
الإرهابي في الأمم المتحدة! بحثٌ في آخر مستجدات الملف السوري وزيارة الإرهابي الجولاني وفريقه، إلى نيويورك في الولايات المتحدة. 28.09.2025. الباحث زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات
يستمرُ “هُمرُجان” المستنفعين من وجود الجولاني وحاملي الكرسي، بصورةٍ مماثلة لما حدث مع محمد مرسي العيّاط سابقاً، وبتطابقٍ بعيدٍ غير تام، وكأنهم لم ولن يقرؤوا أيّ تاريخ أو لغة عربية فصحى، ولأنّهم “شُطّار”؛ يعشقون التكرار، ومعهم مَنْ صدّقَ ويُصدّقُ هُمرجانات حكومة المتخلّفين، والأصح حالياً؛ حكومة “الجُهلة” بضمّ الجيم حسبَ قاموس العصابة الإرهابية، القادمة من قرون “الجُهل” لتحكم شعباً هو الأقدم حضارياً في التاريخ، دون أن تُقدّم له أبسط مستلزمات الحياة.
الجولاني والعيّاط في الأمم المتحدة
بتاريخ 26 أيلول 2012 يوم الأربعاء تحديداً، ألقى محمد مرسي العيّاط كلمة مصر من منبر الأمم المتحدة في دورتها الـ67. كانت عناوين المطبلين في مصر وتركيا آنذاك: (الرئيس محمد مرسى، يُلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. بعد غياب مصر 23 عاماً)، بعدها التقى العيّاط بزعماء العالم بينهم باراك أوباما. رئيسة البرازيل ديلما روسيف، ومع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ثم رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة واجد. حتى رئيس البنك الدولي كان له جولة من المباحثات السريعة مع الرئيس الإخواني، للحصول على المزيد من القروض، ولن ننسى هيلاري كلينتون، وداليا مجاهد، ورئيسة سويسرا. كذلك التقى العيّاط برئيسة وزراء أستراليا جوليا جولارد، ودون شكّ التقى بزعماء قطر “الحبيبة”. يومها “أبدعَ” مُرسي بلغته الإنكليزية وكان “احترامهُ” من الجميع واضحاً. في كلمته تحدّث عن السودان، وثورة مصر والنظام البائد. نيويورك تايمز والغارديان البريطانية ركزتا، حسب إعلام العيّاط، على كلمته التاريخية العميقة، فقالت: (يُلبي الرئيس المصري مطالب شعبه)!
الأمر ذاتهُ ينطبقُ إلى حدّ بعيد على الإرهابي السابق والحالي والمستقبلي، المُلقّب بأبي محمد الجولاني، من لقاءاتٍ و”احترام” وتلبية مطالب الشعب والنظام البائد! وكأننا أمام سيناريو مُكرر مُعدّل قليلاً مع تغيير الاسم، من عيّاط إلى مجهول النَسَب، الفوارق أنّ الجولاني كان أكثر خنوعاً وإذلالاً من العياط، ولم يُبدعْ بأية لغة حتى العبرية فماذا جرى لهذا الجولاني هناك؟
زيارة الإرهابي لنيويورك، حدثٌ مفصلي
دونَ شك، زيارةُ زعيم تنظيمٍ إرهابي لنيويورك، هي حدثٌ مفصلي في الملف السوري، ولا يعني ذلك أنّهُ شخص هام أو مسؤول رفيع المستوى، بل ما يُحاول الغرب وحتى الشرق تقديمهُ عبرهُ، هو الأمر الهام: إرهابيّ مسؤول عن قتلِ عشرات الآلاف، وباعترافٍ دولي، وليس اتهامٌ من مركز فيريل، يوضعُ هذا الإرهابي على كرسيّ الرئاسة في سوريا، بهدفِ الانتقام والحقد “الإسلامي العربي”، ثم حقد وانتقام دولي من سوريا كحضارة تاريخية ومن الشعب السوري. أول المنتقمين الحاقدين هي زعامات الدول العربية دون استثناء.
بعيداً عن كمّ الإهانات التي تلقاها وفدُ “جبهة النصرة الإرهابي” في هذه الزيارة، نتحدّثُ عن انتقال الملفُ السوري من الترتيبات الإقليمية إلى الدولية، ومعه تقتربُ “مهمة الجولاني” خطوةً من نهايتها. المؤكد أنّ الزيارة جاءت بموافقة إسرائيلية أولاً، فالمصالح الصهيونية الأمنية في الجنوب السوري، كانت محوراً أساسياً في النقاشات هناك. هذا بالإضافة لمحاور أخرى نستعرضها بعجالة:
المحور الإسرائيلي
سبقَ وتحدثنا عن هذا الموضوع في المقالة السابقة، لكننا ننشرُ بعض المعلومات الأحدث والتي وصلت مركز فيريل. يتمُّ وفق المحور الإسرائيلي؛ تثبيتُ منطقة عازلة، منزوعة السلاح يُحظر على “جيش النصرة” دخولها، في ثلاثة محافظات سورية، بعد احتلال كامل محافظة القنيطرة وضمّها لتل أبيب، تحتَ عيون أبناء حيزبون الأشاوس. تمتد المنطقة العازلة حتى حدود العراق والأردن طبعاً، تمهيداً لتنفيذ “ممر داوود” وبمساعدة حكومة الجُهل. إطلاق يد إسرائيل جوياً بصورة أوسع في العمق السوري، برحابة صدر من الجولاني وجماعته طبعاً. وذلك لشنّ هجوم ضمن سوريا أو ضد إيران، وسيتمّ تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود والعتاد فوق الأراضي السورية، أي ستكون لإسرائيل قواعد عسكرية في سوريا. فعلياً وحسب معلومات مركز فيريل؛ بدأ العملُ لإنشاء قواعد جوية للجيش الإسرائيلي في سوريا. واضحة؟
المحور الفلسطيني في سوريا
على حكومة الجُهلة القضاء على أي وجود فلسطيني مسلح أو غير مسلح، بحيث يتم محو اسم فلسطين من أدمغة السوريين، ومن المناهج التعليمية. حتّى في وسائل التواصل الإجتماعي؛ على سلطات الإرهابي الجولاني ملاحقة أي شخص يضع “بوست” يتحدّثُ عن القضية الفلسطينية، بدأ التطبيقُ العملي، فلا تستغربوا. في المرحلة التالية، سنرى تغيير المناهج التربوية نهائياً، ونزع اسم فلسطين وأية إساءة لليهود، والأصح تزوير التاريخ من ناحية وجود دولة لهم، لأنهم ليسوا من المغضوب عليهم وليسوا من الضالين، حتى هذه يجب أن تتغيّر! القصد واضح، هذا إن استمر الطرفان بالوجود؛ الإرهابي والمحتل
المحور الأميركي الروسي في سوريا
الضوء الأخضر الأميركي الروسي لإسرائيل لترتيب المشهد الميداني، واضح، لكن موسكو تتعامل ببراغماتية أوضح، للحفاظ على مكاسبها في الساحل السوري. بطريقة أوضح: هناك تقاسم أدوار غير مُعلن رسمياً، دون اتفاق، أي توافق وليس اتفاقاً ثابتاً وهذا يعني التالي: لن تستطيع واشنطن أو موسكو الاستفراد بسوريا، هناك حصص لهما أولاً ثم تأتي باقي الكيانات. ضمن النفوذ الروسي؛ بدأت إعادة عدد من قيادات الجيش السوري إلى عملها، بينهم ضباط مخابرات عسكرية. الإقامة ستكون في الساحل السوري، والوظيفة من وزارة الدفاع السورية. الصفة الرئيسية لهم أنّهم من مؤيدي الوجود الروسي سابقاً وحالياً. هذا الأمر يتم بموافقة أميركية مباشرة، وعندما نقول في مركز فيريل أميركية فالإسرائيلية مشمولة، لأنهما واحد. كما بدأ يعود عشرات رجال الأعمال، بعضهم من “المغضوب عليهم” أميركياً “ظاهرياً”، رامي مخلوف ليس بينهم حالياً على الأقل. منهم مَنْ رُفعت أسماؤهم عن لوائح واشنطن. نتطرّقُ لهذه الفقرة لاحقاً.
إذاً الساحل السوري؛ إقليم شبه مستقل تحت نفوذ روسي تام. ليس دولة مستقلة، حالياً. السويداء؛ حكم ذاتي مع ارتباط اقتصادي بدمشق وعمّان، وسيطرة عسكرية سياسية أمنية إسرائيلية مباشرة.
محور المقاومة. عودة إيرانية لسوريا!
عودة محور المقاومة كما كان قبل سنة، مرفوض أميركياً وروسيّاً أيضاً. لكن هناك اتصالات لعودة “جزئية” لإيران إلى سوريا، على شكل مصالح اقتصادية أو استثمارات محدودة، والغطاء دائماً (مساعدة الشعب السوري)، مع رقابة إسرائيلية مباشرة لمنع أيّ تواجد عسكري يُهدّد أمنها. ثلاثة أسباب رئيسية نراها في مركز فيريل لحصول التوافق على عودة إيران إلى دمشق: أولها خلق توازن مع التدخل التركي في سوريا، وسط كُساح عربي. ثانيها: المساعدة في محاربة تنظيم داعش الذي يعود حسب “الطلبات الغربية”. وثالثها: رغبة تركية لمنع قيام كيان كردي مستقل في سوريا، يتوسع في المناطق الشمالية الغربية من إيران نفسها. لهذا كله؛ نرى “تراخياً” من “حكومة الجهل” تجاه إيران، بالقول: “لسنا في حالة قطيعة دائمة مع إيران!” إذاً لا تستغربوا إعادة فتح السفارة الإيرانية بدمشق الفترة القادمة.
السيناريوهات القادمة على سوريا
الاحتمال الأول الأضعف؛ بقاء الجولاني فترة طويلة
نتحدثُ هنا عمّا قاله يوماً من احتمال بقائه سنواتٍ خمس، وهذا سيناريو ضعيف، فهو مع حكومته، وبصورة غير قانونية، رئيس وحكومة مؤقتة، باعتراف الدول العظمى. مهمتهم تصريف الأعمال وليس عقد المعاهدات والاتفاقيات، لكن حتى إن كان مُراقباً ومؤقتاً، فبقاؤهُ ولو لنهاية العام 2025، هو تكريسٌ لحالة استثنائية في سوريا، وتوطيد للأمر الواقع بتقاسم سوريا ضمن أقاليم (الساحل. الجنوب. الجزيرة السورية. الوسط)، بقاء الجولاني ومَنْ معهُ مرتبطٌ خارجياً بتحقيق أهداف إسرائيل أولاً، وهذا تقومُ به حكومة الجُهل بصورة جيدة. وكذلك تحقيق أهداف موسكو وأنقرة والرياض والدوحة، وهنا يحدثُ تناقض بالمصالح ولا يمكنُ لهؤلاء مع انعدام خبرتهم السياسية، تحقيقَ أيّ توازن.
داخلياً؛ لم تُحقق حكومة الجُهل أيّ تحسّن في الوضع الداخلي بكافة جوانبه؛ الأمنية الاقتصادية المعيشية، بل تراجعت الأوضاع نحو الأسوأ فالأسوأ، والنقمة الشعبية تزداد، مهما تعالت أصوات الطبول القطرية والتيك توكية. إذاً؛ بقاء الإرهابي الجولاني في قصر الشعب بدمشق، ولفترة سنوات، أمرٌ يحتاجُ لمعجزة.
الاحتمال الثاني؛ انقلابٌ عسكري
هو الاحتمال المُرجّح خلال الفترة القصيرة القادمة. بناءً على ما ارتكبتهُ “عصابات الجولاني الإرهابية” من مجازر طائفية، لن يمرّ مرور الكرام. وكي لا يخسرَ “السُنّة” الحكم، مع رفضنا الدائم للتعابير الطائفية؛ لهذا بدأ تشكيل (مجلس عسكري سياسي سوري)، يوصف بـ”السنّي المعتدل”، برعاية روسية إسرائيلية، يرأسهُ “مناف طلاس” وبعضوية قوية من (أحمد هيثم العودة) في درعا، وربما نرى انضمام “مظلوم عبدي” قريباً، ليُعطى منصباً عسكرياً هاماً في “الجيش السوري” القادم، يبدأ من قائد للأركان إلى وزير دفاع، وبالتالي تجنيب سوريا مجازر في الجزيرة بين قسد وعصابات الجولاني.
الهدف المُعلن من هذا المجلس؛ المحافظة على سوريا، أمنيا وسياسياً، خلال المرحلة الانتقالية “القادمة”، أي هناك مرحلة انتقالية قادمة أيضاً. يتم خلالها التخلّصُ من بقايا التنظيمات الإرهابية التي تحكم سوريا حالياً، بمن فيهم عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب، وبرقابة إسرائيلية لصيقة، ومساعدة روسية أميركية تحت شعار “التخلّص من داعش”، إذاً نتوقعُ في مركز فيريل “تحريك” داعش لخلق مبررات لهكذا انقلاب عسكري.
مع هكذا قيادة عسكرية جديدة، إن حصل هذا الانقلاب، وسيكون دموياً في بعض مراحله، سيتمُّ التخلّصُ من المظاهر الدينية الفارغة الحالية، والشعارات الطائفية واستبدالها بدولة علمانية. لكن النتيجة: دولة سورية مهلهلة مستباحة، أقل سوءاً من الحالية.
اليوم ولمن يسأل ومنذ 2011 قلناها في مركز فيريل، لا توجد دولة أصلاً، إنما أطلال دولة فاشلة.
الاحتمال الثالث، الفوضى الشاملة
سيندرجُ هذا الاحتمال “المُرعب” ضمن انهيار الأمن العالمي، بتوسع الحروب وتعددها وصولاً لحرب عالمية ثالثة واضحة. احتمال قائم للأسف، وانشغال العالم بحرب واسعة في أوروبا بين الناتو وروسيا، وحرب كبرى في بحر الصين. سيُعطي “الإرهابيين” الحاكمين الفرصة للمزيد من المجازر والسلب والنهب والخطف. والاقتتال بينهم أيضاً، بحيث يهربُ الجولاني وجماعتهُ ويختبؤون تجت الأرض، أو يخنفون بالذهب الذي سرقوه. هنا سيُكرّس تقاسم سوريا واختفاء اسمها عن الخارطة. نتمنى ألا نرى هكذا وضع في أية دولة في العالم، ونتوقف عن الوصف هنا.
ختاماً رأي مركز فيريل للدراسات
بعد كمّ الإهانات التي وجهها دونالد ترامب “رامبو” لضيوفه، وعلى رأسهم رجب طيّب أردوغان، باستخدام الذمّ بطريقة المدح، حول تزوير الانتخابات في تركيا مثلاً، ثم “جهل” وغباء ترامب ومستشاريه بالتاريخ، في محاولة لجرّ تركيا إلى فخّ ارتكاب مجازر بحق الأكراد، تمهيداً للاصطدام مع تل أبيب، هنا نجد وضعاً محرجاً لأردوغان؛ فلا هو قادر على مواجهة إسرائيل، ولا هو قادر على مواجهة الداخل التركي الغاضب من حكمه، وعجزه عن منع قيام كيان كردي مستقل على حدوده. في الحالين؛ تركيا خاسرة، إن تدخلت ضد قسد أو تفرّجت، فحكومة الجهل لن تتجرأ لوحدها على تنفيذ المجازر ومحاربة قسد، وهنا نرى في مركز فيريل انسحاباً تركيّاً قطرياً مُخزياً من المشهد السوري لكن بالتقسيط.
في حال التخلّص من الإرهابي الجولاني وزبانيته، وقدوم مجلس عسكري بعد تقديم بني حيزبون لدرعا والسويداء وريف دمشق هدية لإسرائيل. سنرى دولة سورية علمانية، على الأقل اسمياً، ضمن كيان فيدرالي أو شبه فيدرالي بتوافق دولي، أهم ميزات هذه الدولة، لا جيش قوي لها، لا قومية، أي دولة ضعيفة مستباحة بدون سيادة، لكنها بالنسبة للحياة المعيشية والأمنية للمواطن، ستكون أقلّ سوءاً من الوضع الحالي. ونقولُ هنا أقل سوءاً وليست سويسرا الشرق.
فعلياً سوريا اليوم بحالة وصاية دولية، ولا يمكن وصفها بالدولة. الأقلمة والتقاسم يجري تثبيتهُ كأمر واقع. همّ السلطات الإرهابية الحاكمة البقاء على الكراسي، وليذهب السوريون إلى الجحيم، بقاؤهم واستمرارهم مرهون بقدرتهم كأفاعي على تغيير جلودهم بسرعة، وخلال الشهور القادمة، والأهم؛ رضى تل أبيب عنهم فهي القائد الفعلي لهم والأكثر نفوذاً في سوريا حالياً،
ما جرى في نيويورك هو الموافقة “العلنية” على سوريا الضعيفة المُستباحة ولكلّ حصّته فيها، بينما آخر مَنْ يهمهم، دون استثناء زعيم أو دولة، هو المواطن السوري. ماجرى في نيويورك دون رتوش، هو زعاماتٌ ذليلة جاهلة بأصول اللباقة والديبلوماسية، تُقبّلُ الأيادي كي يحضرَ مانويل ماكرون خطاب الإرهابي الجولاني، في قاعة فارغةٍ إلا من وفده، وحتى ماكرون الذليل رفض الحضور! فأيّ مذلةٍ هذه؟ إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 28.09.2025. الباحث السوري زيد م. هاشم.