هل جفّ ضرع البقرة السعودية وحان ذبحها؟ إدارة التحرير Firil Center For Studies, Berlin. محمد بن سلمان، الفتى الأرعن الذي زعزع حكم العائلة الحاكمة في السعودية بسبب طيشه وتهوره وفشله في عدة قضايا محلية وإقليمية وعالمية. هكذا يتم وصفُ وليّ العهد السعودي من قِبَل أمراء من أبناء عمومته.
الأمير السعودي خالد بن فرحان آل سعود قال أنّ السعودية تشهد نظاماً دكتاتورياً بوليسيا رجعياً، يتمسك كله بشخص الملك، وقد سرّع النظام في انهيار المملكة. مُعلناً قبل أسبوع عن تأسيس حركة سياسية سعودية معارضة لتكون نواة للتحول السياسي في المملكة، إلى الملكية الدستورية الحرّة التي يملك فيها الملك ولا يحكم…
آراءٌ كثيرة أجمعت أنّ انهيار السعودية بدأ عندما فُرض وليّ عهد لا يستحق الولاية، وانصبت الاتهامات من “المُقربين” على قيام هذا الولي بتشويه سمعة وهيبة المملكة دولياً وإسلاميا وعربياً، وعمل على تبعية المملكة أكثر لواشنطن والغرب، وأهدر الموارد بمشاريعه وهداياه وتبرعاته.
أسباب قد تؤدي لانهيار السعودية
بشكل حيادي وبعيداً عن المقربين والأعداء، هنا مجموعة أسباب سبق وذكرناها بمركز فيريل للدراسات ببحث واسع، حدث قسمٌ منها بانتظار اكتمال الدائرة، لتختفي السعودية عام 2023 كما ورد… شاهدوا البحث.
أولاً: صراعٌ داخلي خفي يدور بين مراكز القوى في العائلة الحاكمة حول سياسات ولي العهد وما قام ويقوم به، مع ازدياد التذمر الداخلي للمواطن السعودي بسبب فرض المزيد من الضرائب، وتردي الوضع الاقتصادي وزيادة نسبة الفقر في أغنى دولة إسلامية. قد تندرجُ حادثة قتل الحارس الشخصي للملك سلمان، اللواء عبد العزيز الفغم، ضمن هذا الصراع. حادثة قتلهِ محل تساؤلاتٍ كثيرة… الجاني ممدوح بن مشعل آل علي خرج وعاد بسلاحهِ وقام بقتل اللواء وعامل فلبيني وجرح عدة أشخاص، ثم خرج ليجدَ الأمن السعودي بانتظاره في الخارج! ويتم قتلهُ مباشرة فيذهبُ هو وسرّهُ… المعارض السعودي المقيم في لندن محمد المسعري، حذر الفغم في أيار 2019، من أنّ ولي العهد محمد بن سلمان، سيقوم بقتلهِ… فهل قتلهُ كان صدفة؟! الملاحظ أيضاً أنّ ذكرى مقتل الخاشقجي الأولى تأتي بعد يومين…
ثانياً: فشلت السعودية قبل وبعد محمد بن سلمان بتحقيق أهدافها في سوريا، بقلب نظام الحكم، رغم ما بذرتهُ من مليارات الدولارات لدعم المعارضين والمجموعات الإرهابية، وآلاف الإرهابيين الذين أرسلتهم لقتال الجيش السوري. الآن تعود الرياض لتمد يد المصالحة مع دمشق، ليس حباً بها أو بالعروبة، بل لمواجهة قطر وتركيا…
فشلت السعودية في حصار قطر، رغم الإجراءات والعقوبات وحصار الدوحة ونظامها الإرهابي اقتصادياً وعسكرياً، الذي كانت تريد إسقاطهُ… كلّ هذا لم يغيّر من سياسة حاكمي قطر كما كان يُخطط محمد بن سلمان، بل على العكس فتح الباب لتدخل النظام التركي وفرد ذراعه في قطر، أي جاء بالدب إلى كرمه… بينما تستمرُ قطر بدعم أيّ تحرّك ينشرُ الفوضى حتى لو كان على القمر!
تورطت السعودية في صفقة القرن والتطبيع شبه العلني مع تل أبيب، مما زاد في كره الشعوب العربية والإسلامية، ليأتي ابتزاز ترامب وسلب مئات المليارات من خزينة السعودية، مقابل بقاء الحكم قائماً، فيزيد الطين بِلةً… كيف لا وباتَ لقبُ السعودية “بقرة ترامب الحلوب”!! الشعوب قبل الحكام جعلت من العائلة الحاكمة أضحوكة وموضع سخرية فأصبحت سمعة السعودية في الحضيض…
تورطت السعودية في اليمن، قتلت الأطفال قبل النساء، وارتكبت مجازر يخجلُ التاريخ منها… استخدمت أحدث الأسلحة الأميركية وفشلت. الحوثيّون بمقدراتهم البسيطة استطاعوا قصف المطارات والقواعد العسكرية ومصافي البترول السعودية، ليقوم قبل يومين ثُلّة من الحوثيين بأسر مئات الجنود السعوديين والمرتزقة بأسلحتهم الفردية… فهل هناك ذلٌّ ومهانة عسكرية أكثر؟.
فشلت في لبنان بدعم أتباعها من سياسيين وأثرياء وزعماء ميليشيات وأحزاب إسلامية، في مسعىً لعزل حزب الله سياسياً على الأقل وتحجيم دور المقاومة اللبنانية. قامت باعتقال سعد الحريري بتوجيه من محمد بن سلمان. وهاهو سعد يواجه “فضيحة” بتبذير أمواله على عشيقة من جنوب إفريقيا بدفع 16 مليون دولار، بينما لا يجد في خزينته أمولاً يدفعها لموظفي تلفزيون المستقبل، فيغلقه… لم تستطع الرياض اخضاع الرئيس اللبناني لها، فتركت لبنان يواجه أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخه…
ثالثاً: في تنافس على زعامة العالم الإسلامي، نصبت السعودية العداء لتركيا وتنظيم الإخوان المسلمين وعلى رأسهم زعيمهم أردوغان. زادت من تدخلها في سوريا بعد فشل خطتها السابقة، بدعم الانفصاليين الأكراد مع الإمارات، لمواجهة أنقرة. فحركت ضدها أيضاً قطر وإيران وفروع الإخوان المسلمين في العراق وسوريا وفلسطين “حماس”. جعلت من إيران البعبع الذي يُخيف الشعوب الإسلامية عوضاً عن إسرائيل، تحدّت طهران عسكرياً بتصريحات “بطولية”، وهي العاجزة عن حماية البترول فوق أرضها… عشرون طائرة درونز جعلتها تصرخُ وهي تحاول إطفاء نيران شركة آرامكو، بينما بريطانيا والولايات المتحدة تراقبان هذه الأسرة الحاكمة التي نصّبتها لحماية آبار النفط، تفشلُ بحماية قصورها من الحوثيين… فكيف يمكنها مواجهة الصواريخ الإيرانية الحقيقية؟ دولةٌ تُبذّر عشرات المليارات على جيشها، فشلت في مواجهة خناجر أنصار الله…
كل هذا تسبب بسخط كبير ليس من قبل واشنطن ولندن فقط، بل من أفراد العائلة الحاكمة السعودية على سياسة الملك سلمان وولي عهده. هؤلاء حاصرهم الأمير محمد ووضعهم بالإقامات الجبرية وجعلهم تحت المراقبة الأمنية. سجن العشرات وسلبهم المليارات وقلّص صلاحياتهم لحساب مصالحه الشخصية… أطلق حملة انفتاح فتصادم مع التيار الوهابي، مسبباً غضباً كبيراً في الأوساط القبلية العشائرية. سجن عدة رجال الدين، بعضهم يستحق أكثر من السجن. غيّرَ في طريقة تطبيق التوريث الديني الحاكم للسعودية والمعمول به منذ أن استلم جده عبدالعزيز الحكم، مسبباً تمرداً في التيارات الوهابية على مختلف توجهاتها العقائدية…
هل يمكن أن تنهار السعودية اقتصادياً؟
تضييق محمد بن سلمان على الأمراء وأثرياء السعودية، للانفراد بالحكم والقضاء على كل صوت معارض، جعلَ المملكة مكاناً غير آمن للاستثمار برأيّ الكثيرين من أثرياء وشركات الدول الأخرى. إذا اجتمعت عدة عوامل مع هذا العامل فالنهاية قد تكون قريبة… فالتوقعات أن يبلغ النمو الاقتصادي للعامين القادمين 0,3% أي انكماش اقتصادي، والسبب بالإضافة للإجراءات التي قام بها ولي العهد وتبذير الأموال العامة، أنّ الطلب على البترول تراجع وسيتراجع خلال الأعوام القادمة، وانخفاض سعر البرميل عن 60 دولاراً يعني عجزاً في الميزانية، فإن أضيف لذلك أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق، فالسعودية مقبلة على انهيار اقتصادي… فرغم مواردها التي تكفي الدول العربية مجتمعة، أكد صندوق النقد الدولي تسجيل عجز مالي بنسبة 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019، علماً أن الحكومة السعودية اعترفت بعجز مقداره 4,2%… هل تخيّلتم؟ السعودية لديها عجز في الميزانية… فهل يمكنها أن تُحاربَ إيران؟ كل ما وردَ يجعل خطة محمد بن سلمان حول مشروعه الخيالي “رؤية المملكة لعام 2030” في مهب الريح طالما أنّه لا يوجد مورد لتنفيذه…
تراكم هذه العوامل، وبعضها مُفتعل من دول خارجية، جعل النظام السعودي يترنح، لهذا أمام آل سعود حلّ واحدٌ لمنع الانهيار السريع، وهو التخلّصُ من محمد بن سلمان بأية طريقة… بجميع الأحوال؛ بقرة ترامب الحلوب سيجفّ ضرعها وذبحها بات مسألة وقت… الأستاذ زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين.