عدد القراءات 74982، تاريخ النشر 29 كانون الثاني 2019. تهويلٌ جديد لعقوبات أميركية، وكأنّ الأمر وليد اليوم، والبارحة كان السوريّون يستجمون على شواطئ ميامي…
عقوباتٌ إضافية ينوي الكونغرس الأميركي تمريرها ضد سوريا تحت تشريعات بأسماء قديمة حديثة، تضمّ بالإضافة لذلك زيادة دعم أتباع واشنطن في الشرق الأوسط.
القانون يعُرف باسم “قانون سيزر” وقد تمت صياغته بطريقة إعلامية “مفضوحة” على أنه لمساعدة المدنيين في سوريا!! ويحمل الاسم: The Caesar Syria Civilian Protection Act، قانون سيزر لحماية المدنيين في سوريا!.
أهداف الخطوة الأميركية
الأمر واضحٌ ولا يحتاج لتحليلات واسعة، القانون يهدفُ إلى ما هو أبعد من مجرد عقوبات اقتصادية:
- إطالة أمد الأزمة السورية ومنع أو على الأقل إعاقة عملية إعادة الإعمار، وتحجيم دور الشركات الإيرانية والروسية وغيرها. الضغط على روسيا لتنفيذ اتفاق قمة فيتنام بتاريخ 11 تشرين الثاني 2017، والتي نصّت على انسحاب كافة القوات العسكرية غير السورية، المعادية والصديقة بما في ذلك؛ الإيرانية. الاستثناء الوحيد هو الجيش الروسي في قاعدتي حميميم وطرطوس. موسكو، وحسب القناعة الأميركية، هي الوحيدة القادرة على إخراج القوات الإيرانية من سوريا.
- دعم أعداء سوريا داخلياً وخارجياً، وزيادة تفكك المجتمع السوري، من خلال السماح بالمساعدات “الإنسانية”، للمناطق التي يُسيطر عليها الإرهابيون والانفصاليون.
- بدعم المناطق التي يُسيطرُ عليها الإرهابيون والانفصاليون وتأمين الحاجات الضرورية، سيظهر أنّ الشعب يعيش هناك بحال أفضل منه في مناطق سيطرة الحكومة السورية، والتقصير والسبب تتحمله هذه الحكومة فقط.
- عدم نجاح الخطة العسكرية أجبر واشنطن على اللجوء للخطة الاقتصادية، فتعمل على تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا لزيادة الضغط على القيادة السورية لتقديم تنازلات سياسية.
- تفاقم الأزمة الاقتصادية سيزيدُ من احباط الشعب السوري ونقمتهِ على قيادته، وهذا كله تحضير لاستحقاقات 2021.
حيثيّات القانون الجديد
في حقيقة الأمر لا نرى في مركز فيريل جديداً في هذا القانون، العقوبات على سوريا قديمة، تشتدُ أحياناً وتتراجع في أخرى، لكن مما وجدناه في القانون هذا:
محاربة أية منظمة أو دعوة لمقاطعة إسرائيل، وزيادة المساعدات الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل و… الأردن.
فرض عقوبات جديدة على سوريا تشملُ أيّ شخص أو جهة خاصة أو حكومية، تنخرطُ في دعم مالي أو صناعي أو تكنولوجي مع الحكومة السورية أو يُشارك حكومتي روسيا وإيران في سوريا.
يستثني القانون المنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا، والتي تُقدّمُ مساعدات إنسانية للمحتاجين… على فرض وصول هذه المساعدات طبعاً.
القانون هو الحزمة الثالثة من العقوبات ضد سوريا منذ 2011، أي ليس أمراً مفاجئاً.
الديموقراطيّون يُعارضون جزئياً هذا القانون، ليس محبة بسوريا أو رأفة بالشعب السوري، Chad Brand المسؤول الحكومي في مجلس Syrian American Council، قال عن سبب معارضتهِ للقانون: “العقوبات لا تؤيد أي نوع من العمل العسكري، ولا ترتبط بأي شكل من الأشكال بمحاولات إبقاء القوات الأمريكية في سوريا”!.
القانون ضد الشعب السوري ولصالح الحيتان!!
بدون شك يؤثر تطبيق هذا القانون سلباً على الوضع الاقتصادي السيء أصلاً، ولكن هل هذا كلّ شيء؟
أولاً: القانون لم يصبحْ ساري المفعول بعد، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير بمركز فيريل في كانون الثاني 2019، ومازال في طور النص النظري فقط، أمامهُ عدة خطوات كي يصبح قانوناً تنفيذياً… وقد لا يصبح أبداً… حتى إن مرّ عبر الكونغرس، يجب أن تتم الموافقة عليه من قبل مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون المعارضون له…
ثانياً: نجح نشرُ خبر القانون “النظري” في إرباك “الحكومة السورية” ومعها الأسواق السورية، وهذا يدلُّ على هشاشة الإثنين معاً ومدى تأثير “الإشاعات” في كليهما!! الأسوأ هو بدءُ استغلال محتكري الاقتصاد من الحيتان لذلك.
ثالثاً: تغيّرت طريقة الغرب في التعامل مع سوريا، من حرب سياسية وتهديدات عسكرية، نفّذت منها جولات قصف جوي كانت بمجملها فاشلة، لتنتقلَ للمخطط B، الذي يتضمن تهدئة سياسية وعسكرية، مع “الحصار الاقتصادي الخانق”.
رابعاً: الحصار الاقتصادي سيكشف عوراتِ المخططين الاقتصاديين الحاليين والسابقين، وعجز الحكومة في زمن الحرب عن تخطي الأزمة. علماً أنّ الحكومات السابقة ليست “أذكى” وأشرف… فالمصاعب الاقتصادية كانت موجودة في زمن السلم، لكنها لم تكن ظاهرة، وقد عملت تلك الحكومات بقصد على المحافظة على دخل المواطن ضمن حدوده الدنيا يوم كان الناتج الوطني جيداً مع انفتاح في سوريا، والحصار الاقتصادي خفيف. تراكمت الأخطاء “الخبيثة”، مع فشل الحكومة الحالية، لتؤدي إلى نتائج أكثر من سيئة على المواطن السوري…
خامساً: في السنوات التي سبقت الحرب، استغل الأثرياء الوضع، وزاد استغلالهم أثناء الحرب، فبرزت أسماءٌ لم نسمع بها من قبل، ساعدتها القوانين الاقتصادية و”المكاتب الفخمة” على توظيف رؤوس أموال داخلية “مسروقة” وخارجية من عدة دول، بينما ازداد فقر المواطن الذي عانى من قذائف الحقد بقدر ما عانى ويعاني من قذائف “ذووي القربى”!
هذه خطتنا، فماذا أنتم فاعلون؟
من ميزات الإدارة الأميركية الحالية الوضوح. هي تقول للحكومة السورية وغيرها: هذا ما سنفعلهُ فماذا أنتم فاعلون؟
الحكومة السورية العتيدة “بشّرت” المواطنين بخطة بديلة لمواجهة العقوبات الاقتصادية، وجاء الخبر كأنهُ “بشارة زفاف ميمون”! وبالرفاه والبنين: (زفّ مجلس الوزراء السوري الأحد 27 كانون الثاني، إلى المواطنين خطته البديلة لمواجهة الإجراءات الاقتصادية القسرية الأحادية الجانب (العقوبات) التي تعاني منها البلاد منذ اندلاع الأزمة السورية بداية العام 2011).
لا ندري إن كان “الأعزاء” في الحكومة السورية يعتبرون مركز فيريل، كما وصلنا، يقوم بالتحريض ضدها. هذا لا يهمنا بأية حال، لكن هكذا خبر نُشر على وسائل إعلام رسمية أقل ما يُقال عنه؛ استخفاف بعقول الشعب… هذا الشعب السوري الذي صمد وتحمّل “نهب” خيراته من قبلهم، ويمتلكُ عقولاً وخبراتٍ أوسع من هكذا مسؤولي “الزفاف” هؤلاء.
إن كان المقصود بالزفاف هذا، رفع معنويات الشعب السوري، فإلقاء القبض على مسؤول فاسد ومحاسبته علناً، أو ركوب مسؤول “رفيع” سيارة عادية دون كتائب حماية خلفهُ… وحتى حصول المواطن السوري على جرة غاز دون قتال، هذه الذي ترفعُ المعنويات… وليس الكلام “الخشبي” الببغائي… ما تعلّمتم ولن تتعلّموا…
لم يقتصر الأمر على بُشرى الزفاف فقط، فبعد ثماني سنوات يكتشفُ مجلس الوزراء “الموقر” ضرورة اللجوء لخطة بديلة، ويُحدّدُ أولويات عمل أولويات عمل ومهام الوزارات خلال المرحلة المقبلة من خلال “الاعتماد على الذات”، وتعزيز الموارد والاستثمار الأمثل لأصول وممتلكات الدولة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي وحصر شراء الجهات العامة مستلزماتها من المنتجات المحلية!!.
بعد ثماني سنوات قرر مجلس الوزراء تخفيض استهلاك الوقود 25% في المؤسسات الحكومية! وقد باشر فعلاً بتخفيض كميات المازوت للمدارس أولاً! بالنسبة لوقود سيارات المسؤولين وأبنائهم وزوجاتهم، لم يصدر تصريح رسمي بكونها مشمولة بالتخفيض أو الرفع!
طبعاً الخطة البديلة شملت إعفاءات للمناطق الصناعية من الرسوم والضرائب ومنح تسهيلات…
هل سمع هذا المجلس “العظيم” بقضية 5 حزيران؟! ومتى سيذهبُ للحجّ؟
ما اكتشفهُ مجلس الوزراء العظيم، فعلتهُ سوريا منذ عشرات السنين، لهذا صمدت خلال السنوات الماضية، وليس بسبب نباهة المسؤولين “الشرفاء”. شعارُ “الاكتفاء الذاتي” أُنجز في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، والعقوبات كانت نفسها، بل أشد وطأةً… إن كانت الحكومة الموقرة تريد استغلال الحرب كي تجد عذراً لفشلها الذريع، فنحنُ عشنا فترة الثمانينات يوم كانت الأزمة الاقتصادية على أشدها، ولم تكن سوريا بوضع سلام مع واشنطن أو تل أبيب، رغم ذلك لم تستورد حبة قمح ولا علبة دواء… التاريخ موجود ومن أراد فليعد لما كانت عليه سوريا قبل الحرب من اعتماد على الذات إلى أن جاء “الانفتاح الذكي”…
رائحة الربيع العربي في جزئه الثاني تفوح من مكاتب مجلس الوزراء، وهذا ليس تجنٍّ أو مبالغة، ما أوردناهُ في مركز فيريل في آب الماضي يُطبّقُ حرفياً في سوريا وغيرها من البلدان العربية، وما تقوم به الحكومة السورية واضحٌ كوضوح ترامب… نطلبُ من السادة القراء مراجعة البحث على الرابط المرافق كي تروا أنّ كلّ ما يحدث يسيرُ ضمن الخطة… ما قامت به الحكومات السورية السابقة والحالية هو التطبيق الحرفي، ويكفي مراجعة تقارير الـ IMF حول العالم العربي بعد بدء الربيع الدموي، نجد أنها لا تزال تركز دوماً على:
رفع الدعم التدريجي عن الغذاء والمشتقات النفطية وسياسات التقشف الليبيرالية (تحرير الاقتصاد) والخصخصة. احذروا من الخصخصة!!
خطة الحكومة السورية هي “خطة تقشفية”، كعقوبات ترامب، ستشمل المواطن السوري فقط، ولن تؤثرَ لا العقوبات الاقتصادية ولا التقشف على المسؤولين وأثرياء الحرب، بل سيزدادُ الفارق بين الموظف “المعثر” والعامل البسيط والفلاح وبين “السوبر أغنياء”. كل هذا سيولّدُ شرخاً قد يصعبُ ترميمهُ في المعادلة التي صمدت بفضلها سوريا: “الشعب. الجيش. القيادة”. مركز فيريل للدراسات. 29.01.2019. الصورة تخبركم ألا تدفنوا رؤوسكم في الرمال لظنّكم أنّكم مختبؤون، وليس بحثاً عن الطعام…
تحديث على التقرير:
في شباط الماضي أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي، مشروع قانون “السياسة الخاصة بالشرق الأوسط”، والذي يتضمن إجراءً يسمح للولايات المتحدة بأن تفرض عقوبات على شركات تشارك في حملات مقاطعة إسرائيل، وتعديلاً يسمح بمعارضة أي خطط لسحب القوات الأميركية بشكل مفاجئ من سوريا، ويوسع التعاون العسكري مع الأردن ويتضمن عقوبات جديدة على سوريا.
في نهاية آذار الماضي 2019، أعاد مجلس النواب الأمريكي بداية هذا العام، تفعيل قانون حماية المدنيين في سوريا “قانون سيزر” لمدة عشر سنوات أخرى، مع توسيع دائرة القانون ليشمل فرض عقوبات على الحكومة السورية في مجالات جديدة تشمل: الطاقة والنقل والأعمال. كما يفرض عقوباتٍ على الأجانب العاملين كمتعاقدين عسكريين أو في مليشيات تقاتل لصالح او نيابة عن الدولة السورية وروسيا وإيران على الأرض في سوريا، بالإضافة لعقوبات جديدة على حلفاء سوريا في مجالات الطاقة والأعمال والنقل الجوي… إذاً القانون تمّ تفعيلهُ، فماذا فعلت الحكومة السورية خلال شهور قبل وضع هذا القانون حيّز التنفيذ؟ مركز فيريل للدراسات.