هل كانت قمة هلسنكي تاريخية؟ المهندس نقولا فياض. هامبورغ. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.

من الإيجابية بمكان أنّ رجلاً مهووساً بالمال والشهرة مثل ترامب، يمكنُ التنبؤ بما سيقوله أو سيفعله. مرض ترامب ليس إشاعة من كارهيه فقد سبق وتحدثنا عن ذلك في مركز فيريل؛ فالبرفسور الأمريكي  Professor John D. Gartner من جامعة جون هوبكنز بميرلاند، وهو من أكبر علماء النفس في الولايات المتحدة والعالم، بعد دراسة حالة ترامب النفسية، قال: (يعاني دونالد ترامب من “النرجسية الخبيثة”، والأشخاص الذين يعانون من هذا المرض هم قنابل موقوتة.). يُضيف  Gartner (يتصفُ مرضى النرجسية بأنهم؛ يكذبون، ويوجهون الاتهامات الباطلة، يهوّلون الأمور، يسرقون، يقومون بالتشهير بغيرهم، ويشوهون الحقائق، دون أيّ شعور بالذنب أو بتأنيب الضمير.). أليست هذه صفاتُ ترامب؟

هو يعتبر نفسه مقاولاً شرساً لا يشق له غبار، بل هو مركز الكون والآخرون ليسوا سوى توابع تدور حوله لكن بأمره، ويعتقد أنه هو من يحدد مساراتِها وجهة دورانها، ومتى تسرع ومتى تتباطأ. قال عن أوروبا وعن حلفائه مالم يقله أبو نواس بالغلمان، وأنّ لقاءه معهم أصعب بكثير من لقائه مع بوتين. “فركش” اجتماع الناتو في بروكسل، وأجبر رئيس أوكرانيا المتسول على الخروج ورفض مقابلته. توجّه للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقال لها بالحرف: you’re feeding the beast أي أنت تطعمين الوحش، ويقصد بها صفقات الغاز مع روسيا…

 

ترامب كان “أرنوباً” في هلسنكي

كان على ترامب أن ينتظر يومآ كاملاً للقاء بوتين المشغول بضيفانه في موسكو، فذهب للعب الغولف وزيارة القصور وشرب الجعة.

حين جاء وقت اللقاء تركه بوتين ينتظر حوالي الساعة. أثناء اللقاء وحسب الصور والفيديوهات قرأنا لغة جسد الرجلين، وما نصح سياسيو ورجال مخابرات ترامب بتجنب النظر بعيني بوتين.

بعد اللقاء وفي المؤتمر الصحفي، عندما تحدث بوتين عن سوريا، طأطأ ترامب رأسه وراح يهزّهُ بين الجملة والأخرى… حتى سأل صحفي بوتين: هل تملكون أدلة تحرج ترامب؟ كان جوابه أنه لم يكن يعرفه أصلاً وكان ترامب يهزّ رأسه ممتناً… فهل يُعقل أن يفضحَهُ بوتين على الملأ طالما أنه طالبٌ نجيب!

ما إن عاد “الأرنبوب” إلى بيته الأبيض حتى راحَ يُغرّدُ بصورةٍ معاكسة تماماً، مثلما حصل بعد لقائهما هنا في هامبورغ قبل سنة تقريباً، فتدخل في التنف وقصف الجيش السوري بالصواريخ…

لا أعتقد أن حتى ميلانيا ترامب تأخذه على محمل الجد، فهو مقامر بعقلية حب الذات المفرطة، لكن وقفته مع بوت]ن كانت ضعيفة للغاية عكس ما كان عليه قبل 24 ساعة في بروكسل، فقد ظهر كالطاووس يتمختر بين أطفال الناتو، مما دفعهم للقول أنه يفضل لقاءاته مع كيم يونغ أون وبوتين ويرتاح لهم أكثر، بعد أن جعل منهم أعداء ليصبحَ بوتين فجأة فقط منافساً!.

الحزم الروسي ظهر أيضاً لدى سؤال صحفي عن وضع القرم، أجاب بوتين: (فضية القرم مقفلة بالنسبة لنا… قُضي الأمر…) نقطة انتهى. أي أن موسكو لن تقبل حتى النقاش بهذه القضية.




سوريا بين بوتين وترامب؟

ما يهمنا هو أين كانت سوريا بين الزعيمين؟ ما لم يُقال أكثر مما قيل، المؤكد لدى مركز فيريل أنّ بداية نهاية الحرب في سوريا بدأت البارحة في هلسنكي، نقول بداية النهاية، هذا لا يعني عدم حصول غاراتٍ جديدة من قِبل إسرائيل أو حتى واشنطن. هي غارات حفظ ماء الوجه ليس أكثر، إن لم يحصل كسر مفاجئ لاتفاق هلسنكي هذا.

  • تأمين حدود سوريا مع إسرائيل والعودة لخطوط فكّ الاشتباك 1974، تعني القضاء على كافة التنظيمات الإرهابية فيما تبقى من ريف القنيطرة ودرعا.

  • يجب تهيئة الظروف للعودة إلى القرار 338 للتسوية بين سوريا وإسرائيل بشكل عادل. القرار صدر عام 1973 ويتضمن القرار 242 الذي ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حزيران 1967، بما في ذلك الجولان السوري المحتل، أي أنّ مسار السلام هو المطروح في الفترة القادمة.

  • تحجيم الوجود الإيراني في سوريا، بعد أن كان المطلوب القضاء نهائياً عليه، وهذا يؤكد أن موسكو لا تريد خروجاً تاماً لإيران وأنها الوسيط الآن بين طهران من جهة وتل أبيب وواشنطن من جهة ثانية.

  • ما رشح أيضاً عن اللقاء وما علمهُ مركز فيريل أنّ الحدود السورية كاملة يجب تأمينها، أي أنّ تركيا مشمولة بذلك، والوجود التركي يجب أن ينتهي، بغض النظر عن رأي أنقرة.

  • الوجود الأميركي في سوريا أيضاً كان محل نقاش، وما علمناه أنّ قاعدة التنف سيتم تفريغها قبل نهاية العام.

  • ما طلبتهُ واشنطن هو الحفاظ على وجود شكلي في بعض المناطق في الشمال السوري بين الميليشيات الانفصالية، وهذا لن يتم إلا بموافقة دمشق، إن… وافقت. كما أنّ الدعم الأميركي للمشروع الانفصالي بات شبه منتهٍ، وما تقوم به ميليشيات قسد الانفصالية وغيرها من تسليم آبار وحقول البترول للحكومة السورية، يجري بأوامر من واشنطن، وليس عن طيب خاطر من الانفصاليين.

 



ترامب يُواجهُ أعداءهُ في واشنطن

قبل اجتماعه ببوتين بدأت الانتقادات اللاذعة لترامب من خصومه السابقين وحتى من حزبه الجمهوري.

خائبة الرجاء هيلاري كلينتون شككت بولاء ترامب لأميركا قائلة: (هل تعرف الفريقَ الذي تلعبُ من أجله؟!).

بعد المؤتمر الصحفي، تعاظمت الانتقادات لتسوقَ لترامب اتهامات “خطيرة”، فيبدأ بالدفاع عن نفسه قائلاً أن التحقيقات الفيدرالية هي سبب تدهور العلاقات مع موسكو، فهل ستؤدي هذه الانتقادات الكلامية إلى أفعال على الأرض يتم فيها إيقافُ ترامب من قِبَل USA Establishment

وربما… استخدامُ الكي؟!!

جون ماكين، السيناتور الجمهوري، ومن على فراش الموت: (قمة هلسنكي كانت مُشينة للرئيس الأميركي وهي خطأ مأساوي).

السيناتور الجمهوري Orrin Hatch: (مهما قيل فإنّ روسيا تدخلت في الانتخابات الأميركية).

السيناتور الديموقراطي Mark Warner: (عدم رغبة ترامب بالدفاع عن أميركا أمرٌ مرفوض ومحرج).

السيناتور الجمهوري Jaff Flake: (لم أتوقع أن يأتي اليوم الذي يقف فيه رئيس الولايات المتحدة مع الرئيس الروسي ليلقي باللائمة على بلاده بسبب العدوان الروسي، هذا أمرٌ مخجل).

وغيرهم كثيرون من النواب ورجال السياسة الأمريكيين انتقدوا “خنوع” ترامب لبوتين واتهموه بالوقوف مع الأعداء ضد بلاده… ما قام به ترامب من تبرئة روسيا واتهام بلاده هو جريمة كبيرة!! هي اتهامات خطيرة، والأخطر أن تستمر ويتم البناء عليها من أعداء ترامب الكثر… فهل يمكن أن تمر كغيرها؟

الاتهامات الموجهة لترامب في واشنطن خطيرة، والأخطر أن يتم البناءُ عليها.

نعم نجح بوتين وبجدارة في جعل روسيا المنافس الأشرس وفي نزع أحادية القطب من يد واشنطن، واشنطن التي باتت تلجأ لموسكو لاتخاذ القرارات الحاسمة…

الواضح أن الزعيمين لجآ للتهدئة في العالم، وحتى ترامب الذي يصفهُ البعض بعاشق القتال بدا حمامة سلام في هلسنكي، فهل سيتركهُ صقور وتجار الأسلحة والحروب يستمرُ في سياستهِ هذه؟ المهندس نقولا فيّاض. هامبورغ. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.