مما لاشك فيه أنّ الكثير من الخطوات الأميركية السياسية والعسكرية تكون ارتجالية، وربما تكون خطوة التهديد الأخير بضرب سوريا واحدة منها، لكنّ الأمر خرجَ عن نطاق تهديد عابر، ليصبحَ تحركات عسكرية وانضمام دول، لا تُقدّمُ ولا تؤخر عسكرياً، إلى هذا التحالف “الارتجالي”، بحيثُ باتَ على واشنطن أن تستخدمَ سُلّماً عريضاً كي تنزل عن الشجرة، وبمساعدة روسيا، ووحدها روسيا القادرة على إنزال الولايات المتحدة عن “السطح”…
وفق المعلومات الواردة من موسكو وهنا من برلين، الضربة الأميركية ستتم دون شك وإن تأخرت… لكن الأخطر ما علمهُ مركز فيريل للدراسات من خبراء ألمان أنّ (الحرب الشاملة بين روسيا والولايات المتحدة أمرٌ لا مفرَ منهُ). فهل ستكون سوريا والشرق الأوسط هي المسرح؟
تأخرت واشنطن كثيراً في تحجيم روسيا
كان من الممكن وبعد حرب الخليج 1991 ومع تفكك الاتحاد السوفيتي شن حرب اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية شاملة، للقضاء على أي مستقبل لروسيا الجديدة وتفكيكها درءاً للأخطار التي قد تحدث فيما لو استعادت عافيتها… اليوم خرجت الأمور عن السيطرة والدب الروسي لم يستعد عافيته وحسب، بل أصبح شرساً وهجومياً أكثر من كافة التوقعات الغربية.
عندما ألقى الرئيس بوتين خطابه العسكري الناري قبيل الانتخابات في آذار، ارتعدت فرائصُ أوروبا ومعها البنتاغون، لسماعهم ومشاهدتهم ليس فقط الأسلحة فوق الصوتية، بل لما لمّحَ له بوتين عن أسلحة استراتيجية أخرى لم يذكرها، وسوف ننشر في مركز فيريل عنها بعد أيام مع اكتمال المعلومات.
ما يمكننا كشفهُ الآن؛ القدرات العسكرية الأميركية واضحة للعيان بسبب سياسة واشنطن الاستعراضية، أما القدرات الروسية فجزءٌ خطير منها مخفي… مخفي تحت المياه في المتوسط وغير المتوسط.
إذاً تحجيم روسيا باتَ من الماضي، وعلى واشنطن قبول الواقع وهو “القسمة” العادلة. القسمة العادلة هي أنّه في العالم دولتان: روسيا والولايات المتحدة، فهل تقبلون؟
يقبلون! متى كان الغربُ يقبل أن يكون لهُ منافساً من الشرق! لهذا تستمرُ محاولات الناتو النيل من موسكو ولو شكلياً، حتى وإن كان فشل مونديال كرة القدم في حزيران القادم!!
السؤال الذي على الغرب طرحهُ: روسيا لوحدها سببت لنا صداعاً، ماذا سيحدث لنا مع اكتمال “الحلف الأوراسي”؟
لماذا تأخرت الضربة الأميركية؟
الجاهل فقط مَن يُصدّقُ أن صاروخاً أو قنبلة كيميائية تقتلُ 40 شخصاً ضمن تجمع سكاني يضم عشرات الألوف، لو كان الرقم 4 آلاف ربما صدقنا… والغبي الذي يشكّ أن الجيش السوري “المنتصر” سيستخدم هكذا سلاح، وهو يعلمُ أنّ الناتو ينتظرُ منه هفوة.
واشنطن ومعها دول الناتو وجوقة العرب يكذبون ثم يكذبون بوقاحة، ويحتاجون لحجة “تافهة” للوصول ليس فقط إلى دمشق بل إلى طهران وبعدها موسكو.
ببساطة، بإمكان واشنطن أن تُبلغَ موسكو بأنها ستُطلق صواريخ على مطار “الضمير”، الذي انطلقت منه الطائرة “المزعومة” وقصفت “أطفال” دوما الغوالي بالكيماوي “الكرتوني”، فلماذا لم تفعلها؟
هذه هي أسباب تأخر الضربة حسب رأي مركز فيريل واستناداً لخبراء ألمان في برلين
- الذي كانت تُخطط له واشنطن هو ضربة استعراضية إعلامية، لتقول لشعبها وللآخرين: أنا موجودة في سوريا. لكن الأمور تطورت أكثر من المتوقع وبات على البنتاغون توجيه ضربة أكبر، وهذه تحتاج لتخطيط أوسع وأدق، وحشد إمكانياتٍ عسكرية وقائية في حال توسع الحرب وتدخل دول لصالح سوريا، أي الضربة الأميركية ليست مضمونة النتائج، واحتمال الخسارة فيها يعادل الاحتمال الانتصار، وهذا سيضعُ الإدارة الأميركية بموقع محرج للغاية.
- إسرائيل غير آمنة في حال توجيه ضربة واسعة لسوريا، ففشل شباط الماضي وضع الدفاعات الجوية الإسرائيلية موضع شك بقدرتها على التصدي للصواريخ السورية، فكيف إن تدخلت صواريخ إيران وحزب الله، لهذا أصرّت واشنطن أن تبقى تل أبيب على الحياد.
- ليس لدى واشنطن خطة هجومية واضحة، وحتى بنك الأهداف الذي تمّ الترويج له هو اجتهادات محللين ليس أكثر. هنا نعود إلى ارتجالية التصريحات الأميركية.
- ضعف ترابط الحلف المعادي لسوريا والدول التي يمكن أن تشارك بالهجوم، فبريطانيا مترددة، وألمانيا تُشاركُ رفع عتب، وفرنسا لا يمكن الاعتماد عليها، أما دول “الفراطة” من السعودية إلى الإمارات وأستراليا، فهذه لا تنفع حتى لجمع “الفشك” الفارغ.
- التهديد الروسي الجدي والتصاعدي، والذي كان استياءً في البداية ليصلَ إلى تهديد حقيقي على لسان ألكسندر زاسيبكين، سفير روسيا في لبنان: (الصواريخ الأمريكية التي ستطلق على سوريا، سيتم إسقاطها واستهداف مواقع إطلاقها).
الردّ السوري الروسي على الضربة إن حدثت
أقول هنا إن حدثت لأنّ باب المفاوضات مازال مفتوحاً لتفادي هذه الضربة، وإن كان ضيّقاً. لكن هل سيتفرج الجميع على الصواريخ الأميركية؟
الردّ العسكري يتوقفُ بالدرجة الأولى على حجم الضربة ومدى اتساعها، والمناطق التي ستصيبها… إن حدثت.
الردّ السوري سيكون وقائياً دفاعياً، وبمساعدة روسية إيرانية واضحة، وفي حال اشتراك الطائرات سيتم صدها ومحاولة اسقاطها.
يمكن للغرب وعلى رأسهِ واشنطن أن يكون قصير النظر وغبياً، وهذا احتمال ضعيف، فيضرب قواعد ويقتل جنوداً أو خبراء روس، وهنا ستكون روسيا في موقف حرج، فإن تمت مهاجمة قاعدة حميميم… سترد روسيا وتتوسع الحرب لما هو أبعد وأخطر.
روسيا والناتو يتجنبان أية مواجهة عسكرية مباشرة، وسيحرص الجانبان على استمرار الاتصالات لتفادي الأخطاء القاتلة.
بحيادية، روسيا لن تُجر لمواجهة بحرية خاسرة، فالقطع البحرية للناتو هي ثلاثة أضعاف قطعها البحرية، والقواعد العسكرية في المنطقة تعادل ستة أضعاف القواعد الروسية، لكن في حال تعرّض سوريا لخطر وجود، لن يكون أمام موسكو سوى الدفاع عن نفسها من بوابة دمشق، هنا ستكون الحرب شاملة وأوسع مما يتوقعهُ كبار العسكريين.