يبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب في حيرة من أمرها، كيف ستثبت للعالم أنها الأقوى، عن طريق استخدام مبدأ “البلطجة” الذي عودتنا عليه الولايات المتحدة، واتباع سياسة ضرب الصغير كي يخاف الكبير.
بعد تهديدات ضد إيران، اليوم جاء دور كوريا الشمالية، فبدأ تسريب “ترهيبي” مقصود ضدها عبر وسائل إعلام غربية، بالقول أنّ فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأمن القومي، بقيادة نائبة مستشار الأمن القومي، كاثلين مكرفيلد، التي كانت تعمل ضمن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ريغان، حيث تتم دراسة خيارات التعامل مع كوريا الشمالية، بينها هجوم على مواقعها النووية، هذا حسب صحيفة “تايمز” البريطانية.
لكن هل سيتم هذا الهجوم المفترض بدون عواقب قد تصل آثارها إلى قلب واشنطن؟
المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، إريد إيدلمان قال: “إن تهديدات كوريا الشمالية بتحويل عاصمة شقيقتها الجنوبية سيول إلى دائرة من النار، لن تكون مجرد تهديدات جوفاء في حال نشوب نزاع.” إذاً أول الذين سيأكلون العصي هي كوريا الجنوبية، ولن تكون عصى واحدة. أكد ذلك المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جيمس وولسي، الذي قال: “الترسانة النووية لبيونغ يانغ أكثر تطوراً مما هو معتقد، واغتيال أخ الزعيم كيم يونغ في ماليزيا، هو جرس إنذار في واشنطن“
التهديد الأميركي هذا تجاه كوريا الشمالية، جاء بعد إجراء بيونغ يانغ لتجارب على صواريخ باليستية، تعتبر المراحل النهائية من تطوير سلاح نووي قادر على الوصول إلى الأراضي الأميركية.
تسريبات الضربة تحدثت عن قصف جوي بالقاذفة الاستراتيجية بي-2 وطائرات الشبح، وعمليات للقوات الخاصة، وحرب إلكترونية لتعطيل إطلاق الصواريخ.
التسريب هذا غير مدروس، وهو فقاعة صابون ليس أكثر، فالمطلوب من الضربة الأولى أن تدمر كافة الأسلحة النووية، ولكن هل هذا ممكن؟ على فرض أن واشنطن نجحت، ألا تستطيع كوريا الشمالية تدمير الجنوبية بالأسلحة التقليدية؟ ما مصير القواعد الأميركية في المنطقة خاصة في كوريا الجنوبية، والتي ستطالها الصواريخ الكورية وتقتل آلاف الجنود الأمريكيين؟ ثم ماذا لو كانت أيضاً تخفي صواريخ نووية لم تدمرها تلك الضربة؟ أمام واشنطن مئات الأهداف يجب أن تدمرها في لحظة واحدة، وهذا مستحيل.
ضرب إيران أكبر حماقة من ضرب كوريا الشمالية
قد يُغامر ترامب ويضرب كوريا الشمالية، وسيتحمل نتائج وخيمة، لكننا نرى في مركز فيريل للدراسات أنّ ضرب إيران سيحمل نتائج أسوأ بكثير، فرغم أنّ إيران وحسب المعلومات لا تمتلك سلاحاً نووياً، وعلى فرض أن صاروخ “عماد” القادر على حمل رأس نووي، والذي تمّ اختبارهُ منذ سنتين ونصف، لا يحمل رأساً نووية!. لكنها تمتلك وبدون أسلحة نووية، مقوماتٍ تجعلها أصعب بكثير من كوريا الشمالية.
- تقع إيران في منطقة أخطر بكثير من كوريا الشمالية، و14 قاعدة أميركية في الشرق الأوسط بمتناول الصواريخ الإيرانية، وعشرات السفن البحرية والطرادات وحاملات الطائرات، أي هنالك ما لا يقل عن 110 آلاف جندي أميركي ضمن دائرة ليس الخطر بل “دائرة الموت”.
- ما يعرفه الغرب أنّ إيران تمتلك 1411 صاروخاً بعيد المدى، ونحن نقول لدى إيران ضعف هذا العدد على الأقل، يكفي أن تكون نسبة الإصابة في هذه الصواريخ 10% كي يتم تدمير 14 مدينة في الشرق الأوسط.
- مساحة إيران تعادل مساحة كوريا الشمالية 13 مرة، مع تضاريس جبلية صعبة، أي أن الوصول لكافة الأهداف مستحيل. وسوف تحتاج الولايات المتحدة لأضعاف عدد الطائرات القاذفة والصواريخ والقنابل.
- في حال اشتركت إسرائيل في الضربة أو لم تشترك، فستكون ضمن دائرة الخطر، وهي كيان لا يتحمل خسارة ألفي جندي، وانهيارها شبه مؤكد إن وصلتها الصواريخ الإيرانية.
- يقدر مركز فيريل للدراسات أن تكون الخسائر البشرية في ضربة أميركية لإيران تتجاوز 3 مليون إنسان مدني وعسكري، معظمهم من إيران، وسيكون نصيب الخليج مئات الآلاف من القتلى وعدة آلاف من إسرائيل وحوالي 40 ألف جندي أميركي، وأكثر من 4 ترليون دولار للخسائر المادية لكافة دول المنطقة، بينما ستكلف الضربة الولايات المتحدة 140 مليار دولار على الأقل.
- سيتم تدمير عواصم الخليج كافة، لأنّ الطائرات الأميركية ستقلع من قواعدها في الخليج، باستثناء الطائرات الاستراتيجية. أي ستكون هذه الدول عدواً مباشراً لإيران.
- هذا كله على فرض أن باقي الدول ستبقى متفرجة، بما في ذلك تركيا التي إن اشتركت مع الولايات المتحدة، ستكون خسائرها مدمرة للغاية.
لهذا كله؛ إن كان هناك عاقل في واشنطن، لن يغامر لا بضرب إيران ولا بضرب كوريا الشمالية، ونرجح أن يتم الضغط الاقتصادي على طهران، مع “تهوييش” السعودية ضد إيران ودعمها، على أمل أن تكون حرباً تقليدية قد تصمد فيها الرياض ساعات…
د. جميل م. شاهين 03.03.2017
مركز فيريل للدراسات ـ برلين