تهجيرُ الفلسطينيّين إلى سوريا والعراق: تهجير الفلسطينيين إلى سوريا والعراق؟ مركز فيريل للدراسات. إدارة التحرير. 14.02.2025. Dr. Jameel M. Shaheen

قبل الخوض في غِمار القضية الأحدث، نرى في مركز فيريل أنّ
دونالد ترامب جاء للحرب وليس للسلام
نعم وخلافاً لتصريحاته وتوقعات كثيرين؛ دونالد ترامب جاء للحرب وليس للسلام، جاء للفوضى وليس للهدوء والتنظيم. وعندما يعملُ فعلاً من أجل السلام، ستتم تصفيته مِمَنْ اتفقوا معه على تنصيبهِ قُبيلَ الانتخابات الأميركية.
أمرٌ آخر؛ “دونالد رامبو” كما نُسميهِ، قويّ على الضعفاء وضعيفٌ أمام الأقوياء، فهو يُمثّلُ بدقة مُهرّجي رياضة “المصارعة الأميركية”: عرضٌ ترفيهي لتسلية المشاهدين وخداع السُذّج، World Wrestling Entertainment، وهو شخصية Character من شخصيات الجذب التجاري لا أكثر، لهذا يرفعُ سقفَ أوامرهِ عالياً كونهُ تاجر عقارات، ثم يبدأ بالنزول و “التنفيس” ولا يستطيعُ تمرير صفقاته إلا على الأذلاء، وما أكثرهم.
مصر والأردن ترفضان العرضَ الأميركي
إعلامياً وظاهرياً، هناك رفضٌ مصري أردني سعودي لأي مقترح ترامبي لتخصيص أرض لسكان قطاع غزة، وتمسكهم بعدم إخراج الفلسطينيين من أراضيهم أو توطينهم في أي مكان آخر.
أعلنت مصر هذا في بيان صادر عن وزارة الخارجية، مؤكدةً أنها تعتزم تقديم تصور كامل لإعادة إعمار غزة بما يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضهِ، وبما يتماشى مع الحقوق الشرعية والقانونية له.
من جانبه، عبد الله الثاني وبعد زيارته لواشنطن ولقاء “الفخ” مع رامبو، أكد أنّه سيستقبل فقط “2000” طفل فلسطيني يُعاني من السرطان، في “مكرمة” ملكية. وبسبب ما حصلَ مع عبد الله من “إحراج”، قرر السيسي عدم الذهاب للقاء ترامب، رغم أنّ علاقاتهما في فترة حكمه الأولى بين 2017 إلى 2021، كانت جيدة، وسبقَ لترامب أن وصف السيسي بالرجل العظيم والحليف الجيد.
إذاً رفضٌ عربي “أسطوري”، وبطولة نادرة لكن كلّ شيء قابل للتفاوض! ستمر صفقة القرن التي تحدثنا عنها في مركز فيريل، وقال عنها المراهقون المتحمسون، على جثثنا تمر، مرّتْ عدة بنود ولم نرَ جثة مراهقٍ. ما على العربان سوى فحص نسبة الكالسيوم في الدم، إن وجدوا نقطةً منه.
العثمانيّون يدخلون على خط الأطماع
عندما ننتقد أيردوغان، فهذا لا يعني إطلاقاً أنّ المعارضة التركية أفضلُ منهُ بطريقة تعاملها مع العرب وأطماعها التوسعية، باختصار؛ فردة يمين والثانية اليسار. يعتبرُ الأتراكُ العربَ عبيداً ودونهم منزلةً. ولا نستثني هنا حزباً أو تنظيماً، كلهم سواسية في احتقار وازدراء الدول العربية شعوباً وحُكّاماً. هذا داود أوغلو مثال على معارضة أيردوغان “الشرفاء”. الذي قال حرفياً:
(كانت الدولة العثمانية آخر دولة شرعية حكمت غزة قبل الانتداب البريطاني، و مازال الفلسطينيون يحملون الهوية العثمانية في وجدانهم وتاريخهم، وسنعلبُ دوراً هاماً في حماية حقوق الفلسطينيين واستعادة سيادتهم).
أحمد داود أوغلو هذا، رئيس الوزراء ووزير الخارجية التركي الأسبق، وصديق أيردوغان المُقرّب قبل أن ينشقَّ عنه ويؤسس “حزب المستقبل”. مما قالهُ هذا العثماني:
(يجب إعادة ربط قطاع غزة بالجمهورية التركية كمنطقة تتمتع بالحكم الذاتي، لأننا الامتداد الشرعي للدولة العثمانية، وسكان غزة رفاق ومواطنون طبيعيون).
هنا وبسبب غبائه يفضحُ الأطماعَ العثمانية التي تتنافس مع الأميركية، فقالَ:
(غاية الرئيس الأمريكي ليس القطاع بمساحته البالغة 309 كيلومترات مربعة، بل المنطقة البحرية الواقعة بين قبرص ومصر، حيث توجد حقول غاز طبيعية. هذه الحقول هي حق مشروع للفلسطينيين، الذين سيصبحون مواطنين أتراك بحكم ذاتي، لهذا علينا إجراء استفتاء شعبي عام في غزة لتقرير ارتباطها بالجمهورية التركية)!.
لم يكتفِ العثمانيون بالترسيم البحري الجديد، مع حكومة الأمر الواقع في دمشق والتي تنازلت “مُجبرةً” عن أراضٍ سورية هنا وهناك، لزيادة نصيب تركيا من حقول غاز اللاذقية، لهذا يريدون الوصول إلى غاز مصر وفلسطين.
نقلُ الفلسطينيين إلى سوريا والعراق
كالعادة؛ سيقفز كُثرٌ قائلين: لن يحدث هذا على جثتي. لنكتشفَ بعد فترة أن القائلين هؤلاء مازالوا يلعبون Cyberpunk 2077، والقضية الفلسطينية لم يسمعوا بها أصلاً، ولم يعرفوا أنّ تهجير الفلسطينيين إلى سوريا والعراق، بدأ بعد نكبة عام 1948 بتشريد مئات الآلاف منهم من ديارهم، ليصبحوا لاجئين في الأردن ولبنان وسوريا، وتكون قضية فلسطين، القضية المركزية للعرب والمسلمين، قبل أن يتحوّلَ اهتمام القطيع إلى الطائفية ومعه تتحول القضية المركزية شرقاً، ضمن
“متلازمة الجهل المُقدّس”
بعد ذلك التاريخ، استقرّ الفلسطينيون في سوريا والعراق وعاشوا في مخيمات ثم منازل بسيطة وأحياء شعبية، متمتعين بحقوق مدنية “منقوصة”، مع تهميشٍ مختلف بين دولة وأخرى. كما حصل معهم خاصة بعد الغزو الأمريكي عام 2003، حيث تعرّض بعضهم للاضطهاد والتهجير، بسبب موقفهم من صدام حسين.
لكن دائماً وعلى مر السنين، تظهرُ مشاريع صهيونية بغطاء عربي طبعاً، تدعو إلى نقل الفلسطينيين الباقين في فلسطين إلى دول أخرى، بما في ذلك سوريا والعراق، وتوطينهم أيضاً في لبنان ومنحهم الجنسية اللبنانية.
رفضَ معظمُ الفلسطينيين محاولة نقلهم قسراً أو إعادة توطينهم خارج أراضيهم التاريخية. كذلك فعلت سوريا والعراق، رفضت بشكل عام هذه المقترحات، مؤكدة على حق العودة إلى وطنهم. يعتبرُ الفلسطينيون حق العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها عام 1948 حقًا غير قابل للتصرّف، وهو مكفول بموجب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تُعتبرُ محاولات نقل الفلسطينيين إلى سوريا أو العراق أو أية دولة أخرى انتهاكًا لحقوقهم الإنسانية والسياسية، وتتعارض مع مبادئ القانون الدولي، هذا نظرياً وليس ترامبيّاً. وحتى تاريخٍ قريب كانت القضية الفلسطينية قضية مركزية في الشرق الأوسط، ولا يمكن حلها إلا من خلال تحقيق العدالة وحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق العودة وتقرير المصير.
اليوم؛ مع حفلة وداع “الشرف العربي والإسلامي” تغيّرت بل انقلبت الحال.
إلى أين سيتم نقلُ الفلسطينيين؟
لا تتضمنُ خطة ترامب أية تفصيلات لأنها بالأصل ليست خطة بل جسّ نبض مشابه لما جرى في حادثة حرق المسجد الأقصى 21 آب 1969 على يد الأسترالي Denis Michael Rohan، عندما “هبَّ” المسلمون يومها هبة رجل واحد، وحرروا فلسطين ورموا الصهاينة في البحر. “خيال علمي”.
ما يُمكننا قولهُ هنا، بدأت بوادر قبول عربي لتهجير قسمٍ من أهل غزة، نحوَ الأردن ومصر مع موافقة عبد الله الثاني على استقبال 2000 طفل مُصاب بالسرطان، والدافع “إنساني” طبعاً، وهذا ما تفعلهُ مصر وستفعلهُ بخصوص بضعة آلاف من المصابين. رقم آلاف يجب أن يُضربَ بثلاثة، فكلُّ مُصاب أو طفل سيرافقهُ فردٌ أو أكثر من العائلة أي أننا أمام تهجير عشرات الآلاف مبدئياً، والهدف طبعاً “إنساني” وعلى القطيع أن يُصدق وقد صدّقَ وباركَ، لكنه، مُصِرٌّ، على رمي إسرائيل في البحر
في لبنان سيُطلبُ منحَ الفلسطينيين الجنسية اللبنانية وانتهينا.
في سوريا لا داعي لأخذ موافقة حكومة الأمر الواقع، فهي تحصيل حاصل؛ يتمّ توطين الفلسطينيين في مناطقَ بعيدة عن الجولان السوري المُحتل، أي أنّ المقترح الأميركي المبدئي هو المناطق الشرقية، عند حدود العراق، وكذلك في العراق عند الحدود السورية، لسببين:
الأول: الابتعاد عن حدود إسرائيل الحالية، فقد يأتي مَنْ يُحرضّهم لقتال العدو ويمدهم بالسلاح. مع الإشارة هنا وحسب معلومات مركز فيريل، أنّ حدود إسرائيل الحالية ورغم احتلالها أجزاء واسعة تحت عيون “جبهة النصرة” الإرهابية، فلم تصل إلى مبتغاها، والفاصل كبير لأنها خلال فترة ليست ببعيدة قد تُصبحُ إلى ما بعد القصر الجمهوري السوري، لتلتقي مع العثمانيين
الثاني: خلقُ كيان طائفي في منطقة الأنبار وريف دير الزور وصولاً إلى التنف، يُمهد للتقسيم ويقطعُ طريقَ إيران والأهم “طريق الصين”.
ختاماً؛ رأي مركز فيريل للدراسات
عام 2017 قلنا:
اختُصِرت فلسطين بالقدس، واختصِرت القدس بالمسجد الأقصى، فأصبح الأقصى أهمّ من فلسطين، والسبب ديني بحت، وهو ما سعت إليه إسرائيل. ونجحت.
إنها صفقة القرن والقرون تنمو برؤوس الشعوب قبل الحكّام. الخطوات متتابعة وعلى مراحل طويلة، فهم يُخططون لعقود والقطعان لا تعرفُ معنى التخطيط أصلاً.
قيام دولٍ وكيانات دينية طائفية هو أفضلُ خدمةٍ لإسرائيل. مَنْ يُشارِكُ بإنشائها وبقائها ويُهلّلُ للطائفية من حُكّامٍ وشعوب، إمّا أنّهم يُشاركون عن دراية: فهم خبثاء لا يستحقون الحياة، بينما غايةُ الزعامات البقاء على الكرسيّ، وليذهب الوطن والدّين إلى الجحيم، أو يُشاركون عن جهالة، فهم بالتالي يحملُون أسفاراً على ظهورِهِم. مركز فيريل للدراسات. 14.02.2025