الصراع بين التيار العلماني والسلطات الدينية في سوريا. الدكتور إياد مصطفى اسماعيل. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.  

 

العلمانية ليست الإلحاد وليست ديناً جديداً كما يُريدُ أن يفهمها الجهلة ويروّجُ لها رجال الدين الخائفين على الكراسي.

العلمانية هي: فصل السلطات الدينية عن السلطات السياسية، بحيثُ تُصبح الأنشطة الإنسانية والقرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية حرّة، غير خاضعة لديكتاتورية وأهواء السلطة الدينية وقوانينها المبتدعة.

التعبير العالمي هو: Secularism مشتقٌ من اليونانية وتعني (الشعب) وموجودة حتى في اللغة السريانية أيضاً، فكلمة ܥܠܡܐ (نقحرة: عَلما) تعني الانتماء إلى الدنيا والعالم بعيداً عن الروحانيات والماورائيات.




لا توجد دولة عربية علمانية، بما في ذلك سوريا، وتعبير (لا طائفية) الذي استخدمَ في مؤتمر سوتشي الأخير، تعبيرٌ يؤكد ذلك وهروبٌ مفضوح من العلمانية، بل يوحي بالطائفية…

الدكتور إياد مصطفى اسماعيل ومن موقعهِ ومكانتهِ التي نحترمها في مركز فيريل للدراسات، كتبَ مشكوراً:

إذا افترضنا بأن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، وابتعاد رجال الدين عن السياسة، فذلك يتطلب أولاً حركة إصلاح ديني، لأن رجال الدين يعتقدون بقوة بإمكانية تحقيق الدولة الدينية، بل يكاد يكون هذا الحلم هو أساس دعوتهم مهما تطلب الأمر لتحقيق هذه الدولة الدينية، مستندين لمرجعية شرعية في الكتب الدينية الموروثة منذ حوالي ألف سنة.

حاول بعض رجال الدين ومازالوا تنقية هذه الكتب الموروثة من بعض الأحكام التي لا تناسبُ عصرنا الحالي، إلا أن جهودهم قوبلت بالاستنكار ثم التضييق فالتهديد والعزل وأحياناً السجن، وفق قوانين سنّها التيار الديني مثل تهمة ازدراء الأديان… كما حاول بعض المفكرين خارج الدين مناقشة ونقد هذه الكتب من وجهة نظر تاريخية و فلسفية، أيضاً لاقت جهودهم ذاتَ المصير السابق …

هذا المناخ السائد من التضييق على حرية الفكر ومحاربة الفكر العلمي، جعل المفكرين ورجال الدين المتنورين إما أن يلزموا الصمت خشية العقاب، أو يدفعهم للهجرة بعيداً، وهو ما أوضحناه في مركز فيريل حول الشيخ محمد وليد فليون الذي حاربهُ التيار الديني المسيطر، فترك سوريا…

 

أين هي السلطة السياسية (الثورية) من تدخل رجال الدين؟

 

سؤال يجول بخاطرة الكثيرين ممن يقرؤون ما نكتب… بوضوح وصراحة نقول:

لم تعد السلطة السياسية قادرة على لجم الشارع، بعد أن أصبح بيد رجال الدين. كان المجتمع منذ مئات السنين متديناً وعبداً لفتاوى رجال الدين، وعندما كانت تحاول السلطة السياسية إجراء تغييرات نحو حرية الفكر، كانت السلطة الدينية جاهزة لوأد هذه المحاولات إما بالعنف أو بالقانون. كل ذلك زاد من التضييق على الحرية الفردية من قبل كلا السلطتين الدينية والسياسية، فشكلا “حلف الضرورة”:

لا السلطة السياسية قادرة على الإصلاح الديني، و لا السلطة الدينية قادرة على إبعاد السلطة السياسية. هذا الحلف كان واضحاً كل الوضوح أثناء الانتخابات.

كلّ سلطة ثورية تصل للحكم ولا تمضي في إصلاحات الثورة، ولا تضبط الشارع بمعزل عن الدين، فإنها ستصل إلى مرحلة يتخلى فيها رجالها عن العنفوان الثوري ويُجذبون بنِعَم السلطة. هنا ينتشر الفساد في المناصب الكبرى ليصل في النهاية لصغار الموظفين، وهذا ما حصل لدينا… مما قدم للسلطة الدينية الفرصة الذهبية لامتطاء السياسة ودخول حلقة اتخاذ القرار وتدعيم طلائعها المقاتلة، بانتظار أن تحين الفرصة المناسبة للانقضاض واستلام الحكم و تحقيق الدولة الدينية. نقول هذا بكل وضوح:

السلطة الدينية في سوريا تتحيّن الفرصة لاستلام الحكم وتحقيق الدولة الدينية.

 

لكن وبالرغم من حصول ذلك، وتأييده من قِبلِ كثير من القيادات السياسية، إلا أن بعض الرجال الواعين في القيادة السياسية والكثير من المواطنين المخلصين الذين دعموا الجيش، وقفوا في وجه هذا الانقلاب.

مقالة ذات صلة

صُنِعت داعش في وزارتي التربية والتعليم والأوقاف، فكفاكم بُهتاناً. بحث لمركز فيريل للدراسات في برلين

هل فات الأوان وأصبح الفكر الديني مسيطراً، مقابل الفكر العلمي المسحوق؟ لن نجيبَ على هذا التساؤل الإحباطي بانتظار تحرّك قادم… فلابد من تحقيق على الأقل نوع من التوازن بين هذين الفكرين؛ العلمي والديني، ويجب أن تعطى الأولوية للحرية الفردية وحرية الفكر العلمي ودعم البحث العلمي و تأمين العيش الكريم وتحقيق العدالة والمساواة وتعزيز مبدأ المحاسبة، كي يتسنى لأصحاب الفكر العلمي من رجال دين أو المفكرين، أخذ زمام المبادرة و إصلاح كل ما يمكن إصلاحه. عندها فقط يمكن الوصول إلى إبعاد رجال الدين عن السياسة، أي إلى تحقيق العلمانية. 

المتضرر من تحقيق العلمانية هم أصحاب المصلحة الشخصية من محبي السلطة

المستفيد من تحقيق العلمانية، هم المواطنون والمتفانون في خدمة الوطن، الساعون لحياة كريمة… الدكتور إياد مصطفى اسماعيل. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.  

السؤال الأخير: هل اقتربت سوريا من الحكم الثيوقراطي؟! وبمساعدة زعماء ودول صديقة… قد نُجيبُ عليه قريباً.