هل انتهت إمبراطورية رامي مخلوف؟

المستشار الإعلامي للسيد رامي مخلوف،يُقدّمُ صورةً مكررة ومُجرّبة مراتٍ كثيرة مع شخصيات عالمية. الرجل المُتدين الورع كاشف الغيب

قضية سورية داخلية، أخذت أبعاداً إقليمية وعالمية كبيرة، وسط شائعاتٍ وأخبار معظمها غير صحيح، نبحثها اليوم نزولاً عند رغبة قرّاء مركز فيريل للدراسات، مع التأكيد على أنّ رامي مخلوف ليس وحدهُ المقصود هنا، بل ما يُمثل من مجموعة كبيرة من الأثرياء؛ الفجائيين والقدماء في سوريا. ما سيرد هو تحليل المركز مع بعض المعلومات.

مسلسل فيديوهات رمضانية

تماشياً مع شهر رمضان وما يعرضهُ من برامج، راح السيد رامي مخلوف يبثُ كل عدة أيام فيديو يشتكي فيه مما يجري، ومع كل فيديو يرتفعُ سعر الدولار أمام الليرة السورية، مما زاد الطين بلّة وكله ينعكسُ سلباً على الاقتصاد السوري ومعه المواطن الذي يعيشُ أسوأ أيامه…

اتبع مخلوف أسلوباً تقليدياً قديماً في محاولة استمالة الرأي العام، مستخدماً تعابير دينية متظلماً من جَور القرارات، ولا ندري هل استطاع بهذه الطريقة الوصول إلى القلوب؟! أخطأ رامي في الماضي وأكمل خطأه بظهوره بهذه الطريقة فإلى أين سيصل؟

حتى في ظهوره الإعلامي لم يكن موفقاً نهائياً، وعليه محاسبة مستشاره الإعلامي على هذه الطريقة المملة والبائسة ورسائله إلى الإسلام السياسي!!.

مَاذا يُمثل رامي مخلوف؟

من الخطأ الظن أن شخصاً واحداً يمكنه صنعُ هذه الثروة الكبيرة دون شركاء. شركاء من كافة الأطياف والطوائف والمستويات السياسية والإقتصادية داخلياً وخارجياً، رغم ذلك وحسب رأينا، هناك مبالغة في حجم ما يُقال عن ثروته بأنه يُسيطر على 60% من الإقتصاد السوري.

عندما نقول رامي مخلوف، فنحن نتحدثُ عن عشرات الشركاء من الأثرياء

دخلَ رامي وشركاؤه في: صناعات النفط والغاز السورية. الأعمال المصرفية. الاتصالات. البناء والأسواق الحرة. السياحة. العقارات. الطيران المدني. تجارة السيارات. الإعلام والفضائيات والصحف…

أسس عدة شركات بملكية شبه كاملة أو ساهم في أخرى بنسب متفاوتة، وراح يُوسعُ مملكته المالية بشكل احتكاري فيمنع حصول أية صفقة في مجالاته دون أن تكون له يد أو حصة ما، مُستغلاً قرابته من الرئيس السوري بشار الأسد. بنى نفوذاً قوياً وسيطر على بعض قيادات فروع أمنية ووزراء ومدراء، وبهذا استطاع الإيحاء بأنه نصف الدولة، فكان أحد أخطائه الكبيرة.

بشكل مختصر وسريع. وسّع مخلوف من استثماراته وممتلكاته الدولية ليصل إلى لبنان والإمارات المتحدة وقطر  والأردن وبنوك سويسرا وبريطانيا وجزر Virgin Islands الأميركية (الكاريبي). كانت طريقتهُ إحتكارية في بعض المجالات ولا يسمح بوجود شريك منافس، لهذا سُلّطت الأضواء وبدأت العيون تتفتحُ على هذا القادم الجديد.

استثمرَ رامي، كمُساهم عادي أو مالك بشكل كامل أو جزئي، في:

البنك الإسلامي الدولي في سوريا.

بنك البركة. بنك قطر الدولي.

بنك الشام.

بنك الأردن في سوريا.

شركات التأمين والخدمات المالية (CHCA) سوريا.

استثمر أيضاً في في قطاع النفط في شركة Gulfsands Petroleum Plc البريطانية (شركة بترول تعمل في الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية).

استثمر في شركات عقارية؛ صروح العقارية Sorouh Real Estate ومقرها أبو ظبي. شركة الحدائق العقارية. البتراء العقارية في عمّان. فجر.  أسس شركة المدائن للخدمات السياحية.

إعلامياً؛ محطة دنيا الفضائية. محطة راديو وتلفزيون نينار. صحيفة الوطن السورية. شركة إعلان Promedia. أيضاً في  International School of Choueifat وهي مدرسة الشويفات الدولية سلسلة مدارس دولية مقرها الحالي دبي

استحوذ رامي مخلوف على شركة سيرياتل للاتصالات المؤسسة منذ عام 1994 والتي استخدمت الهاتف المحمول عام 2000، وأصبح مديرها العام.

ساهم في شركة Eltel Middle East الصناعية.

أسس في شباط 2019 شركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية، بمصادقة وزارة التجارة الداخلية السورية ورأسمال 1.3 مليار ليرة.

كما يحتكر رامي وكالة مرسيدس بعد سحبها من عائلة سنقر

أخيراً وليس آخراً: استيراد التبغ يتمُّ حصرياً عبرَ رامي مخلوف

تنويه: بعض الاتهامات الموجهة لرامي وشركاته هدفها سياسي للوصول للقيادة السورية.

شارك المليادير المصري نجيب ساويرس بعد عام 2000 في شركة سيرياتل، واختلف معَ رامي مخلوف على الملكية. عام 2002، أصدرت المحكمة البدائية المدنية السورية حكماً بالقضية بين شركة (أوراس تيليكوم) وصاحبها ساويرس وبين شركة رامي مخلوف (دريكس تيكنولوجيز)، وتم بموجب الحكم إعطاء 720 ألف سهم من شركة سيرياتل لرامي مخلوف وتعويضه بمبلغ 2,6 مليار ليرة سورية من شركة ساويرس بسبب تقصيرها في الوفاء بالتزاماتها بالاتفاقيات الموقعة، لهذا شمت الملياردير المصري بما يحدث مع رامي حالياً.

في 10 أيار 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية وسياسية على رامي مخلوف والسبب: (تمويل الحكومة والسماح بالعنف ضد المتظاهرين).

بتاريخ 16 حزيران 2011، صرح رامي مخلوف في مقابلة مع التلفزيون السوري قائلاً: (سأترك العمل في التجارة وأُشارك في الأعمال الخيرية، وسيكون هدفُ أعمالي التجارية خلقَ فرص عمل ودعم الاقتصاد الوطني).

في 5 تموز 2012 أصدر البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة أمراً للبنوك بتقديم معلوماتٍ مفصلة عن المسؤولين السوريين بمن فيهم رامي مخلوف، عطفاً على قرار الجامعة العربية الصادر بتاريخ 27 تشرين الثاني 2011 بفرض عقوبات إقتصادية على سوريا.

قبلَ ذلك، اتهم رامي مخلوف عام 2004 بمحاولة الاستيلاء على امتياز مرسيدس في سوريا. استطاع تمرير قانون يحظر استيراد قطع غيار وسيارات مرسيدس، والتي تحمل وكالتها الحصرية في سوريا عائلة سنقر منذ الستينات. استطاع فيما بعد الحصول على الوكالة!

اتهم رامي بمعاداة والتسبب بسجن رجال أعمال وأساتذة جامعات بسبب موقفهم من الحكومة السورية، كالصناعي رياض سيف الذي سجن خمس سنوات. أستاذ الإقتصاد عارف دليلة

كما وُجهت اتهامات لشركاته بتسهيل أو المشاركة بشحنات مخدرات إلى عدة دول، السعودية واليونان ومصر وليبيا.

هل ساعد رامي مخلوف فعلاً القيادة السورية؟

استطاع رامي السيطرة على عدة شركات تتعامل مع الحكومة السورية وهي: شركة Maxima Middle East Trading للتجارة والصناعة وشركة Morgan Additives Manufacturing وشركة Pangates International. الاتهامات وُجّهت له باستخدام هذه الشركات لشركة أخرى تُدعى Mossack Fonseca المسجلة في جزر سيشل وفيرجن لتوريد البضائع لسوريا تهرّباً من العقوبات الأميركية، الجزر لا تخضع للقضاء الأميركي. كما اتهم بتأمين جزء من البترول الذي يحتاجه الجيش السوري لآلياتهِ، خاصة وقود المروحية المقاتلة، وزارة الخزانة الأميركية اتهمته بتأمين 1000 طن من هذا الوقود.

هناك اتهامات أخرى بتحويل مكالمات هاتفية لبنانية بشكل غير قانوني عبر سوريا، بمساعدة رجل الأعمال بيير فتوش لصالح سيرياتل.

هنا في ألمانيا وحسب صحيفة Süddeutsche Zeitung الألمانية وتقرير المراسل الإستقصائي Frederik Obermaier: استخدمَ رامي مخلوف الاسم Mossack Fonseca لشركة وهمية وفتح حساب في سويسرا لتمويل الجيش السوري عام 2016.

من الجرائم الكبرى في الدول المتطورة هي “التهرّب الضريبي”. معظم الأغنياء ورجال الأعمال يُحاولون فعل ذلك في كافة الدول، نعم كافة الدول.

كما قلنا؛ التبرعات تأتي عبر الجمعيات “الإنسانية” وإغاثة المنكوبين والمتضررين. نصفُ هذه التبرعات كاذبة أو لا تصل إلى مستحقيها. هذه الأموال المدفوعة معفاة من الضريبة، لهذا نرى كثرة الجمعيات الخيرية لدى الأثرياء. مَنْ يعتقد أنّ ثرياً لا ينام الليل من أجل الفقراء، أو يُصدّقُ أن الملياردير الفلاني أو الزعيم علتان يُصلي ويتبرع بسخاء لإعانة المساكين، عليه أن يُعيد تنشيط ذاكرته ومعلوماته. هي طرق التفاف على وزارة المالية وكسب تأييدٍ ما أو الحصول على أصوات العامة في انتخابات قادمة. أثرياء ومسؤولي سوريا نسخة عنهم، وقد ذكرنا في مركز فيريل للدراسات عن أحد رجال الأعمال في حلب الذي زار ألمانيا والتقيناه مرةً، كيف يتفاخر بأنه لم يدفع جزءاً بسيطاً من الضرائب في سوريا.

كانون الأول 2019، أصدرت الجمارك السورية قراراً بتجميد أصول شركة آبار بتروليوم ش.م.ل Abar Petroleum Service SAL المسجلة في بيروت، وضمنها أصول رامي مخلوف، والسبب: انتهاك لوائح الاستيراد عن طريق تهريب بضائع بقيمة تتجاوز 2 مليار دولار.
قدّرت وزارة المالية السورية مبلغاً مستحقاً لمصلحة خزينة الدولة يبلغ 233.8 مليار ليرة سورية، بسعر صرف للدولار يعادل 514.5 ليرة سورية، بحق شركة سيرياتل، فطالبت وزارة الاتصالات المدير رامي مخلوف بدفع المبلغ بدل احتكار الاتصالات الذي لم يدفع ثمنه حتى الآن، عِلماً أنّ هذا المبلغ تراكمي أي أنه ليس وليد اللحظة ويتم تجديد العقد دون رسوم! ولو أنّ شركة أجنبية كانت صاحبة العقد لكان المبلغ عشرات الأضعاف. أي صمتوا على مخالفات مخلوف منذ سنوات طويلة، واليوم بدأت ولسبب ما المحاسبة!

“لاشك أنّ قضية رامي مخلوف أثّرت سوءاً على الوضع الاقتصادي في سوريا. ولكن قد ينقلبُ هذا التأثير إيجابياً فجأة… “إن” كان التخطيط ومعه الإدارة صحيحة، والغاية من مطاردة رامي غاية وطنية بحتى وليس استبدال “طربوش”.

تحريك ملف الفساد، مهما كانت دوافعهُ، أرعب كافة الأثرياء وتجار الحرب والمسؤولين في سوريا دون استثناء، وبات كلّ واحد يُراجعُ ما جنتهُ يداه خلال سنوات وسنوات. ضربُ أكبر رأس إقتصادي حسب ما يُصنّفُ به رامي، جعل الأصغر منه لا ينامون الليل، ويقفون بجانبه حتى لو كانوا أعداءهم لأنهم ببساطة في مركب واحد.

على القيادة السورية منع سفر ومراقبة معظم الأثرياء المشبوهين في سوريا

الحرب على الفساد أصعب من الحرب على الإرهاب، فالأعداء أقوى ويُسيطرون على المفاصل السياسية والإقتصادية والإجتماعية. لكنّ الأثرياء لا يعلمون أنّ الدولة الحقيقية لا تسمحُ بوجود مَن هو أقوى منها، هؤلاء لم يتعلموا من تجارب الآخرين حتى في الدول الصديقة والرأسمالية.

لم يتعلّم رامي مخلوف وغيرهُ مما جرى مع أغنى رجل في روسيا! رجل الأعمال الروسي اليهودي ميخائيل خودوركوفسكي، الذي أودع السجن بسبب التهرّب الضريبي والفساد لعشر سنوات، واستولت روسيا على شركته للنفط يوكوس، ثم أطلق فلاديمير بوتين سراحه بتاريخ  20 كانون الأول 2013 ليصل إلى هنا في برلين، ويعيش حياة متنقلة غير مستقرة بين بريطانيا وألمانيا وسويسرا. لم يستسلم خودوركوفسكي؛ نشط ضمن صفوف المعارضة ضد السلطات الروسية، فحرّكت موسكو ضده قضية علاقته بمقتل فلاديمير بيتوخوف، رئيس بلدية نفتيوجانسك بتاريخ 26 حزيران 1998، الذي طالب شركة خودوركوفسكي بدفع ضرائب متراكمة يتهرّب منها. نتركُ للأثرياء أن يبحثوا عما حصل مع نيكولاي غلوشكوف وبوريس بيريزوفسكي.

لا يعلمُ الأثرياء أنّهم لا يملكون سوى المال، فلا جيش ولا شعبية لدى النّاس، فكيف يستطيعون مواجهة دولة؟ الحالة الوحيدة لنجاحهم في هذه المواجهة أن يتحدوا جميعاً، لكن هل يمكن أن يحدث هذا؟!!


انتشرتْ تحليلات وتوقعات وبعضها إشاعات لا نتبناها في مركز فيريل لكن “تبادل الطرابيش” أمرٌ واردٌ بقوة. تبادل الأدوار ضمن مسلسل تحطيم الاقتصاد السوري أكثر وأكثر، أو أنّ الدافع هو خلاف السيدة أسماء الأسد مع رامي وتبديل الأدوار بأن يحصل مهنّد الدباغ أو شقيقها أو والدها فواز الأخرس على تسهيلات أكبر، أو أنّ دولة ما تدعمه وترشحه لمنصب الرئاسة، أو الخلاف شكلي وستتم تسوية الأوضاع وعودة الأمور لما كانت عليه. القادم سيثبتُ مدى صحة ما يُقال… كيف؟

ليس هناك حدود للمدى الذي تستطيعُ الوصول إليه الدولة السورية في قضية رامي مخلوف ونظرائه. نستخدم الدولة وليس الحكومة، لأنّ ما يحدث ليس بأمر وزير المالية أو وزير الاتصالات دون شك، هناك دولة تتحرّك بقيادتها. قانونياً، تملك الدولة الحق بالاستيلاء على ممتلكات رامي وفتح دفاتره القديمة وتأميم شركاته. نُكرر تأميم شركاته، وسجنه إلى أن تتم تسوية المخالفات كاملة.

أمام رامي حلّان لا ثالث لهما، البقاء في سوريا ومواجهة الدولة رضوخاً أو تحدياً، والحل الثاني الهرب خارج البلد والانضمام لصفوف المعارضة، ومحاولة التأثير على الوضع في سوريا وهو المُرجح حسب رأي مركز فيريل.

أسلم الحلول أمام رامي هو الامتثال للقوانين ودفع المستحقات. إن خرج قد لا يعود قريباً على الأقل. أسلوب التحدي وإثارة العواطف والغطاء بالتعابير الدينية ومحاولة التفريق وشق الصف، والحديث عن 6500 مساهم والقدرة على تحريك الشارع وتوزيع المبلغ على المحتاجين! كلها فاشلة يا رامي بيك. هذه مبالغ مستحقة أقل بكثير مما يجب أن يدفعه وإجراءات قانونية عليه تنفيذها، أمّا إن أراد أن يُعطي المحتاجين فليدفع من جيبه الخاصّ

مما لا يُدركهُ الأثرياء أيضاً أنهم أوراق تحترق، ويتم التخلي عنهم بسهولة من قِبَل الدول. كانوا أثرياء في بلدانهم يعيشون برخاء وسط عائلاتهم. الطمع والجشع الذي لا حدود له، يجعلهم يطلبون المزيد والمزيد. يأتي دورهم بالمحاسبة بسبب انتشار روائحهم الواخزة، ماذا يفعلون؟ يتصلون بداعميهم في الخارج. الهواتف مغلقة. ليس أمامهم سوى السجن أو الهرب. يهربون ليعيشوا في بلاد لا تحترمهم ولا تُقيمُ لهم وزناً وليس لهم أي نفوذ. أفلا يتفكّرون!

أخيراً

في حالة تمّت تسوية القضية دون رتوش و تبديل طرابيش وبتنفيذ القانون على الجميع دون استثناء، فما يجري هو بداية قوية لمحاربة الفساد فعلاً، وإلا فنحنُ أمام سقطة ضمن سقطات بانتظار “الانقلاب الشامل”. الفاسدون لن يستسلموا بسهولة وستمر على سوريا مصاعب اقتصادية إضافية، لكن مع دخول أول فاسد كبير السجن. ستبدأ الأمور بالتحسّن. أمّا إن انتقلت ملكية بعض الشركات ونقاط النفوذ لأشخاص آخرين، فانطفأ نجم رامي ليظهر نجم أو نجوم آخرين، فالجواب لديك أيها القارئ الكريم. مركز فيريل للدراسات. 20.05.2020