ما الذي حرك المياه الراكدة في فرنسا؟ 31.10.2020 Firil Center For Studies FCFS Berlin
عملية قطع رأس المدرس صمويل باتي على يد طالب شيشاني. ثم طعن فتاتين محجبتين في باريس. عملية نيس الإرهابية الأخيرة التي قام بها إرهابي تونسي بقتل ثلاثة فرنسيين وجرحَ ستة آخرين طعناً بالسكين، وقطع رأس سيدة عجوز داخل كنيسة نوتردام في المدينة. الحملة الإعلامية والشعبية الكبيرة ضدّ فرنسا. حالة التوتر التي تسود شوارع العالم. هل ما يحدث كان سببهُ الإساءة للرسول الكريم فقط؟ أم أنّ وراء ذلك ما هو أبعد؟ هل ستؤثر على اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، أم أنّ القضية ستبرد عندما يتمّ تحقيقُ أهدافها، وتنضمّ العمليات الإرهابية السابقة إلى غيرها وتتلاشى التهديدات والتصريحات؟
العمليات الإرهابية ليس سببها الرسوم الكاريكاتورية
مئاتٌ من العمليات الإرهابية قام بها متطرفون ينتمون لديانات مختلفة وبدوافعَ متعددة سواء في أوروبا أو حول العالم. والخطأ المُكرّر هو نسبُ السبب للإرهابي أو لحدثٍ آني دون البحث عن الدافع والمُحرّض والأهم المُخطّط الرئيسي. حكومات الدول دون استثناء لم تُعالج هذا الفكر لأنها ببساطة قد تحتاجهُ يوماً، أي أنّ الإرهابيين ومَن يؤيدهم من العامة السذج ليسوا أكثر من وقود يتمّ إشعالهُ من طرفٍ ضد الآخر، والمأساة أنّ الضحايا دائماً أبرياء لا علاقة لهم بما يجري بين السياسيين.
القسم الأكبر من العمليات تلك قام بها مسلمون، ليس لأنّ المسلمَ إرهابي بطبعه أو لأن الإسلام دين إرهاب، لو كان الأمرُ كذلك لما وجدنا مسلمين مسالمين… السبب الرئيسي أنّ شحنّ المسلم “اسماً” أسهل بسبب الجهل المقصود إبقاؤه والتعاليم التي ينقلها لهُ مَنْ يستأجرهُ لهذه الغاية، سواء كان رجل دين أو جهاز مخابرات لضرب مصالح ما أو دولة أخرى. أي؛ المسلمون هم الحطب الذي يُرمى للحرق مِن قِبَلِ زعمائهم أولاً.
سخرت وسائل الإعلام مئات المرات وأساءتْ للذات الإلهية ولكافة الأنبياء باستثناء النبي موسى! آلافٌ من الرسوم والمقالات والدعايات والكتب وحتى الأفلام، ولم يتحرّك الشارعُ ضدها، أليس هذا غريباً؟ الذي يجب أن يُفكر به مَن تحمّسَ ضدّ فرنسا، لماذا الآن؟ لماذا لم تنشر وسائل الإعلام نفسها عن السخرية من الله والأنبياء في الأفلام والدعايات آنذاك؟
القضية كالتالي؛ عندما أرداوا التخلّص من الكاتب الأردني الشهير “ناهض حتر”، استغلوا صورة نشرها في آب 2016 بعنوان “رب الدواعش” يسخر فيه من التنظيم الإرهابي. الكاريكاتير يسخر من الإرهابيين وتصوّرهم للرب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروّجه الإرهابيون. كلّ هذا لم ينفعْ، غُسلت العقول عن قصد وتُركتْ وسائل الإعلام تبثُ سمومها بحجة “حرية التعبير”! حتى جاءَ إرهابي يُدعى رياض إسماعيل فأطلق الرصاص على ناهض حتر أمام قصر العدل في عمّان… فتخلّصوا منه… للتذكير أيضاً؛ الإرهابي رياض إسماعيل غادر إلى سوريا في شهر آب عام 2014، وأقام في درعا وشارك بالعمليات القتالية ضد الجيش السوري. ستلاحظون بعد قليل الرابط بين هؤلاء…
بين تركيا وفرنسا
القضية إذاً ليست دفاعاً عن الرسول الكريم بل استغلال للرسوم لأهداف سياسية. أردوغان في وضع سيء جداً داخلياً وخارجياً. مركز أوراسيا لاستطلاعات الرأي نشرَ في 12 تشرين الأول 2020 أنّ 60,1% من الأتراك يُعارضون السياسات الاقتصادية التي يتبناها رجب طيب أردوغان، بينما حصل حزب العدالة والتنمية على 30.7% فقط من الأصوات المشاركة في الاستطلاع فيما لو أجريت الإنتخابات البرلمانية الآن. الأمر مشابه لدى ماكرون فشعبيته تراجعت إلى 38% حسب استطلاع المعهد الفرنسي للرأي العام.
بعد مرور أسابيع على ما يجري، تحسّنت شعبية ماكرون قليلاً، أما شعبية أردوغان فقد تحسّنت في شوارع الدول الإسلامية واستمر تراجعها في تركيا!
باريس تحرّكت نحو لبنان وسوريا وليبيا وشرقي المتوسط بمسألة الغاز، وهذا يضرّ بمصالح تركيا، فما العمل؟
أردوغان استغل نشر الرسوم لإثارة المسلمين ومقاطعة البضائع الفرنسية، فانتشرت الدعوات بقوة بينهم، الذي حدث أنّ الأمر انعكس عليه وعلى إقتصاد تركيا سلباً… فرنسا ومعها أوروبا استغنت جزئياً عن المنتجات التركية الزراعية والغذائية لصالح اليونان وإيطاليا واستمر نزيف الليرة التركية لتُسجّل أدنى مستوى لها على الإطلاق. هل يتراجع أردوغان بعد أن بدأ يخسر معركته مع فرنسا أم يتابع وينتحر؟
مقاطعةُ البضائع الفرنسية أضرتْ بالإقتصاد التركي أكثر من الإقتصاد الفرنسي
هذا الصراع بين أنقرة وباريس هو صورة مصغّرة عن الصراع الأعنف بين الفوضى والشعبوية الذي يتصاعد مع قرب الإنتخابات الأميركية، وهذا بحث واسع… واسع…
باريس 2015
للتذكير لمَن يريدُ أن يعرف دون أن ينجرّ وراء عواطفه المؤقتة… نستعرضُ حادثة إرهابية واحدة فقط. تشرين الثاني 2015، المكان باريس. عمليات إرهابية كبيرة لثلاثة أيام منذ 13 حتى 15 من تاريخه، تضمنت احتجاز رهائن وإطلاق نار وتفجيرات إنتحارية، نتج عنها 130 ضحية من المدنيين ومئات الجرحى، قام بها:
الإرهابي الإنتحاري “أحمد المحمد” سوري الجنسية مواليد 10 أيلول 1990 إدلب، قاتل ضد الجيش السوري مع داعش ثم فر عبر تركيا إلى اليونان.
الإرهابي الإنتحاري الثاني سوري الجنسية غير مؤكد الإسم لكنّ التحقيقات أثبتت أنه على علاقة بالإرهابي الأول، فجّر نفسه في ملعب كرة قدم، يحمل جواز سفر مصري مزوّر، قاتل في سوريا ضد الجيش السوري وسلك نفس الطريق عبر تركيا إلى اليونان.
الإرهابي الإنتحاري الثالث اسمه بلال الحَدفي، فجر نفسه في مطعم وجبات سريعة، مواليد فرنسا 22.01.1995، سافر إلى سوريا وقاتل ضد الجيش السوري ثم عاد إلى بلجيكا، له صور في سوريا ومعهُ الإرهابي “أبو إسلام البلجيكي” يحملُ رأس جندي سوري مقطوع ومنشورة سابقاً على الإنترنت وتعرفهُ المخابرات الفرنسية!! يومها كان “مُعارضاً معتدلاً”.
الإرهابي الرابع هو إبراهيم عبد السلام مواليد فرنسا 30 تموز 1984، حالته المادية جيدة، له سجل جنائي حافل بالجرائم منها تجارة المخدرات والترويج لها في المقهى الذي يمتلكه.
الإرهابي الخامس هو صلاح عبد السلام شقيق إبراهيم، مواليد بروكسل بلجيكا 15 أيلول 1989، تاريخ جنائي في تجارة المخدرات.
الإرهابي السادس هو الإنتحاري اسماعيل عمر مصطفاي، مواليد فرنسا 21 تشرين الثاني 1985، الأب جزائري والأم برتغالية اعتنقت الإسلام. تاريخ جنائي فيه 8 أحكام قضائية بالسجن. متطرف إسلامي دخل سوريا عبر تركيا في 2013 وقاتل ضد الجيش السوري، عاد إلى فرنسا في 2014.
الإرهابي السابع هو سامي عم يمور، مواليد فرنسا 15 تشرين الأول 1987. متطرف إسلامي. تاريخ جنائي وحكم قضائي عام 2012 بتشكيل عصابة إجرامية. فرّ إلى سوريا في أيلول 2013 وقاتل ضد الجيش السوري، ثم عاد إلى فرنسا رغم وجود مذكرة دولية بتوقيفه!
هذا بالإضافة لعدد آخر من الإرهابيين المشاركين في العمليات مباشرة أو بدعم لوجستي أو مالي، منهم حمد الدهماني وعزيز إبراهيمي وعبد الحميد أبو عود.
بتاريخ 14 تشرين الأول أعلن تنظيم داعش الإرهابي ما يلي: (استهدف المجاهدون عاصمة الرجس والضلال، التي تحمل راية الصليب في أوروبا، باريس… هذه الهجمات هي فقط بداية العاصفة).
ما هو المُشترك بين هؤلاء الإرهابيين؟
لاحظوا العوامل المشتركة بين معظم الإرهابيين وهؤلاء نسخة مُصغّرة عن باقي زملائهم في العمليات الأخرى.
سجّلٌ جنائي وعمليات إجرامية تراوحت بين السرقة والسطو المسلح وتجارة المخدرات والقتل.
ليس بالضرورة أن يكون الإرهابي مُتديناً، فقد يكونُ لم يدخلُ المسجد يوماً، لكن تكفيه جلسةٌ مع إرهابي مُتدين كي تحولّهُ إلى إنتحاري، يكون هذا الإرهابي المتدين هو المُخطط المباشر وقائد العمليات وغالباً ينجو حتى إن شاركَ، بينما يُقتل كافة المشاركين، بعدهُ يأتي تصاعدياً شيخٌ متطرف هو الوسيط بين المُخطط الأساسي والمنفذين.
معظم الإرهابيين الذين قاموا بعمليات في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، قاتلوا ضدّ الجيش السوري، الفارق هو أنّه عندما كان في سوريا يقاتل ويقطع رؤوس حتى المدنيين ويأكل أكبادهم ويحرق أطفالهم في الأفران، أطلقَت عليه الدول المعادية لقبَ معارض معتدل وحامل غصن زيتون، هو نفسهُ أصبحَ لقبهُ إرهابياً لأنه هاجم أهدافاً في الغرب.
معظم الإرهابيين دخلوا وخرجوا من سوريا عن طريق تركيا، أو لهم اتصالات مع الأتراك بطريقة مباشرة أو عن طريق طرف ثالث.
معظم هذه الملاحظات سبق ونشرنا عنها في بحث الذئاب المنفردة وتوقعنا ما يحدث وما سيحدث، فالأمور في بداياتها…
راجعوا البحث التالي:
الإرهاب في أوروبا يتشعّب، والساسة الأوروبيّون مشاركون بطريقة ما
تنوّعت العمليات الإرهابية في أوروبا من حيث طريقة التنفيذ وأصول المنفّذين، فكانت غالبيتهم من الجيل الأول والثاني وحتى الثالث. منذ عملية الإرهابي “أنيس العمري” برلين 19 كانون الأول 2016، والتي نشرنا عنها بحثاً خاصّاً على موقع مركز فيريل للدراسات، ننصح بمراجعته. أنيس هاجم بشاحنة سوقاً خاصّاً بعيد الميلاد فقتل 12 شخصاً. بعدها قام الإرهابي “أحمد حنّاشي” بقتل فتاتين طعناً بالسكين في مدينة مرسيليا بتاريخ 01 تشرين الأول 2017 والتي أعلنت داعش عن مسؤوليتها… هنا بدأت تظهر طريقة جديدة. لاجئٌ قادمٌ من دول جنوب وشرق المتوسط منذ فترة قصيرة، ليس لديه تاريخٌ في التطرف بل تاريخٌ جنائي، يقوم بعملية إرهابية وهو يصرخُ الله أكبر، وكأنه أُرسِلَ لهذا الهدف، فمن أرسلهُ ومَن “سهّلَ” له المهمة في أوروبا؟!!
ضمن موجات اللجوء الكبرى بعد بدء الحرب على سوريا، دخل مئاتُ الآلاف من اللاجئين بينهم آلافُ الإرهابيين إلى الدول الأوروبية، التسهيلات كانت من الساسة وبينهم السيدة ميركل، فهل ارتكبوا خطأً قاتلاً؟
عملية نيس الإرهابية
نشرت صحيفة Corriere della Sera الإيطالية اليوم تحقيقاً مصوّراً عن الإرهابي الذي نفّذَ العملية. هو وحسب سجلات اللجوء في إيطاليا؛ إبراهيم العيساوي مواليد تونس 1999، فرّ من تونس على متن قارب بتاريخ 20 أيلول 2020، ضمن 28 قاربٍ صغير نزل متنها 330 مهاجراً غير شرعي معظمهم يحملون الجنسية التونسية في جزيرة Lampedusa جنوب غرب صقلية. بتاريخ 25 أيلول حملتهم سفينة الإنقاذ Rhapsody التي استأجرتها الحكومة الإيطالية إلى الشواطئ الإيطالية ليدخل مدينة باري بتاريخ 8 تشرين الأول حيث مركز لجوء كبير…
هرّعَ الصليب الأحمر كالعادة لنجدتهم منذ نزولهم الجزيرة الإيطالية، فمنحهم بطاقة تعريف ومساعدات إنسانية. بقي العيساوي 14 يوماً بسبب الحجر الصحي نتيجة وباء كورونا. خلال هذه الفترة وحسب اعترافات زملائه للمحققين الإيطاليين؛ كان يتصل ويتلقى مكالمات ورسائل هاتفية على هاتفه المحمول طوال الوقت. لدى سؤاله من قِبَل السلطات المختصّة إن كان يريد التقدّم باللجوء في إيطاليا، رفضَ ذلك وقال أنه يريد السفر إلى فرنسا لوجود أقارب له هناك!
سجّلاتُ العيساوي في تونس وإيطاليا لا تُشيرُ إلى أنّهُ إسلامي متطرف ولم يكنْ متديّناً لكن لديه سجل جنائي. ولا يُعقل أنه تحوّل فجأةً إلى إرهابي خلال أقلِ من شهر، لهذا وحسب رأي مركز فيريل للدراسات، إبراهيم العيساوي جاء من تونس لهذه الغاية وقد خُطّطَ له هناك، والاتصالات ستكشفُ مَن كان وراء ذلك. اختفى العيساوي فجأة من إيطاليا وظهر بعد أيام وهو يطعن ويقطعُ الرؤوس في كنيسة نوتردام في جنوب شرق فرنسا.
ما هو القادم على اللاجئين في أوروبا؟
ربما على الأوروبيين أن يتلقوا مئات الضربات كي يتحرّكوا لحماية بلادهم من الإرهاب… وعند أيّ تحرّك تقفزُ منظمات حقوق الإنسان ومعها الصليب الأحمر لحماية اللاجئين من أية إجراءات مُشدّدة. لاشكّ أنّ غالبية اللاجئين ليسوا إرهابيين ولكنّ وجود إرهابي بينهم يسيء إليهم، فكيف وأنّ قسماً كبيراً منهم “باركوا” ما فعلهُ العيساوي!! وكأنّ السلطات الأمنية لا تُراقبُ شبكات التواصل الإجتماعي…
الاتفاقيات الدولية الخاصة بإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية ستُفعّل بما في ذلك تونس، وأول إجراء حصل بعد العملية الإرهابية كان إيداع 104 مهاجر تونسي رهن التحقيق والإقامة الجبرية في إيطاليا، بينهم إثنان تمّ التعرّف عليهم ومسجّلَين خطرين.
ماذا بالنسبة لسوريا؟
لو أرادت فرنسا فعلاً تقليص عدد العمليات الإرهابية على أرضها لاستطاعت بعد حادثة 2015، لكنها ركبتْ الموجة منتظرة سقوط سوريا ولم يحدث… الآن أمامها فرصة قد تستغلها، مع بعض المعلومات التي وصلت مركز فيريل للدراسات عن تحرّك يجري نحو دمشق. فهل ستتفقُ فرنسا مع سوريا برعاية روسية على كسر العقوبات؟
المؤتمر الدولي للاجئين السوريين والمقرر عقدهُ في دمشق بين 10 و14 تشرين الثاني برعاية روسية، سبّبَ إرتباكاً غربياً؛ هل يُشاركون فيه أم يحاولون عرقلتهُ؟ تركيا ستقفُ ضده دون شكّ وستحرّك تُبّعها في الداخل السوري. ماذا عن فرنسا؟ هل ستتجرأ وتستغل الفرصة؟
إنها السياسة وطريقة قيادة القطيع… مَنْ ينظرُ للمشهد بحيادية يرى أنّ “همرجة” الدفاع عن الله والأنبياء سُوّقت للسذج، والساذج هو الذي يُصدّق أنّ أردوغان هو حامي الحِمى. الله أسمى وأقوى من أن يحتاج لنطفة كي تُدافعَ عنه… مركز فيريل للدراسات. 31.10.2020