أقصوصة بيع الجولان. بحث من مركز Firil Center For Studies FCFS, Berlin

بحثٌ مُختصرٌ قدر الإمكان عن أقصوصة مُتداولة تُرددها ألسنٌ دون معرفة مصدرها الحقيقي، ليصبحَ الجوابُ الممل: “لقد باع حافظ الأسد الجولان”، منسوخاً على لسان كلّ مُعارض ونصف معارض أو كارهٍ للقيادة السورية، خاصة هذه الأيام.

 كيف بيع الجولان ومتى وما الدليل؟ هل مِن مسؤول كبير له سمعتهُ أكّدَ ذلك؟ هل هناك وثائق لدى تل أبيب؟ لا أحد يعرف، والجاهل يدّعي أنه يعرف فيُجيب: “واضحة”
ويُضيف: “لم يُطلق الجيش السوري طلقة ضد إسرائيل منذ 1973″، وكأنّ هذا المُجيب عاد للتو من عملية فدائية في تل أبيب، أو أنّ المعارضة السورية المسلحة إن استلمت الحكم في سوريا يوماً، سوف تُحرّر فلسطين وليس الجولان فقط! أمّا إن كان هذا الجاهل غير سوري؛ فرئيسهُ أو ملكهُ هو حامي الحِمى وحروب بلاده مع إسرائيل لا تنقطع. آخرون ينسحبُ قولهم على لواء اسكندرون واتفاقية أضنة التي شرحنا عنها سابقاً في مركز فيريل للدراسات

مَن يُدقّقُ قليلاً ويبحث عن الحقيقة، سيكتشفُ بسهولة من أين جاءت هذه “الأقصوصة”، فإذا عُرفَ منشؤها بطلَ العجب، فمَن هو صاحبها؟

مَن صاحب أقصوصة بيع الجولان؟

لم تُكلّف وسائل الإعلام الرسمية السورية “الخشبية” نفسها عناء الردّ على هذه الأقصوصة، بينما يستمرُ تداولها بطريقة “الكوبي العقلي”. المصدر الأساسي “الحالي” هو الدكتور محمود جامع، طبيبُ الرئيس المصري السابق أنور السادات، عندما نشر في كتابٍ أخذ شهرةً “مقصودة” رُغمَ أنه لم يُقدّمُ أيّة معلوماتٍ موثوقة أو قيّمة بل “قيل عن قال” مع إخفاء معلومات والمجيء بأخرى كاذبة، لهذا لا يستحقّ أصلاً أن يُسمى كتاباً.

“الكتاب” هو “عرفتُ السادات“، الطبعة الأولى 1998، الحجم 320 صفحة. تحدّثَ فيه بقسمه الأول عن فترة ما قبل ثورة 23 تموز 1952 في مصر. شنّ هجوماً على حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر فحمّلهُ أسباب الهزائم والأزمات التي عصفت بمصر، ثم تحدّثَ عن أنور السادات فأظهرَهُ على العكس؛ بطلاً تاريخياً هُماماً صانع النصر والسلام، مع ذكر بعض الأخطاء الصغيرة التي لا تُقدّم ولا تؤخّر.

محمود جامع عضو سابق في تنظيم الإخوان المسلمين، صديقٌ مُقرّب من السادات والشعراوي.

بحثنا طويلاً في مركز فيريل للدراسات في سيرة حياة الدكتور “محمود جامع” فوجدنا أنّهُ عضوّ في تنظيم الإخوان المسلمين منذ كان في المرحلة الثانوية وهو في الرابعة عشرة من عمره، وتحديداً عام 1946. وُلِد في محافظة الغربية عام 1932 ومات بتاريخ 14 كانون الثاني 2019. في الثمانينات، اعتقلهُ الرئيس المصري حسني مبارك وصادر ممتلكاته، بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي ونشر معلوماتٍ كاذبة، ثم عفى عنه لاحقاً. أعزُّ أصدقائه وزير الأوقاف المصري السابق “محمّد متولي الشعراوي” ولمن لا يعرف مَن هو الشعراوي، إليكَ هذه الحادثة التي اعترف بها وبررها بنفسه:

“في حزيران 1967 وأثناء وجوده في الجزائر، سجدَ محمد متولي الشعراوي شُكراً لله بسبب هزيمة مصر في الحرب آنذاك، وقال في برنامج اسمهُ “من الألف إلى الياء” على القناة المصرية، مُبرراً سجوده بأنّ مصر لن تنتصرَ بسبب علاقتها بالاتحاد السوفيتي الشيوعي الكافر! وحرفياً (لن تنتصرَ مصر وهي في أحضان الشيوعية، فلِم يفتن المصريون في دينهم). الشعراوي كان رجل السعودية في القاهرة، وهو مؤسس “بنك فيصل” بمصر. عِلماً أنّ محمود جامع عاد ونشر في 1 كانون الثاني 2000 كتاباً أسماه “وعرفتُ الشعراوي”.

هذه الصداقة مع الشعراوي وانتماؤه لتنظيم الإخوان المسلمين، تعطينا فكرة واضحة عن خلفية مَن روّج لأقصوصة بيع الجولان، خاصة وأنّ الدكتور محمود جامع قد زادت شهرتهُ ومعه كتابهُ بفضل قناة فضائية سعودية أجرت معهُ حواراً حول ما جاء في كتابهِ

أكاذيبُ محمود جامع حول بيع الجولان؟

لا تنحصرُ أكاذيب محمود جامع بعلاقته بالسادات فقط، فقد ذكرَ بلقاء حول عملية اعتقالهِ أيام حسني مبارك، بأنّ جيهان السادات هي التي تسببت بذلك، وأنّ حسني مبارك اعتذر منه لاحقاً! وكأنّ محمود جامع هو الرئيس المصري وليس العكس، حيثُ جاء مبارك للقائه في محافظة الغربية.

كتاب عضو الإخوان المسلمين محمود جامع المليء بالأكاذيب والذي تمّ الترويج له، بل اعتبِرَ مؤلفه “مؤرخاً”!!

يقول محمود:

“ثم قال لي مُبارك: أريد أن أسمعَ منك مرة أخرى أنك سامحتني، فأخبرته بأنني سامحته، وشدّ علي يدي وظل ممسكاً بها بشدة أوجعتني، من الدور الثاني بالمحافظة حتي ركوبه سيارته وانطلاقه بموكبه!”..
هل تخيلتم هذا الوضع؟ حسني مبارك يعتذرُ من طبيب إخونجي ليس له وزنٌ اجتماعي أو منصب سياسي، ويطلبُ مسامحته ويأتي إليه مصافحاً أمام المسؤولين المصريين!

ورد في كتاب “عرفتُ السادات”:

“السادات أفشى لي بسرّ خطير يتعلق بالجولان”! ثم صمتَ طويلاً رغم إلحاح الصحفيين لمعرفة هذا السرّ.  بعد فترة نشرت صحيفة الوفد المصرية، حديثاً له قال فيه: “إنّ الجولان بيعت بملايين الدولارات لإسرائيل في صفقة بينها وبين النظام السوري في ذلك الوقت”. الرقم تذاكت بعض المصادر ليصل إلى 100 مليون دولار.

قصة إفشاء السرّ جرت حسب زعم محمود عام 1969 حين كلّفَ الرئيس جمال عبد الناصر، أنورَ السادات بالسفر إلى دمشق مع وفد سياسي وعسكري، بمهمة عسكرية وسياسية “خطيرة”، محمود جامع هذا كان بين أعضاء الوفد الخطير والسرّي!.

للمعلومات؛ كان بين الوفد المصري يومها ياسر عرفات، وحسن صبري الخولي وهو الممثل الشخصي لجمال عبد الناصر وليس السادات. ربما لا يعرف محمود جامع مَنْ هو الخولي لأنه وصفهُ بأنه مسؤول كبير في مصر! فيريل للدراسات

قصّة طريفة


قصّة طريفة، حسب ما أوردته القناة الفضائية السعودية على لسان محمود ومعها قنواتٌ مصرية شهيرة: “في الصباح كنا ننام بقصر الضيافة في “ميدان” المهاجرين بدمشق، طلب أنور السادات أن أرافقهُ مع سائق ومرافق واحد فقط، ومنعَ أن يكون لنا أي موكب رسمي. إلى أين؟ أجاب السادات ستعرف. ذهبنا بالسيارة إلى الجولان. أمرَ السائق أن يُركن سيارته بعيداً ويقف بجانبها مع المرافق. نزلتُ معه ومشينا لوحدنا. جبال شاهقة تشرف على أرض شاسعة. وقفنا على مشارف الجولان، حين وضع السادات يده على ظهري وحكى لي عن تلك الصفقة التي أخبره بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتخلى بموجبها الجيش السوري عن الجولان في حرب الأيام الستة في حزيران 1967″ يتابع محمود بقصته الطريفة: “قبض حافظ الأسد 50 أو 100 مليون دولار لا أذكر بالضبط، أعطاه إياها مدير المخابرات السورية رفعت الأسد، ورقم الشيك حسب السادات موجود في مبنى المخابرات المصرية. وقد أخبرني بهذه القصة الرئيس اللبناني أمين الجميلي.”. أتركُ لكم اكتشاف الأخطاء فيما قالهُ محمود هذا.  

الأسئلة التالية، بالإضافة للاستفسارات السابقة، تؤكد كذِبَ قصّة محمود جامع.

السؤال الأول

السؤال الثاني

طالما أنّ أنور السادات كان لا يثق بالقيادة السورية، التي
باعت الجولان ويخشى أن تُبلغ إسرائيل بموعد إقلاع الطائرة، وكأنّ سلطات مطار دمشق لا يمكنها معرفة ذلك مُسبقاً، لماذا خطط مع حافظ الأسد لحرب تشرين 1973 وقاما بها ألم يكن السادات يخشى أن يتم إبلاغ إسرائيل بالتفاصيل العسكرية وساعة الصفر؟

السؤال الثالث

حسب زعم محمود جامع أنّ الرئيس حافظ الأسد باع الجولان، وهذا ما عرفه أنور السادات، كيف يرضى السادات أن يدخل معهُ حرباً لتحريره؟!

محمود يُجيب بالتالي: “هذا ما سمعتهُ من أنور السادات
شخصياً، وهو سمعهُ من جمال عبد الناصر”. أي: هذا ما قالهُ لي رجل مات نقلاً عن رجل آخر مات… وما أسهل الكذب على لسان الأموات…

السؤال الرابع

يقول محمود جامع أنّ دمشق قررت اعتقال أنور السادات الذي زارها في أيلول 1978 قبل زيارته للقدس بثلاثة أيام، ثم تراجعت عن اعتقالهِ بسبب خلاف بين أعضاء قيادة حزب البعث. اللواء طه زكي مدير مكتب السادات الذي حضر اللقاء آنذاك قال: “حافظ الأسد رفض أية فكرة لاعتقال السادات”. لكنّ طه نفسهُ يقعُ في الخطأ “الغبي” أيضاً عندما يقول بلقاء في برنامج “90 دقيقة”: “بعد مغادرة الطائرة التي تقل السادات لمطار دمشق، حاول الطيران
السوري إسقاط الطائرة، لكنّ السادات اتصل بمناحيم بيغن وأخبره بذلك، فقامت الطائرات الإسرائيلية بحراسته حتى دخل الأجواء المصرية”… خيالٌ واسع. لم يكن بمقدور السوريين إسقاط طائرة مدنية حلّقت لمسافة 90 كلم في أجوائها؟ لكنهم استطاعوا إسقاط عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية الأسرع قبل خمس سنوات، في حرب تشرين 1973! ثم ما هذا التنسيق العالي بين السادات ونظامه آنذاك كي يتصل بمناحيم بيغن، وتكون استجابته “إسعافية”؟!.

ما أسهل الكذب على لسان الأموات

حسب الكتاب “سقوط الجولان”؛ الرئيس السوري حافظ الأسد، وكما تعلمون لم يكن وقتها رئيساً للجمهورية بل وزيراً للدفاع، هو الذي ورّط الرئيس جمال عبد الناصر في هزيمة 1967! وكأن إسرائيل حمامة سلام اضطرت لشن حرب واحتلال أجزاء واسعة، وجمال عبد الناصر ألعوبة بيد السوريين! السرد العسكري في الكتاب يمكن لأي جندي شارك في المعارك آنذاك إخبارنا به، ومنهم مئات الأحياء ولسنا بحاجة لضابط مخابرات يُحدثنا بطريقة مضحكة عن استخدام “الحمار” للفرار من المعارك، وتورم الأقدام بسبب المسير!. هذا كلام حكواتي في مقهى من القرون الوسطى وليس حديث ضابط عسكري مخابراتي.

أكثر من ذلك؛ يستشهد الكاتب بكلام وزير الصحة السوري آنذاك “عبد الرحمن الأكتع” الذي كان في جولة ميدانية جنوب القنيطرة بتاريخ 10 حزيران 1967، وكأنّ وزراء الصحة باتوا ضباطاً ميدانيين

يتابع الكاتب “المجهول”: بأنّه في حرب تشرين 1973 لولا “صدام حسين” الذي كان نائباً للرئيس العراقي أحمد البكر، لاحتلت إسرائيل دمشق. لاحظوا؛ لولا صدام حسين وليس لولا الجيش العراقي! هنا تظهرُ خلفية الكاتب بوضوح ولا داعي للاستفاضة.

حسب فيريل؛ ثلاثة أسباب لسقوط الجولان بيد إسرائيل

أولاً سوء الاستعدادات العسكرية وضعف الجيش السوري

شاهدنا عدة برامج من قنوات مختلفة خليجية معروفة بتوجهاتها منذ تأسيسها، حول ما جرى بتاريخ 5 حزيران 1967، قامت باستقبال مَن أسمتهم قادة عسكريين سوريين أثناء حرب حزيران. أحد هؤلاء وكان حسب زعم قناة خليجية معادية لسوريا، قائداً لسلاح المدفعية في الجولان، قال حرفياً: “لدى إسرائيل 12 طائرة فقط، وكان بإمكان الطيران السوري والعراقي اعتراض هذه الطائرات العائدة من قصف مصر خالية من الذخيرة والوقود وإسقاطها في البحر”. لا ندري هل هو فعلاً قائد عسكري؟!! ربما اختلطت عليه الأمور وكان يتحدث عن عام 1948.

 التالي هو مقارنة سريعة بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي، الذي هاجم ثلاثة دول عربية بآن واحد، كان تعداد الجيش السوري 110 آلاف ويملك 550 دبابة ولا يملك أيّ صاروخ مضاد للطائرات و120 طائرة هيلكوبتر ومقاتلة وطائرات تدريب، والتسليح سوفيتي ضعيف. الجيش الإسرائيلي يتألف من 260 ألف جندي و1400 دبابة و380 طائرة و60 صاروخاً، والتسليح أميركي بريطاني حديث. لهذا سيطرت إسرائيل جوياً ثم برياً. علماً أنّ الجيش المصري لوحده كان يُكافئ إلى حد ما الجيش الإسرائيلي بـ 420 طائرة، ورغم ذلك خسر الحرب نفسها، ولم نسمع عن بيع “سيناء”.

ثانياً الخيانة والتجسس والانقسام

الحديث عن خيانات من قِبل قادة الميدانيين في ساحة المعركة، أمرٌ حصل وإنْ كانَ محدوداً، وهو أقربُ لسوء التخطيط العسكري وضعف الخبرة الميدانية منها إلى الخيانة. والعامل الأهم هنا هو التجسس، فكافة مواقع وأسلحة الجيش السوري وأسماء ضباطه وحتى صورهم، كانت بيد المخابرات العسكرية الإسرائيلية، ولا ننسى الاختراقات التي حصلت قبل النكسة لأجهزة المخابرات والحكومة السورية والجيش السوري وقيادات حزب البعث الحاكم، ويمكنكم مراجعة بحث كوهين الجاسوس الإسرائيلي على موقع مركز فيريل لتدركوا إلى أين وصلت هشاشة المخابرات السورية آنذاك، كوهين الذي كُشفَ قبل الحرب بسنتين، بينما كان هناك العشرات من “كوهين” موجودين في سوريا. كما أنّ المخابرات العسكرية الإسرائيلية تمكنت من التجسس على اتصالات القطاع الشمالي والجنوبي العسكرية في الجولان للجيش السوري، وكانت تعرفُ ما يدور بين قادة القطاعين حرفياً. حتى خرائط حقول الألغام وصلتها فكانت الدبابات الإسرائيلية تسير دون أية خطورة.

أمرٌ آخر، كانت سوريا تُعاني من الانقسامات والخلافات في صفوف قادة حزب البعث والانقلابات العسكرية. الانفصال عن مصر 1961، قادهُ العقيد السوري عبد الكريم النحلاوي بانقلاب عسكري خطط له رئيس الوزراء “معروف الدواليبي”، ورئيس الجمهورية السورية لاحقاً 29 أيلول 1961 “مأمون الكزبري”، و”نهاد الغادري” الصحفي السوري المعارض دائماً والذي زار تل أبيب في أوائل القرن الحالي.

بعد الانفصال؛ عادت الانقلابات لينام الشعب السوري ويصحو في اليوم التالي على رئيس جديد! الرئيس الجديد يقوم بغباء بالاستغناء عن كافة قادة الجيش والمخابرات والمقربين وحتى المشكوك بهم من الرئيس السابق، ويأتي بآخرين مؤيدين له، وهذا لعب دوراً كبيراً في ضعف الجيش السوري.

بالمقابل كانت إسرائيل تستعد للحرب دون انقسامات، وتحشد قواتها وتتسلح بأحدث أنواع السلاح.

ثالثاً الإشاعات والضعف النفسي والإعلامي

في حادثة ليست ببعيدة؛ ألم تسقط طرابلس الغرب إعلامياً قبل سقوطها الفعلي بأيام؟ ألم تنشر وسائل إعلام خليجية صوراً وفيديوهات منذ 20 آب 2011 أنّ المعارضة الليبية سيطرت على 95% من العاصمة الليبية، ليتبيّنَ أنّهم فعلياً لم يسيطروا على المدينة سوى بتاريخ 28 آب أي بعد 8 أيام؟!.

هذا ما حدث في الجولان وتحديداً مدينة القنيطرة، فالإشاعات التي بثتها وسائل إعلام إسرائيلية بالتواطؤ مع الخونة من داخل سوريا، بأنّ وزير الدفاع السوري حافظ الأسد قد أصدر أمراً بالانسحاب من الجولان كيفياً! منذ اليوم الأول للحرب، بحثنا بمركز فيريل واستقصينا عن القرار.

بيان سقوط الجولان الذي صرّح به وزير الدفاع حافظ الأسد جاء بتاريخ 10 حزيران 1967 برقم 66، وورد فيه سقوط القنيطرة. معارضو الرئيس السوري تحدّثوا عن أنّ هذا الإعلان جاء قبل سقوطها الفعلي بـ 19 ساعة، مستندين لكلام وزير الصحة عبد الرحمن الأكتع الذي ورد ذكرهُ. المصادر البريطانية والأميركية ومنها Time magazine وهي أيضاً معادية للرئيس الأسد تؤكد: أنّ الإعلان سبق السقوط الكامل لمدينة القنيطرة بـ 3 ساعات فقط، لكن المدينة كانت بحكم الساقطة عسكرياً

على الجانب المصري، خلال ساعتين استطاع الطيران الإسرائيلي تدمير عشرات الطائرات المصرية فوق مدرجاتها، بينما الإعلام المصري يتحدثُ عن بطولات تاريخية للطيران المصري، فقد ذكرت الإذاعة المصرية أنّ الدفاعات الجوية أسقطت 70 طائرة إسرائيلية في اليوم الأول! وهنا خطأ آخر بالحديث عن انتصارات وهمية لم تحصل بل هزائم تاريخية.

التنسيق والاتصالات بين القيادة المصرية والسورية كانت مقطوعة تماماً، إنها الدول العربية وزعماؤها… فالقيادة السورية علمت بالعدوان الإسرائيلي من “الراديو” فقط ومن “صوت العرب من القاهرة” تحديداً!

نعم سقط الجولان بأخطاء القيادة السورية والعربية أولاً

هزيمة عام 1967 هي خطأ القيادات العربية في مصر وسوريا والأردن. السؤال الأهم فيما ورد:
استطاعت إسرائيل احتلال الجولان ولكنها احتلت أيضاً الضفة الغربية والقدس وغزة وسيناء كاملةً، وهذه تُعادل مساحة الجولان 19 مرة على الأقل، لكننا لم نسمع أبداً بأنّ زعماء الأردن أو مصر قد باعوا فلسطين والقدس وسيناء؟!

الأسطول السادس الأميركي تحرّك إلى قبالة الشواطئ اللبنانية، بينما أكدت المخابرات السوفيتية لنظيرتها المصرية أنّ تل أبيب أعلنت التعبئة العامة وحركت 5 فرق عسكرية إلى النقب قبالة سيناء، و11 لواءاً في الجولان. الرئيس جمال عبد الناصر أعلن بعد ثلاثة أيام التعبئة العامة، وأغلق مضيق جزيرة “تيران” التي كانت يومها جزيرة مصرية، قبالة خليج العقبة، أمام السفن الإسرائيلية.

سؤالنا الأخير: مرّ على احتلال الجولان 52 عاماً، حصلت فيها مئات الاجتماعات الدولية واللقاءات ومباحثات السلام بين زعماء دول عظمى، وصدرت عشرات القرارات عن مجلس الأمن الدولي والهيئة العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وهيئات دولية وإقليمية. بالإضافة لخوض سوريا حرب تشرين 1973، كل هذا ولم يكشف أو يكتشف زعيمٌ عالمي أو أجهزة مخابراته أنّ الجولان مُباع!!؟ ولم تكشف تل أبيب عن “عقد البيع” أو حتى رقم الشيك في بنوك سويسرا؟! إلا إذا كان مَن يُصدق هذه الأقصوصة يعتبرُ أنّ ما جرى هو تمثيلية اشترك فيها مئات بل آلافٌ من الزعماء والسياسيين والعسكريين من عشرات الدول الكبرى. لكن على مَن يُمثّلون وسيمثلون، وما هي أهمية هذا الـ “مَن” بالنسبة لهم؟. مراجع البحث:

  NSA History Report. William D. Gerhard and Henry W. Millington

The United States and Arab Nationalism: The Syrian Case, 1953-1960

Firil Center For Studies, FCFS, Berlin Eli Cohen Research  

   Martin Gilbert (Hrsg.): The Arab-Israeli Conflict. It’s History in Maps. 3. Auflage.
 Israel’s Border Wars, 1949–1956. Oxford: Oxford University Press

Time (magazine) Time Inc. American weekly  news magazine