كشف شبكة التجسس في سوريا. إيلي كوهين. بحث لمركز فيريل للدراسات

عدد القراءات 498701 تاريخ النشر 24 نيسان 2017. شبكة التجسس في سوريا 

لم تتوقف عملية التجسس الأميركية الإسرائيلية يوماً على سوريا، وكانت بمشاركة دول “شقيقة”، الأردن ولبنان والكويت. وبتواطؤ من مسؤولين كبار في هذه الدول الشقيقة، مع تسهيلاتٍ ومساعداتٍ من دول أوروبية كبريطانيا وفرنسا.

كانت شبكة التجسس الأميركية الإسرائيلية، أهم أحداث عام 1965 في سوريا. ومحاكمة الجاسوس الإسرائيلي كوهين، الشغل الشاغل للشارع السوري. كوهين؛ واسمه الحقيقي إلياهو بن شاؤول كوهين، من مواليد 26 كانون الأول 1924 في الإسكندرية. قامت المخابرات الإسرائيلية بتجنيده على أنه:

(سوري مسلم تحت اسم كامل أمين ثابت، وتم تحفيظهُ القرآن والأحاديث والصلاة، هاجر وعائلته إلى الإسكندرية، بعدها لحق بعمه في الأرجنتين… ثم صفّى أعمالهُ وعاد إلى “حضن الوطن”).

في الأرجنتين اكتسب ثقة الجالية العربية بسبب حماسه الكبير لقضايا العرب. عمل كوهين أربع سنوات بالتجسس في سوريا، وقطن شقة فخمة في شارع “أبو رمانة” بدمشق، بجانب السفارة الهندية، وعلى مقربة من القصر الجمهوري، وكان يرسل أسبوعياً رسالتين لاسلكيتين للمخابرات الإسرائيلية.

أقام علاقات واسعة مع ضباط الجيش والمسؤولين، وتجسس على الأسلحة السوفيتية الحديثة التي استلمتها سوريا. زار الجبهة الشمالية للجولان برفقة الفريق المصري علي عامر قائد الجيوش العربية! اكتشفه الضابط السوري محمد وداد بشير خبير الاتصالات في الجيش السوري، بعد أن التقطت دورية من المخابرات السورية إشارة مورس تنبعثُ من البناء الذي يقطن فيه عدة مرات.

كان للسفارة الهندية بدمشق دور هام في اكتشافه، التي اشتكت للخارجية السورية من ضعف الإشارة لديها والتشويش لدى محاولتها مراسلة نيودلهي، كذلك المخابرات المصرية التي أرسلت تقريراً هاماً عن كوهين، وصورة له عند زيارته للجولان.

بعد مراقبة المخابرات السورية والتحقق من المعلومات الواردة، داهمت مجموعة اقتحام بقيادة العقيد أحمد سويداني منزل كوهين، التي كان محظور دخولها، وألقت القبض عليه متلبساً بإرسال رسائل للمخابرات الإسرائيلية. حاول كوهين أن يتناول السم الموضوع بخاتمه، لكنه لم يتجرأ على ذلك. أُعدم كوهين في ساحة المرجة بتاريخ 18 أيار 1965.  وما زالت إسرائيل تعمل جاهدة حتى اليوم لاسترجاع عظامه حسب ما قاله إبراهام كوهين شقيقه، وزوجته ليندا كوهين.

ما زالت إسرائيل تعمل جاهدة مستخدمة كافة الأساليب… لاسترجاع عظام إلياهو كوهين، حسب ما قاله إبراهام كوهين شقيقه، وزوجته ليندا كوهين.

من ملف الاستخبارات الأميركية نقرأ عليكم من مركز فيريل للدراسات التالي: (كانت مهمة “مجد شيخ العرّاد” وهو عميل للاستخبارات الأميركية، زوجته يهودية، أن يُدخل كوهين من لبنان إلى سوريا، ومعهُ سيارة محمّلةٌ بأجهزة تجسس كاملة دون أن يتمّ تفتيشها عند الحدود. التقى كوهين مع العرّاد بفندق “كوهين” في بيروت، واتفقا على العملية. بعدها دخلت السيارة الأراضي السورية دون تفتيش، بعد “رشاوى” كبيرة للجمارك والأمن السوري.”

نتابع قراءة بعض ما ورد في ملف كوهين في سجل المخابرات المركزية الأميركية من مركز فيريل:

(بعد وصول كوهين إلى دمشق بأيام، التقى بالسفير الكويتي ثم بالسفير الأردني. وانتسب لحزب البعث، وأقام علاقاتٍ قوية مع كبار المسؤولين. ثم بدأ عملية التجسس ليصل إلى مرتفعات الجولان في زيارة مع الفريق المصري علي عامر، فينقل لإسرائيل كافة المعلومات عن التحصينات العسكرية السورية، ومواقع البطاريات والنقاط العسكرية القوية، حيث قامت الطائرات الإسرائيلية لاحقاً قبل وفي حرب 1967 بتدمير هذه التحصينات أولاً مع بطاريات الدفاع الجوي والمدفعية، وقضت على خطوط الدفاع السورية خلال الساعات الأولى… وقد قال رئيس وزراء إسرائيل Levi Eshkol: إنّ المعلومات التي قدمها كوهين للجيش الإسرائيلي، لا تقدر بثمن، وهي السبب الرئيسي لانتصاره الساحق في حرب حزيران 1967…).

قبل إعدام كوهين بأكثر من سنة، أي بتاريخ 30 آذار 1964، أصدرت المحكمة العسكرية حكماً بالإعدام على 11 متهماً بالتجسس لحساب اسرائيل، وعلى متهم بالمؤبد وثلاثة بالسجن سنتين.

بعدها أصدرت المحكمة العسكرية بتاريخ 20 شباط 1965، حكماً بإعدام كل من الجاسوسين فرحان الأتاسي، والضابط السوري عبد المعين الحاكمي،  ومصادرة أموالهما وممتلكاتهما التي حصلوا عليها لقاء التجسس. في سجل اعترافات الضابط عبد المعين الحاكمي نقرأ عليكم من مركز فيريل التالي: (في صيف 1963عاد المدعو فرحان الأتاسي من الولايات المتحدة الأميركية، والذي تربطني به علاقة صداقة وطيدة. زارني في شهر آب بنفس العام، وأخبرني فرحان أنه كان في الولايات المتحدة في دورة للتدرب على التجسس. بعدها طلب مني جمع معلومات عن الأسلحة السوفيتية الحديثة التي حصل عليها الجيش السوري. بعد عدة لقاءات علمتُ منه أنه تدرّب على يد ضابط الاستخبارات المركزية الأميركية Harry Canter. كان منسق عملية التجسس التي يقوم بها فرحان الأتاسي هو القنصل الثاني في السفارة الأميركية بدمشق Walter Snwoden. حيث ينقل المعلومات للمخابرات الأميركية مباشرة عن طريق السفارة.).

بالبحث عن القنصل الثاني أو ما كان يُسمى /السكرتير الثاني/، وجد مركز فيريل للدراسات أنّ: (Walter Snwoden لم يكن ديبلوماسياً بل ضابط استخبارات أميركي، عمل في التجسس منذ سنة 1956، وهو خبير اتصالات والمسؤول عن ايصال الرسائل باستخدام إشارة مورس. وكانت مهمته الرئيسية “تقوية جناح اليمين في حزب البعث في العراق على جناح اليسار في سوريا، وزرع الشقاق بين الفريقين”. ووصفت مهمته بأنها خطيرة جداً.).  وحسب تقرير المخابرات الأميركية: (إنّ استلام حزب البعث العربي الاشتراكي للحكم في سوريا، يعني استقراراً سياسياً وهذا سيكون تأثيرهُ سلبياً على إسرائيل، لهذا يجب منع حدوث ذلك.). /ملف التجسس الأميركي على سوريا 1960 ترجمة مركز فيريل للدراسات/.

من سجل اعترافات الجاسوس فرحان الأتاسي، نقرأ لكم من مركز فيريل:

(تقاضيتُ مبلغ 8 آلاف دولار من  Walter Snwoden في السفارة الأميركية بدمشق، لقاء معلومات عسكرية هامة زودني بها الضابط عبد المعين حاكمي. وبنفس الوقت؛ كنتُ أحصل على راتب شهري قدره 200 دولار أميركي من المليونير نادر الأتاسي، لقاء عمليات تجسس أخرى على الحكومة السورية، والحصول على معلومات حول الشركات الأجنبية الممنوع التعاون معها، لأنها ضمن لائحة “مكتب مقاطعة إسرائيل”، وأعطي هذه المعلومات للمحامي موفق الأتاسي، الذي يعمل لرفعها من اللائحة من أجل المليونير نادر الأتاسي…).

لاحظوا: السفارة الأميركية بدمشق. يومها لم يكن السفير الأميركي بوقاحة السفير روبرت فورد…

لم تحقق الحكومة السورية مع المليونير نادر الأتاسي!، الذي كان نافذاً وسط المسؤولين على أعلى المستويات!! فقد استقبل فرحان الأتاسي بمنزله الكبير  المؤتمر الخامس للقيادة القومية لحزب البعث بقيادة ميشيل عفلق، بينما تبرع المليونير نادر الأتاسي بكافة مصاريف الاجتماع، وكان قصره مقر نوم القادة! بعد المؤتمر، حصل شقاق كبير في حزب البعث، وهو ما كان ضمن الخطة الأميركية تماماً الذي تحدثنا عنها.

بقي أن نعرف أنّ الجاسوس فرحان الأتاسي هو والد فرح الأتاسي ومرح الأتاسي، وعم سهير الأتاسي. أما لمى الأتاسي فوالدها عبد الحميد الأتاسي الذي غادر سوريا لسبب ما عام 1976 إلى فرنسا. 

ختاماً: في تعليق لصحيفة هآريتس في ذكرى إعدام كوهين، قالت:

ذهب كوهين، لكن لدينا المئات غير كوهين في سوريا.” Firil Center For Studies FCFS, Berlin مركز فيريل للدراسات ـ برلين. المصادر: The United States and Arab Nationalism: The Syrian Case, 1953-1960. ملف التجسس الأميركي على سوريا، Firil Center For Studies FCFS, Berlin ، سجل المخابرات المركزية الأميركية.