
مجازر السويداء 2025 للجولاني: كش ملك. بحثٌ واسعٌ يتضمن مقاربة تاريخية وأسباب المجازر، وبيان مجلس الأمن آب 2025. مركز فيريل للدراسات 15.08.2025
بتاريخ 27 أيلول 1964، قتلَ الشاب نوّاف غزالة الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي، في Goiás بقلبِ البرازيل، التي سبقَ وفرّ إليها الشيشكلي بعد انقلاب هاشم الأتاسي عليه، في 24 شباط 1954. أي بعد عشر سنواتٍ من التخفّي في غاباتِ البرازيل، تمكّنَ نواف من الثأر لأهله في السويداء. هنا تبدأُ القصة القديمة الحديثة، دونَ أن يأخذ منها عبرة سوى العقلاء.
التاريخُ يُعيدُ نفسهُ مع الجهلة
الكثير من الزعماء حول العالم، لا يتعلّمون الدروس ممن سبقوهم، فيُكررون أخطاءهم بغباء أو غرور، فيقعونَ مع شعوبهم بنفس الحفرة. من المفروض أن تكونَ تجربةُ أديب حسن الشيشكلي الغنية، مصدر دروس وليس درساً لمن جاء بعدهُ، بعض الزعماء في سوريا استفادوا منها وتجنبوا الهفوات، آخرون ظنّوا أنفسهم “شمشون” العصر حتى أوصلوا البلاد اليوم لنفس الحفرة. يمكن إسقاط الماضي القريب على الحاضر، من خلال سطور سريعة عن شخصية سورية هامة، لكن مع التنبيه لا يصلُ الجولاني لمرتبة الشيشكلي نهائياً، فالشيشكلي، وإن اختلفنا مع أفكاره وطريقة حكمه في مركز فيريل، لكنه كان أولاً معروف النَسَب، وثانياً ضابطاً عسكرياً في الجيش السوري له احترامه ومكانته.
أديب الجيجكلي، الرئيس الأكثر تلوّناً بتاريخ سوريا
أديب بن حسن الشيشكلي، مولود في حماة 1909، من أصولٍ عثمانية، وكنيتهُ الحقيقية هي “الجيجكلي” وتعني بائع الورد. لهذا يُشكُّ أنَّ ولاءَه الأول ما كان لسوريا بل للعثمانيين، الذينَ حاربَ من أجلهم الاحتلال الفرنسي لسوريا. فكان ضابطاً في الجيش الوطني السوري، ثم في جيش الشرق، وقُبيلَ انتهاء الحرب العالمية الثانية انشقَّ عنه وانقلبَ على الفرنسيين في أيار 1945.
انخرطَ الشيشكلي في كافة الانقلابات العسكرية التي حصلت خلال ست سنوات. شاركَ حسني الزعيم بانقلاب 30 آذار 1949، حاول الغدر بالزعيم، فأقالهُ. استجار الشيشكلي بسامي الحناوي واضعاً خدماته تحت تصرفهِ، فانقلبَ الحناوي على حسني الزعيم بعد شهر ونصف فقط من الانقلاب الأول! أي 14 أيار 1949. طمعَ الشيشكلي باستلام كرسي الحكم وهو الثانوي في الانقلاب، لكنّ الانقلابيين وضعوه في مكان يُناسب إمكانياته، فلجأ للغدر، وتحالفَ مع ضباط في الجيش مثل العقيد أمين أبو عساف، ابنُ “سليم” محافظة السويداء، عروبي مؤيد للوحدة العربية. فانقلبَ ضباط الجيش على الحناوي في 19 كانون الأول 1949، وهذه المرة سلّموا الشيشكلي قيادة الأركان. تذكروا هذا الاسم لأننا سنعود إليه.
وصلَ الشيشكلي للكرسي بصلاحياتٍ إلهية!
هل اقتنعَ الشيشكلي بمنصب قائد الأركان، إطلاقاً. غدر أيضاً بالذين أوصلوه للمنصب للمرة الثالثة، وانقلبَ عليهم في 30.11.1951، في عهد الرئيس هاشم الأتاسي، قامَ باعتقال رئيس الوزراء معروف الدواليبي مع الوزراء، وعدة أعضاء من البرلمان، فاستقال الأتاسي فوراً. هنا “نصّبَ” الشيشكلي نفسه رئيساً لسوريا، بصلاحياتٍ لم يعرف مثلها التاريخ! حلّ البرلمان ثم حلّ كافة الأحزاب. ألغى الدستور ووضعَ دستوراً جديداً خلال أيام! أسّسَ حزب “حركة التحرير العربي” ونصّبَ نفسهُ أميناً ورئيساً له، راحَ يُلقي الخطب الرنّانة عن مشاريعَ “خيالية” سيقوم بها، جعل الصحافة مخصصة لتمجيد إنجازاته بأربع صحف فقط. والقطيع يُصفّقُ له دون تفكير.
الموضوع الرئيسي كان “تحرير فلسطين”، فيُلهب الشارع بخطب حماسية، وكأنه سيصلُ الأندلس بعد ساعات! والقطيعُ يُصفّقُ. ليبدأ مباشرة حملةً دموية جديدة، وصلت لاعتقال طلاب الصف السابع الإعدادي مع أساتذتهم، لأنهم لم يُشاركوا في مسيرات تأييد له! نعم يا سادة هذه حقيقة؛ فالمسيرات وبالروح بالدم، والصور والتماثيل والحزب الواحد الأوحد، ليست حديثة العهد في سوريا كما يظنّ المراهقون.
بتاريخ 10.07.1953 وبعد استيلائه على كرسي الحكم، والتخلّص من أصدقائه السابقين بالاغتيال أو السجن، أجرى وبضغط دولي إنتخابات للبرلمان، ففاز “الحزبُ الأوحد” بمعظم المقاعد طبعاً وكانت 83 مقعداً.
قصفُ السويداء؛ خطأ الشيشكلي القاتل
تبيّن للسوريين أنّ مشاريعَ الشيشكلي كلها من أجل الصوّر، فلم تتحسن أحوال الشعب، رغم مرور ثلاث سنواتٍ على استلامه الحكم. كما أنّ الحكم الاستبدادي للشيشكلي والحزب القائد والصلاحيات الإلهية، لم تقتصر على منطقة أو فئة واحدة، بل شملَ كلّ صوتٍ معارض، وعوضاً عن بناء المعامل والمدارس، بنى المزيد من السجون والمعتقلات.
الأحلام الوردية للقطيع تبخّرت، وبات انتقاد موظفٍ في دائرة رسمية جريمةً، فقرر سياسيّون بارزون بزعامة هاشم الأتاسي، عقد مؤتمر معارض مع الدعوة للديموقراطية ونبذ الحكم الديكتاتوري الأمني للشيشكلي، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين ووقف الحملات المسعورة ضدّ “أهل السويداء”، نعم منذ ذلك التاريخ والحملات العثمانية لم تتوقف. بماذا ردّ أديب الشيشكلي؟
اعتقل كلّ مَنْ شارك بهذا المؤتمر مع بداية 1953. بينهم: أكرم الحوراني، فيض الأتاسي، حسن الأطرش، صبري العسلي، ميشيل عفلق.
حلب وحمص تنتفضان، فيقصف السويداء!
عمّت المظاهرات عدة مدن بينها حمص، ضد الحكم التعسفي، فما كان من أديب الشيشكلي إلا أن قابلها بالقتل وإطلاق سلطاته الأمنية في كلّ زاوية. مع اتهامات بوجود “مندسين” ومؤامرة خارجية، نعم يا سادة الصيغ التي تعرفونها جاءت من ذاك الزمان. لتخرجَ مظاهرة حاشدة ضد الحكم الديكتاتوري في كانون الأول 1953، أين؟ في حلب.
استمرت مظاهراتُ حلب 1953 عدة أيام، والمتظاهرون ينتظرون أن يخرجَ أبناء المدن الأخرى بقوة أكبر، دون جدوى. إلى أن جاءتهم النجدة من أين؟ من السويداء طبعاً. في كانون الثاني 1954 نزل عشراتُ الآلاف للتظاهر ضدّ سياسة الحكومة السورية الاقتصادية أولاً، هاجمت القوات الأمنية المتظاهرين في السويداء بالرصاص الحي، فارتفع سقف المطالب ليصل إلى “إرحل يا شيشكلي إرحل”. هنا جنّ جنونه، فأصدر أوامرهُ بقصف السويداء، والذريعة جاهزة: “التآمر والخيانة”! مع تزوير رواية “عثمانية” داهمت عناصر مخابرات الشيشكلي قرية القريا واعتقلت “منصور سلطان باشا الأطرش”، والسبب نيته عمل انقلاب عسكري! رغم أنه لا يملك سلاحاً وليس لديه أي منصب في الدولة. بعدها قصفَ جيش الشيشكلي بالطائرات، نعم بالطائرات قرية “القريا” عرين آل الأطرش. قتلَ 310 مدنيّاً وجرح 900 آخرين، وأطلقَ قطعاناً من عصابات جيشه تقتل وتنهب وتحرق وتغتصب. انتفض أهل السويداء، فاعتقلوا عشراتٍ من العصابات التي جاءت من عدة مناطق في سوريا.
سلطان باشا الأطرش: إنهم أبناؤنا
يومها وقفَ سلطان باشا الأطرش وأمامهُ عشرات من أسرى جنود الشيشكلي، قائلاً وهو يُطلقُ سراحهم: “إنهم أبناؤنا” وتركهم يرحلون دون أذية. لاقى موقفُ أهل السويداء هذا، دعماً غير محدود من العقلاء السوريين، فحاولَ الديكتاتور أديب حسن الشيشكلي تبرير إجرامه بأنه وجد مخزناً للسلاح في القريّا! وأنهم كانوا يقودون إنقلاباً بالتعاون مع “بغداد”.
أديب الشيشكلي يفرّ تاركاً وراءهُ أولاده
أجبرَ الموقف السوري العاقل والمعارضة الواعية، الشيشكلي على الفرار، السؤال كيف وإلى أين هربَ؟ لاحظنا في مركز فيريل محاولاتِ فضائيات وهواة تاريخ، تبييضَ صفحة أديب الشيشكلي، نجحوا عندَ القطيع الجاهل فقط. وتكفي قصة فرار الشيشكلي لنسفِ أية محاولة يائسة لإظهاره كرئيس له شعبية واسعة.
بتاريخ 25 شباط 1954، وفي حلب اعتقلَ الجنرال فيصل الأتاسي، الجنرالَ محمد تامر خان قائد المنطقة الشمالية ورجل تركيا في حلب، وأُذيعَ البيان العسكري للانقلاب الخامس “هنا إذاعة سوريا الحرّة” معلناً بداية الثورة السورية ضد الديكتاتور والحزب الواحد. مع المساء، انضمتْ القيادات العسكرية في المحافظات السورية للانقلاب، بعد 24 ساعة وفي دمشق: فرّ أديب حسن الشيشكلي من مكتبه دون أن يعود لمنزله! فرّ إلى لبنان مع سائقه فقط وبسيارة خاصة. تاركاً وراءهُ زوجته وأولاده من زوجتيه “بهيجة المؤيد” و “سلمى مرزوق”. وبالطائرة إلى الرياض التي “تذمّرت” من وجوده. حاولَ الفرار إلى تركيا، فاعتذرت والأصح، تخلّتْ عنه. فقرّرَ السفر بعيداً حسب نصائح المقرّبين، فرأسه مطلوبة لعدة جهات، لهذا اختار البرازيل.
بالنسبة لعائلة وأطفال أديب الشيشكلي، قامت السلطات السورية الجديدة بإخرجهم تحت حمايتها إلى الشمال السوري، فدخلوا إدلب ومنها إلى ” عين تاب”. عِلماً أنّ جهات عديدة نفتْ وجودهم أصلاً، لكننا عثرنا على ابنه حيّاً يُرزق في تكساس بالولايات المتحدة. وهو مهندس متقاعد يُدعى إحسان أديب الشيشكلي 94 عاماً من مواليد 1931، أجرى عدة مقابلات تلفزيونية، من الطبيعي أن يمتدحَ والده بشكل خاص.
مكثَ الشيشكلي في البرازيل عشرَ سنواتٍ متوارياً عن الأنظار حتى جاءته رصاصتا ثأر السويداء.
مجازر السويداء 2025، تكتبُ نهاية احتلال أبناء حيزبون
ما أشبه اليوم بالأمس. السويداء كانت أولى المحافظات السورية التي تنتفضُ لمعارضة حكم أديب الشيشكلي، ونظام بشار الأسد، منذ آذار 2011 وحتى قبلهُ؛ عام 1988، وخلال الحصار الاقتصادي لسوريا، عانى السوريون من فقد المواد الأساسية. يومها استفاقت السويداء على تنكة سمنة فارغة معلّقة في يد تمثال حافظ الأسد وسط ساحة السير. هذه الحادثة الشهيرة يذكرها الكثير من متابعي مركز فيريل، حيثُ كنّا شهوداً عليها. الحادثة انتشرت في سوريا وسطَ دعمٍ شعبي من كافة المحافظات. رغم تاريخ محافظة السويداء بالمعارضة، لم تحمل السلاح ضد الجيش السوري إلا ما ندر، ودِفاعاً عن النفس فقط.
مطالبُ أهل السويداء بسيطة
بعيداً عن طائفية وسائل الإعلام الخشبية، والأكاذيب التي صاغتها بغباء وسائل إعلام الخليج الفارسي. ماذا كان مطلبُ الشيخ حكمت سَلمان الهَجَري الأساسي؟
طلب الشيخ الهجري من “السلطات الانتقالية”، هكذا سنسميها اليوم في مركز فيريل استثنائياً، تعيينَ قائد الشرطة من أبناء السويداء، أسوةً بالمحافظات الأخرى. ردّت السلطات بالرفض، فعيّنت نزار الحريري ومعاونين له من خارج السويداء، وهؤلاء مسؤولون بشكل مباشر عن التراخي “المقصود” في حسم الأمور بين البدو وأهل السويداء. لم تتوقف السلطات الانتقالية بزعامة الجولاني عند هذا الحدّ، لتُصبحَ القضية “مجاكرة مراهقين”. عَيّنَ المدعو “مصطفى بكور” ولقبهُ (الشيخ أبو ياسين المعرّة) يحملُ شهادة دكتوراة مزوّرة باعترافهم، محافظاً للسويداء، وكذلك رياض السلامات ابن درعا كرئيس فرع الأمن الجنائي!
من مطالب أهل السويداء؛ حماية المسافرين على الطريق الدولية وعدم تكرار حالات الخطف والسلب بتهديد السلاح، التي عانى منها المدنيّون على مدى الشهور الماضية وما قبلها. ماذا ردّت السلطات المؤقتة؟ تركت الأمور “عن سابق إصرار وترصد” بدون حل، وأغمضت عينيها عن “الحواجز الطيّارة” التي كان بعض عناصرها ينتمون لتلك السلطات.
الركوعُ لنتياهو؛ اختصاص سلطات الجولاني المؤقتة
من الغباء الركون للإرهابيين حتى لو جاؤوا راكعين صاغرين ساجدين. السلطات المؤقتة جماعة إرهابية بتاريخ دموي طائفي مُثبت. لهذا كلُّ مَنْ يُدخلهم دارهُ عن طيب خاطر، أو يُطالب بإعطائهم فرصة، لا يمتلكُ ذرّة خبرة بل غبي بامتياز. كثيرون من الزعماء “تعاونوا” مع هذه السلطات الداعشية، وفي أول مفترق طرق، غدروا بهم.
ظنّت السلطات الداعشية أنّ حكم سوريا يسيرٌ. بعد أنْ فشلوا في حكم منطقة في إدلب، لا تتجاوز 38 كم متراً مربعاً، والمظاهرات والسجون الممتلئة تشهد. بدؤوا بارتكاب المجازر بحق أهل الساحل السوري، ظنّاً أنهم سيفلتون من العقاب. ثم انتقلوا إلى السويداء، فكانت الخطيئة القاتلة والتي سيدفعون ثمنها ولو بعد حين، وسترون.
أهل السويداء ثأروا لمجزرة 1954 بعد عشر سنوات، وفي أدغال البرازيل. اليوم لن يسامحوا الإرهابيين ولو جلسوا في أدغال أردوغان وتميم ونتنياهو.
السويداء منبع سوريا الذي لا يجفّ
نحنُ في مركز فيريل على يقين أنّ السلطات المؤقتة بسبب أُميّتها وجهلها بكافة العلوم، لم تقرأ ولم تسمع يوماً عن شِيم وكرامة جبل العرب. عندما تُهاجمكَ الضباع من كلّ حدب وصوب، من الطبيعي أن تحمل سلاحاً تُدافع به عن أهلك ونفسك. العصابات هي التي هاجمت أهل السويداء وليس العكس. العصابات الإرهابية هي التي ارتكبت المجازر ونهبت وأحرقت، وليس العكس. السلطات الداعشية هي التي ركعت لنتنياهو كي يعقد معها اتفاقية استسلام، استسلام وليس سلام، ورفضَ. وليس أهل السويداء. في الوقت التي كانت عصابات الدواعش تغزو قرى السويداء، كان إرهابيو السلطات المؤقتة يجتمعون بالإسرائيليين في الجولان السوري المحتل ثم في أذربيجان وبعدها باريس. سلطاتُ الجولاني هي التي سجدت للصهيوني وليس أهل السويداء.
السويداء إلى أين؟
هناك 26 قرية وبلدة محروقة ومنهوبة في السويداء، وآلاف الشهداء والجرحى، مع حصار من سلطات الجولاني المؤقتة، تحت عيون الدول العربية الطائفية بامتياز. فماذا على الشيخ الهجري أن يفعل؟ يستسلم لشذاذ الآفاق مثلاً؟ هذا بعيدٌ عن خصال أهل السويداء. من الطبيعي والطبيعي جداً أن يستنجدَوا بالخارج، حاولوا مع السعودية ومصر والأردن، فماذا كان الردّ؟ ناشدوا المجتمع الدولي الأصم الأعمى والأخرس. أمامهم أهل الجولان المحتل، فلبوا النداء واستنفروا طالبين من تل أبيب العون.
لبت تل أبيب الطلب ليس حبّاً بأهل السويداء، وهذا نعرفهُ بل لفتح معبر داوود الذي يجري العمل به حالياً بخطوات متقدمة. بدأت بشق طريقٍ للمساعدات “الإنسانية” تحت عيون “المُحررين” الأشاوس الشجعان، الذين لم ولن يتجرؤوا على النظر بعيون جنود نتنياهو، وهم يتجولون بحرية في قرى درعا. حصلت السويداء على “شبه” حكم ذاتي ضمن دوائرها الرسمية، رغمَ أنف الجولاني وأبناء حيزبون. هذا الحكم سيتعزز مع بقاء هكذا سلطات تحتلُّ دمشق.
حكم الإرهابي الجولاني انتهى
مرّت أيّامٌ خمسة على بيان مجلس الأمن بخصوص سوريا، ولم نسمع في مركز فيريل ترجمة صحيحة صادقةً للبيان حتى الآن، من وسائل إعلامِ السلطات المؤقتة، وسائلُ إعلامٍ أسميناها يوماً خشبية ويا ليتها بقيت كذلك. ترجمةُ المؤتمر الصحفي لتوماس البرّاك وحدها تُعطينا فكرةً كافيةً عن هكذا سلطات “مُغفّلة”، وزير خارجيتها حاصل على دبلوم في الأدب الإنكليزي، حسب زعمهِ، وهو الواهنُ عن فهم ما قالهُ الأميركي.
بيان مجلس الأمن هذا له صيغتان؛ واحدة للإعلام وأخرى للأعضاء. بين الصيغتين تشابه كبير، لكن التفاصيل أوسع في النسخة “السرية”، والسرية هنا ليست مخابراتية بحيث يتمّ تسريبُ فقراتٍ من القرارات الدولية بتوسع وشرح أوفى. صدر بيان مجلس الأمن بموافقة كاملة أي 15 دولة، بينها الأعضاء الدائمون الخمسة. من الملاحظات السريعة لمركز فيريل مع الترجمة الصحيحة، التالي:
أولاً: عدم الاعتراف بشرعية المسؤولين الحاليين في دمشق، ووصفهم بالسلطات الانتقالية فقط. بما في ذلك الجولاني نفسه، أُعطي صفة (رئيس السلطات الانتقالية)، ولم يرد ذكرُ “الدولة السورية” أو الرئيس السوري، نهائياً.
ثانياً: أدان بيان مجلس الأمن بقوة أعمال العنف التي ارتكبت بحق المدنيين في السويداء، والتي تضمّنت عمليات قتل جماعي، وأدت إلى نزوح نحو 192 ألف شخص داخليا. هنا إشارةٌ لمسؤولية السلطات الانتقالية المباشرة.
ثالثا: حثُّ مجلسُ الأمن كافّةَ الأطراف، على ضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المجتمعات المحلية المتضررة في السويداء، وجميع أنحاء سوريا على نحو كامل وآمن وسريع ودون عوائق، ومعاملة جميع الأشخاص معاملة إنسانية، بمن فيهم أي شخص استسلم أو جُرح أو احتُجز أو ألقى سلاحه.
رابعاً: أكّدَ مجلس الأمن دعوتهُ السلطات المؤقتة، توفيرَ الحماية للسوريين قاطبة. وضمان إجراء تحقيقات موثوقة وسريعة وشفافة ونزيهة وشاملة وفقَ المعايير الدولية. وهنا غمزٌ واضحٌ بعدم الثقة بنتائج التحقيق بمجازر الساحل السوري، حيثُ يُضيفُ البيان: (على السلطات المؤقتة أن تضمن مساءلة جميع مرتكبي أعمال العنف، وتقديمهم إلى العدالة بغض النظر عن انتماءاتهم. ويؤكد مجلس الأمن عِلمهُ بقرار إدارة شؤون الدفاع التابعة للسلطات السورية المؤقتة، إنشاءَ لجنة تحقيق بانتماءات الأفراد الضالعين في أعمال العنف وخلفياتهم، ويشدد على أهمية الشفافية والشمولية في عمليات العدالة والمصالحة).
خامساً: للأمانة بنقل وتحليل المعلومات وردت الفقرة التالية في ختام البيان؛ وهذا ما نقلتهُ وسائل إعلام الجولاني من البين كاملاً! (أكّد مجلسُ الأمنِ التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وأهاب بجميع الدول أن تحترم تلك المبادئ. كما رحّب المجلس بالبيان الذي أصدرته السلطات السورية المؤقتة، وأعلنت فيه إدانة أعمال العنف واتخاذ إجراءات للتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها)
أمام الجولاني وجماعته تسعة أشهر للرحيل
سادساً: أعاد مجلس الأمن التذكير بقوة بقراره لعام 2015 (2254)، والذي حاول الجولاني التنصلَ منه. هذه الفقرة تعني الكثير الكثير، نُلخّصُ أهمهُ بالتالي: (تُعتبرُ “داعش وجبهة النصرة” منظمتان إرهابيتان تستثنى من وقف إطلاق النار). الفقرة الثانية هي الأخطر على السلطات المؤقتة:
(تُجرى انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، في غضون 18 شهراً. وسيتم التحول السياسي بقيادة سورية، مع التركيز على دور المرأة . عملية الانتقال السياسي تكون بإشراف الأمم المتحدة وخلال ستة أشهر، للوصول إلى حكم “غير طائفي” وصياغة دستور جديد. الانتخابات يجب أن تكون عملاً بالدستور الجديد، في غضون 18 شهراً كحدّ أقصى وتحت إشراف الأمم المتحدة، وبأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، وفقاً لبيان الفريق الدولي بتاريخ 14.11.2015).
ماذا يعني إجراء انتخابات حرّة ونزيهة؟ لنفرض أنّ الجولاني رشّحَ نفسهُ للانتخابات، واستطاعَ الحصول على “شهادة ميلاد” وسجل قيد مدني وبطاقة شخصية، كم هي نسبةُ التأييد له؟ دعكم من “الحشرات الإلكترونية” التي تتحدثُ دائماً عن الأغلبية، فأقصى نسبة يمكنه الحصول عليها، حسب مركز فيريل لا تتجاوز 20% مع تزويرٍ ودعم عثماني قطري سعودي غير محدود.
ختاماً رأي مركز فيريل للدراسات
المُلفتُ ليس التذكيرُ بالقرار 2254 فقط، بل بالبيان الرئاسي للمجلس (S/PRST/2025/4) والذي صدر بتاريخ 17.12.2024، أي باختصار: بدأ العدّ التنازلي للسلطات المؤقتة. وهي أمام خيارين: الرضوخ للقانون الدولي أو التعنت والمضي في مشروعها الطائفي بإنشاء خلافة إسلامية عثمانية. في الحالين هي عملية انتحار جماعي.
وضعَ بيان مجلس الأمن حدّاً زمنياً للسلوك الطبيعي لهذه السلطات المؤقتة، وفقَ المعايير الدولية والإنسانية. عدم الالتزام بها يعني تنفيذ القرار بالقوة. الوصول لتطبيق البند السابع أمرٌ واردٌ، بمواده كافةً، فالسلطات المؤقتة تُشكل تهديداً للسلم العالمي، المادة 39، وهي طرفٌ في النزاعات المسلحة المادة 40، قطع العلاقات الديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية المادة 41، هي مادة قائمة أصلاً ولم يتم رفع العقوبات ولكن توقفت كافة المشاريع الاستثمارية بالقوة.
في حال عدم استجابة السلطات المؤقتة لأوامر مجلس الأمن، نصل للمادة 42 التي تنصُّ على اتخاذ إجراءات عسكرية إذا رأى المجلس أنّ التدابير غير العسكرية غير كافية. وبالتالي كما أكدنا سابقاً في مركز فيريل ونؤكد دائماً، لا توجد مشاريع استثمارية ولا رفع للعقوبات، خاصة مع هكذا سلطات “متخلّفة” إرهابية بجدارة.
روسيا التي تُحاول “ترقيعَ” الوضع وترميمه بشخصيات قديمة حديثة، عبر وسيطها “ماهر الحسين” احفظوا هذا الاسم. موسكو التي تخلّت عن بشار الأسد بعد 14 عاماً من الدعم، ستتخلى عن ماهر هذا خلال 14 يوماً، لأنه سيكون مُكلفاً أكثر من الأرباح السورية. كل هذا لن يتمّ دون فوضى وعمليات إرهابية
نُشيرُ هنا إلى الصمتِ والنارِ الملتهبة تحت رماد أهل دمشق وحلب. مَنْ لا يعرف السوريين، سيكون أول أضاحي العيد، والذي “يتمخترُ” اليوم فوق المتورسيكل أو السيارة المسروقة، متباهياً ببلاهة ببطولات أبناء حيزبون، سنراهُ قريباً، يصرخُ فاراً حافياً نحو خيمته الأولى، بينما سيُعاني أصحابُ “العيون الآسيوية المائلة” الأَمرّين، هذا إن بقوا أحياء. 15.08.2025 مركز فيريل للدراسات. Firil Center For Studies. Berlin Dr. Jameel M. Shaheen.