عدد القراءات 80921 تاريخ النشر 23 نيسان 2017
أصل اسم مار جرجس /الخضر/ مركز فيريل للدراسات. الكاتب والباحث التاريخي السوري فايز مقدسي.
يعتقد أغلب الناس في بلادنا أن اسم جرجس أو جورج، كما دخل إلى اللغات الاوروبية، هو اسم أوروبي يستعمله المسيحيون فقط، لأنه اسم قديس معروف باسم القديس مار جرجس، الذي قاتل التنين ودحره وأنقذ العروس التي كان التنين يستعد لافتراسها.
اسم جرجس هو اسم سوري قديم
شاعت الحكاية هذه حتى أننا صرنا نرى في الكنائس في الشرق والغرب، أيقوناتٍ تمثل مار جرجس يطعن التنين برمحه وينقذ الفتاة منه و يحررها، واعتقد الكثيرون أنها دخلت أوروبا عن طريق الإغريق، وفاتهم أنّ اسم جرجس هو اسم سوري قديم، دخل اليونانية عن طريق اللغة السورية القديمة في صيغة /خرخيوس/، وعن هذه الصيغة اليونانية انتقل لأوروبا في العصر المسيحي في صيغة /جورج/، وهو اسم لا يزال يكتب إلى اليوم بالفرنسية مع حرف السين ولكن دون لفظه. حلّ حرف الجيم محل حرف الخاء اليوناني الذي نقل حرف الحاء السوري الموجود في الاسم السوري القديم. أما صيغة جرجس فقد استعارها السوريون من الصيغة اليونانية /خرخيوس/ وهم لا يعلمون أن اليونانية استعارت هذا الاسم منهم.
إذا عدنا إلى السجلات التاريخية اللغوية المدونة بالسورية القديمة (اللغة الأمورية – الكنعانية) و كما تبينها مدونات /أوغاريت – موقع رأس شمرا/ على الساحل السوري فسوف نعثر على اسم جرجس كما كان يلفظ بالسورية القديمة في جذر /ح ر ث/ أي الذي يحرث الارض أو الحارث، والذي كان لقباً يطلق على السيد البعل، باعتباره سيد الخصب والزراعة وهو، من الناحية الرمزية، الذي يحرث الحقول و يجعلها صالحة للزراعة ويتعهدها بالسقاية عن طريق المطر، لذلك كان يلقب بسيد المطر. البرق يعلن مجيئه والرعد صوته والغيوم مركبته أو حصانه، كما نقرأ في قصائد أوغاريت الأسطورية.
دخل اسم الحارث إلى اليونانية في صيغة /خارث/ لعدم وجود حرف الحاء في اليونانية، ولما كانت اللغة اليونانية تقتضي إلحاق كل اسم علم مذكر بحرف السين، فقد أصبح اسم خارث /خارخوس/ وعن هذه الصيغة دخل إلى اللغات الأوروبية في صيغة /جورج/ ثم عاد إلينا في صيغة جرجس، منقولاً عن اللفظ اليوناني، ولما كان لهذا الاسم صفة قدسية، فقد جعلته التقاليد اسماً لقديس وأطلقت على هذا القديس اسم جرجس الذي يحارب التنين.
لا شك أنّ الذاكرة الشعبية السورية قد احتفظت بهذه الحكاية شفهياً، وتم تغيير الأسماء وأصولها وتاريخها الحقيقي. أما اليوم؛ و بعد اكتشاف نصوص أوغاريت، فإننا أصبحنا نعرف من تلك النصوص أن (البعل، الحارث) يتصدى للتنين ويحاربه ويتغلب عليه لينقذ بني البشر من شروره، وليعود الخصب إلى الأرض فتصير السماوات تمطر سمناً والسواقي تسيل عسلاً، كما نقرأ في قصيدة (البعل والموت). لذلك أطلق أجدادنا السوريون على البعل أو الحارث لقب /نُعمان/ أي الذي يفيض بالنعم على بني الإنسان. تجذّر هذا الاسم في الذاكرة السورية فأطلقوا اسم النعمان على الزهر الأحمر اللون، وسموه (شقائق النعمان)، ويعني الجروح التي أصيب بها البعل أثناء قتاله مع التنين.
عندما جاءت المسيحية؛ لم تتغير التسميات، فأخذ البعل الحارث اسم مار جرجس، ومعناه: الحارث العظيم، ولما كان البعل يعتلي صهوة الغيوم وكأنها حصانه حين يأتي، فقد تم إعطاء صفة الفارس أيضا لمار جرجس وأطلقوا عليه اسم مار جرجس الخيّال أو الفارس.
قصيدة البعل والموت السورية القديمة
نقرأ في قصيدة (البعل و الموت) السورية القديمة، 1500 قبل الميلاد، أنّ الناس كانوا في الاحتفالات الطقسية يخاطبون الرب البعل فيقولون له:
هوذا عدوك أيها البعل
هوذا عدوك فاضربه
هوذا عدوك التنين الذي يناهضك
فاصرعه و اقضِ عليه
أنتَ أيها البعل – السيد
تضرب التنين الأفعى المنسلّة
أنت تسحق رأس هذا الثعبان الهارب
أنتَ ترضُّ رؤوس التنين السبعة
إذا انتقلنا إلى الأدب السوري الشعبي في المسيحية فإننا نقرأ في قصيدة فيها نفس الكلام و لكن حول مار جرجس:
لما كان في ذاك الحين
في بيروت ظهر تنين
ريحتو تهلك العالمين
و يعرف باسم الثعبان
أسرع مار جرجس وتقدم إليه
ورفع رمحو وهجم عليه
وضربو ضربة بين عينيه
والرمح من خلفه داني
من يقرأ هذا النص الشعبي، يقرأ في الحقيقة النص الشعري القديم كما هو في مدونات أوغاريت.
ولا يزال الناس في بلادنا يحتفلون بعيد مار جرجس، الذي يقع في الربيع /عودة الخصوبة إلى الطبيعة/
عندما جاء الإسلام الى سوريا، تم إطلاق اسم (الخضر) على مار جرجس، ظناً منهم ان اسم جرجس اسم أوروبي. كان اسم الخضر يأتي من اللون الأخضر الذي يدل على الطبيعة المزدهرة، فإننا نلاحظ أنّ اللفظ تغير غير أننا نستطيع أن نلاحظ أن الصلوات والتضرعات لإنزال المطر، كان يرفعها الملك بنفسه إلى السيد البعل، لاستنزال المطر مما يجعلنا نلاحظ الأصل السوري القديم لما نسميه اليوم بصلاة الاستسقاء، والتي نظنُّ أنها إسلامية الطابع وجاءت من الجزيرة العربية كما نفعل بكل تراثنا السوري.
صلاة الاستسقاء السورية قبل 3500 عام
إليكم هذا المقطع الذي يمثل صلاة الاستسقاء السورية 1500 سنة قبل الميلاد، كما يرفعها الملك السوري (دانيل) أو (دينونة الله)، كما هي في مدونات أوغاريت.
يقول النص أنّ الجفاف ضرب الحقول وغطتها أسراب الجراد، فرفع الملك دانيل صوته إلى الله متضرعاً وقال:
ربي
اجعل المطر يهطل في فصل الجفاف
أرسل السحب وفيها رذاذ مياه الخريف
و ليهطل الندى ويسقي عناقيد العنب في الكروم
و هكذا نرى ان مار جرجس الخضر ليس سوى البعل السوري نفسه الحارث الأكبر.
لابد أن نشير إلى أنّ الملوك السوريين الأنباط الذين جعلوا مدينة البتراء في الأردن اليوم عاصمةً لمملكتهم، قد أطلقوا على أنفسهم لقب الحارث، فكان هناك الحارث الأول والحارث الثاني وهكذا، وامتد حكمهم في فترة القوة إلى دمشق، فكان نائب الملك الحارث يحكم دمشق عندما دخلها الرسول بولس بعد الرؤيا التي حدثت له على أبواب دمشق والتي غيرت تاريخ العالم فيما بعد.
فايز مقدسي؛ كاتب وباحث تاريخي وإعلامي سوري. باريس Firil Center For Studies FCFS نيسان 2017
أما اسم الحارث السوري فقد دخل كما رأينا وبصيغته اليونانية، إلى كل لغات العالم وأصبح اسما عالمياً في صيغة… جورج.