عبد الله للأسد: أعتذرُ عمّا قلتُهُ في باريس ومراكش. قراءة في تحرّك الإمارات نحو سوريا. الدكتور جميل م. شاهين. 10.11.2021. مركز فيريل للدراسات برلين.
قطعت الإمارات العربية المتحدة العلاقات مع سوريا في شباط 2012، تلبية لرغبة الولايات المتحدة تحديداً. في آذار 2018 أعادت فتح سفارتها في دمشق وقادت حملة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، اصطدمت تلك الحملة بمعارضة بعض الدول العربية والدول الغربية.
مع استلام جو بايدن كرسيّ الحكم في واشنطن، بدأ بتخفيف العبء عن كاهل بلاده مُسلّماً عدة ملفات لدول أخرى للتفرّغ لحربه ضد الصين، ولإدراك إدارته بفشل الولايات المتحدة سياسياً في حلّ عدة ملفات منها أفغانستان وحالياً فشلها في المشروع الانفصالي في “الجزيرة السورية”، وهذا ما سنتحدثُ عنه لاحقاً. هنا بدأت بعض الدول العربية بالتحرّك نحو دمشق؛ منها الأردن التي هاتف ملكها عبد الثاني الرئيس السوري لأول مرة منذ بدء الحرب على سوريا، كما تحرّكت العراق وإلى حدّ ما مصر “الخجولة المُقيّدة”.
عبد الله بن زايد يُطالب بتنحي الرئيس بشار الأسد وتطبيق البند السابع! تموز وكانون الأول 2012
الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي الذي زار دمشق البارحة الثلاثاء 09.11.2021، هو نفسهُ الذي ترأّسَ وفد بلادة إلى مؤتمرات “أصدقاء” الشعب السوري في باريس 06 تموز 2012 وفي مراكش المغرب كانون الأول 2012، وقال حرفياً أمام وفود وزعماء 100 دولة شاركت بالمؤتمرات على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية:
(على المجتمع الدولي أن يُغيّرَ إستراتيجيتهِ إزاء ما يحدث في سوريا في ظل مواصلة النظام السوري جرائمهُ بحق الشعب السوري… كم يجب أن يموتَ من الأخوة السوريين حتى نغيّر إستراتيجيتنا إذاء ما يحدث في سوريا؟)
هناك الأسوأ، حيث طالبَ بتدخل عسكري تحت البند السابع في سوريا: (البعض طالبَ بفرض المزيد من العقوبات، لكن هل ستُغيّر العقوبات من سلوك النظام السوري وتضعُ حداً لجرائمه ومجازره بحق الشعب السوري؟ متى سنكفُّ عن المشاهدة والتحدث فقط؟).
في البيان الختامي دعت الإمارات ومعها تركيا وقطر والولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى إلى أن يُصدر مجلس الأمن الدولي قراراً مُلزماً بشكل عاجل تحت البند السابع، أي استخدام “القوة العسكرية” لضمان انتقال سياسي في سوريا.
الشيخ عبد بن زايد هو نفسهُ الذي كان في دمشق البارحة يُصافح الرئيس السوري بشار الأسد، فما الذي جرى؟
في الصورة يجلس الشيخ عبد الله بجانب وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو ووزير خارجية قطر حمد بن جاسم.
وفي الصورة الثانية لغة الجسد تقول: “أعتذر عما قلتُهُ سابقاً في مؤتمر باريس ومراكش”
رغم أنّ موقف الإمارات من الحرب في سوريا، سياسيّاً، لم يكن أفضل من باقي الدول العربية، باستثناء بعضها فقط كالعراق والجزائر ولبنان. لكن وبشكل حيادي؛ دعم “أبو ظبي” للإرهابيين عسكرياً ومالياً كان الأقل بين دول الخليج مقارنة بالسعودية وقطر والكويت. وحسب إحصاءات مركز فيريل للدراسات والتي نُشرت على ثلاث سنوات متتالية آخرها بتاريخ 14.02.2017، وتُليت في الأمم المتحدة: (شكّلتْ نسبة المقاتلين العرب 54% من مجموع المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا ضد الجيش السوري في سوريا، وكان نصيب الإمارات الأقل عدداً بين الدول العربية).
الإمارات في سوريا بمهمة عربية ودولية؟
لاشك أن خطوة الإمارات هامة، وما كانت لولا الضوء الأخضر الأميركي وإن ادّعت واشنطن أنها تستنكرُ هذه الزيارة. الأخبار تتحدّثُ عن دعوة رسمية للرئيس الأسد لزيارة الإمارات، وهذا أمرٌ متوقع. كما أنّ احتمال حضور الأسد القمة العربية القادمة في الجزائر في آذار 2022، أمر محتمل أو على الأقل وفد سوريّ كبير. إذاً الإمارات في مهمة عربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية والأصح؛ إعادة الجامعة العربية إلى سوريا.
المهمة الدولية تتمثل رئيسياً بإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا ومعه النفوذ التركي، عن طريق سحب سوريا إلى محيطها العربي وإبعادها عن طهران وأنقرة غير القريبة أصلاً منها. هذه المهمة تُلاقي ترحيباً أميركياً وغربياً وإلى حدّ ما روسياً، لكنها ستصطدمُ بمعارضة من إيران وتركيا اللتين تربطهما علاقات سيئة بالإمارات والسعودية على الأقل. المعارضة ستكون أيضاً من بعض النافذين في داخل سوريا. النافذون هؤلاء لن يستسلموا بهذه السهولة، لماذا؟
بيان رئاسة الجمهورية قال عن المباحثات أنها شملت تعزيز الشراكات الاستثمارية، وهذا يصبُّ في خانة إعادة الإعمار وبالتالي إشرافٌ دولي لن يسمح بحجم فساد أو احتكار كبيرين، أي أنّ أثرياء الحرب الذين يسيل لعابهم لكسب مشاريع ضخمة قادمة، وتربطهم علاقاتٌ ما مع تركيا وطهران، عليهم أن يعرفوا أن ممالكهم ستتحدّدُ فور بدء الشركات العملاقة بإعادة الإعمار، لهذا سيدافعون عن تلك الممالك للبقاء.
تل أبيب وبالتزامن مع الزيارة، قصفت “إستعراضياً” وهذه إشارة أنها مع المهمة الإماراتية في تحجيم الدور الإيراني في سوريا، وليس العكس وتُطالبُ دمشق بالتجاوب.
ماذا ينتظر سوريا إن نجحت الإمارات في مسعاها؟
القيادة السورية تدركُ ضرورة السير بين نقاط المطر في الحفاظ على توازن بين علاقتها بإيران والدول العربية، وقد “لعبتها صح”… لهذا إن تكللت خطوة أبو ظبي بالنجاح دون معوقات، وهذا صعب، فسنرى “إنفراط” عقد المقاطعة العربية أولاً. الأردن تنتظر ومعها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ثم ستكون السعودية والبحرين. أمّا قطر؛ فستمانع في البداية، لكنها ستسبحُ مع التيار مُكرهةً عسى أن تكون وسيطاً بين أنقرة ودمشق بعد أن فشلت باقي الدول.
بالنسبة لعلاقات الإمارات بتل أبيب، أعتقد أن دمشق تتجنّبُ الخوض في ذلك لكنها لن تتجاهلهُ. أما لبنان فأزمته مستمرة مع الفارق أنّ سوريا قد تكون الوسيط القادم بينه وبين الإمرات وبعدها السودية لحل الخلاف “المُفتعل” بعد تصريحات الوزير جورج قرداحي.
على الصعيد المعيشي، وهذا ما يهمّ معظم قرّاء مركز فيريل للدراسات نقول: لا ترفعوا سقف التوقعات كثيراً، بل دعونا نراقب بتفاؤل حذر. الإمارات ليست المُنقذ ولن تكون أية دولة أخرى. إنقاذ سوريا معيشياً يبدأ من الداخل والداخل أولاً، وكما قلنا مراتٍ ونُكرر: “مُحاربةُ الفساد” بكافة أنواعه وانقلاب شامل يستبدلُ معظم أصحاب المعالي شركاء التجار ووضع خطة اقتصادية وليست خطة “إرتجالية” مستمرة منذ سنوات طويلة. بالمقابل؛ إعادة العلاقات مع الدول العربية مبدئياً سيُخفّفُ من شدة العقوبات الخارجية، وبالتالي زيادة الحركة التجارية وتراجع سعر الدولار، أي: “يجب” أن يكون هناك تحسّن معيشي قادم خلال شهور. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 10.11.2021