قصفُ إيران؛ من السعودية أم من أذربيجان؟ 07.03.2023. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. برلين.

قصفُ إيران؛ من السعودية أم من أذربيجان؟ 07.03.2023. مركز فيريل للدراسات. إدارة التحرير. الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center For Studies FCFS Berlin

تحركاتٌ محمومة هذه الأيام حول وداخل طهران، ترافقت مع بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA حول اكتشفها جزيئات يورانيوم مخصب بدرجة قريبة من 90%. نشاطاتٌ عسكرية في السعودية ومصر والأردن والكيان، والأخطر وصولها إلى تركيا ثم أذربيجان، فما هي النوايا والتوقعات؟ وهل من جديد أم مجرد تهديدات وزوبعة في فناجين القهوة الفارغة حتّى من كرم الضيافة؟

ذريعة قصف إيران باتت جاهزة

في نهاية شباط الماضي صرّحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنّ تخصيب اليورانيوم وصل إلى 83,7%، أي على مقربة من الدرجة اللازمة لصنع أسلحة نووية. المكان منشأة Fordow النووية جنوب مدينة “قم”.

التبرير الإيراني كان أنّ السبب هو مصاعب تقنية في أجهزة الطرد المركزي! طبعاً لم يقتنع أحد بهذا التبرير. بالإضافة لقرب وصول صفقة طائرات سوخوي الروسية ومعها دفاعات جوية SA-21 Growler كما يسميها الناتو. إيران زوّدت روسيا بمسيرات في حربها ضد أوكرانيا وأنشأت مصنعاً لها قرب موسكو، حسب الإعلام الغربي، ملف إيران الصاروخي. ملفاتٌ كثيرة أخرى كدعم المعارضة المسلحة أو ميليشيات وتزويدها بالأسلحة.

كلّ ما ورد قدّم ساعة ضرب إيران غداً، بالمعنى المجازي، أو التخلي عن هذه الفكرة نهائياً، فدخولها نادي الدول النووية يعني أنّ قصفها سيصبحُ ضرباً من الجنون.

هنا تحرّك أعداء طهران في العالم خاصة في المنطقة، وكلٌّ له دوافعه الداخلية قبلَ الخارجية. حتى جو بايدن؛ قد يجدُ نفسهُ أمام خيار واحد هو قصف إيران، ولكن كيف ومَنْ سيساعده؟

السعودية ومصر والأردن أول المساعدين

نرى أن التمنيات العربية بقصف إيران ودرء خطرها نهائياً أو على الأقل جزئياً، قد خرجت من نطاق التمني إلى العمل والآن اقتربت من التنفيذ وإن كان بالسرّ. أكثر ما تخشاهُ الدول العربية المحاذية لإيران هو ردة فعلها على أية مساعدة لوجستية أو حتى إعلامية، لهذا لن تُشارك دول “التمني” بدعم أي تحرّك أميركي أو إسرائيلي عسكرياً بشكل صريح، وسنجد أنّ “الحماس العربي” محصور بمجملهِ بالدعم المالي، هذا إنْ قرر البيت الأبيض أو جُرَّ لهكذا قرار جرّاً.

اجتمع في العاصمة عمان الأحد الماضي، الملك عبد الله الثاني الأحد بوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن. صحيحٌ أنهما تحدثا عن تصاعد العنف في فلسطين، وشدّدا على “التهدئة” بالإضافة لكلام مكرر ممل عن “حقنة تخدير” إطلاق مفاوضات السلام وحل الدولتين، لكن حسب معلومات مركز فيريل للدراسات؛ كان لإيران نصيب كبير من المباحثات ودور الأردن في أية عملية عسكرية “محتملة”.

التصريحات الأميركية أشارت بطريقة ما لما ورد؛ فماذا تعني طمأنة الحلفاء في الشرق الأوسط في المجالات الدفاعية، والشراكة الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة؟ التعاون الدفاعي بين واشنطن والرياض وعمّان والقاهرة، ضدّ مَنْ؟ بالتأكيد ليس ضد تل أبيب؟

للسبب ذاته زار أوستن القاهرة، مع “ديباجة” التأكيد على ضرورة احترام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحقوق الإنسان، و “قلق” البيت الأبيض وانشغالهُ بهذا الموضوع! وزار تل أبيب، وبالتأكيد لم يتحدثوا عن المناخ، واليوم في بغداد مع حديث عن الأكراد ودورهم القادم.

أيضاً للسبب ذاته، زار  يوم السبت 04 آذار 2023، رئيسُ هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي المناطق التي تحتلها القوات الأميركية ومعها ميليشيات قسد الانفصالية، بذريعة تقييم الجهود المبذولة لمنع عودة ظهور “داعش”! لكنه استحضرَ إيران بالقول أنه هناك لدراسة حماية قواته من هجمات المسيرات الإيرانية.

من اليمن تبدأ القصة

السعودية تُطلق برعاية الولايات المتحدة مناورة “الرمال الحمراء”، الهدف الرئيسي هو “التصدي للمسيرات الإيرانية” وباستخدام أحدث الطرق العسكرية. الأسلحة الأميركية هذه تخرج للمرة الأولة خارج الولايات المتحدة. التصريحات الأميركية كانت واضحة حتى إن حاولت بعض العواصم العربية إخفاء الهدف من هذه التحركات، فتصريح وزارة الدفاع الأميركية عن مناورات الرمال الحمراء كان: (لقد فشِلَ الاعتماد على الطرق التقليدية في ردع هجمات إيران) كما أنّ فشل المفوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية الأخيرة في مسقط، قد يقود لجولة جديدة من الحرب في اليمن ستطالُ السعودية، لهذا فالضربة، إن حصلت، قد تبدأ باليمن...

الجنرال الأميركي Kenneth Franklin McKenzie Jr. ، القائد العام للقيادة المركزية للجيش الأميركي في الشرق الأوسط حتى نيسان 2022 قال: أحد أسباب وجود أوستن في الشرق الأوسط هو دور الصين المتنامي.  كما أنّ الزيارة ركّزت على التهديد المتزايد الذي تشكله إيران على استقرار المنطقة، وعلى تعزيز التعاون الأمني متعدد الأطراف بأنظمة دفاع جوية وصاروخية متكاملة.

ماذا عن الأخطر؛ أذربيجان؟

علاقة أذربيجان، الدولة الإسلامية الشيعية، بإسرائيل متينة جداً، فبعد حصولها على استقلالها 18 تشرين الأول 1991 عن الاتحاد السوفيتي، كان أول ما قامت به بعد أقل من ستة أشهر بزعامة رئيسها إلهام علييف، هو افتتاح سفارتها في تل أبيب وانتداب الوزير مختار محمدوف سفيراً لها.

منذ ذلك الحين، وعلاقات باكو بتل أبيب تزداد متانة بكافة النواحي الاقتصادية والسياحية وطبعاً العسكرية. فمنذ 1997 وبعد زيارة بنيامين نتنياهو لأذربيجان، وصلتها شحنات أسلحة ثقيلة شملت طائرات وأنظمة دفاع جوي ومدفعية، لتتصدر إسرائيل قائمة أكثر الدول التي تُصدّر أسلحة لأذربيجان.  

تحالف عسكري إسرائيلي أذربيجاني

العلاقات بين باكو وتل أبيب ترقى لدرجة التحالف، وهذا ما لا يمكن إخفاؤه. فالتعاون العسكري لا يشمل استيراد الأسلحة فقط بل وصل إلى إنشاء المصانع ومنذ 14 عاماً، فشركة Aeronautics Defense Systems Ltd الإسرائيلية، المتخصصة بتصنيع المسيرات، بنت مصنعاً لها في أذربيجان منذ عام 2009. أثناء عدوان أذربيجان على أرمينيا، ظهرت طائرات IAI Harpy الإسرائيلية الانتحارية بكثافة ضد الجيش الأرمني، ولعبت دوراً هاماً في سير المعارك.

تُعتبرُ تل أبيب أكبر مُصدّر للأسلحة إلى أذربيجان. معهد Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI) في السويد والمختص بالأسلحة، ذكرَ في تقريره السنوي أنّ السلاح الاسرائيلي يُشكّلُ  69,4% من الأسلحة الرئيسية في أذربيجان، حيثُ تستورد سنوياً بمئات الملايين من الدولارات من تل أبيب.  

تشرين الأول 2020 وجهت منظمة العفو الدولية في لندن، التهمة لجيش أذربيجان باستخدام قنابل عنقودية ضد المدنيين في مدينة Step’anakert الأرمنية، هذه القنابل صناعة إسرائيلية.

صحيفة Haaretz الإسرائيلية في تقريرها الاستقصائي الأحد 05 آذار 2023: (قامت طائرات  Iljuschin Il-76 الأذربيجانية بـ 92 رحلة، على مدى 6 سنوات، إلى مطار عوفدا شمالي إيلات وجنوب فلسطين، حاملةً معها شحنات أسلحة إسرائيلية الصنع إلى باكو).

طائرات حربية إسرائيلية في أذربيجان، ماذا يجري؟

رُغم أنّ الأخبار الحالية تتحدث بكثير من الاندهاش عن تعاون عسكري جوي بين تل أبيب وباكو، إلا أنّ هذا التعاون عمرهُ 11 عاماً. ففي 29 آذار 2012 وقّع الطرفان اتفاقية عسكرية يُسمح بموجبها للطيران الحربي الإسرائيلي استخدام القواعد الجوية الأذرية، والكلام للإعلام الإسرائيلي ولصحيفة Haaretz الإسرائيلية في نفس المقالة التي باتت شغل الإعلام العالمي والعربي. أما معلوماتنا فتقول أنّ عدة قواعد جوية تتواجد فيها الآن وسابقاً قوات إسرائيلية. ليست فقط قاعدة Sitalchay Military Airbase، البعيدة نوعاً ما عن حدود إيران، بل في قاعدة Kurdamir Air Base وسط البلاد، وقاعدة Dallar Air Base.

العلاقات العسكرية وصلت إلى التنسيق الكامل في مجال الاتصالات والمراقبة الجوية، ويمكن للطائرات الحربية الإسرائيلية منذ 2012 أن تقصف طهران، وبرنامج إيران النووي لكن الضوء الأخضر الأميركي لم يسطع، ولا ضمانة لعواقب هكذا عمل طائش.

تحدثنا في 04 آذار الحالي قاعدة عسكرية خطيرة أسسها الناتو 2010 بعد مؤتمره في لشبونة عاصمة البرتغال، القاعدة كورجيك Kürecik و هي خط دفاع أول عن إسرائيل. في القاعدة رادارات إسرائيلية حسب المقالة، راجعوها على الرابط. أذربيجان دولة تابعة لتركيا، ولهذا فالدور التركي ضد إيران واضح. لكن ماذا عن الدور السعودي التركي؟

السعودية تدفعُ فاتورة الحرب لأردوغان ونتنياهو سلفاً

قبل يومين نشرنا على صفحة مركز فيريل على الفيس بوك “بوست موجز” حول تقارب سوري سعودي بوساطة خليجية مصرية. لكن هذا التقارب يصطدم بطلبات سعودية لا تنتهي من سوريا، أول هذه الطلبات وأهمها التخلي التام عن أية علاقات مع طهران، وبهذا تكون:

أهداف ومطالب السعودية وإسرائيل من سوريا واحدة!

العالم كلّهُ لاحظ أنّ آخر دولة ساعدت ضحايا الزلزال في سوريا هي السعودية، لكنها بنفس الوقت هبّت لمساعدة تركيا بنخوة منقطعة النظير! وبدون حساب وبكرم مبالغ فيه وصل إلى المليارات. نعم مليارات من الدولارات!

الصندوق السعودي للتنمية، وهو القناة الرسمية التي تقدم عبره السعودية مساعداتها الإنمائية للدول، وقّع البارحة الإثنين، اتفاقاً مع تركيا يودع بموجبه 5 مليار دولار في البنك المركزي التركي.

السبب حسب الرياض؛ أنّ هذه الوديعة هي امتداد للعلاقات التاريخية وأواصر التعاون الوثيقة التي تجمع السعودية مع تركيا وشعبها الشقيق! يبدو أن السوريين من كوكب آخر.

أما السبب الحقيقي برأي مركز فيريل؛ فهو دعم أردوغان، والأصح شراءهُ في أية عملية عسكرية قد تقوم بها تل أبيب وواشنطن عبر الأراضي التركية وصولاً لأذربيجان ثم طهران. والعدوان الأخير بقصفُ مطار حلب ما كان إسرائيلياً، بل مشتركاً ومقدمةً لما قد يقومُ به “الأشقاء” قبل الأعداء.

هل هناك إذاً ضربة عسكرية لإيران؟

هو التهديد ربما رقم ثلاثين بقصف إيران، وهذا ذكرتهُ بتاريخ 21 أيار 2022 ولم يحدث شيء وقبله كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية الأحدث في العالم F-35  موجودة في مطار ات أذربيجان قبل تشرين الأول 2021. راجعوا المقالة.

الجديد هنا أكثر من أيّ وقت مضى:

إيران على مرمى أسبوعين فقط من تغييرات خطيرة. شحنات أسلحة روسية حديثة وصلت وتصلُ تباعاً، التخصيب دخل مرحلة نهائية قبل تصنيع قنبلة أو رؤوس نووية. وبالتالي، إما أن يوقفوا إيران اليوم أو عليهم أن ينسوا الأمر ويقبلوا بالواقع.

أيضاً؛ الولايات المتحدة في وضع سياسي وعسكري هو الأضعف منذ الحرب العالمية الأولى، ودورها تراجع بشكل كبير. هي عاجزة، نعم عاجزة، عن الدخول في حرب مباشرة مع روسيا والصين، ليس لأنها أضعف منهما عسكرياً، فقد لا تخسر هكذا حرب لكنها بالتأكيد لن تنتصرَ فيها، وسيلحق بها دمار هائل. ما العمل إذاً؟ حرب إقليمية كبيرة قد تُنقذُ “جو بايدن” والديموقراطيين ومعهم نتنياهو صديق ترامب. طبعاً دوافع دول الخليج وإسرائيل معروفة ولا داعي لتكرارها.

مقابل هذه الدوافع، هناك الكثير من المحاذير التي تُدركها أية دولة ستشارك بهكذا حرب، وليست مجرد قصف. وسواء كانت طائرات F-35  وصلت مطارات أذربيجان ومعها عشرات الطائرات والصواريخ التي قد تنطلقُ من هنا وهناك، الحرب ستكون بعد القصف وليس قبلهُ أو أثناءهُ، هذا إن قرر  المغامرون خوض المغامرة، والفأس ستقع بالرأس سواء غامروا أم لا. 07.03.2023. مركز فيريل للدراسات. إدارة التحرير. الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center For Studies FCFS Berlin