الهند وباكستان؛ هدنة مؤقتة وانتصار صيني وخطر نووي

الهند وباكستان؛ هدنة هشة وانتصار صيني وخطر نووي. 12.05.2025. صمتت مؤقتاً أصوات المدافع على الجانبين ومعها هدير الطائرات، خاصة رافال الفرنسية المسكينة، مع اختراقات بسيطة غير جدّية لوقف إطلاق النار، ليطلعَ علينا مسؤولو البلدين بانتصاراتٍ لم يفعلها رامبو في أفغانستان! فهل هي عملية سلام حقيقية أم مجرد جس نبض وتجريب أسلحة ومحاولة استنزاف دولة كبيرة لمصلحة الدول الأعظم؟

منذ تقسيم الهند ومنح الباكستان استقلالها عن بريطانيا في آب 1947، ثم الهند الشرقية 1971 وتسميتها بنغلاديش، والحروب مستمرة بين الطرفين، والأسباب قومية دينية غالباً.

في حربها الأولى، وبعدَ أقل من شهرين على استقلالها، شنّت باكستان هجوماً على الهند سُميت حرب كشمير الأولى في 22 تشرين الأول 1947، بنفس الطريقة الحالية. مستخدمةً تنظيمات إسلامية متطرفة اشتعلت الجبهات لمدة سنة وعشرة أسابيع حتى 01 كانون الثاني 1949، مع سقوط 20 ألف جندي باكستاني بين قتيل وجريح مقابل 7 آلاف جندي هندي، وبسطت الهند سيطرتها على جامو وكشمير، رغمَ ذلك اعتبرت باكستان نفسها منتصرة!

البداية كانت هجوماً كاسحاً من قبائل البشتون والتانولي على إقليمي جامو وكشمير، إنطلاقاً من ولاية وزيرستان وبتخطيط وإمداد من الجيش الباكستاني الحديث. والقصد احتلال العاصمة Srinagar ولكن لدى وصول تلك القبائل إلى مدينة Baramulla قبل العاصمة بعشرين كم فقط، تركوا الهدف الرئيسي وراحوا ينهبون المنازل ويغتصبون النساء ومعظمهن مسلمات! نعم مسلمات

بعد سنوات من الهدوء النسبي على الجبهات، تخللته مناوشات لعدة مرات، وبتاريخ 05 آب 1965، شنّت الباكستان أيضاً هجوماً وبنفس الطريقة، تسللت فيه قوات كوماندوس إلى كشمير لقيادة تمرد عسكريّ إسلامي افتراضي هناك، لكنهُ فشلَ فشلاً ذريعاً، فسميت العملية Pakistan’s unsuccessful Operation Gibraltar أي عملية جبل طارق الباكستانية الفاشلة، ردت الهند بقوة وحصلت واحدة من أكبر معارك الدبابات بعد الحرب العالمية الثانية. سقط أكثر من 20 ألف قتيل من الجانبين من عسكريين ومدنيين، فتدخل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بعد 17 يوماً وأوقفا القتال بقرار مجلس الأمن 211، وكانت الغلبة للهند التي وصلت قواتها إلى مشارف مدينة “لاهور” الباكستانية شرقاً لكنها تراجعت.

مع انتشار خبر هزيمة ساحقة لباكستان والاتجاه لإعلان استقلال بنغلاديش عنها، هبت التنظيمات الإسلامية المدعومة من حكومة باكستان وشنت حرباً قذرة ضد مسلمي بنغلاديش، وستعرفون لماذا سُميت الحرب القذرة بعد قليل.

استطاع الهنود احتلال حوالي 16 ألف كم مربع خلال يومين فقط، وبعد 14 يوماً من القتال أعلنت الباكستان الاستسلام ورفعت الراية البيضاء، وخسرت باعترافها 10 آلاف جندي و26 ألف جريح، مع انتشار عدة فضائح عسكرية منها سقوط 93 ألف جندي باكستاني في الأسر. والقضاء على نصف الأسطول الباكستاني وأسقاط 94 طائرة باكستانية حربية، في أكبر معركة منذ الحرب العالمية الثانية. مما اضطر محمد آغا خان للاستقالة وتسليم كرسيّه لذي الفقار علي بوتو. أمّا خسائر الهند فكانت 20% من خسائر الباكستان.

لم يتغيّر الحال، أيضاً شنت الباكستان هجوماً مباغتاً واحتلت أراضٍ هندية، فبدأت حربٌ عُرفت لاحقاً بحرب Kargil War. ردت الهند سريعاً بهجوم عسكري وطردت الجيش الباكستاني وسقط حوالي 5000 قتيل باكستاني، فأسرعت واشنطن للتدخل طالبةً من الباكستان التوقف عن استفزازاتها وإلا. فانصاعت للأوامر. وسجبت ما تبقى من جيشها، لكنّ الحكومة الباكستانية رفضت استلام جثث جنودها، قائلةً أنها جثث جنود هنود لكن المظاهرات في الباكستان نفسها أجبرت نواز شريف على الاعتراف بخسارته الحرب، وقال على الإعلام: (نعم خسرنا 4 آلاف جندي). بدأت الحرب في 03 أيار وانتهت في 26 تموز 1999 بإعلان الجيش الباكستاني وللمرة الرابعة استسلامه!

يبدو أنّ الباكستان لا تتعلّم من أخطائها نهائياً، فهي تُعيدُ الطريقة نفسها للمرة الخامسة وتنتظر النصر! الجديد هذه المرة هو دعم صيني أحدث، بأسلحة تُجربها بكين على أرض الواقع وليس في مناورات عسكرية، وكالعادة؛ دعم إسلامي من تركيا والسعودية، رغم هذا هل كانت النتيجة مضمونة؟

كالعادة؛ هجوم إرهابي قامت به جماعة إسلامية إرهابية باكستانية “شكر طيبة”، بتاريخ 22 نيسان 2025 في منطقة Pahalgam، فقتلت 28 سائحاً ثم فرّت إلى الباكستان. بنفس الأسلوب، ردّت الهند بقصف تجمعات عسكرية للجيش الباكستاني والتنظيمات الإرهابية التي يُدربها، والنتيجة دائماً سقوط قتلى من المدنيين من الجانبين، أضعاف ما يسقط من العسكريين.


التفوق العسكري والاقتصادي الهندي واضح فميزانيتها العسكرية ثمانية أضعاف الباكستانية، وجيشها ضعف الجيش الباكستاني، وتسليحها أفضل وأحدث، أما اقتصادياً، فالفارق أوسع. فهل كانت هذه الحرب الأولى التي خسرتها الهند أمام الباكستان رغم التفاوت بينهما، أم أنّ الجانبين خسرا؟

حتى لحظة كتابة هذه السطور كانت الضربات محسوبة وشبه متفق عليها “نظرياً”. لكن البعض تخوّفَ وبالغ ليس من الحرب الشاملة، بل من استخدام الترسانة النووية، وهذا نراهُ في مركز فيريل احتمالاً بعيداً. صحيح أنّ لدى البلدين رؤوساً نووية متساوية 170 رأساً، لكنها أداة ردع أكثر منها للاستخدام. كما أنّ المانعَ الأكبر من استخدام السلاح النووي ليس عدد الضحايا أو النتائج الكارثية، بل عدم قدرة البلدين على تنفيذ سوى ضربة نووية لمرة واحدة، فماذا لو بقي الخصم قادراً على الردّ؟ إلا إذا استطاع أحدهما تدمير الآخر بشكل كامل من الضربة الأولى وهذا صعب جداً.

وقفت الهند بجانب الكيان تماماً كما فعلت معظم الدول الإسلامية والعربية، وساندته اقتصادياً وعسكرياً، لكن هل وقفت باكستان بجانب فلسطين؟ مازالت فلسطين هي البوصلة لدى مركز فيريل وستبقى.

بالمقابل؛ ليس من مصلحة الولايات المتحدة اشتعال حرب تُضعِفُ أو تشغلُ دولةً تواجه الصين وهي الهند، أمّا أوروبا فلا تريدُ تعطيل إمدادات جنوب آسيا من الأرز والقصب والقطن، ولكن هذا الأمر ليس بهذه الخطورة لهذا لم نرَ اهتماماً كبيراً من الاتحاد الأوروبي بإيقاف الحرب إذا بقيت محصورةً بين الدولتين. بينما دونالد رامبو تجاوز الجانبين بإعلانه “دون إعلامهما” الوصول لهدنة وهذا ما أكدهُ رئيس وزراء الهند Narendra Modi الذي أبدى غضبه من الرئيس الأميركي بعد نشرهِ تغريدةً على منصته في TRUTH Social عن اجتماعات بين الطرفين والتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار السبت الماضي، وهذا كله لم يحصلْ! باكستان ورغم تجاوزها في هذا الإعلان، إلا أنها ادّعت علمها به وأنه نصرٌ سياسي وعسكري لها.

الخطأ الديبلوماسي الباكستاني بدأ بتصريح غبي لوزير حربها بالقول: (الدولة الوحيدة القادرة على لعب دورٍ فعّال بين الهند وباكستان هي الولايات المتحدة). تصريح سيجعلُ الصين تُفكّر كثيراً قبل تقديم أية منح جديدة وتُطالبُ حكومة الباكستان بإيفاء الديون المتراكمة.