دمشق أرخص مدينة في العالم! Firil Center For Studies Dr. Jameel M. Shaheen 06.03.2021 بحث مختصر من مركز فيريل للدراسات.
تُنشرُ دراساتٌ سنوية تتحدث عن أغلى وأرخص المُدن للعيش في العالم. عام 2020 احتلت باريس المركز الأول كأغلى مدينة للعيش ثم هونغ كونغ في الصين فزيورخ في سويسرا. بينما جاءت دمشق في المركز الأول كأرخص مدينة للعيش تلتها طشقند في أوزبكستان ثم ألماتي في كازخستان، فهل هذا صحيح؟
سوريا بين 2004 و2021 معيشياً
للوصول إلى النتائج السابقة في تصنيف المُدن الرخيصة والغالية، تؤخذ 138 سلعة، كالطعام والشراب والملابس، والخدمات كالمواصلات والكهرباء والمياه والهاتف، وتُقارن أسعارها بين 130 مدينة كبيرة، لكن حسب أي دخل وأية عملة؟ هذا هو السؤال الأهم.
إذا انطلقنا من الميزانية العامة للدولة وعدنا للأعوام السابقة، نرى أنّ ميزانية سوريا لعام 2010 كانت 16,4 مليار دولار، بعدها بدأ التراجع فموازنة 2020 كانت 4000 مليار ليرة سورية أي 9,2 مليار دولار، بينما ميزانية 2021 هي 8500 مليار ليرة أي 6,8 مليار دولار، وهي 41% من ميزانية 2010، على فرض صحة الأرقام وعدم حساب معدل التضخم، وإلا فالأرقام تلك ستكون أدنى بكثير.
الفقر تضاعف في سوريا 8 مرات!
نعود لأبعد من ذلك، عام 2004 مع استلام ناجي العطري وعبد الله الدردري دفة الحكم الاقتصادي والسياسي، كانت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في سوريا 11,9% فقط… انتبهوا لأمر هام، خط الفقر هذا لا يُمكنُ أن نشملَ به كافة الدول، فالفقر في الدول الغنية والمتطورة يختلف عنه في الدول الفقيرة سنوضح الأمر بعد قليل، لكن على سبيل المثال كانت تلك النسبة مقارنة ببعض الدول، المقارنة تصح بين الدول الفقيرة وليست بين الغنية والفقيرة؛ البرازيل 30%، مصر 20%، ألمانيا 11%، إيران 18%، الأردن 14,1%، روسيا 15,8%، سيراليون 70,2%، تونس 7,4%، تركيا 20%، الولايات المتحدة 12,1%، اليمن 45,2%، إسرائيل 21,6% والمعلومات هذه حسب List of countries by percentage of population living in poverty، الصادرة عن International Monetary Fund وعن World Bank وعن United Nations.
أيار 2020 نفس المصادر؛ نسبة الفقر في سوريا 82%
كانت هناك طبقة متوسطة في سوريا
كي لا يُحلّقَ بعض القراء بعيداً؛ طبعاً لم يكن السوريون يعيشون في ثراء وبحبوحة، لكن كانت هناك طبقة متوسطة، قامت الحكومات المتعاقبة بسحقها تماماً لصالح زيادة الطبقة الفقيرة وظهور طبقة من الأثرياء الجدد تعاظمت أثناء الحرب… وبتفصيل أوسع؛ كان 1,7% من السوريين فقط يعيشون دون 1,9 دولار يومياً وهو خط الفقر المدقع المُحدد منذ عام 2015، بينما كان 1 دولار منذ عام 1990، 15,3% من السوريين يعيشون بأقل من 3,2 دولار، و50,4% يعيشون بأقل من 5,5 دولار يومياً. تؤخذ التقديرات بالقدرة الشرائية للفرد كلّ يوم، أي عام 2004 كان نصف الشعب السوري قادراً على صرف 5,5 دولار يومياً على كل فرد من العائلة، وتساوي آنذاك 275 ليرة وتعادل اليوم 05.03.2021 حوالي 22 ألف ليرة سورية، تخيلتم المبلغ، أين كنّا وأين أصبحنا؟! هكذا تُحسبُ الأمور…
مقارنة مع ألمانيا
ألمانيا دولة متوسطة الغلاء في أوروبا ولديها نسبة فقر تُقارب 10%، لكنّ فقراً عن فقر يختلف… كيف؟
في الأسرة الألمانية التي يكون دخلها الصافي تحت خط الفقر، يعتبر جميع أفراد الأسرة فقراء وذلك حسب المعيار الذي حدده الاتحاد الأوروبي Armutsgrenze Standard EU.
يبدأ خط الفقر في أوروبا عندما يذهب 60% من دخل الفرد للسكن، بالأرقام؛ كل شخص دخلهُ الشهري الصافي دون 1074 يورو هو فقير. أمّا عندما يكون هناك أطفال فيُضافُ 396 يورو لكل طفل دون 14 عشرة و 685,2 يورو لما فوق هذا السن حسب OECD.
سنسهلُ عليكم الأمر ونحسبها في مركز فيريل للدراسات بشكل أبسط، الأسرة الألمانية المكونة من ثلاثة أفراد؛ طفل دون 14 عاماً ووالدان، دخلها الشهري الصافي 2544 يورو هي عائلة متوسطة، دون ذلك هي عائلة دخلت خط الفقر. سنرى كيف تعيش العائلة المتوسطة والفقيرة في ألمانيا.
مكتب الإحصاء Statistische Bundesamt نشر عام 2017 أنّ تكاليف الأسرة الألمانية يذهبُ منها 897 يورو للسكن، 348 يورو للطعام والمواصلات، نشاطات ترفيهية 259 يورو، ملابس 110 يورو، آخذاً بعين الاعتبار معدل التضخم 1,1% سنوياً أي يزداد المبلغ 28 يورو على الأقل. للمعلومات؛ ألمانيا أعلى بـ4 نقاط فقط من متوسط الأسعار الأوروبي بينما تزداد الأسعار في الدول الاسكندنافية وسويسرا وفرنسا وبريطانيا.
دمشق وبرلين؟
بالعودة لعنوان البحث دعونا نرى أيهما أرخص للعيش؛ برلين أم دمشق؟ العاصمة الألمانية مدينة متوسطة الغلاء مقارنة بالعواصم الأوروبية، ومحلياً تحتل المرتبة الثامنة. تسبقها ميونيخ وهامبورغ وفرانكفورت… تؤخذ هنا كافة السلع والخدمات كما أسلفنا.
متوسط الراتب الصافي للموظف الألماني 1768 يورو، متوسطه في برلين أعلى بقليل 1799 يورو، يستطيع العيش بهذا المبلغ بحالة متوسطة (مقارنة بالألمان) بمبلغ 1591 يورو، يدفعُ منها السكن والطعام والمواصلات والملبس والترفيه، أي يُوفّر 208 يورو، هذا بالنسبة لموظف يعيش لوحده. هل يحدثُ هذا في دمشق؟
الحالة المتوسطة للموظف الألماني تعني؛ العيش الكريم والحصول على كافة مستلزمات الحياة الأساسية مع بعض الترفيه وتوفير 11,5% من راتبه.
السائح القادم من دولة غربية أو دولة غنية، سيجدُ أنّ ألمانيا بشكل عام وبرلين بشكل خاص، معقولة الأسعار.
أخذنا ثلاثين سلعة وخدمة من برلين ومثلها من دمشق، وقارناها في مركز فيريل للدراسات، واضعين معدل راتب الموظف السوري (50 ألف ليرة سورية) وحسبنا أجور السكن وتتضمن: الأجرة. الكهرباء. الماء. الإنترنت. التدفئة. ضريبة المسكن والتنظيف. كما أخذنا السلع الغذائية من لحوم وفواكه ومعجنات وحلويات وخبز. الملبس. المواصلات سواء العامة أو سيارة خاصة. أما الترفيه فاستثنيناه لعدم وجوده لدى الموظف السوري إلا إذا كان الوقوف في طابور الخبز يُعتبرُ ترفيهاً. وصلنا إلى النتيجة التالية بعد الأخذ بعين الاعتبار كافة الشروط السابقة:
الحياة المعيشية في سوريا أغلى بـ 26 مرة من نظيرتها في ألمانيا. أي كي يعيش الموظف السوري الأعزب كما يعيش الموظف الألماني، يجب أن يكون راتبه الشهري بتاريخ 5 آذار 2021 هو 2,2 مليون ليرة سورية. عندها لن تكون دمشق أرخص مدينة للعيش بالنسبة للمواطن السوري، بل تصبحُ متساوية مع برلين في الغلاء.
مثال: يستطيعُ الموظف الألماني شراء 359 كغ من اللحم براتبه، بينما يشتري الموظف السوري 4 كغ فقط. أي أنّ مادة اللحم في ألمانيا أغلى بـ89 مرة!
بالعودة لعام 2004، كما ذكرنا وحسب المصادر مصروف الفرد في 50,4% من العائلات السورية يومياً عند 5,5 دولار أي 22 ألف ليرة سورية، عائلة من أربعة أفراد فقط يكون مصروفها الشهري 2640000 (مليونان وستمائة وأربعون ألف) ليرة سورية في بداية الشهر الثالث لعام 2021، أي تعيش كما كانت تعيش عام 2004. أمّا إذا كانت تعيش كما تعيش مثيلتها في ألمانيا وهي من الطبقة المتوسطة فاضربوا الرقم بأربعة على الأقل.
هل أصبحت سوريا من أفقر دول العالم؟
لا توجد أرقام أو معلومات رسمية تؤكد أو تنفي ذلك، وما يُنشرُ تلعبُ فيه السياسة دوراً أساسياً، لهذا بعيداً عن السياسة واستناداً للأرقام المتوفرة لدى مركز فيريل للدراسات سنُقارن بين أفقر الدول وسوريا عسى أن نصلَ إلى نتيجة قريبة من الواقع.
أفقر عشر دول في العالم حسب القدرة الشرائية للمواطن purchasing power parity (PPP) تقعُ في إفريقيا. متوسط القوة الشرائية للفرد 1181 دولاراً سنوياً. يُقابلهُ في الدول العشر الأكثر ثراءً 90 ألف دولار، أي 76 ضعفاً. أسباب الفقر الرئيسية في هذه الدول الإفريقية: الجفاف المستمر والواسع النطاق مما ينعكسُ سلباً على الزراعة. أربعة دول غير ساحلية والتجارة البحرية فيها غير ممكنة. عدم الاستقرار السياسي. الحروب الأهلية. تفشي الأمراض والأوبئة بسبب ضعف الرعاية الطبية. إنتشار الفساد بكافة أنواعه. معظم هذه الدول الفقيرة لديها ثروات باطنية إما غير مستثمرة أو تستثمرها شركاتٌ أجنبية مرتبطة بشبكات فساد محلية لا تعود على خزينة الدولة سوى بالنذر اليسير، والمعلومات حسب International Monetary Fund, World Economic Outlook Database. كمثال؛
سيراليون دولة إفريقية على الساحل الغربي تحتل المرتبة العاشرة بين أفقر دول العالم، رغم أنها بين أكثر عشر دول بإنتاج الماس والأولى برواسب الروتيل وهو فلز ثمين لصناعة المجوهرات، هذا بالإضافة لأراض زراعية وأمطار دائمة! عانت من حرب أهلية بين 1991 حتى 2002 ورغم إنتهاء الحرب منذ 19 عاماً مازال الفقر يضرب أرجاءها بسبب الفساد والحياة السياسية غير المستقرة.
كي تكون سوريا أفقر دولة في العالم، يجب أن تماثلَ بوروندي، هذه معلومات عنها والمقارنة متروكة لكم.
على رأس القائمة Burundi كأفقر دولة في العالم، وهي جمهورية إستوائية إفريقية مغلقة صغيرة تقع في منطقة البحيرات العظمى، عانت من حرب أهلية بين قبائل الهوتو والتوتسي، نسبة الفقر فيها تتجاوز 90% من أصل 12 مليون نسمة يعيشون دون 1,25 دولار يومياً. أمنٌ غذائي معدوم، عجلة الإنتاج متوقفة والنمو 1% تحت الصفر، أقل من 5% من الروانديين لديهم كهرباء ومياه صالحة للشرب وصرف صحي. كل 1000 شخص لديه موبايل. الحرب الأهلية انتهت عام 2005، رغم ذلك لم تتحسن الحالة المعيشية والاقتصادية بسبب الفساد السياسي والإداري والاجتماعي. القدرة الشرائية للفرد 834 دولار سنوياً، الناتج المحلي الإجمالي 8,05 مليار دولار، أمّا الناتج الإسمي فهو 2,772 مليار دولار وهو الحقيقي ويكون نصيب الفرد منه 287 دولار سنوياً أي 78 سنتاً يومياً.
خلاصة القول
دمشق أرخص عاصمة بالنسبة لسائح أوروبي يضعُ في جيبه ألف يورو يُمضي فيها أسبوعاً، بالنسبة للمواطن السوري هي أغلى من برلين 26 مرة.
بالعودة ومراجعة كل ما ورد نجد أنّ سوريا دخلت مرحلة الفقر دون شك منذ سنوات، لكن لا يمكن اعتبارها أفقر دولة في العالم، أما إن بقي الوضع يسير بهذه الوتيرة “الكسيحة” من إنعدام الحلول الاقتصادية مع تشبث المسؤولين الفاشلين الفاسدين بالكراسي، عجلة إنتاج متوقفة، استثمار موارد طبيعية مُقيّد، محاربة فساد على الورق… فلن يطول الوقت حتى تدخل ضمن نادي أفقر عشر دول في العالم. الحلول طرحناها عدة مرات وطرح كبار خبراء الاقتصاد أيضاً خططاً للخروج من الوضع المأساوي، ولم نجد حتى اللحظة أي تطبيق لحل فعّال سوى البكاء على الأطلال وتحميل الحرب والعقوبات المسؤولية والاستمرار في نهب الوطن… مركز فيريل للدراسات. 06.03.2021. المراجع وردت في سياق البحث المختصر.