موسكو تتخلى عن الأسد، وتستمر الشائعات!

حرب الشائعات مستمرة

موسكو تتخلى عن الأسد، وتستمر الشائعات! منذ عام 2011 والشائعة واحدة لكن بلون مختلفٍ وتكرار ممل وذاكرة ذباب لدى كثيرين. موسكو تتخلّى عن الأسد! ذاتُ العنوان لم يتغيّر. نعم هناك بعض التغيّرات في العلاقة بين دمشق وموسكو لكنها لا ترقى لهذه الدرجة، فماذا يجري وراء الكواليس؟

حرب الشائعات مستمرة

تداول الإعلام الغربي والعربي بالخط العريض تغيّراً جذرياً في العلاقة الروسية السورية، مستندةً إلى (الصحافة الصفراء) حسب وصف الكرملين، وكما تمنّت وسائل الإعلام تلك موت كيم يونغ أون، وقلنا في مركز فيريل للدراسات أن خبر وفاته الذي أكدته عدة وكالات أنباء، لا يعدو كونه أمنية، كذلك هو خبر تخلّي موسكو عن الأسد، هو أمنية غربية عربية ليس أكثر.

روسيا لم تُصرّح “على العلن” أنها لن تتخلى عن الرئيس السوري بشار الأسد، ودعمها لسوريا كدولة وليس لشخص الرئيس تحديداً، لهذا لو وجدتْ شخصاً آخر يحلّ محلّ الأسد، لتخلّت عنه، لكنها لم تجد ولا تجد على الأقل حالياً. وبالمقابل؛ هل ستبقى سوريا حليفةً لروسيا إن وجدتْ دولةً أخرى بمستوى قوتها، تُحقق لها حماية أفضل وبشروط أيسر؟

بوتين رجل مخابرات وسياسة وهو ليس مغامراً كي يخطو هكذا خطوة غير مضمونة العواقب، فما الذي يضمن له أنّ الرئيس السوري الآخر لن ينقلبَ عليه ويذهب إلى واشنطن؟ فينسفُ كلّ ما بنتهُ روسيا ليس خلال تسع سنوات فقط، بل منذ بداية العلاقات بين سوريا والإتحاد السوفيتي عام 1944… في الوقت الراهن مَن هو المُرشح الذي سيحصل على تأييد شعبي يزيد عن 32% حسب وصف “الصحافة الصفراء”؟ إن كنتَ تعرفُ أيها القارئ الكريم اسماً ما، أخبرنا…  

المقالات التي نُشرت حول الرئيس السوري، تُعبّرُ عن رأي ومصالح رجال أعمال روس وحتى سوريين، خططوا لإعادة الإعمار واستثمارات “إحتكارية” واسعة في سوريا، تقوم القيادة السورية بعرقلة هذه المخططات لأسباب عديدة، منها التروي في إعطاء التسهيلات وتوقيع العقود، وموقفها من إيران والمعارضة السورية… هذا موضوع سنتطرقُ إليه.

توافق روسي أميركي حول الأسد

لا نرى هذه الأيام ضعفاً في تأييد بقاء الأسد حتى من واشنطن نفسها، لكن المطلوب من الرئيس السوري عدة أمور سنبحثها بعد قليل.

المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، James Franklin Jeffrey، يضربُ مرة على الحافر وأخرى على النافر، يُهدد قائلاً 02 أيار 2020: (ستبدأ الولايات المتحدة ستبدأ في حزيران المقبل بتطبيق قانون قيصر ضد الأسد وداعميه، والذي يخولها ملاحقة عدد كبير من المجرمين الذين يقدمون المساعدة… صمود وقف إطلاق النار في إدلب شرط أساسي للوصول إلى حل سـياسي). ويصل تهديده إلى إيران: (واشنطن تدعم بكل الطرق الممكنة، دبلوماسياً ولوجيستياً، الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا).

ثم يعود للغزل: (هناك تفاهمات بين موسكو وواشنطن بشأن سوريا، والاتصالات والتنسيق مستمر). لاحظوا أنه لم يعد هناك أيّ شرط أميركي منذ أكثر من سنتين لرحيل الأسد لإتمام العملية السياسية.

المطلوب من الرئيس الأسد


الحديث عن تفاهمات بين واشنطن وموسكو وإن فسّرهُ البعض زرع الشكّ لدى القيادة السورية، يمكن تفسيرهُ أيضاً بأنه حقيقي لغايات أخرى.

الولايات المتحدة تريدُ الإحتفاظ بتواجد لها شرقي الفرات ولو شكلي، ليكون خطاً يربط بين أربيل والحسكة، والهدف الأول مراقبة روسيا وإيران وتركيا بآن واحد، والثاني التلويح بورقة الإنفصاليين الأكراد كل فترة، كما أنها تستطيع تحريك الوضع كلما احتاجت لذلك ضد دمشق أو بغداد، سواء بدعم الإرهابيين أو الإنفصاليين. هنا يُمكننا القول: لا تُمانع الولايات المتحدة ببقاء الرئيس الأسد، وشرطها الرئيسي؛ إخراج إيران من سوريا. إخراج إيران من سوريا هو مطلبٌ روسي أيضاً، أليس هذا اتفاق بين موسكو وواشنطن؟

إذاً؛ الطلب الأول أن يُخرجَ الرئيس الأسد القوات الإيرانية من سوريا، حتى الآن لم يستجبْ لهذا الطلب.

الطلب الثاني: تريدُ موسكو إشراكَ المعارضة السورية في الحكومة السورية ودخولها مجلس الشعب، بعد إجراء إنتخابات “نزيهة” إعلامياً، والإسراع في عملية الدستور الجديد، والهدف أن تقولَ لأوروبا وأميركا: بدأت العملية السياسية الديموقراطية في سوريا، فارفعوا العقوبات وأعيدوا العلاقات مع دمشق. القيادة السورية حذرة من عملية إشراك المعارضة في الحكم، خاصّة المعارضة الإسلامية لأنّ عمودها الفقري هو تنظيم الإخوان المسلمين المحظور. هنا تتفقُ موسكو وواشنطن على هذا الأمر إلى حدّ ما.

الطلب الثالث: يتعلق بالأول. تريد روسيا أن تلعبَ دوراً أكبر في السلام بالشرق الأوسط بدخولها على خط دمشق تل أبيب. خروج إيران نهائياً من سوريا، سيسحبُ الذريعة الإسرائيلية بقصف مواقع الميليشيات الإيرانية، ويفسحُ المجال لموسكو لفتح ملفّ مفاوضات سورية إسرائيلية. هذا إن حصل، سيؤدي لاستقرار الوضع أكثر في سوريا بشكل عام، وفي ريف درعا بشكل خاصّ، وهو ما تسعى إليه روسيا من أجل مصلحتها أولاً.

الطلب الرابع: الحفاظ على الوضع الراهن مع تركيا وتجنّب أيّ تصعيد جديد. القيادة السورية تسعى لتحرير كامل سوريا بما في ذلك محافظة إدلب، ولقد نفذت المطالب الروسية عدة مرات بإعلان وقف لإطلاق النار، لكنها لم تستجب في مراتٍ أخرى، وهذا أزعج موسكو ووضعها بموقف صدام عسكري مباشر مع الجيش التركي في أواخر شباط الماضي.

الطلب الخامس: هنا تختلفُ الولايات المتحدة مع روسيا. يتعلّق بالوضع الإقتصادي وملف الفساد. الولايات المتحدة لا يعنيها الفساد ما يهمها هو الضغط الإقتصادي على القيادة السورية لتقديم تنازلات، وهي ناجحة في هذا الضغط لكن لا تنازلات سورية، وهو أحد الأسباب التي دعت واشنطن لوصف الرئيس السوري بالعنيد. روسيا تهمها محاربة الفساد وتحسّن الوضع الإقتصادي السوري، بما يحقق مصالح شركاتها بالحصول على الحصة الكبرى من العقود. استمرار الفساد في سوريا مع الأزمة الإقتصادية الخانقة سيحولها إلى دولة فاشلة تُديرها مافيات من الأثرياء، وهذا سيعقد الأمور أكثر بالنسبة لموسكو. هذا الموضوع له علاقة بشكل ما بما نُشر على وسائل إعلام روسية غير رسمية.   

 روسيا لن تتخلى عن الأسد

القرار الروسي بالتخلي عن دعم الرئيس بشار الأسد لا يتخذّهُ طبّاخ أو مُعلّق سياسي صهيوني أو صفحة فيس بوك. هذا قرار يتخذهُ الكرملين بعيداً عن الأضواء والضوضاء، بناءً على المصلحة الروسية العليا وليس مصلحة رجال الأعمال والأثرياء. هكذا قرار غير موجود على الأقل حالياً، والحديثُ عن مقايضات بين موسكو وواشنطن أو إتفاق روسي تركي إيراني أميركي على ذلك، هو وهمٌ ليس أكثر.  

إجتماع الرئيس الأسد بالوزراء قبل يومين كان لتخفيف الآثار السيئة بسبب الحظر الجزئي لإحتواء إنتشار وباء كورونا. كلامه كان واضحاً والأوضح أنه غير راضٍ عما قامت به حكومة تصريف الأعمال. هذه أفضل تسمية للحكومة الحالية. قال الأسد: (الإجراءات التي تمّت على أهميتها زادت السلبيات… فهي وضعت المواطن بين حالتين؛ الجوع والفقر والعوز مقابل المرض. الجوع كنتيحة للفقر والعوز هو حالة مؤكدة وليست محتملة، أما بالنسبة إلى الإصابة بالمرض، لمن يخرج، فهي احتمال. كما أنّ نتائج الجوع معروفة ومحسومة، أما نتائج الإصابة فهي ليست محسومة، فالغالبية تشفى وليس العكس… يمكن الطلب من المواطن استخدام إجراءات وقاية، ولكن لا إجراءات للوقاية من الجوع سوى العمل). الرئيس أعطى توجيهاته بفتح الأسواق للمزارعين لبيع منتجاتهم بشكل مباشر للمواطنين داخل المدن كما حصل في العديد من المناطق مؤخراً، بالإضافة إلى ملاحقة المخالفين وتشديد العقوبات بحق المتلاعبين بموضوع الأسعار والفواتير والاتجار بالمواد المدعومة، ستخلق رادعاً أمام جشع البعض. التنفيذ يقع على عاتق هذه الحكومة والمسؤولين، فهل ستحدث المعجزة ويتم التنفيذ؟

الملاحظ أنّ القيادة السورية لم تتطرق لما يُشاع أو لما نُشر على وسائل الإعلام الروسية والعالمية، حتى قضية رامي مخلوف أوكلتها للوزارة المختصة، وهي قضية نراها في مركز فيريل للدراسات أكبر من حجمها، وتداولها بصورة واسعة يحجب الرؤية عن قضايا أخرى رئيسية ضمن ملف الفساد نفسه. ولنا حديث. مركز فيريل للدراسات. 07.05.2020