عشرة أعوام على الربيع العبري. فادي عيد. القاهرة.

عشرة أعوام على الربيع العبري. فادي عيد. القاهرة. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. برلين. 02.03.2021

هل لنا أن نتساءل، بعد مرور عشرة أعوام على ما سمي مجازاً بثورات الربيع العربي أو الربيع العبري، عن نتائج تلك الثورات ولماذا كانت من الأساس ومن المحرك الحقيقي لها؟

يتبادر إلى أذهان البعض الحديث عن مؤامرة خارجية، لكن مَنْ منّا لا يعرف الدور التآمري القذر لدول كبرى على منطقتنا خلال ثورات 2011؟ لكن يبقى السؤال الراهن؛ ماذا يريدون أكثر مما وصلنا إليه؟ التخلص من الحكام فقط؟ لو كان الأمر كذلك لانتهت الأزمات وهدأت الأمور فور تحقيق هذا الغرض، لكننا مازلنا نرى أمواجاً جديدة من الثورات في المنطقة.

الصور والخرائط والأبحاث التي توصلت إليها الأقمار الصناعية الغربية لتربة صحرائنا منذ أكثر من عقدين، رصدت ما في بطون أراضينا ومياهنا وهو ما تريدهُ الآلات الصناعية والمعدات العسكرية الثقيلة من نفط وغاز ويورانيوم وذهب وسيلكون وغيرها.

في سوريا

ليس صدفة أن تكون سوريا، التي يتركز احتياطيها من الغاز والبترول في البادية السورية والساحل بواقع 81%، بينما يوجد بالجزيرة السورية فقط 14% حيث ستبدأ تلك الآبار التي يحتلها الانفصاليون والولايات المتحدة بالنضوب هناك خلال السنوات القليلة القادمة، حسب مركز فيريل للدراسات، وتكون البادية آخر نقطة تتحصن وتتمسك بها داعش ولم تخرج منها إلا بالنار والدم. حسب  Energy Consulting Group و Oil And Gas الأميركيتين، فإنّ احتياطي البترول السوري في شواطئ المتوسط فقط هو 2,5 مليار برميل، بينما احتياطي الغاز المؤكدة هي 9,5 ترليون قدم مكعب، والحديث يعود لقبل 7 سنوات أي للعام 2014، عِلماً أنه تم اكتشاف حقول جديدة فيما بعد.

في ليبيا

ليس صدفة أن تكون صحراء جغبوب جنوب شرق ليبيا الممتلئة باليورانيوم والذهب والسيلكون، أولى النقاط التي تتمركز فيها القوات الفرنسية2011، فقبل أن يدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (أحد الأبناء البارين للحكومة العالمية شأنه شأن توني بلير) إلى قصر الأليزيه، كي يبحث مع ضيوفه بحلف الناتو ما سيقومون به في ليبيا، كانت مقاتلات الرافال الفرنسية تدخل أجواء ليبيا بحجة وجود إرهابيين في تلك الصحراء، وتُدمّرُ بنيتها التحتية. دور ساركوزي في ليبيا كان نسخة طبق الأصل من دور توني بلير بالعراق في كل شيء، بلير تحدى حزبه وبرلمانه وشعبه، بعدما انطلقت مليونيات في شوارع لندن ترفض توجيه ضربة عسكرية ضد بغداد، ومع ذلك لم يستمع لأحد سوى كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك. بعد أن أنهى بلير المطلوب منه تجاه بغداد على أكمل وجه، انطلق صديقه كولن باول بدوره إلى دمشق ليعرض على بشار الأسد مذكرة «شروط الابقاء» بهدف تحييد سوريا تماماً عن حلفائها وعزلها عن المواجهة مع إسرائيل، إلى أن جاءت حرب تموز 2006، كي تستبدل كونداليزا رايز وزيرة الخارجية بعد باول مذكرة «شروط الابقاء» بـ «شروط الرحيل» وهي التي ظهرت للعلن مع بداية الحرب في سوريا.

بالأرقام في ليبيا وحسب جامعة سرت؛ في وادي الشاطئ جنوب البلاد احتياطي الحديد 3,5 مليار طن. في منطقة تاروت في الجنوب الغربي احتياطي الخامات المغناطيسية 420 مليون طن مع ملايين الأطنان من الحديد والذهب. اليورانيوم تأكد وجوده في العوينات وحوض مرزق. احتياطي البترول 48,36 مليار برميل. الغاز 54,6 ترليون قدم مكعب.

وليس صدفة أن يأتي دور الأكراد في العراق وسوريا بهذا الشكل، وهنا أعود بالذاكرة لعام 2009 أي قبل اندلاع الأحداث في سوريا بعامين، عندما توجه وزير الدفاع الإيطالي حينها ماريو مورو إلى شمال العراق. تفقّدَ خلال زيارته مساحات شاسعة أنشئت عليها مبان سكنية وسط البادية بعيداً عن المناطق المأهولة في منطقة الدهوك. سأل ماريو مورو بتعجب الوفد المرافق له من الأكراد عن الهدف، فجاءه الجواب بأنها “للاجئي الحرب في سوريا”، فكان مخيم دوميز الأول الذي أصبحَ جاهزاً قبل آذار 2011! ويضم 13 تجمعاً يستوعب 55 ألفاً، هذا المخيم امتلأ في بداية 2012، ثم بُنيَ دوميز الثاني.

لماذا عصفت ثورات الربيع العربي بدول تونس وسوريا ومصر وليبيا والسودان واليمن دون غيرها، مع العلم أنها دول جمهورية رئاسية وليست ملكية؟!

لماذا تونس التي كانت من أفضل الدول العربية في التعليم وحقوق المرأة، ولم تجعل منها الثورة سوى مركز تخصيب التكفيريين حتى صارت المورد الأول على مستوى العالم لتنظيم داعش متقدمة على أفغانستان وباكستان، من كان يتصور ذلك؟! حتى صارت تونس كترمومتر بيد أجهزة مخابرات عالمية لقياس درجة الحرارة والتوتر شمال أفريقيا، ومختبر لإمكانية تطبيق الثورات الملونة بالمنطقة.

لماذا ليبيا التي تملك من النفط والغاز ما تملكه دول إفريقيا جمعاء، صاحبة الحضور العربي الوحيد في القارة، وتجلى ذلك بعد مقتل القذافي وما تركه من فراغ استغلته دول خارجية في مقدمتها إسرائيل؟

لماذا مصر أكبر دولة في الشرق الأوسط والأقوى عسكرياً، والتي حرمت من اكتشاف ما في مياهها الإقليمية في البحر الاحمر والمتوسط، وكُبلت حركتها في سيناء حتى باتت مرتعاً للإرهابين بعقود التجمد السابقة. كانت مصر أقل المتضررين من الربيع العبري، وهي تسابق الزمن كي تعوض ما فاتها، إلا أنّ وضع العراقيل في طريقها كي لا تكمل مشوارها مستمر. لاحظوا ما يدور في إثيوبيا وليبيا والبحر الأحمر وشرق المتوسط.

لماذا سوريا آخر دول المواجهة، والتي كسرت طموح الغاز والنفط لممالك الخليج بعد أن اتجهت دمشق نحو استراتيجية تشبيك البحار الخمسة عام 2004.

لماذا اليمن الذي حرم من استخراج نفطه أو الاستفادة من موقعة الهام على مضيق باب المندب، والآن يمزق لصالح القوى المتصارعة حوله لتغيير الخارطة في البحر الأحمر والقرن الافريقي لصالح إسرائيل والولايات المتحدة.

خلاصة القول؛ من يتأمل حقيقة ما يحدث في الشرق الأوسط منذ غزو العراق 2003، مروراً بالثورات الملونة عام 2011، وصولاً الى كيفية سماح الأميركي بإشعال الأزمة الخليجية مع قطر ثم التصالح معها بنفس سرعة الخصام، التهديدات المزمنة لإيران، سيدرك جيداً مغزى ما قاله هنري كسينجر ذات يوم: «على الولايات المتحدة الأميركية أن تصحح العدالة الإلهية التى وضعت النفط والغاز بعيداً عن مناطق الصناعة والتكنولوجيا».

إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. برلين. فادي عيد. الباحث والمحلل السياسي لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا