
خارطة سوريا 2025 وما بعدها، بحث من مركز فيريل للدراسات نستعرضُ فيه مجمل الأحداث الحالية في الشرق الأوسط وسوريا تحديداً، تحليلاً ومعلوماتٍ وتوقعات قد تُصيب ونتمنى أن تخيب. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات 03.04.2025 الباحث السياسي زيد م. هاشم.
نُقدم لكم الجزء الأول كون البحث واسع
أمامنا خمس سنوات من الديكتاتورية الدموية
بعد دستورٍ طائفي وتشكيل حكومي “بائس” لا يستحقُ حتى التعليق أو إضاعة دقائق بتحليل شخصياتِ ومؤهلات و”ماضي” هؤلاء الـ23 “عضواً” وعضوة وحيدة مسكينة. نرى في مركز فيريل أننا أمام خمس سنوات من الديكتاتورية الدموية والتنازلات والمذلة والخنوع لدول الجوار وما بعده، أمّا “البطولة” والإجرام والداعشية فعلى أبناء الوطن فقط. فإذا كان الزعيمُ “مجهول النسب” عضواً سابقاً في تنظيم القاعدة ثم أميراً لداعش في نينوى، ارتكب عشرات المجازر بحق الأطفال والنساء قبل الرجال، ثمّ هُرِّبَ إلى سوريا مع “أصدقائه المجرمين” ليُصبحَ أمير القاعدة في إدلب، ويواصل سيرتهُ “المُشرّفة” في القتل واغتيال “زملاء” الدم قبل المدنيين، إذا كان هذا الإرهابي أُجلِسَ على كرسي الرئاسة هكذا دون أن يدري ومعهُ الأصدقاء المجرمون، فالذي يتوقعُ أو ينتظر منهُ أو من زملائه حملة أغصان الزيتون، الخيرَ والمستقبلَ الزاهر لسوريا وشعبها، هذا المُنتظِر، عليه فحص ملكاتهِ العقلية، دون أن يُتحفنا بقصة الغريق بيتعلق بقشة، هذا المَثل غير صحيح لأنّه:
من المستحيل أن تُقنعَ الذباب أنّ الزهور أفضلُ من القمامة
بعد إعلان الإرهابي أبي محمد الجولاني تشكيل حكومة الإرهابيين الجديدة، باتَ ديكتاتوراً بمعنى الكلمة فهو الرئيس والزعيم والبطل والمحرر والقائد والثائر والمؤمن والقائد الأعلى للجيش ورئيس الوزراء أيضاً، وفوقها والي سوريا العثماني! ولا يحقّ لسلطة سورية محاسبته لأنه “الإله” أمام المُطبلين وما أكثرهم وضد الشعب السوري الأصيل، أمّا أمام تل أبيب وأنقرة فهو العبد المطيع الذليل الذي يُضربُ على قفاه دون أن يشتكي، فيهربُ من دونيتهِ إلى قتل المدنيين في الساحل والداخل، ومعه “شلّة داعش”.
الذي يتوقعُ إصلاحاتٍ سياسية أو اقتصادية من هكذا “عبيد” عليه انتظار هيئة الأمر بالمُنكر والنهي عن المعروف. وكما نشرنا في منصة إكس، أنّ حكومة جبهة النصرة الإرهابية لا تستحقُّ التعليق ونُكرّرُ؛ لأنه مضيعة للوقت، لن نتطرّق لأيّ عبد في هذه الحكومة فسيرتهم دموية إرهابية طائفية، والقلّة الباقية “تكملة عدد” والشغل “مو عيب”، هذا إن اخترنا تعبيراً ديبلوماسياً.
إذاً، لا نتوقعُ في مركز فيريل أيّة تغييرات سياسية أو اقتصادية “حقيقية” نحو الأفضل من حكومة تنظيم القاعدة الجديدة في سوريا، ونقول هنا تغييراتٍ حقيقية وليست مظاهر خدّاعة كاذبة بهبوط الدولار ووصول ناقلات نفط وبترول وكهرباء إلخ. المساعدة والتغييرات “قد” تأتي من الخارج لكن بشروط إذلال أكبر للجولاني ومؤيديه، وتنازلات عن مبادئ أساسية وحقوق سوريا في الأرض والثروات. سنعود لهذا الموضوع في سياق البحث.
سوريا عقدة العقد في الشرق الأوسط
سبق وعلّقنا أن الجولاني لا يدري ماذا سُلّمَ من كرسي وأين أُجلِسَ، هذه سوريا يا جولاني عقدة العقد ليس في الشرق الأوسط بل في العالم. فكيف لجاهل بالسياسة مثلكَ وأتباعكَ أن يُديرَ شؤونها وأنتَ العاجز عن إدارة شؤون تنظيمك الإرهابي إلا بالاغتيالات والسجن. سجون إدلب تتكلم ومعها “نسوة” السجناء أو المُغيّبينَ قسراً.
لن نخوض في تاريخ أعظم ممالك سوريا “آرام دمشق” و”إيبلا”، مملكة الرها، أوغاريت وماري وفوقها مملكة أمانوس، فهذه من المحرّمات سابقاً وحالياً، حتى الحديث عن آشورايا أو آسيريا ونينوى وغيرها هو من المحرمات في عصر التزوير هذا. لهذا ومؤقتاً؛ سنكتفي بالقرن الحالي وشيء من السابق.
عانى الملف السوري من التدخلات الخارجية من كافة الدول الفاعلة، وحتى الدويلات الثانوية التي لا تُرى على الخارطة راحت تُدلي بدولها. الجميع حشرَ أنفهُ من المحيط القريب إلى ماوراء الصحارى والبحار، وهنا لا نستثني دولة أو كياناً. لكلّ غاياته وأطماعهُ ومخططاته الدنيئة، وتعبير الدنيئة “عاطفي” بينما هو في السياسة “شطارة” وبراغماتية!
تدخلاتٌ خارجية تزامنت مع استعداد مجموعات واسعة من “الدونيين” ليكونوا أتباعاً لهذا ثم ذاك، وبالأصح، لبيع سوريا بأبخس الأثمان، لهذا نشأت قوىً سياسة تدّعي أنها سورية الأصل، بولاءاتٍ متعددة قابلة للتغيير حسب “الدفع” ولكلّ ثمنهُ، ومعها نشأت طبقة من المافيات الحاكمة الثرية التي تتبعُ العاصمة الفلانية أو الحزب الفلاني.
التلّون و “التكويع” كما ذكرنا في بحث “تقاسم سوريا وتقسيم تركيا”، هو شعارٌ قديم لدى الكثيرين وليس البعض، فرئيس الوزراء السوري آنذاك، ونتحدثُ هنا عن فترة 1920 وما بعدها، وهو شيخٌ وأستاذ الفقه الإسلامي بالإضافة لكونهِ رئيس الوزراء 4 مرات، كان ينامُ في حضنٍ ويصحو في آخر، التلّون هذا أصبح عادةً متوارثة ومعها تعدد الولاءات والتكويع. بعدها ساهمت الأنظمة السياسية المتحجرة بزيادة عدد الألوان حتى جاءَ نظام بشار الأسد المافياوي وبعده نظام الجولاني الإرهابي
نظام بشار الأسد بات عقبة أمام روسيا لهذا تخلّصت منه
فصّلنا ذلك في أبحاث سابقة، لهذا سنختصر كثيراً؛ بعد أن أنقذت موسكو ولمصلحتها أولاً وثانياً، نظام بشار الأسد من السقوط في 29 أيلول 2015، طلبت منهُ دفعَ الثمن، تردد كعادته وعاند أحياناً منتظراً قرار “العائلة” الحاكمة. خطوة للأمام وخطوتين للوراء، صبر الكرملين عليه وعلى المافيا الحاكمة سنواتٍ إلى أن أصبحَ عقبةً في طريق طموحات بوتين البعيدة والقريبة، فقرر التخلّص منه وسحبهِ إليه مع أموال المافيات، كان هذا بيد تركيا وغضّ أبصار موسكو وواشنطن.
تحجّر بشار الأسد في موقفه تجاه تسوية مع تركيا مُفضّلاً تحالفه مع إيران، ومُنفّذاً أوامر العائلة البريطانية بعدم تنفيذ القرار الأممي 2254 ولو بحدوده الدنيا. لم يتفاهم مع قسد ورفض الوساطة الإماراتية والسعودية مع تل أبيب التي استمرت بقصف سوريا، لكن برعاية روسية، وليس كما يحدث الآن. روسيا تريدُ سوريا مستقرة ليس عشقاً بالشعب السوري، بل لتنفيذ مشاريعها بأمان، والالتفات لجبهات أخرى أهم من سوريا كلّها.
لم يشأ جو بايدن وما يُمثلهُ أن يترك الساحة العالمية وينسحب من البيت الأبيض مع الحكومة العميقة، دون مشاكل تُربكُ ليس دونالد ترامب والجمهوريين فقط، بل العالم كلّهُ. وكما ذكرنا في مركز فيريل
لا يريدُ بايدن وبيلوسي وأمثالهما مغادرة العالم قبل إشعال حرب عالمية ثالثة
هنا اخترقت المخابرات التركية وبدعم مالي قطري الجيش العربي السوري بتوجيهات وأوامر ومعلومات أميركية إسرائيلية، وبغضّ نظر روسي، وعجز إيراني وسباتِ نظام المافيا المشغول بالبطاقة الذكية وأرباحها، وشركات سحر العطري وأبناء جلدتها.
امتنع معظمُ قادة الجيش السوري عن القتال، رافضينَ تنفيذ أوامر القيادة العليا، فسلّموا المدن والمحافظات واحدةً تلوَ الأخرى للمعارضة الإخوانية التي صُعقت مما يجري، حتى أنّ سياراتهم لم تكن مُجهزة للوصول إلى حماة وليس حمص ودمشق.
قبل يومين من بدء عمليات جبهة النصرة الإرهابية، حذّر بنيامين نتنياهو بشارَ الأسد من اللعب بالنار. ثم جاءت تصريحات حماية الدروز والأكراد، بوقت مبكر، مؤشراً على القادم الذي قد يكون نظام المافيا قرأهُ و تغابى عن ذلك. بالمحصلة تم تسليم سوريا دون قتال وسقطت دمشق بطريقة مذهلة وقبلها حلب وحماة وحمص.
هل سيكون أحمد العودة حفتر الجنوب السوري؟
أول مَنْ دخل دمشق بتاريخ 08.12.2024 هو اللواء الثامن بزعامة أحمد هيثم العودة، ابن مدينة بصرى الشام من محافظة درعا، والذي يحملُ إجازة أدب إنكليزي من كلية الآداب جامعة دمشق، المعروف نسبهُ وأهلهُ وأصدقاؤه. أحمد العودة، وهذا اسمه الحقيقي ولا يحتاج لشهادة ميلاد من الرياض، قدّم ثلاثةً من أشقائه في معارك على ثلاث سنوات متتالية. شاركَ بأعمال مسلحة في الجنوب السوري ضد الجيش السوري، صحيح. لكنّهُ بنفس الوقت قاتلَ جبهة النصرة وداعش أيضاً، نعم، جبهة النصرة وداعش. بعدها جرت التسوية في محافظة درعا برعاية روسية مباشرة في تموز 2018، وبرضى إماراتي سعودي عنه أيضاً.
مَنْ كان في دمشق تلك الليلة لاحظَ أنّ مؤسسات الدولة والممتلكات الخاصة لم تتعرّض للسلب والنهب، ولم تُسفك الدماء ولم تُنتهك الأعراض، الحامي كان جماعات الجنوب السوري، بالمختصر “الحوارنة”، وبناءً على اتفاقات بين موسكو وأنقرة، على ما يبدو. أحمد العودة لم يتمسك بكرسي الرئاسة وهو الأحق “نظرياً” كونه أول الواصلين من المسلحين، وليس شعبياً. طالما هكذا، لماذا لم يتم تسليمُ أحمد العودة دولياً كرسي الرئاسة في دمشق؟
لماذا لم يُسلّم أحمد العودة كرسيّ الرئاسة؟
سؤال هام، أحمد العودة يا سادة يا كرام ومن معرفتنا به وببيئته، رجلٌ مغامر لكن بطريقة محسوبة، يُتقنُ الإنكليزية وذو خلفية ثقافية جيدة، عاش حُرّاً إلى حد بعيد، رافضاً الانضمام تحت لواء أية دولة أجنبية، لكنّه قبِلَ مساعدات من الأردن والإمارات والسعودية دون شك. نُعيبُ عليه في مركز فيريل ارتباطهُ بغرفة موك نظام عبد الله الثاني والتي قال أنه كان مضطراً لها. بحثنا عن إدانات بارتكابه جرائم حرب، ولم نجد سوى اتهامات، والفارق كبير بين الإدانة والتهام، لكننا لم نُبرئهُ
أحمد العودة لا يصلحُ لكرسي رئاسة الجمهورية حالياً!
عندما نقول أحمد العودة لا نقصدهُ شخصياً، بل كلّ معارضٍ معروف الأصل والنسب، يحملُ شهادة جامعية، غير مُدان بجرائم حرب وقتل مدنيين، معارض حقيقي لنظام بشار الأسد. ماضيه غير دموي، لا يقبلُ التنازل أو التفريط بحقوق السوريين وسوريا، لم يأتِ بشذّاذ الآفاق ويرتكب معهم جرائم حرب، لا يركع للعثماني ولا يرتجف من تل أبيب. مثل هكذا شخص لا يجوز أن يصلَ لكرسيّ الرئاسة!
سنجيب على استغرابكم بعد طرح المعلومات التالية؛ مع بدء عمليات “هيئة تحرير الشام” في إدلب، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة ضمّت مخابرات تركية وأميركية وإسرائيلية وغالباً بمعرفة روسية. كان من الطبيعي تسليمُ مفاتيح الوصول للمعلومات والمخططات العسكرية للهيئة، هذا لم يحدث بل تم تسليم كل شيئ لجماعة الجولاني تحديداً، وهنا مربط الفرس.
الآن نجيبكم على سؤالكم:
أولاً. تسليم قيادة دولة لجماعة مصنفة دولياً “جماعة إرهابية” وبقرار أممي ثم أميركي، يُعطي الشرعية الدولية للقوى الكبرى للتحرك متى شاءت لضربها وتمزيق تلك الدولة، وبالتالي تسليم الإرهابي أبي محمد الجولاني وجماعتهُ سُدّة الحكم، سيسمحُ للولايات المتحدة وإسرائيل وحتى تركيا، بقصفه شخصياً إن خرجَ عن المسار أو حتى فكّر بالخروج. هذا أولاً.
ثانياً: لاحظوا أنهم حذفوا جائزة 10 مليون دولار لمن يُدلي بمعلومات عن الإرهابي الجولاني، بينما أبقوا على تصنيفهِ وجماعتهِ ومَنْ لفّ لفهم كإرهابيين، لماذا؟ لأنّ هذا سيُجبرُ الإرهابيين الحاكمين أن يكونوا صاغرين في الأرض، يُنفّذون الأوامر فابتزازهم سهلٌ وهم المدانون بمئات وآلاف الجرائم ضد البشر والحجر.
ثالثاً: التعامل مع إرهابيين مدانين سهلٌ للغاية؛ إفعل يا جولاني وإلا! ثم يتركوهُ يغرق أكثر في جرائمه الجديدة وهذا أمرٌ مقصود، فكلما تقاطرت دماء المدنيين من أيادي حكومة الأمر الواقع، سهلَ الضغط عليهم وإذلالهم أكثر، ومجازر الساحل السوري المستمرة دون انقطاع أكبر دليل
ما وردَ من إذلال وابتزاز لا يُمكن فعلهُ مع شخص سوي ومعارض سوري طبيعي، وأخذنا هنا أحمد هيثم العودة كمثال من المعارضة السورية. بحثتْ الدول الكبرى والنافذة عن جماعةٍ إرهابية يمكن إذلالها بماضيها وحاضرها فلم يجدوا أنسبَ من جبهة النصرة ومَنْ والاها، فوقع الاختيار على الجولاني “المؤدلج” أميركياً وعثمانيا وقطرياً. لهذا كلّهِ، ذكرنا في مركز فيريل أنّ كلّ شيء وارد في عالم السياسة القذر، فأن يتم غسْلُ ماضي الإرهابي ومنحه جائزة نوبل أمرٌ لن نستغربهُ، وكلّما “نخَّ” أكثر، اقترب من 10 كانون الأول ومن ستوكهولم.
هل حقّاً تتهافتُ الدول على إرهابيي جبهة النصرة؟
يتبع في الجزء الثاني ومعذرة للإطالة. خارطة سوريا القادمة 2025 وما بعدها، بحث من مركز فيريل للدراسات. 03.04.2025.