الوضع في الشمال السوري معقّدٌ جداً، والحل لا يمكن صياغتهُ بجرّة قلم. كي نُدرك جزءاً من هذه التعقيدات، تعالوا نُقلّبُ في صفحة واحدة من صفحات الشمال…
اشتباكات عنيفة حصلت البارحة بين “تجمع شهداء الشرقية” و “الجيش الوطني”، مخلّفةً 12 قتيلاً على الأقل، وعشرات الجرحى في عفرين. ما حقيقة ما جرى، وماذا يعني؟
نظرة سريعة على “تجمع شهداء الشرقية”
ماهية الوضع وتعقيداته و”اضطراب” وتذبذب الولاءات، نستعرضها بعجالة من مركز فيريل عبر هذا الفصيل منذ نشأته.
هو فصيل من تنظيم أكبر اسمه “أحرار الشرقية” الذي تأسّس عام 2016 في محافظة دير الزور، وكان معظم عناصره من قبيلة الشعيطات. المؤسس الفعلي هو الإرهابي “أبو ماريا القحطاني”، واسمه الحقيقي علي موسى عبد الله الجبيري، عراقي الجنسية، أرسلهُ أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش مع أبي محمد الجولاني، إلى سوريا عام 2011… شغل لاحقاً منصب رئيس مجلس الشورى في جبهة النصرة. بعد انفصال جبهة النصرة عن تنظيم داعش. تابع أبو ماريا سلسلة تغيّير ولاءاته، فاغتال عدداً من منافسيه في جبهة النصرة قبل أن تتم إقالته، ويتحوّل بانتمائه بشكل تام إلى تركيا بعد أن كان متأرجحاً بين قطر والسعودية…
معظم عناصر تنظيم أحرار الشرقية الإرهابي، شاركوا ضمن صفوف جبهة النصرة في الهجوم على دير الزور في نيسان وتموز 2014، قبل أن ينفصلوا عنها.
تمدد تنظيم التنظيم، وبدعم تركي، حتى وصل إلى محافظة حلب، لكن تحت اسم “تجمع شهداء الشرقية”، وليس أحرار الشرقية… أي حصل نوع من الانفصال بينهما، نتحدث عنه بعد قليل. شارك التجمع بعمليات درع الفرات التركية، وتراوحت علاقته مع ميليشيات قسد ومثيلاتها بين توتر واشتباك وتحالف، بينما تلقى حماية من القوات الأميركية رغم مناوشات مع “لواء المعتصم” الطفل المدلل لواشنطن في مدينة “مارع” بريف حلب.
ما جرى في عفرين يعطينا فكرة عما سيجري في إدلب!
بعد احتلال تركيا وميليشياتها عفرين، حصل فلتان أمني وتفجيرات واغتيالات، وعمليات سطو وسرقة واغتصاب… مجموعات إرهابية متعددة الاتجاهات تتناحر والولاء الظاهر لتركيا.
البارحة الأحد 18 تشرين الثاني، انتشرت في عفرين مجموعات مسلحة معظمها من “الجيش الوطني” أو الأصح “جيش الإخوان المسلمين”، وفرضت منع التجول. الهدف الرئيسي هو “القضاء على تجمع شهداء الشرقية”. لماذا؟
تحدّث “تجمع شهداء الشرقية” عن سلفهِ “أحرار الشرقية” بأنّهُ تنظيم ينتشر فيه الفساد! وباتَ شبه مستقل عنه، وأيضاً اتهم هو نفسه بالفساد.
خلال صيف 2018 حتى يومنا هذا، تمكن الفصيل من رفع عدد عناصره، وهذه إحصائية مركز فيريل للدراسات، من 300 إلى حوالي 1700 مقاتل. هذا الأمر سبب قلقاً كبيراً لأنقرة… فطلبت منه حلّ نفسه والإنضمام لـ “جيش الإخوان المسلمين” الذي انتهت من تشكيلهِ وتتوسع به بشكل سريع…
في شهر آب 2018، قام زعيم تنظيم “لواء السلطان سليمان شاه” الإرهابي، المدعو محمد الجاسم الملقب بـ “أبو عمشة”، باغتصاب إمرأة، في بلدة الشيخ حديد، ثم قتلها وقتل زوجها وهو أحد عناصره! فحصل اشتباك بين مسلحي الطرفين أدى لمصرع عدد منهم. يومها صرّحَ “تجمع شهداء الشرقية”: (لن نقف مكتوفي الأيدي أمام الانتهاكات والتعدّي على أعراض المسلمات التي يقوم بها قائد فصيل السلطان سليمان الشاه “أبو عمشة”). لم تتم معاقبة أبي عمشة هذا، والمدعوم من أنقرة.
بتاريخ 23 أيلول 2018 أعلن تنظيم “تجمع شهداء الشرقية”، عن إجلاء مسلحيه مع عائلاتهم، بتوجيهات ما… من مخيم الركبان عند الحدود الأردنية باتجاه محافظة حلب.
بتاريخ 25 أيلول 2018، أعلنَ “أحرار العشائر“، فصيل عمل من الغوطة الشرقية تابع لـ “أحرار البادية”، أعلنَ انضمامهُ للتجمع.
بعد يوم فقط أي في 26 أيلول؛ “كتيبة غضب الفرات” تعلنُ انضمامها للتجمع.
ثم ينضم “لواء غرباء الفرات” ويضم مقاتلين من أبناء مدينة الميادين.
“لواء جند الله” من مدينة حلب ينضم لتجمع شهداء الشرقية في 5 تشرين الأول.
“كتيبة أنصار المهدي” العاملة في ريف حلب الشمالي تعلنُ انضمامها في 6 تشرين الأول 2018.
أي أنّ “تجمع شهداء الشرقية” باتَ أكبر، ولم يعد يقتصر على أبناء دير الزور، وتلقى دعماً من جهة ما ليصبحَ ورقة صعبة في المعادلة التركية…
إعلان زعيم التنظيم المدعو “أبو خولة” بتاريخ 28 تشرين الأول، حلَّ نفسه بناءً على أوامر تركية، لم يكن له أيّ تنفيذ على أرض الواقع.
اختلاطُ الأوراق في الشمال السوري
اتفاقُ إدلب، وكما قلنا عنه في مركز فيريل: “يترنح“، وتبدو تركيا الأشد حرصاً على صموده… وإجراء التنفس الصناعي له.
اعتداءات إرهابية ضد الجيش السوري في شمال ريف حماة، واللاذقية وريف حلب، قامت بها مجموعات إرهابية من المفروض أنها تدين بالولاء لأنقرة ولـ… قطر. لكنها خرقت الاتفاق.
أمام ازدياد حجم “تجمع شهداء الشرقية” ورفضه الانصياع لأوامر تركيا بالتهدئة وعدم مهاجمة الجيش السوري، بانتظار تبلور مشروعها الإخواني… قررت أنقرة القضاء عليه، فنشرت قواتٍ خاصة تابعة لرئاسة القوات الخاصة التركية، يوم الخميس 15 تشرين الثاني الحالي في عفرين، الاسم هو “فرقة المهام السورية“، يُقدر مركز فيريل عددها بحوالي بـ 450 جندي تركي بكامل عتادهم، مهمتها المعلنة حفظ الأمن، والخفية القضاء على التجمع.
ماذا بعد؟