الكاتبة والباحثة سارة عيسى
عدد القراءات 11812. لم تجلب العولمة معها في مجالات التنمية البشرية فرصاً غير مسبوقة فقط، ولم تُحدث مجرد تغييرات جذرية على كافة الصعد، لكنها أيضاً جلبت تهديداً متزايداً، مع كل فرصة ثمينة ومفيدة للبشرية. إلا أن الأبحاث لم تتوسع كثيراً في دراسة هذه التهديدات، كتأثير العولمة على انتشار الإرهاب الدولي، وحتى إن توسعت هذه الأبحاث، فلن تجدَ آذاناً صاغية، سيما على صعيد حكومات العالم المتخبطة به، ولن تلقى الاهتمام الصارخ الذي تلقاه مكافحة الارهاب، لأنهم يكتفون بعلاج المعضلة دون استئصال أسبابها.
يعطي الجانب المظلم للعولمة الجماعاتِ الإجرامية العنيفة، القدرة على نشر رسالتها وتوسيع عملياتها، واستقطاب آلاف الأفراد الجدد ليرثوا هذا النهج ويكملوا الطريق التي أضحت واضحة وضوح القذى في العين، فتكتمل الرسالة بأحرف من دم. لا يقتصر ذلك الجانب المظلم فقط على تغيير تنظيم وموارد وأساليب هذه الجماعات، وإنما أيضاً تفكيرهم ودوافعهم.، حتى وصلنا اليوم لإرهاب عابر للحدود، وفق أجندات العولمة السباقة لمفعوله المحدود على الأرض.
علاوة على أن التسمية بحد ذاتها تعطي الدول كامل السلطة لاستخدام العنف ضد الإرهاب، وتوجِهها لكيفية التصرف. لكن التعريفات الخاطئة له يمكن أن تؤدي إلى استراتيجيات معيبة في مكافحته، فهي تجادل إلى الآن في طبيعة وسبب الإرهاب، وتعريف الإرهابي. خاصة مع عدم وجود قانون دولي يحكم هذه الظاهرة، ومتَّفق عليه بين الدول الأعضاء.
يرى مركز فيريل للدراسات أنّ بعض الجماعات الإرهابية في الماضي، كانت تمتلك أهدافاً عابرة للحدود، لكنها كانت تفتقر إلى أدوات العالم الحديث في الإعلام والكشف عنها، فيظن البعض أنّ عبور الحدود جديدٌ إرهابياً.
الإرهاب والتكنولوجيا
النجاح الأيديولوجي الذي حققته القاعدة، مشهود لهُ، كونها التنظيم الإرهابي الأول الذي عمل على التكنولوجيا العالمية والأساطير والأيديولوجيات، فكانت أسطورة النجاح العسكري ضد الولايات المتحدة الأميركية، على شكل هجمات 11/9، وبعدها تمكنت من إعلان مسؤوليتها عن تنفيذ عدة هجمات في مختلف أنحاء العالم، من خلال مساعدتها المالية واللوجستية والمادية لفئات صغيرة تنتمي للمنظمة في عدة دول. فإدارة مثل هذه المنظمات العابرة للحدود، وربطها بهويات ومواقع متعددة، يتطلب لوجستيات كبيرة وقدرات تنظيمية. تعود هذه الانتماءات الواسعة للشباب في تنظيم القاعدة، لأنها تروج لأيديولوجية ترتبط بصورة السياسة العالمية، التي قدمت المسلمين على أنهم أبرياء وضحايا القمع الغربي، مكنهم هذا من تكرار السيناريو نفسه على نطاق عالمي.
الأهداف عابرة للقارات على مستوى هذه المجموعات، يمكن توضيح ذلك من خلال دراسة القاعدة وداعش، تستخدم هذه المجموعات لغة دينية عالمية لخلق فهم للسياسة العالمية، يقسم العالم إلى قسمين:
القسم الأول يمثل أن الإسلام هو الجانب الخيِّر من العالم، وهنا تُؤيَّد القوانين الدينية ولايتعرض المسلمون للاضطهاد.
القسم الثاني في الجانب الآخر من العالم يتعرض المسلمون للاضطهاد تحت حكم قادة العالم الظالمين والمستبدين. فهم يقولون دائماً أنه بسبب الترابط الوثيق والاتصال العالي بين المسلمين في أرجاء العالم كـ (أمّة)، يجب على المسلمين أن ينضموا إليهم في حربهم ضد الظالمين، أينما عاشوا وتواجدوا.
النجاح الإعلامي المبهر لداعش
وراء داعش أجهزة عالمية خبيرة في الإعلام والعلاقات العامة
بعد أن أوجزتُ الأهداف العابرة للقارات باستراتيجياتها، أُضيء من مركز فيريل للدراسات، على النجاح الإعلامي الذي يغذي هذا الفكر المشوّه الممتد. فعندما نتحدث عن نجاحات داعش إعلامياً، والتي تكون أصغر بكثير من تأثيرها على أرض الواقع ومجرد لغطٍ وضجة، لا تتعدى ضجة وعاء فارغ وقع على الأرض، عندما نتحدث عن تلك البروباغندا الكبيرة الملاصقة لها دوماً، والتي إن تراجعت قليلاً، اهتز عرش داعش وتكسرت الأسطورة في مرايا أعين الكثيرين، أسطورة يسطر تفاصيلها الغرب بكل براعة. هنا.. نتحدث عن نجاح “العلامة التجارية لداعش”، والبعيدة عن مجرد كونها جماعة إرهابية، وضعت تاريخ كل الجماعات السابقة في جيبها الصغير.
إنها المجموعة التي علمتها أجهزة المخابرات العالمية طرق الترويج لحملاتها الإعلامية باستخدام تسويق جيد التخطيط، وحملات العلاقات العامة المدروسة من قبل تلك الأجهزة، فتستقطب مريديها، وتبثّ الرعب في نفوس محتقريها بآن معاً، وبالتالي تعطي هذه البروباغندا المكتملة الجوانب تلك المجموعة، أبعاداً أكبر من أبعادها الحقيقية وتأثيرها الفعلي في ميدان الحروب.
لقد تعلّم الإرهابيون كيفية تقديم أنفسهم باستخدام مناهجٍ للعلاقات العامة غاية في التعقيد والتطور. يستخدمونها للوصول إلى أسواقهم المستهدفة، واستقطاب أعداد هائلة من الشباب. ويجري تدريبهم على يد أخصائيي العلاقات العامة الذين يلقّنونهم الخطط والتكتيكات المناسبة لإكمال تلك المهمة. داعش تستغل ظهورها في العالم في أوقات هي الآن الأقل في مستويات الوعي، داخل أسواقهم المستهدفة. أي لديهم القوة والسلطة في هذا العصر الرقمي المغيِّب للضمائر والعقول.
استخدمت داعش فيديوهات كثيرة لتدعيم حملات علاقاتها العامة واستهداف تراكيب سكانية محددة، المحبذ في هذه المهمة، هي فيديوهات الدماء والعنف التي تستخدم بكثرة في الشرق الأوسط، فلكل منطقة ديمغرافية فيديوهات تختلف عن المنطقة الأخرى. لكنها تستخدم نسخ مسالِمة وأكثر نظافة ورقي في مناطق المجتمع الغربي. العلاقات العامة للتجنيد كلها تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدم من قبل الشباب أكثر من أي فئة عمرية أخرى. فتستغل مشاعر المراهقة المتسرعة والفوارة، عبر المحادثات الحية الكتابية أو الصوتية أو الصورية، لإيجاد مساحة لهم في ظل ظروف الكبت والتخلف للتعبير عن أيديولوجيتهم وتعزيزها. لابد أن أنوه هنا إلى أن من يحادثهم على الطرف الآخر، هو شخص من أكثر الشباب دهاءً وحجة.
المبالغة في تسويق منتجهم لضمان نجاح الاستقطاب، من خلال العنف وصور الدماء، يعود لتعويدهم وإصابتهم بالخدر أمامها، فلا يشعرون بشناعة جرائمهم. كما كانت تفعل النازية التي صبت جهودها في جعل أتباعها مخدرين أمام أعمالهم العنيفة. وذلك من خلال انتهاجها أولاً العلاقات العامة.
عندما تكون العلامة التجارية في المقدمة والمركز عالمياً، فإنه يجب دعمها الدائم بالعلاقات العامة.
نلفت النظر إلى أن أحد استراتيجيات العلاقات العامة الهامة والخطيرة المُتبعة مع داعش، والقاعدة قبلها، هي بيان قوة داعش وقدراتها عسكرياً وجغرافياً، من خلال الضربات الجوية الأميركية في سوريا والعراق والتي لم تستطع رغم مرور سنوات عليها أن تحقق أهدافها بالقضاء على التنظيم، وقبلها هجمات 11/9، التي شلت العالم أياماً أمام التلفاز، فهل يُعقل أنّ داعش أقوى من الناتو؟
توزع أشرطة الفيديو عن طريق قناة الحياة، المركز الإعلامي لداعش، والذراع الاعلامي لعلاقاتهم العامة التي تأسست في أيار 2014.
من غير الواضح من يقف وراء هذه القناة لكن يُعتقد أن تكون مبادرة أبو طلحة الألماني، المعروف باسم ديسو دوغ، مغني الراب السابق، الذي غادر أوروبا للقتال في صفوف داعش في سوريا. يتبع هذا المركز استراتيجية عامة في نشر المواد الإعلامية بعدة لغات، بما في ذلك الأشرطة الحديثة، أو ترجمات لأخرى أقدم تاريخاً، بالإضافة للمقالات والتقارير الإخبارية والمواد الجهادية. ويعلل هذا الألماني دوافعه بالإنضمام إلى داعش، معبراً أنه بايعها لمساعدة الأخوة والأخوات، وتعليمهم كيفية جعل الدعوة ركناً أساسياً في حياتهم، لأنهم عاشوا فترة طويلة في الذل ولا يعرفون قوانين الله.
السؤال الواضح: ألا تستطيع دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تدّعي أنها تُحاربُ الإرهاب، قطع الاتصالات والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي عن هذه المنظمات الإرهابية… إن أرادت؟!!