأناني الذي لا يملكُ هدفاً، ينعدمُ لديه الإحساس بالوطنية، وينحصرُ تفكيرهُ بالهرب من سـوريا، وكل ما يفعلهُ هو إسداء النصائح للجيش أو الاستهزاء به.
ـ تفشي الجهـل العام في صفـوف الشعب، خاصة الأطفال والمراهقين، بعد إغلاق المدارس بسبب الحرب أو كما يجري في الجزيرة السورية من قِبل الانفصاليين. هنا بدأ ينشأ جيلٌ من الببغاوات يرددون دون أن يفهموا ما يقولون، فعندما يُسأل مُتظاهر: “تريدون إسقاط النظام، ماذا سيأتي بعدهُ؟” يكون الجواب: “نُسقطُ النظام أولاً وبعدهـا نرى.”. هذا الجهل يشمل صفوف الشعب دون استثناء لكنه يظهرُ بشكل أوضح لدى المعارضة.
ـ في حال انتهت الحرب، هل يمكن أن يستقر الوضع؟ نرى في مركز فيريل للدراسات أنّ احتمال عودة المظاهرات “السلمية” ظاهرياً، سيبقى قائماً ولأسباب بسيطة، هذه هي عقيدة الشيطان “الثورة مستمرة“!
ـ رفـع شعارات خبيثة أو كما يظنها البعض “وطنية” لكنها تُرسّـخ الفكرة التي يريدونها في عقول السوريين. فعندما يُقال “لا للطائفية” تترسخُ في العقول كلمة الطائفية وأنها موجودة فعلاً، فيبحثُ الشخص عن دلائل الطائفية وقد يختلقها. أيضاً تعبير “الأقليات“…
الشعارات التالية كلّها أناركيــة:
“لا للطائفية”، “لا للعنف”، “سوريا مسلمة منذ 1400 عام ومسيحية منذ… لكنها سوريا منذ…”، “تعداد الطوائف والقوميات.. ثم كلنا أخوة.”، “الفيدرالية” “الحكم الذاتي”. “حقوق الأقليات”. “واحد.. واحد.. الشعب السوري واحد.”، “… تابوت… بيروت”، “الشعب يريد اسقاط النظام”، “حرية… حرية”.
الأناركية:
أن يُصبح المجتمع لا أخلاقياً، سواءَ كان بتدّينٍ ظاهري “مُصطنع” يهتم بالمظاهر فقط؛ اللباس “المحتشم”. كثرة دور العبادة. الصلاة في الطرقات والاحتفال بالأعياد الدينية بشكل مبالغ فيه… وبين انحلال أخلاقي وتشجيع الخلاعة والمثلية الجنسية وتفكيك الأسرة…
صحيفة The Independent البريطانية 25 تموز 2017، ذكرت بالصور تأسيس مجموعة مقاتلة في الشمال السوري ضد داعش، المجموعة من المثليين جنسياً وترفعُ شعار الأناركية، وقد قالت الصحيفة حرفياً:
LGBT Anarchist Group Forms To Fight ISIS
The group was set up under the umbrella of the International Revolutionary People’s Guerrilla Forces (IRPGF), an anarchist group taking part in the fight against Isis
الأناركيّون حول العالم
في الوقت الراهـن يُعتبر نعوم تشومسكي أشهر الأناركييـن المتطرفيـن. وسياسياً… بينما تُعتبرُ هيلاري كلينتون المرشحة الفاشلة لرئاسة الولايات المتحدة، من أشد المؤيدين لها ومعها الحزب الديموقراطي، وقد ينعكس ذلك على الولايات المتحدة فلا ضامن ولا مناعة لدولة من الأناركية.
في 2005 تحدثت كونداليزا رايس عن مشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضـى الخلاقـة، عن طريق نشر الديموقراطية في العالم العربي. لكن الآنسة كونداليزا لم تُخبرنا وعبر التاريخ، متى وأين حققت فلسفة الأناركية وثوراتها سوى الفوضـى الهدّامة؟ ولم يحصل نتيجتها أي تطور حضاري أو تحقيق للديموقراطية والعدالة، لأنها تهدف لتعزيز الفردية والأنانية وحب السلطة والغرائزية والقتل والعنف، والوصول إلى حالة الفوضــى الشـاملة. وهــل ينتــجُ عـن الفوضــى ســوى الفوضــى؟الكاتب الدكتور جميل م. شاهين Firil Center For Studies FCFS Berlin. Germany. 05.03.2016