من صلاته في المسجد الأموي بدمشق بعد التخلص من القيادة السورية إلى الوصول إلى حمص ثم حماة إلى حلب… ولكنه لم يستطع البقاء في سراقب. ومن إجبار الجيش السوري على التراجع إلى ما بعد مناطق خفض التصعيد ونقاط المراقبة التركية، إلى (آمل أن يتخذ بوتين التدابير الضرورية لوقف إطلاق النار، وأن نجد حلاً لهذه المسألة)، هكذا تراجعت أطماعُ وتهديدات أردوغان وباتَ يستغيثُ: “أنزلوني عن السطح”.
بالمقابل صعّدت موسكو ببطء من تصريحاتها، على لسان ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين: (روسيا لم تغير موقفها فيما يتعلق بسوريا، وهي ملتزمة كما كانت دوما إزاء دعم قتال الحكومة السورية ضد مقاتلي المعارضة). متهمةً تركيا بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها تجاه إتفاقيات محافظة إدلب، وبمساعدة “المتشددين” بدلا من ذلك. وزارة الدفاع الروسية أوضحت أنّ الإرهابيين اندمجوا مع مواقع المراقبة التركية في إدلب، مما أدى إلى هجمات يومية على قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا، وحشدت تركيا قواتٍ مساوية لفرقة عسكرية، منتهكة القانون الدولي.
لقاء المصالح أم الحل؟
سترسمُ روسيا اليوم خطاً آخر ضمن مصالحها إنطلاقاً من إدلب، وستسمحُ لتركيا بإضافة بعض الرتوش، فالمنتصر هو الذي يضعُ شروطه… ستحاول زيادة إبعاد أنقرة عن الناتو الذي خذلها. أردوغان، حتى لحظة كتابة هذه السطور في مركز فيريل للدراسات، خاسر.
واشنطن “نفشت” أردوغان ولم تقدّمَ له شيئاً يُذكر من دعم عسكري، سوى تحليق الأواكس ليلة البارحة كما ذكرنا. ويبدو أنّ الرادارات الروسية اكتشفتها وهذا حديث آخر سننشره لاحقاً.
ملفاتٌ أخرى غامر بها أردوغان ونظامهُ لم تأتِ بتائجَ إيجابية على الأقل، بينما انقلبت نتائج ملفاتٍ أخرى ضدّهُ: ملفُ الإنفصاليين في شمال شرق سوريا لم يستطع حلّه كما يريد. خلافهُ مع الاتحاد الأوروبي حول فتح الحدود للاجئين تصاعد وانقلب عكس ما خطط؛ فالتصريحاتُ الأوروبية كانت واضحة واتهام تركيا بأنها باتت “مُهرّباً” للبشر باتت على وسائل الإعلام. ملفُّ حرب الغاز في المتوسط زاد من فضح مطامعه العثمانية، وأخيراً تدخله في ليبيا وخسائره المتتالية.
روسيا ستعملُ على صياغة توافق على الحدود بين قسد ودمشق وأنقرة، في مناطق منبج وعين عرب وتل أبيض ورأس العين والقامشلي والمالكية، ضمن صيغة توافقية. سبق أن تمت عملية جرابلس والباب والتي تحقق مصلحة سورية تركية مشتركة في قطع الممر الكردي من جهة، وتعميق الخلاف بين أنقرة و واشنطن من جهة أخرى.
في إدلب؛ هناك اتفاقية سوتشي وتقضي بتسليم الطرق الدولية وابتعاد الإرهابيين عنها، وفصل جبهة النصرة الإرهابية بكافة مسمياتها وحلفائها عن باقي الفصائل المسلحة… أردوغان راوغ وراوغ لأكثر من سنتين، فتحرّكت دمشق لفرض الإتفاقية بالقوة ومعها موسكو. حاول الجيش التركي إعادة احتلال المناطق التي حررها الجيش السوري، زجّ بحوالي 9 آلاف جندي مزوّدين بأحدث أنواع الأسلحة الأميركية وعشرات الآلاف من الإرهابيين. استطاع إحداث إختراق في منطقة النيرب وكان مخططه الوصول إلى معرة النعمان… وفشل بالبقاء في شوارع سراقب. أي ميدانياً لم يحقق أردوغان أيّ نصر، سوى الأرقام الفلكية حول خسائر الجيش السوري.
منطقة آمنة في إدلب
التراجع وصل الآن إلى قبول أردوغان وبدعم ألماني فرنسي بمنطقة آمنة بعمق 30 كم، تشملُ مدينة إدلب وجسر الشغور ومناطق غربي حلب، حيث ستتم إعادة اللاجئين إليها بدعم مالي تُلمّحُ له برلين.
المناطق التي حررها الجيش السوري لا تراجع عنها، لكن من الطبيعي أن يخرج الجيش من المدن إلى قواعده العسكرية، وأيّ إتفاق بخروج كامل للجيش السوري من تلك المناطق ستكون خطوة غبية مهما كان مصدرها.
الشرطة العسكرية الروسية ستنتشر في المناطق المحررة مع تواجد للجيش السوري كما ذكرنا في قواعده، والمقصود أرياف حلب الجنوبية والغربية وأرياف إدلب الشرقية والجنوبية، وعودة الدوائر الرسمية وأجهزة الأمن، بصورة مشابهة لمحافظة درعا. طريق دمشق حلب انتهى أمرهُ ولا يجوز النقاش حوله. طريق حلب اللاذقية سيكون ضمن دوريات مشتركة تركية روسية. ملف حل جبهة النصرة والقضاء على الإرهابيين الأجانب أو نقلهم لأقصى الشمال سيشابه ما حدث في منطقة رأس العين وتل أبيض وعين العرب. أي بصورة ما سيتحوّلُ اتفاق سوتشي لاتفاقية أضنة المعدلة.
إنشاء منطقة آمنة ستؤمن عودة اللاجئين، وهذا ما تدعمه كافة الدول الأوروبية التي تريد التخلّص من عبء اللاجئين بما فيهم من إرهابيين.
رأي مركز فيريل للدراسات
ما ذكرناه هو الخطوط العريضة حسب تحليلاتنا، وهي ليست تسريبات. هذا الحلّ يجب أن يكون مؤقتاً… نُكرّرُ، مؤقتاً وهو ليس الحل المثالي لكنه الأقل سوءاً. تجميع الإرهابيين في المناطق الآمنة تلك يعني شريطاً حدودياً يعجّ بعشرات الآلاف من المتطرفين، وهذا أمرٌ إيجابي وسلبي بآن واحد. السلبي والخطر الأكبر أن تستطيع تركيا دمجهم جميعاً ضمن (جيش الإخوان المسلمين) والاستمرار في عملية التتريك، وهذا يحتاج لجهود كبيرة وصرف أموال طائلة. إن نجحت أنقرة، نتوقع أن نرى دعوات لإجراء إستفتاء حول إنفصال هذه المناطق عن سوريا وضمها لتركيا. لكن… هل سيتفقُ إرهابيون مشتتو الولاء والعقائد نصفهم زعماء، على قلبٍ واحد؟ إذا كان نوّاب البرلمان التركي تعاركوا البارحة بعد شتم إنغين أزكوتش من حزب الشعب الجمهوري لرئيسه أردوغان، فماذا سيكون حال هؤلاء الإرهابيين؟
مصلحة أردوغان الخضوع للشروط التي سيمليها عليه بوتين، والنزول على السُلّم بهدوء. روسيا تعمل لمصالحها وقد باتت لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط. إن نجح لقاء موسكو اليوم ولو جزئياً سنرى بعض الهدوء على الساحة العسكرية. هدوء مؤقت…
الحرب لم تنتهِ بعد، وحصول جولات أخرى أمرٌ شبه مؤكد، تعود شدتها لما سيجري على الأرض من تحقيق أردوغان للشروط. في حال تلكؤ تركيا، قد نرى جولات أشد مما جرى، وقد عَرِفَ الجيش التركي حدود قوته وإلى أي مدىً يمكن أن يصل، والذين يهوّلون لقدرات المُسيّرات التركية وما فعلته، عليهم أن يقرأوا النتائج على الأرض، لا أن يُحلّقوا في السماء.
تركيا استخدمت عشرات الطائرات بدون طيار ونجحت أحياناً بقصف الجيش السوري، صحيح، لكن ماذا حققت على الأرض من تقدّم؟ طبعاً نحنُ في مركز فيريل للدراسات لا نثقُ بأي تصوير جوي للقصف لأنّ هاوٍ يمكنه صناعة فيديو مشابه لما بثتهُ وزارة الدفاع التركية عن تدمير مئات الدبابات والعربات والمواقع السورية، والمضحك أكثر هو تصريح أردوغان البارحة: (الجيش السوري فقد منذ انطلاق درع الربيع ولغاية اليوم، أكثر من ثلاثة آلاف و200 من عناصره)!! رقم لا يحدث حتى في ألعاب البلي ستيشن.
إن سارت الأمور بشكل طبيعي دون تدخل أميركي لإعاقة أي حلّ، ستبدأ المرحلة الثالثة وهي المرحلة السياسية، وهي أكثر تعقيداً من العسكرية فلا تستغربوا.
سوريا لن ترضى إلا بتحرير كامل أراضيها والصراع بات صراع وجود، والجيش السوري يستعيد عافيته بالتدريج بوصول أسلحة حديثة…
إيران تسعى للتهدئة وكما ذكرنا، من مصلحتها بقاء أردوغان “الإخواني” على قدوم رئيس تركي آخر قومي. المعروف أنّ إيران حليفة للإخوان المسلمين وهذا ليس سراً…
روسيا قررت مواجهة تركيا عسكرياً وإن حصل الأمر في الخفاء على طريقتها، الناتو لن يقاتل الروس من أجل دولة مكروهة من الجميع، باستثناء الغوغاء الذين مازالوا على غبائهم وينظرون لتركيا على أنها دولة عظمى ستعيد أمجاد المجازر والاحتلال. الغوغاء تتحدّث عن “الخليفة” حامي فلسطين والقدس، والطائرات الإسرائيلية تقوم بما عجز عنه الخليفة! أردوغان وسّع “فشختهُ” فتمزّقَ بنطالهُ… وعليه ستر عورته بسرعة قبل أن تتراكم فضائحهُ. إن خضعَ، سينجو وإن قرر توسع الشرخ فالعواقب قد تكون أكبر مما حصل، ودائرة الحرب ستتوسع… د. جميل م. شاهين إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. زيد م. هاشم. 05.03.2020
أردوغان: (إذا لم يتم سحب الجيش السوري من الحدود التي وضعناها فلن تبقى الرؤوس على الأكتاف). لكنّه لم يذكر رؤوس مَن!!