سوريا بخير؛ إذاً… مصر بخير. ارتبط مصير مصر بمصير سوريا منذ آلاف السنين، فعندما تعاني سوريا من ويلات الحروب أو الكوارث، تُعاني مصر منها لاحقاً، والعكس صحيح. أدرك ذلك السوريّون والفراعنة، فمتى سيدركه أبناء العصر الحالي!
من نشيد أخناتون للإله “أتون” الإله الأوحد 1351 قبل الميلاد
“في بلاد سُوريا والنوبة وأرض مصر، تضعُ يا إلهي أتون كلّ شيء مكانه، أنتَ الذي تمنحُ سوريا والنوبة ومصر كلّ الأراضي التي تحتاجها، وبمشيئتك أيها الإله أتون، خلقتَ الأرض والإنسان والحيوان وجميع الخلائق، كما خلقتَ أرض سوريا وأرض مصر. أنعم يا إلهي على سُوريا كما أنعمتَ على مصر.”.
تخيّلوا أنّ هذا النشيد عمرهُ 3373 عاماً! فماذا عن أناشيد اليوم؟
حقيقة عمرها 3361 عاماً على الأقل، أدركَها الفراعنة والسوريّون، وكافة الحضارات التي جاءت بعدهم، وعملوا على وحدة هاتين الدولتين عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وحتى اجتماعياً. وعندما أقول مصر أعني وادي النيل كاملاً، وسوريا أعني سوريا من آروميا إلى أرض القمر.
عبر التاريخ وحتى يومنا هذا، عندما تتحد أو تتقارب مصر وسوريا، تكثر الأعداء التي تحاول التفريق بينهما، دام الاتحاد فترات طويلة في الماضي، أما في العصر الحالي فلم يدم سوى سنوات قليلة، لهذا نرى أنّ أيّ اتحاد سيعقبه حروب خارجية أو داخلية ضد هاتين الدولتين.
اليوم سوريا وغداً… مصر
عندما تقاربت مصر وسوريا، حدثت حرب تشرين 1973 وكانت أول انتصار على إسرائيل، ومرت البلدان بأفضل فترة منذ أربعين عاماً، بما في ذلك على الصعيد الاقتصادي تلاها تباعد كبير بعد زيارة السادات للقدس، ثم عزلة مصرية لسنوات، فتحسنٌ بسيط في أوائل التسعينات، ليعود الانحدار من جديد بسبب سوء العلاقات بين الدولتين، وتصل الأوضاع إلى نقطة حرجة وبداية كارثة ستطالهما، أولها التقسيم.
التقسيم يُخطط له ليس فقط في سوريا، بل في مصر أيضاً، والمشاركون هم العرب والأتراك أولاً وثانياً، وبشكل أدق الإخوان المسلمون.
الأخوان المسلمون أخطر اختراع أنتجته بريطانيا، ولو أنّ حكمهم بزعامة “مرسي العيّاط” استمر في مصر، لكانت الأمور أسوأ في سوريا. أدرك وطنيو مصر ذلك، فسارعوا للتخلص منهم، لكنهم لم يستطيعوا التخلّصَ من نفوذ دول الخليج لأسباب اقتصادية أولاً. الأسباب الاقتصادية ازدادت تأزماً وازداد معها استغلال زعماء الخليج لمصر ومعهم البنك الدولي وما أدراك بالبنك الدولي.
يوماً ما تجرأت مصر ورفضت التصويت لصالح قرار فرنسي ضد سوريا، ورفضت المشاركة أو تقديم تسهيلات لضربة عسكرية للجيش السوري، يمنح هذه الضربة غطاء عربياً يُماثل الغطاء الذي أعطي لتنفيذ المجازر في اليمن بأيد عربية مسلمة. مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، عمرو أبو العطا، وبتاريخ 01 آذار 2017 قال أنّ القاهرة لم تدعم مشروع قرار مجلس الأمن الدولي الذي يدعو لفرض عقوبات على دمشق، لاتهامها باستخدام الأسلحة الكيماوية، لأنه خال من الأدلة الحقيقية ويوجه اتهامات جزافية..
التصريحات هو أقصى حد وصلت إليه المساعدة المصرية لسوريا، أي أنها لم ولن تُرسل جول جمّال.
هل وقفت القيادة المصرية الحالية فعلاً بجانب سوريا؟ وهل قدّمت ما تفرضهُ عليها وحدة المصير من دعم؟
القاعدة التي نتعامل بها في مركز فيريل للدراسات تقول:
“في كل كارثة تصيبُ الشرق الأوسط، فتّش عن تركيا، أي إسرائيل.”.
إسرائيل تُحرّك حلفاءها وتابعيها، وهؤلاء يضخون الأموال والإرهابيين، فإن عجزوا تدخلت بنفسها. عقاب مصر بدأ اقتصادياً، ثم أمنياً، والذي ينتظر القاهرة كثير، فتحريك الإرهابيين بدأ منذ بدءاً من سيناء والاضطرابات والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم تصيبُ مصر قبل غيرها.
ساءت العلاقات المصرية السعودية بعد اعتقال مرسي العياط الرئيس المصري السابق في 03 تموز 2013، ليأتي التهديد من الرياض: “شرطنا الوحيد لعودة العلاقات مع مصر، هو الإفراج عن مرسي وجميع المعتقلين.”
أدركت القاهرة اللعبة الإخوانية قبل الرياض التي عادت وعدّلت موقفها من الإخوان ومعها الإمارات بعد انكشاف الدور التركي والقطري وقول أردوغان الذي يتدخل في كل زاوية:
“مرسي سيعود إلى الحكم، سلطاناً على مصر.”!.
محمد مرسي وفور توليه منصبه أصدر قراره بعزل قادة الجيش وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل في آب 2012، مولياً المناصب لضباط يدينون بالولاء لجماعة الإخوان، أي ضرب الجيش المصري الذي يُقاتل الإرهاب في سيناء. لاشك أنّ الضوء الأخضر جاءهُ من الغرب والغرب يعني تل أبيب وأنقرة، حاول أن يلعبَ لعبة المصالح المشتركة ويُمكّن الإسلاميين من الحكم بطريقة الانقلاب، فجاءهُ الردّ من المؤسسة العسكرية بانقلاب على انقلاب.
مع تضعضع الموقف السعودي وتراجع نفوذها في الشرق الأوسط، وتصدّر تركيا وإيران للساحة السياسية والعسكرية، والخلاف مع قطر. ثم بزوغ نجم الإمارات كلاعب براغماتي، كان لابد من إعادة الدفء لعلاقتها بالقاهرة، فالمصاعب والفشل في حرب اليمن جرّت عليها الويلات ومعها قضية خاشقجي التي استغلتها أنقرة للحصول على تنازلات من السعودية ثم سلمتها ملفها. هنا جاء الإعلان السعودي عن وديعة ضخمة في مصر قيمتها 5 مليارات دولار في أواخر آذار 2022.
عودة العلاقات مع تركيا وقطر، وهل يُلدغُ المؤمن من الجحر مرتين؟
بصورة مماثلة لما قامت به السعودية، ضخت قطر استثمارات في مصر بمليارات الدولارات. رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، اجتمع مع محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، وعلي بن أحمد الكواري، وزير المالية القطري، ليتم بعدها الإعلان عن الاتفاق على مجموعة من الاستثمارات والشراكات بمصر بإجمالي 5 مليارات دولار في الفترة القادمة. فهل عودة الدوحة إلى القاهرة ستكون هكذا لوجه الله؟
تقاربٌ تركي مصري قد يعقبهُ “دفءٌ” في العلاقات المصرية التركية، بانتظار حلّ ملف وحيد هو طلب المخابرات المصرية تسليمها مطلوبين بتهم جنائية وآخرين من الإخوان المسلمين يقيمون في تركيا. التقارب حصل في ملفات ليبيا وغاز البحر الأبيض المتوسط. بينما لم يتم ذكر اسم سوريا في أية محادثات بين الطرفين.
مصر والسعودية والإمارات وتركيا استقبلت المعارضة السورية كما استقبلت يوماً المعارضة المصرية! بالمقابل؛ لم نسمع بوجود معارضٍ مصري أو إماراتي أو سعودي، يتم دعمهُ مادياً وإعلامياً وعسكرياً على الأرض السورية.
هل ستكون القاهرة بخير بعيداً عن دمشق؟
مصر سعت لإعادة علاقاتها بتركيا وقطر. علاقاتها بتل أبيب جيدة. لكنها لم تقم بخطوة تجاه شقيقتها الأقرب سوريا، رغم أنّ الضوء الأميركي برتقالي، فهل يحتاجُ الأمر لجرأة كبيرة؟ وكيفَ تقبلُ القاهرة بوجود علاقاتٍ “ساخنة” مع إسرائيل وأسياد الإخوان المسلمين في قطر، ولا تتجرأ على إعادة سفيرها إلى سوريا؟!. دعونا نراقب هل ستكون القاهرة بخير بعيداً عن دمشق… الأيام ستجيبُ مع تمنياتنا بالسلام والأمان للشعب المصري.Firil Center For Studies FCFS Berlin. 11.04.2022 مركز فيريل للدراسات.
التحليل واقعي وهو يمثل أمالنا، على ان يكون التقارب علمي سياسي بعيدا عن العواطف، لما فيه من مصلحة للبلدين وللعرب اجمعين