عدد القراءات 18867، النشر 3 كانون الأول 2018. في كانون الثاني 2017، ورد خبر عادي في وسائل الإعلام الألمانية لم يلقَ اهتماماً كبيراً، جعلنا نلاحقهُ لمعرفة خباياه، يقول الخبر الذي جاء على لسان نائب المستشارة الألمانية آنذاك، زيغمار غابرييل رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي:
“هددت الحكومة الألمانية بإلغاء مساعدتها لتنمية البلدان التي ترفض استعادة مواطنيها، ممن تُرفض طلبات لجوئهم“.
جاء هذا التهديد عقب فشل الأجهزة الأمنية الألمانية في منع عدد من الاعتداءات الإرهابية للاجئين جاء معظمهم من سوريا، وكان آخرها حادثة الدهس في برلين في عيد الميلاد، والتي نفذها أنيس العمري اللاجئ التونسي. أيّدَ وزير الداخلية توماس دي ميزيير ووزير العدل هيكو ماس الفكرة، وخاصة تحذير تونس ودول المغرب العربي.
عدد اللاجئين المطلوب إعادتهم يصل لعشرات الآلاف، لكن الأهم ما قاله وزير العدل: “سأقدم اقتراحات ملموسة جداً، بهدف توسيع إمكان احتجاز الاشخاص المصنفين خطيرين بهدف ترحيلهم”. أي السجن بشكل صريح.
بالمقابل أعلنت الحكومة التونسية أيضاً في كانون الثاني 2017، أنها ترفض عودة “الإرهابيين” من بؤر التوتر، وأنها لم تعقد أي اتفاق مع أي جهة لتنظيم عودتهم، وتوعدت بتطبيق قانون مكافحة الإرهاب ضدهم في حال رجوعهم. كان هذا تصريح الناطق باسم الحكومة التونسية إياد الدهماني:
“تدرس الحكومة التونسية إمكانية بناء وحدة سجنية أو إعادة تأهيل وحدة سجنية أخرى لاحتواء العائدين من بؤر القتال، لتشديد الحراسة عليهم”.
طبعاً اختصر الدهماني عدد المقاتلين التونسيين في سوريا وليبيا والعراق إلى 3000 مقاتل، وهذا رقم غير دقيق نهائياً. رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، كان أكثر وضوحاً، فأكد على اعتقال ومحاكمة المقاتلين لدى عودتهم إلى بلادهم، وقال للتلفزيون التونسي:
“الحكومة ليست مع عودة الإرهابيين من بؤر التوتر“.
بؤرة القتال الرئيسية الآن للمقاتلين الأجانب هي سوريا، وحسب احصائيات مركز فيريل للدراسات: “شهدت سوريا خلال السنوات الماضية أكبر تجمع في التاريخ لمقاتلين أجانب“. إذاً وبشكل صريح: “مصير المقاتلين العائدين إلى بلادهم من سوريا هو السجن، سواء في أوروبا أو في دول العالم الثالث“، والتصريح الإعلامي هو نصف الحقيقة، النصف الآخر حصلنا عليه من مصادرنا في برلين…
كم أنتم أغبياء أيها المقاتلون الأجانب!
تأكد مقاتلو المعارضة السورية بشكل عام، والمقاتلون الأجانب بشكل خاصّ، كم كانوا أغبياء بتورطهم في قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وأحسّوا كم كان شيوخ التحريض منافقين وكاذبين، فلا الملائكة قاتلت معهم، وحوريات الجنة عبارة عن أكذوبة كبرى موجودة في مخيلات الشيوخ الجنسية فقط، ولا هم حققوا سوى الهزيمة على أرض سوريا، وهاهم كالكلاب الشاردة، يرفض الجميع استقبالهم فإلى أين المفر؟
قبلَ وبعد اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا بخصوص إدلب كان شعار الدول التي جاء منها مقاتلون إلى سوريا:
“موتوا في سوريا ولا تعودوا إلى بلادكم“.
هو شعار حكومات العالم وحكومات أوروبا كاملة، التي ترفض عودة مواطنيها الذين يحملون جنسيات أصلية، أي من عرق أوروبي صافٍ، فالألماني الأصلي مكانه السجن إن عاد، فكيف بالمهاجرين الذين حصلوا على الجنسية الألمانية؟.
اتصالات بين أجهزة المخابرات العالمية والسورية، جرت وتجري بشكل مباشر، أو عبر قناة ثالثة، لضمان “سحق” المقاتلين الأجانب في سوريا، وصلت الاتصالات إلى “التزويد بإحداثيات مكان تواجد المقاتلين الأجانب”!.
ترحيب غير إعلامي بكل ضربة جوية أو برية للجيش السوري أو الروسي لمكان تواجد هؤلاء المقاتلين، ولكل مقاتل أوروبي يموت في سوريا ثمنٌ، والثمن كان تسهيلات سياسية. حتى إن استخدم الجيش أسلحة محرمة دولياً، سيتم التغاضي عن ذلك، طبعاً لا بد من خبر إعلامي وإدانة، لكن من وراء الكواليس: “بوركت أيديكم”.
دعكم من كلام الإعلام والأيام المعدودة، فقد باتت وراء ظهور الجيش السوري وحلفاؤه الآن يدافعون، حسب رأيهم، عن عواصم أوروبا، وكل إرهابي أجنبي يُقتَلُ على يد الجيش السوري يعني منع عملية إرهابية هناك، فكم من عملية إرهابية للجيش السوري الفضل في منع وقوعها في أوروبا؟
اتفاق إدلب يترنحُ لكنه ثابت!
كيف يترنح وهو ثابت؟! اعترفت موسكو بصعوبات تطبيق اتفاق إدلب وتأخر تركيا بذلك بسبب مشاكل مع التنظيمات المسلحة. لكن إلى متى ستبقى موسكو تداري؟
المشكلة لم تعد محصورة بجبهة النصرة على اختلاف مسمياتها، بل هناك تنظيمات تظهر كل فترة تتجاوز النصرة إرهابيّاً، كمثال حالي؛ تنظيم “حراس الدين” التابع مباشرة لتنظيم القاعدة. حراس الدين تأسس بداية 2018، وأعلن ولاءه لأيمن الظواهري. نفذ أول عملية له في نيسان الماضي ضد الجيش السوري شمال حماة. هذا التنظيم موجود في غرب إدلب، ويقدر مركز فيريل عدد إرهابييه بـ 2400، ويُشكل السعوديون 80% من عناصره. هناك أيضاً تنظيمات تابعة للقاعدة: جيش البادية وجيش الملاحم، الحزب التركستاني الإسلامي. باٌضافة لداعش وحركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي، وجيش الأحرار وجيش العزة، كلها تنظيمات جهادية إسلامية متطرفة، ولاوجود لتنظيم معتدل كما يُقال.
ما يريدهُ الغرب وتركيا، جعل إدلب ولاية مستقلة للإرهابيين المحاصرين.
يرفضون عودتهم لبلادهم، ويرفضون قيام الجيش السوري بتحرير إدلب، ماذا يريدون إذاً؟ تركيا تسعى لجعل إدلب وريف حلب الشمالي والغربي أرضاً تركية بدون شك. مع محاولة دمج كافة الإرهابيين في جيش أسمته “الجيش الوطني” وهو “جيش الإخوان المسلمين”. لكن هل سيتفق الوهابيون مع الإخوان؟
أوروبا لا يعنيها استقرار الوضع في سوريا، المهم بقاء الإرهابيين بعيداً عن أراضيها، بما في ذلك الذين يحملون جنسيات أوروبية، والمتاجرة بالوضع الإنساني لسكان إدلب، ولا مانع من انفصال تلك المنطقة وانتقالها إلى أردوغان.
الولايات المتحدة يهمها عدم استقرار الوضع في سوريا، ولا يعنيها إلى أين سيذهب الإرهابيون، فبلادها بعيدة ولن يصلوا إلى واشنطن، وصولهم إلى أوروبا وغيرها أمرٌ جيد لتحريك “الحرب على الإرهاب” الذي تتزعمه.
ختاماً: تصدير الإرهابيين من إدلب نحو دول العالم عن طريق تركيا يتم ببطء وحسب الطلب… المطلوب بقاء الوضع في الشمال الغربي السوري كما هو، “لا حرب ولا سِلم”.
تركيا تكسبُ الوقت والتتريك يجري بسرعة كبيرة، وإعداد جيش الإخوان المسلمين الذي سيكون منافساً للجيش السوري، وفي أحسن الأحوال؛ سيتم دمجهُ بالجيش السوري حسب خطط أردوغان! ولا ندري ماذا سيكون اسمه حينها… كل هذا ليس في مصلحة سوريا ولا روسيا… فإلى متى سيتم السماح بكسب الوقت؟ مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. الحلّ؟ سيتساءل كثير من القراء عنه. رغم أنّ مهمتنا في مركز فيريل للدراسات ليست إعطاء الحلول، فهي مهمة أصحاب القرار، لكن ربما ينتظرون هجوماً أكبر بطائرات الدرونز أو الكيماوي مثلاً…