قواعد الناتو في الشمال السوري، حربٌ أم ترسيخ وضع قائم؟ فيدرالية أم خفّا حُنين؟ مركز فيريل للدراسات.

داعش لم تنتهِ، بل عادت إلى القواعد الأميركية شمال سوريا براية صفراء

رغمَ فشلهم الذريع سياسياً وعسكرياً في شمال العراق، إلا أنّ الانفصاليين الأكراد مازالوا مصرين على الوقوع في الحفرة نفسها!! التقى مركز فيريل عدداً من قادة الأحزاب الكردية هنا في ألمانيا، ووجدَ أنهم بعد نكسة استفتاء كردستان العراق، مرّوا بنوبة من العويل والبكاء، لكنهم اليوم، وبذاكرة سريعة النسيان، إلى موضوع الفيدرالية في سوريا، وبدعم عسكري سياسي؛ ألماني بريطاني فرنسي أميركي… ودعم مادي من الإمارات والسعودية.
جاءتهم وحسب ما علم مركز فيريل رسائل دعم من واشنطن وتل أبيب وبرلين وباريس ولندن، خاصّة بعد حديث وزير حرب الولايات المتحدة جيمس ماتيس عن أنّ قواته العسكرية لن تنسحبَ من سوريا قبل انتهاء عملية جنيف، وحدوث تسوية سياسية كاملة، وبحرفية قال: (سوف نُجلي بعضَ قواتنا، إلا أننا نربطُ ذلك بحزمة شروط)! أي أنّ المجال مفتوح إلى ما لانهاية، والشروط ستكون تعجيزية.

بسؤالنا عن الشروط التعجيزية أجاب على سؤال مركز فيريل، أحدُ زعماء الأكراد: (قيام فيدرالية كردية في محافظة الحسكة وشرقي دير الزور وشمال الرقة وعفرين). وماذا عن القوات الأميركية؟ أجاب: (القوات الأميركية ستبقى في منطقتنا، وهي تقوم بتوسيع القواعد العسكرية لتصبح قواعد دائمة تستقبل كافة أنواع الطائرات). وضربَ لنا مثالاً: قاعدة الرميلان وتل أبيض وعين العرب، حيث ستتمكن لطائرات الشحن العسكري العملاقة من استخدامها. كما أن شركات النفط الأميركية باشرت عملها بتطوير حقول البترول وسيتم تصديرهُ قريباً.
كلام الزعيم الكردي هذا، نجدهُ حلماً، لكن عندما يقترن بتصريحات أميركية، نتأكدُ أن واشنطن لن تتراجعَ عن محاولاتها إطالة أمد الحرب في سوريا، هي لا تبحثُ الآن عن النصر، بل تسعى أن تعود ولو بخُفّي حُنين.
واشنطن بوست أكدت هذا الكلام، فقالت: (لا تعتزم واشنطن سحب قواتها، وتخطط لإعلان قيام سلطة جديدة في شمالي سوريا). تتابعُ: (انسحاب القوات الأميركية يُعطي الفرصة للرئيس السوري بشار الأسد لإتمام سيطرته على كامل الأراضي السورية، وسيتيح له البقاء السياسي في سوريا).

روسيا ردّت بأعنف تعبير ضد نية واشنطن، فقال فلاديمير شامانوف رئيس لجنة الدوما لشؤون الدفاع: ( نية واشنطن إبقاء قواتها في سوريا وقاحة من العيار الثقيل، والأمريكان ينتحلون صفة صاحب المنزل.).
سنحاول إعلان الفيدرالية مع بداية عام 2018
قامت الولايات المتحدة بنقل زعماء داعش إلى أماكن مجهولة، وربما وزعتهم على الدول المعادية، علماً أنّ عدد المقاتلين في صفوف داعش يتراوح بين 45 و 50 ألفاً، قُتِل منهم نصفهم، يبقى السؤال الأهم: أين اختفى آلاف المقاتلين؟ الجواب يعرفهُ الجميع: قسمٌ كبيرٌ منهم حلقوا لحاهم، واستبدلوا رايتهم السوداء براية قسد الصفراء، وهذا ما تفعلهُ الولايات المتحدة في الشمال والشرق السوري.
القضية هي عبيد العبيد، قسد ووحدات الحماية وحزب العمال، كلها تعملُ لخدمة واشنطن، ومقاتلو داعش يعملون لخدمة هؤلاء. بكل بساطة؛ مقاتلو داعش سابقاً هم الآن خط المواجهة الأول ضد الجيش السوري وحلفائه دون شك، في شرقي دير الزور والرقة.

بسؤالنا للزعيم الانفصالي عن الخطة القادمة أجاب بثقة كبيرة: (قبل نهاية سنة 2017 سوف نُعلنُ الفيدرالية في شمال سوريا، وسوف تحمينا القوات الأميركية من أيّ هجوم علينا).




قسد لن تنضمّ للجيش السوري لأنها في طريقها للانحلال، كل ما يجري هو إضاعة للوقت تمهيداً لإعلان الفيدرالية، والأخطر “ترسيخ وجود قواعد للناتو على الأراضي السورية”.

القواعد الأمريكية في الشمال السوري

قدّمت اللجنة الاستشارية للأمن القومي الأميركي للرئيس السابق أوباما، خطة عسكرية لزيادة عدد القوات الأميركية في سوريا إلى 10 آلاف جندي. أوباما وبناء على سياستهِ المتروية أو كما وُصفَت “الجبانة”، أجّل مناقشة الخطة ورحّلها لمن سيأتي بعدهُ. حسب معلومات مركز فيريل؛ رفعت اللجنة الاستشارية للأمن القومي الأميركي خطة بزيادة عدد الجنود الأمريكيين في سوريا إلى 50 ألف جندي، للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
نتيجة انهيار داعش “المأساوي” بالنسبة لواشنطن، والذي لم تكن تتوقعهُ، وجدت نفسها أمام خيار أوحد؛ مغادرة سوريا… مهزومة ذليلة. كي لا يحدث ذلك، نرى الآن رفعاً لسقف التحديات، وحديثاً عن بقائها فترة طويلة.
دعمٌ غير مسبوق للانفصاليين الأكراد على اختلاف انتماءاتهم، لكنها تُركّزُ الآن على وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، لأنّ قسد ستنتهي قريباً… حسب أنقرة: (وصلت عشرات الشاحنات المليئة بالأسلحة الحديثة ليد الأكراد، بالإضافة لمدرعات وعربات نقل جنود، فإذا تم القضاء على داعش، ضدّ مَن سيتم استخدام هذه الأسلحة؟!).
المؤكد أن واشنطن تستخدمُ 10 قواعد عسكرية في الشمال السوري، هي مطارات سابقة تم توسيعها، أو قواعد حديثة أنشئت أو في طور الإنشاء. تتراوح بين مهبط للمروحيات لتصل لقواعد كبيرة، لكن هل فعلاً تنوي قوات الناتو البقاءَ في سوريا؟

حسب معلومات خاصة بمركز فيريل: ((يُخطط الناتو للاستغناء عن قاعدة أنجرليك، وقد بدأت ألمانيا بذلك فعلياً، بنقل قواتها إلى الأردن. عملياً؛ قاعدة الأردن غير كافية للسيطرة على المنطقة، لبعدها عن العدوَين: روسيا وإيران. شمال العراق غير آمن لقربه من الحدود الإيرانية، الأفضل هو الشمال السوري، حيثُ القُربُ أيضاً من تركيا، التي يجبُ مراقبتها دائماً، رغم كونها عضو في الناتو حتى الآن. ما علم به مركز فيريل أنّ ثلاثة قواعد شمال سوريا مُرشحة لتكون بديلاً عن أنجرليك: الرميلان، تل أبيض (قرية سبت)، وعين العرب. ويتم تطويرها بشكل لا يوحي بأنها قواعد مؤقتة نهائياً… فقد حاول مراسل مركز فيريل الاقتراب من قاعدة تل أبيض، وعلى مسافة 2 كلم من أسوارها، تمّ اعتراضهُ من قبل مسلحين أكراد ومصادرة الهاتف الجوّال!! ويفيد مراسلنا أن القاعدة في عين العرب تستقبل طائرات شحن أميركية كبيرة… فهل ستنجح الولايات المتحدة في ذلك؟)).

تاريخ القواعد الأميركية في شمال سوريا

أحصى مركز فيريل وجود 11 قاعدة عسكرية للناتو في الشمال السوري… سُجّلَ أول دخول للجيش الأميركي للأراضي السورية، بوصول 50 خبير عسكري وضابط في آذار 2015. بينما تمّ تسليم أول شحنة أسلحة للأكراد في عين العرب في تشرين الأول 2014. مع خريف 2015 بدأ العمل بتطوير مطار أبو حجر في منطقة الرميلان، بتوسيعِ مدرجاته وبناء منشآت جديدة ليصبحَ جاهزاً في تشرين الثاني 2016. بنفس الوقت، بدأت فرنسا والولايات المتحدة إنشاء قاعدة كبيرة في منطقة عين العرب، بالقرب من قرية (خراب عشق)، فاعترضت تركيا، ليتم نقلها إلى قرية (سبت)، وقد أصبحت الآن حسب مراسل مركز فيريل، قاعدة عسكرية كبيرة، تحيطُ بها أسوار مضاعفة، وأبراج مراقبة، وتضم عشرات الأبنية والثكنات العسكرية، ويمكن استيعاب أكثر من ألفي جندي… كما أنشئ مدرج هبوط وإقلاع طويل يستقبل طائرات الشحن من نوع C.130, C.17، ومهبط مروحيات، وفيها أيضا معسكر تدريب منفصل، يدخلهُ مقاتلون أكراد، يتم تدريبهم فيه. الأمر نفسهُ جرى ويجري في قاعدة تل أبيض، حيثُ العمل جارٍ بتوسيعها وسط حراسة أمنية مشددة. بالإضافة لهذه القواعد، هناك قواعد صغيرة فيها مهبط مروحيات، وثكنات عسكرية: مطار روباريا قرب المالكية، قاعدة عين عيسى شمال الرقة، قاعدة المبروكة غرب الحسكة، قاعدة تل بيدر شمال الحسكة، ويتم إنشاءُ قاعدة في منطقة الشدادي (الشدادة) جنوب الحسكة، وتوجد قاعدة هي مركز توجيه وقيادة في مدينة الطبقة بمدرسة “محمد فارس”، سيتم الانتقال منها بعد الانتهاء من إنشاء قاعدة في الجزيرة الثالثة بنفس المدينة، وحسب مراسلنا؛ عقدت الولايات المتحدة “اتفاقاً خطياً” مع ممثلين عن قسد ووحدات الحماية والعمال، ببقاء قواتها هناك، لشرعنة وجودها!. كذلك يتواجد جنود أمريكيون في منبج في قاعدة عسكرية.


أهداف القواعد العسكرية الأميركية شمال سوريا

1. روسيا: تطوير قاعدة عسكرية كبيرة في الشمال السوري، سيجعلُ روسيا محاطة بالناتو من الجنوب أيضاً، وبنفس الوقت سيجعل قواعد الجيش الروسي في سوريا أيضاً محاطة بالناتو ومراقبة براداراته، خاصة مع شكوك بنية روسيا استقدام صواريخ باليستية لنصبها في سوريا.
2. إيران: يمكن مراقبة إيران بصورة أسهل وأكثر أمناً. خاصّة مع ورود أنباءٍ تؤكد احتمال وقوع مواجهة عسكرية في الخليج بين السعودية وإيران، بما في ذلك قطر التي تضم أكبر القواعد الأميركية في المنطقة، أي سيتم تخفيف التواجد العسكري في الخليج، ونقل قسم منه إلى الشمال السوري.
3. تركيا: شريك غير موثوق به في الناتو. وحسب ما ورد مركز فيريل هنا في برلين: (باتت تركيا تُشكّلُ خطراً على أوروبا، بسبب ارتمائها في الحضن الروسي، وصفقات الأسلحة مع موسكو، لهذا لا تستغربوا أن تنسحبَ تركيا من حلف الناتو على المدى غير البعيد، إذاً يجب أن تبقى تحت مراقبة لصيقة من أعضاء الناتو عسكرياً).
4. سوريا: انسحاب الناتو من سوريا، سيؤدي لفرض سيطرة الجيش السوري على كامل الأراضي السورية، أي فشل المشروع التقسيمي، وانتصار سوري كبير ومعه روسيا وإيران وحزب الله. هذا لا يمكن أن تسمح به واشنطن. يجب الإبقاء على هذه القوات والقواعد غير الشرعية، تمهيداً لإعلان الفيدرالية الكردية، عندها سيتم عقد اتفاق مع الأكراد، فتصبحُ شرعية… هذه وجهة نظر أميركية ننقلها حرفياً من مركز فيريل، وطبعاً قانونياً هذا غير صحيح.

5. الأكراد: نؤكدُ وحسب استطلاع للآراء، خاصة بعد فشل تجربة استفتاء شمال العراق، أنّ قسماً كبيراً من الأكراد يُعارضون فكرة الفيدرالية، ويعتبرون وجود القواعد الأميركية سيجلب على رؤوسهم الدمار والخراب، وبأن واشنطن لا يمكن الوثوق بها، وأبدوا تخوفهم من ثورة عشائر الجزيرة عليهم. لهذا نؤكد أيضاً أن الناتو ومعهُ الانفصاليون الأكراد، يقومون باستقدام مقاتلين مع عائلاتهم من شمال العراق وجنوب تركيا، وتوطينهم في المناطق التي استولوا عليها في الرقة، ومنع أصحابها الأصليين من العودة بحجة الألغام أو أنهم من عناصر داعش.


ختاماً، رأي مركز فيريل للدراسات

يمكنُ للناتو أن يُخطط ما شاء، ويُنشئ عشرات القواعد العسكرية، ويستقدم آلاف الجنود. يمكن أن يجد لهُ بيئة حاضنة بين بعض المناطق الكردية وحتى العربية هناك. ماذا عن تركيا والقوميين الأتراك، هل سيبقون يتفرجون على بلادهم تتقسّم أمام عيونهم؟
على المدى الطويل، يبدو الناتو غير مُدركٍ للأمور بشكلها الصحيح، ودراساته عن الشعب السوري تبدو سطحيةً تماماً. من الجزيرة السورية خرجَ آلاف المقاتلين إلى العراق قاطعين مئات الكيلومترات لضرب الجيش الأميركي، فهل سيعجزُ هؤلاء عن ضرب هذه القواعد على مسافة 5 كيلومترات؟! ألم يسمع الناتو بعشائر الجزيرة السورية العربية؟ حتى اللحظة تضبطُ القيادة السورية كافة أبناء الجزيرة، وتمنعهم من أيّ تحرّك ضد الانفصاليين أو جنود الناتو، فهل ستستمرُ في ضبطهم؟ السلاح موجود بيدهم والهدفُ موجود، وداعش انتهت، فماذا بعد؟ ما لن يفهمهُ الناتو أنّ الشعب السوري ليس كشعب الخليج… السوريون لم ولن يسمحوا باحتلال أراضيهم أو تقسيمها، والأيام قادمة وستكرر ما جرى في بيروت عام 1982 لكن بأضعاف. مركز فيريل للدراسات. 24.11.2017
لكلّ زعيم انفصالي يقول: (القوات الأميركية ستحمينا) نقول: القضية أيها الذكي أنّ القوات الأميركية بحاجة لمن يحميها…