واحتــدمَ الصــراع علـى صِــدام الحضـَـارات. د. جميل م. شاهين

“عندمـا تكونُ الأحداث ضدّ مجموعة ما؛ هي مؤامرة، وعندما تكون ضدّ أعداء هذه المجموعة؛ فهي ديموقراطية”.

ديموقراطية وحرية زرعَها أصحابُ القرار في عقول المليارات من الشعوب، التي اصطلحَ على تسمية سلوكها herd behavior سـلوكُ القطيع، وأفكارٌ وهمية بعضها بقيَ وهماً، وبعضها الآخر تحولَ لحقائق دون أن يبذلَ هؤلاء أي مجهود عسكري سوى نشاط وترويج إعلامي لأفكارهـم. زرعوا تعابير: الحرب الصليبية، الإسلاموفوبيا، الحرية، الديموقراطية والشعب يريد إسقاط النظـام، والقطيعُ يُردد ببلاهـة: “الشعب يريدُ إسـقاط النظـام”. هذا القطيع نفسهُ يريد تطبيق الشريعة في بلاده، لكنـه يفضّلُ العيش في الغرب، يريد الحرية لنساء العالم، والبرقعَ لزوجاته، يُباركـون تفجير مدرسَـة ابتدائية في حمـص، ويسـتنكرون تفجيرات بروكسـل المُدبّـرة…

مُدبّـرةٌ هي الخطة التي بُثتْ في عام 1993 على لسان James Woolsey  مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي قال: “كما نجحنا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وضدّ الاتحاد السوفيتي، علينا اقناع المسلمين حول العالم بأنهم عبيـد، سنجعلهم متوترين، وسنجعل آل سعود ونظام حسني مبارك متوتراً، بعد أن ننجح في العراق، سنتفرغ لســوريا وليبيـا ودول أخرى، ونقلب أنظمة الحكم فيها، هنـا سيأتينا آل سعود شاكين، قائلين: نحن متوترون جداً جداً. فنجيب: هذا جيد جداً، هذا مانريدهُ، تأكدوا أنّ الولايات المتحدة وحلفاؤها قادمون للزحف وسوف ننتصر، وسوف يشعرُ المسلمون أننا بجانبهم ضدّ أنظمتهم الديكتاتورية…” هل هناكَ كلامٌ أوضح من هذا؟ أليسَ العالـم الإسـلامي بحكامه وشعوبه الآن من الرباط إلى جاكرتـا، سوى كُـرةً يتقاذفهـا الكبار بين أقدامهـم؟

إقرأ: http://goo.gl/PSjKe7

الكُـرة التي يتقاذفهـا الكبار بين أقدامهـم كتب عنها صموئيل هَنتينغتـون 1993 مقالة بعنوان “صراع الحضارات” في مجلة فورين آفيرز، ثم اتبعها بكتابه الشهير بنفس العنوان 1996، انتشرت أفكـار الكتـاب النظريــة فنفذها القطيع وأصبحتْ حقيقة. لا شكّ أنَ صموئيل عالم سياسي عبقري، فهل اسـتفاد أصحاب القرار من أفكار هَنتينغتون أم العكس؟ في الحالين، سـوّقتْ أفكـارهُ للشعوب، فتحدّث منذ ذلك التاريخ عن: الصراع بين عشر حضارات رئيسية في العالم، تقسـيم أوكرانيا وحرب دموية فيها، تركيـا سـتكون متسـوّلاً ذليلاً على أبواب أوروبا وتقبض على خيوط العالم الإسلامي، ثم ركز هنتغتون على الإسلام وقال بأنّ “حدود الدول الإسلامية الداخلية والخارجية دموية”، ويقصد صراعات المسلمين مع الأديان الأخرى؛  السودان، الهند، الباكستان، الصين، أرمينيا، صربيا… والصراع سيكون بين العالم المسيحي بقيمه العلمانية من جهة، والعالم الإسلامي من جهة أخرى.

من جهـة، فشلت هذه الطروحات على الأقل حالياً، في خلق صدام الحضارة اللاتينية أو الصينية أو الهندية أو الأفريقية فيما بينها أو مع الغربيـة، لكنها نجحت في بلورة الصراع بين الإسلاميين والغرب على أنه صدام بين الحضارة الغربية والإسـلامية، لم يكن النجاح بسبب ذكـاء الغرب فقط، بل بسبب انسياق مئات الملايين من المسلمين وراء أحلام وأفكـار وفتـاوى خادعـة غرزهـا في عقولهـم رجـال الدين الإسـلامي وزعماء الدول الإسلامية الذين يعملون لخدمة الغرب، ليبدأ التصادم منذ دخول الجيش العراقي الكويت بخـطّ تصاعدي، تكون تفجيرات بروكسل آخر أحداثه التي لن تنتهي. ممن قادوا هذا التوجه إسلامياً: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، جامع الأزهر، الأخوان المسلمون، آل سعود، صدام حسين والملك الأردني حسين، الرئيسان التركيان توركت أوزال ورجب طيب أيردوغان، أما زعماء إيران فقد أيدوا مسلمي البوسنة في حربهم ضدّ الصرب.  فالحرب على العراق هي حرب على الإسلام والمسلمين، وكذلك الحرب في سوريا والتي ساهمت فيها روسيا، اعتبرها مئات الملايين حرباً على الإسلام، حتى الحرب على تنظيم القاعـدة وأخيراً داعش… جميع هؤلاء الزعماء ضدّ داعش في العلن، لكنهـم لا يتمنون القضاء عليها.

القضـاء على الفكرة كان بالتلاعب بها على لسان جون كيري عقب تفجيرات باريس: “ما حصل ليس جزءاً من صراع الحضارات، بل بين الحضارة وأعدائها.”، أي تـمّ صياغـة فكـرة أكثر خطورة وهي “الصـراع بين الإسـلام والحضـارة الغربيـة” دون استخدام كلمة الحضارة قبل الإسلام، فالمسلمون أعداء الحضـارة.

المسـلمون أعـداء الحضـارة؛ هذه الفكرة التي يُبنـى عليها الآن في الغرب والشرق، والتي يُعززهـا الذين يُطلقون على أنفسهم “مجاهدون”، ومن ورائهم عشرات بل مئات الملايين من المؤيدين أو المتعاطفين معهم ومع أفكار داعش. الفكرة استقطبت معظم الشعوب، بما في ذلك الأوروبي والأميركي، وباتت الحركـات والأحزاب اليمينية تكتسحُ الانتخـابات، فحزب بيغيدا PEGIDA الذي يحمل شعاراً كان يُعتبر في الماضي نازياً: “يجب طرد المسلمين من أوروبا نظرًا لعددهم المتزايد، الذي قد يؤدي إلى أســلمة أوروبا مستقبلًا، وتحويلها إلى قارة ذات أكثرية إسلامية”. رُخّصَ لهُ، وتلقى تمويلهُ من رجال الأعمال الألمان، وابتدأ بعدد 350 عضواً في 20 تشرين الأول 2014، ليضمّ بعد سنة 25 ألفاً، هذا حسب الإعلام الرسمي الذي يُقللُ دائماً من أهمية هذا الحزب. أما حزب AfD الألماني، فهنـا بيت القصيد، وأنا أؤيــد الكثير من أفكارهِ مثـل: “يتمّ حل جذور أزمة اللاجئين، بوقف التدخلات الخارجية في شؤون الدول المستقلة مثل: ليبيا وسـوريا والعراق. ومعارضة سياسات زعزعة الاستقرار، التي يمارسها حلف الناتو والولايات المتحدة؛ الأمر، الذي يؤدي إلى تدمير دول مستقلة، وخلق مشكلة جديدة للاجئين.” أيضـاً: “التوقف عن تمويل المساجد في ألمانيا من قبل تركيا والسعودية.”. “رفـع العقوبـات عن ســوريا وروسـيا.”. لكن الحزب يقول يُعلنُ صراحةً: “لا لأسـلمة أوروبــا. لا للحجـاب. ألمانيا دولة مسيحية.”. طبعهاً هذا حقهـم، فإن طلبنـا من الألمـان بناء جامـع في برلين، على السعودية أن تبني كنيسـة في الرياض.

في الرياض لن تبنى كنيسة، لأنّ دونالـد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، وعدَ في حال فـوزه بإغلاق المسـاجد، ومنع كليّ لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، بعد أيام من إطلاق النار الدامي في كاليفورنيا، مستنداً لاستطلاع رأي أظهر أنّ المسلمين يكرهون الأمريكيين، وهو ما يشكل خطراً على أميركـا.

أميركـا واحدة من أصحاب القـرار الذين يقودون الحملة، والقطيـعُ ينسـاق، والانتحاريـون الباحثون عن الحوريـات أصبحـوا في غرف نوم زعمـاء أوروبـا، تماماً حسـب المخطــط، التفجيـرات لن تنتهـي والأبريـاء سيموتـون، والحرب باتت إعلاميـاً وفي الفكر الشعبي الغربي بيـن “الإســلام والحضــارة”، بينمـا باقي وسائل الإعــلام مشـغولة ببرامـج “ماتقولـهُ لك النجـوم.”…

الكاتب د. جميل م. شاهين. 25.03.2016