عدد القراءات 1414، تأسست أول جامعة حكومية في البلدان العربية في دمشق عام 1903 باسم الجامعة السورية، وخرّجت لاحقاً أعظم الأطباء والصيادلة والحقوقيين والمهندسين الذين أصبحوا أساتذة في جامعات أميركية وأوروبية…
نُكرر: الجامعة كانت حكومية (مجانية) وليست خاصة. لخريجيها سمعة طيّبة وحظوة علمية في جامعات العالم حتى فترة ليست ببعيدة، فما الذي حصل، ولِمَ هذا التوجه نحو التخصيص في كلّ شيء حتى في العِلم!!
افتتح في 9 تموز الماضي ولثلاثة أيام “معرض الجامعات والتمويل الطلابي” في طرطوس، شاركت فيه جامعات حكومية و خاصة، فعرضت نتاجها من حيث دراسة الطالب واختياره الاختصاص المناسب، ليصار إلى دمجه مباشرة في سوق العمل بعد التخرج. بالإضافة إلى عروض لبعض القروض البنكية لتمويل دراسة الطالب.
من المهم بالنسبة للتعليم الجامعي وللطالب اختيار الاختصاص المناسب والدمج في سوق العمل، ليعمل كلٌّ باختصاصه.
في الواقع، يتم تخريج أعدادٍ كبيرة من كافة الاختصاصات تزيدُ عن حاجة سوق العمل، بل وأكثر من ذلك؛ قد يضطر الخريج الجامعي إلى العمل باختصاص غير اختصاصه، هذا عدا عن ابتعاد القطاع الخاص عن توظيف المتخرجين حديثاً بحجة دائمة هي “قلة الخبرة”.
بالمختصر؛ يُقدم المعرض عملية توجيه للطالب لاختيار اختصاصه مع تمويل دراسي وفرصة عمل جاهزة. عرض مغرٍ، أفضل من العمل براتب قليل أو باختصاص غير مناسب أو … الهجرة.
القطاع الخاص سيّد الموقف!!
أقدرُ مَن يقدّم هذا العرض هو القطاع الخاص، نظراً للتأخر الذي يعاني منه القطاع العام في مجال التطوير الإداري و التنمية البشرية وانتشار المحسوبيات و الفساد. بالطبع القطاع الخاص الذي سيقدم على هذا الاستثمار، سيختار الطالب الأذكى، لضمان الحصول على المنتج و بأفضل المواصفات. بالنتيجة سيذهب الأذكياء إلى القطاع الخاص، ويحرم القطاع العام من المبدعين… عِلماً أنّ المبدعين كانوا ومازالوا مُهمشين في القطاع العام، لهذا كان محروماً منهم.
السؤال هل كل ما يجري فعلاً لخدمة الطالب هكذا لوجه الله؟
لن نظلمَ أحداً، فهناكَ مَن هم أهلٌ خير، ويقومون بخدمة هذا الطالب وسوريا لأنهم وطنيون مخلصون، سواء كانوا في الجامعات الخاصة أو الحكومية، لكن لدينا ملاحظاتٌ هامة يجب الانتباه إليها قبل فوات… الأوان:
-
ما يجري حالياً هو “رأسملة المدرسة” أو تخصيص التعليم أو سوق العمل التعليمي، وهو ما يعد من شروط العولمة حيث الأسواق مفتوحة والحدود ملغاة، بحيث يضيع كل ما هو وطني أو داخل الحدود. ..
-
أمر ثانٍ يدعو للانتباه و هو مشاركة “بنك قطر”!!! ضمن البنوك المقدمة للتمويل الطلابي، والذي تمتلك الحكومة القطرية 50% من رأسماله، ألم تساهم قطر بشكل رئيسي في الحرب على سوريا لإخضاعها للغرب الرأسمالي المسيطر على العالم؟!
-
الأمر الثالث و الذي يدعو للانتباه أيضاً، رعاية المعرض من قبل الغرفة الفتية الدولية (في طرطوس) وهي غرفة محلية للغرفة الفتية الدولية في سوريا، يُرمز لها بـ JCI وتعني: Junior Chamber International، مقرها الرئيسي Louis, Missouri في الولايات المتحدة الأميركية، تأسست عام 1918 على يد البنكي الأميركي Henry Giessenbier.
تتبعنا في مركز فيريل هذه المنظمة فوجدنا أنها ناشطة في المغرب وتونس ولبنان ومصر وحديثاً في… إسرائيل… بتعريفهم لأنفسهم وحسب قولهم: (منظمة غير ربحية، تعتمدُ فلسفة (التغيير الإيجابي) في المجتمع لدى الشباب، وإحلال السلام لربط الأفراد بالتآخي بين كافة شعوب الأرض دون استثناء)… عنوان عريض بالنسبة لبلد نامٍ يقف بوجه الأطماع الغربية. تُعتبرُ الغرفة الفتية في سوريا ابنة غرفة التجارة السورية، وهي بدورها فرع لغرفة التجارة الدولية والتي مقرها باريس، ومن أهدافها الحد من العقبات التي تواجه التجارة الدولية وبعض أعضاء هذه الغرفة في سوريا من رجال أعمال… هربوا بأموالهم منذ بداية الحرب على سوريا ولم يتم شملهم ضمن العقوبات الاقتصادية الغربية! وهذا ليس بجديد.
-
أليس غريباً أن يقوم القطاع الحكومي برعاية منظمات غير حكومية أو شركات خاصة، بعلم أو بغير علم، عن قصد أو بغير قصد، هذه المنظمات أو الشركات التي تتداخل اختصاصاتها و اهتماماتها مع اختصاصات القطاع العام. فمع بداية الحرب برزت عدة شركات تأمين هجرة و سفر بقصد التعليم أو العمل، في بلد تبرز فيه مشكلة هجرة العقول كمشكلة تعيق تطوره.
-
ما يدعو للغرابة في سلوك الحكومة (قد… قد يكون سلوكاً فردياً)، وما أكثر الـ “قد”، أن يتم الترخيص لهذه الغرف (التجارية) والتي يقودها رأس المال (قد يكون متحالفاً مع بعض المتسلطين)، بكل سهولة ويسر، بينما تتم مضايقة وإغلاق منتديات ثقافية تدعو للمساواة وتكافؤ الفرص، ويديرها مثقفون ونخب اجتماعية.!
-
الأغرب من كل ما ورد؛ أن يتم إقرار اقتصاد السوق الاجتماعي، بينما يتم العمل و إقرار القوانين التي تدعم السوق المفتوح!