هل ستطعن تركيا موسكو وطهران وتعود لحضن واشنطن، والثمن؟ الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center For Studies. Berlin تأكدت المخاوف الروسية من صفقة تركية أميركية حول إدلب والشمال السوري، دون تصريحٍ علني من موسكو. الدعم العسكري واللوجستي الذي قامت وتقوم به أنقرة للإرهابيين في إدلب وشمال حماة، ليس بحاجة لتصريح، فالتسجيل المصوّر الذي بثتهُ “الجبهة الوطنية الإرهابية للتحرير”، واحدٌ من عشرات الأدلة على الغرق التركي في دعم الإرهاب. حيث يرمي إرهابيّ الهاون من مدفعٍ تركي الصنع طرازHY-12، يستخدمُ منظومة “ألكار” من انتاج شركة “أسيلسان”. مدى القذيفة 8 كلم، المنظومة هذه وصلت وحسب معلومات مركز فيريل للدراسات ليد الجيش التركي في شباط الماضي، أي منظومة حديثة جداً، يتم تحديد الأهداف والمواقع إلكترونياً. كما أنّ هناك معلومات تُفيدُ بتزويد تركيا للإرهابيين بعربات مدرعة طراز “فوران” متعددة المهام القتالية، صنع شركة BMC التركية والتي تحملُ مدفعاً عيار 120 مم بتلقيم آلي ودوران كامل 360 درجة مع تغيير وضعية الرمي خلال 9 ثوانٍ.
هل هناك وقف لإطلاق للنار في إدلب؟
هذا الدعم العسكري التي تعرفهُ روسيا، مع تعزيزات عسكرية في كافة نقاط المراقبة التركية في محافظة إدلب، وحشد الجيش التركي لقواته على الحدود السورية باستقدام “الكوماندوز”، سيطر على لقاءاتِ المسؤولين من البلدين، فالاتصالات الهاتفية بين موسكو وأنقرة بلغت7 اتصالات خلال الفترة القليلة الماضية، بين وزيري الدفاع ورئيسي الأركان لجيشيّ البلدين، ليُعلنَ وزير الحرب التركي “خلوصي أكار” بأن رئيسيّ أركان القوات المسلحة التركية والروسية “ياشار غيولير” و”فاليري غيراسيموف” بحثا إجراءاتِ وقف إطلاق النار في إدلب وضمان الاستقرار فيها.
كما اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع مجلس الأمن الروسي لبحث آخر التطورات على الساحة في سوريا، وخاصة في محافظة إدلب.
فهل سنسمعُ بهدنة طويلة الأجل ووقف لإطلاق النار في إدلب؟
تركيا بين نارين
لا تستطيعُ تركيا أن تخرجَ من تحت العباءة الأميركية، هذا ما نراهُ في مركز فيريل فمهما ساءت العلاقات بين واشنطن وأنقرة، فإنّ ما تأمرُ به الولايات المتحدة ستنفذهُ تركيا صاغرةً مهما حاولت الظهور بمظهر القوة ومعارضة القرارات، وهذا ماقالتهُ أنقرة بعد “بروباغندا” الوقوف بوجه واشنطن بخصوص استيراد البترول من إيران: “بصفتنا حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، فإننا نحترم العقوبات ضد إيران“.. مؤكدة أنها توقفت عن استيراد البترول منذ 2 أيار الماضي، وهذه صفعة لطهران من “الأخ” التركي.
بعد انتهاء مدة الأسبوعين الممنوحة لتركيا، قامت واشنطن بتمديدها ثانية حتى نهاية تموز القادم، للتخلي عن شراء صفقة منظومة صواريخ إس-400 الروسية. ألين لورد وكيلة وزارة الحرب الأمريكية قالت: “إذا لم تلغِ تركيا بحلول 31 تموز شراء نظام إس-400، سيتوقف تدريب الطيارين الأتراك في الولايات المتحدة على طائرات إف-35 (الشبح)، وستلغى الاتفاقات مع الشركات التركية المتعاقد معها لتصنيع أجزاء الطائرة الحربية إف-35“.. هذا غيض من فيض مما يمكن أن تفعلهُ واشنطن بأنقرة التي تقول: ” أنتِ أضعف من أن تواجهي الولايات المتحدة، إمّا أو…”.
بالمقابل؛ التصعيد الروسي في إدلب يأتي للضغط على تركيا، وموسكو تقولها أيضاً لأنقرة: “أنتِ أضعف من أن تواجهي روسيا، إمّا أو…”.
بين إمّا و أو، يُحاول أردوغان اللعب على الحبلين، لكنّ سقوطهُ وارد في أية لحظة، وهو أينما توجّهَ سيلقى المصير نفسه، فإن عادى موسكو أو واشنطن، سيتأثرُ وضع بلاده الاقتصادي والعسكري والسياسي وينعكس سلباً على أمنه الداخلي… فأيّ النارين سيختار؟ والأصح: “أيّ خازوق سيختارُ أردوغان؛ الخازوقَ الأميركي أم الخازوق الروسي؟”.
منطقة عازلة شمال سوريا
وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو أكدّ بأنّ التعاون مستمرٌ بشكل جيد بين تركيا والولايات المتحدة في “منبج”، حيث يتم تسيير دوريات مشتركة بين البلدين فيها منذ أيلول 2018.
بومبيو تحدّثَ عن المنطقة العازلة شمال سوريا بأنها ستكونُ لحماية تركيا من أية هجمات إرهابية. كلام الوزير جاء ضمن مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني، حيثُ أعلن أن حماية تلك المنطقة ستكون بيد القوات الأمريكية أو التركية بعمق حوالي 30 كلم داخل الأراضي السورية، وسيتم تفريغ تلك المنطقة من السلاح بحيث لا تشكل أي تهديد لأمن تركيا واستقرار حدودها.
بينما صرّحَ المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا “جيمس جيفري” قبلهُ بأن المنطقة الآمنة المرتقبة في سوريا ستقام على امتداد الحدود مع تركيا، خلال لقائه بوزير الحرب التركي الذي أكدَ وجود مرونة ملحوظة في موقف الولايات المتحدة الأمريكية إزاء إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا.
روسيا في وضع حاسم
بدون رتوش مرت روسيا بوضع قلق في علاقاتها مع تركيا خلال الأسابيع الماضية، وكاد بعض المحللين يجزمون بأنها ستتخذ قراراً حاسماً خطيراً، لكن سياسة الاستيعاب مازالت قائمة، مع وخزاتٍ لأنقرة وتهديدات خفية. حتى اللحظة، وحسب رأينا في مركز فيريل لا قرار حاسم لموسكو رغمَ التواطؤ التركي الوقح، وروسيا مازالت تُراهنُ على أنقرة؟!
المتحدث باسم الكرملين “ديميتري بيسكوف” صرّح بأن الرئيس الروسي ناقش الوضع المتأزم في إدلب مع أعضاء مجلس الأمن الروسي، والذين عبروا عن قلقهم المتزايد من هجمات المسلحين. تابعَ المتحدث بأن المجتمعين حمّلوا تركيا مسؤولية ردع المسلحين عن هجماتهم، مؤكدين بأن موقفهم متوافق مع الموقف التركي، وحثوا على التوصل إلى طريقة لوقف إطلاق النار.
هل سيبقى الموقف الروسي لن يتعدى “وقف إطلاق النار”… ومحاولة جديدة لاستيعاب الموقف التركي باستمرار المفاوضات مع أنقرة، فالحراك الأميركي التركي قد يقلبُ المعادلة القائمة في سوريا. أم سنرى قراراً حاسماً بشن عملية واسعة في الشمال الغربي السوري تخلط الأوراق؟
الأمور كانت واضحةً منذُ آخر اجتماع لـ “آستانا” بمحاولات الوفد التركي التملص من أية التزامات سواء فيما يخصّ تشكيل اللجنة الدستورية أو في ملف إدلب، واقتصرت مطالب الوفد التركي على تبادل الأسرى وملف الانفصاليين الأكراد شمال شرق سوريا. حسب معلومات مركز فيريل، الوفد الروسي كان غاضباً من سلوك الأتراك، فهل يكفي القلق والغضب؟
هل ستتحرّكُ روسيا بقوة؟
مما تعلمهُ موسكو أنّ الاجتماعات والتنسيق بين تركيا والولايات المتحدة يتمّ على أعلى المستويات، واجتماعات الطرفين مع العشائر العربية في دير الزور والتي زار زعماؤها أنقرة في الأسابيع الماضية، مع مظاهرات ضد الوجود الكردي في شرق سوريا، صوّرتها بعض الصفحات على أنها مؤيدة للجيش السوري، بينما هي مؤيدة للجيش التركي!.
مما تعلمهُ موسكو أيضاً أنّ تركيا وقّعت اتفاق خفض التصعيد في إدلب لهدف واحد هو كسب الوقت ومحاولة التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة لإنهاء تحالفها مع الانفصاليين الأكراد.
مما تعلمهُ موسكو ولم تُصرّح به أنّ الهجمات المتتالية على قاعدة حميميم، استخدمت فيها أحياناً طائرات مُسيّرة وصل مداها إلى أكثر من 90 كلم، وتحمل صواريخ ومتفجرات وتُسيّر عن بُعد، فهل بمقدور الإرهابيين تطوير هكذا طائرات؟!!
مما نعلمهُ وتعلمهُ موسكو أنّ “سُمية رجب أردوغان”
تزوجت من “سلجوق بيرقدار” وهو مُهندس الطائرات بدون طيار والمسماة باسمه
“طائرات بيرقدار”، هذه الطائرات ذات مستوى عالٍ من الدقة والتقنية توازي
مثيلاتها من الصناعة الأميركية. النسخة القديمة
دخلت بتسليح الجيش التركي منذ 2015، أمّا النسخة الحديثة من بيرقدار
TB2 فترتفع إلى 8 كلم وتحملُ 150 كغ من الصواريخ
والقنابل ويمكنها التحليق 25 ساعة متواصلة، مع مدى تحليق يصل إلى 6 آلاف كلم.
المؤكد أنّ طائرات بيرقدار شاركت في عمليات الجيش التركي ضد الأكراد في عفرين
وعمليات درع الفرات. الطائرات هذه شاركت بعمليات أخرى، وهو ما ذكرهُ النائب عن حزب
الشعب الجمهوري آران أردام، باستجواب وزير الحرب التركي في البرلمان حول الصفقة
المشبوهة،
بشراء
الجيش التركي لـ6 منها بمبالغ كبيرة… “أردام” سأل: “ألم تُشارك
طائرات بيرقدار في عمليات عسكرية خارج عمليات درع الفرات؟”. لا جواب من وزير
الحرب التركي… التلميح من مركز فيريل واضح: “هل تُستخدمُ هذه الطائرات
انطلاقاً من إدلب من قِبَل الإرهابيين التابعين للمخابرات التركية؟”.
بالتأكيد لن يُجيبَ على سؤالنا مصدر مؤكد…
الصفقة التركية
حسب مسؤول في حزب الشعب الجمهوري هنا في برلين، علم مركز فيريل للدراسات أنّ تركيا تسعى لعقد صفقة مع كافة الأطراف؛ روسيا والولايات المتحدة تحديداً، وهي: “وقف العمليات العسكرية للجيش السوري والروسي والحفاظ على الوضع الحالي في إدلب، وسوف توافق تركيا “لاحقاً” على تسليم إدلب، مقابل إنشاء منطقة عازلة في شمال شرق سوريا وحل القضية الكردية نهائياً”.
القضاء التام على جبهة النصرة، المُصنّفة إرهابية عالمياً، يعني ضعف دور أردوغان في أية مفاوضات قادمة. هنا يبرز الخلاف التركي الروسي، فأنقرة تدّعي أنّ في جبهة النصرة الإرهابية، “إرهابيّون معتدلون”. لا ندري ما هو معنى إرهابي معتدل!! هنا تُفسّرُ تركيا ذلك بالقول: “هو مُسلّح انضم للنصرة لأسباب تكتيكية”!
روسيا من مصلحتها أن يُحرّر الجيش السوري أوسع منطقة ممكنة قبل أية مفاوضات سياسية حقيقية، وتريدُ أيضاً أن تعود الحياة لأسباب اقتصادية إلى الطريق الدولية بين حلب ـ حماة ـ دمشق، وحلب ـ اللاذقية. بالمقابل لا تريدُ موسكو أن تخسر تركيا نهائياً.
الوضع القادم في إدلب حسب مركز فيريل للدراسات
خلال الفترة القادمة، نرى أنّ عمليات الجيش السوري مستمرة. عملية عسكرية شاملة غير واردة حالياً، فالسياسة العسكرية لدمشق وموسكو تقتضي بتحرير المناطق تباعاً، اتقاءً لردة فعل أميركية تتجاوز التنديد والوعيد. بالمقابل؛ هجمات الإرهابيين لن تتوقف. إعلان هدنة أمرٌ وارد إن تأكدت موسكو من صدق نوايا وإجراءات أنقرة، ومخطئةٌ إن قبلت، ومهما حصل ستكون هدنة “هشّة”.
تركيا لم تحسم أمرها بخصوص صواريخ إس 400، وهي تحاول كسب الوقت المتاح حتى نهاية تموز عسى أن تستطيع الخروج من عنق الزجاجة، لهذا نرى أنها ستزيدُ من دعمها للإرهابيين وستقوم بتحريك ملفات عسكرية أخرى ضد الانفصاليين الأكراد في الحسكة والرقة، وضد الجيش السوري في ريف حلب واللاذقية بالإضافة لإدلب وحماة… ولن يُفاجئنا أن تقوم المخابرات التركية بتحريك الوضع الأمني داخل المدن الرئيسية السورية…
الحديث عن حلف روسي سوري إيراني تركي غير واقعي، ولن تستطيع أنقرة أن تُدير ظهرها للناتو، فتغريدة واحدة من ترامب وهو يأوي لفراشه، ستهوي بالليرة التركية… هذه حقيقة الاقتصاد التركي لمَن يتوهمُ أنّ تركيا دولة عظيمة!!
سياسة تركيا “صِفر مشاكِل” مع الجيران، فاشلة. ومهما قيل عن اجتماعات بين جهات أمنية سورية وتركية، فبوادر حلّ أو شبه اتفاق مازالت بعيدة… سوريا لن ترضى ببقاء شبر واحد تحت سيطرة الإرهابيين شمالاً وشرقاً. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. Firil Center For Studies. Berlin. 10.06.2019