أوكرانيا، بوتين ومبدأ هاري ترومان. المهندس باسل قس نصر الله
توطئة؛ هاري ترومان هو الرئيس الأميركي الثالث والثلاثون الذي أمر بإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما 06 آب 1945، فلم تستسلم اليابان فأمر بإلقاء القنبلة الثانية على ناغازاكي في 09 آب، وأيضاً لم تستسلم اليابان، فأمر بغارات جوية على طوكيو في 13 آب، فاستسلمت بعدها اليابان. كان يعلم أنّ ما سيقوم به سيقتل نصف مليون إنسان، رغم ذلك نفّذَ جريمته بإدراك تام وإصرار سيكرره كما كتبَ بعد أن وُصفت أوامره باللأخلاقية: (كنتُ أعرفُ ما أفعله. لا أشعر بأي ألم، لهذا وتحت نفس الظروف، سأقوم بما قمتُ به مرة أخرى).
وَقَف الرئيس الأميركي “هاري ترومان” أمام الكونغرس في 12 آذار 1947 ليُعلن السياسة الخارجية لِبلاده الهادفة لحتواء المدّ والضغط السوفييتي على بلدان العالم عن طريق الدعم المالي، سُمي هذا بمبدأ ترومان.
بعد 75 عاماً، تأكد المحللون والسياسيون أنّ الحرب الأوكرانية ستكون حرباً تقليدية بامتياز، تُستخدم فيها الأسلحة البيولوجية التي تمَّ تطويرها خلال عشراتٍ من السنين، وستكون نموذجاً للحروب الجديدة.
كان لكلّ دولةٍ حربها الصغيرة التي جرَّبت فيها الأسلحة التقليدية، وبرأيي أنّ الحرب التقليدية الأخيرة لروسيا كانت في “أفغانستان”، وخرجت منها بعد أن استخدمت الولايات المتحدة ضدها الفصائل الإسلامية المتطرفة، وقد أضافت بذلك سلاح الإرهاب الديني إلى مجمل الأسلحة التقليدية، علماً بأن “بوتين” كان قلقاً من مشكلة الإرهاب في جواره، والذي عاد الرئيس الأميركي “جو بايدن” إلى استفزازه بها عن طريق انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان وإحلال نسخة محدّثة من إرهاب “طالبان”. لم ينسَ “فلاديمير بوتين” ذلك، وكان يدرس التاريخ بنهمٍ كي يفهمَ نقاط الضعف والقوة وطريقة تفكير الخصم الأميركي.
تَوَصَّل بوتين إلى عدة نقاط منها:
فَهِم تماماً أن بلاده ما كانت لتصبح دولة عظمى لولا نتائج الحربين العالميتين، لأن الدول العظمى قد تناقص عددها من مجموعة من الدول، ضَمّت في نطاقها دولاً أضفت عليها المجاملة البحتة فقط لقب الدول العظمى، إلى دولتين عظيمتين فقط هما: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي.
لَمسَ أنّ موقع روسيا الجغرافي، جَعَلَ اعتناق الروس “وَهْم العزلة” أمراً مستحيلاً. إذ ليس لروسيا “حدوداً طبيعية” تحميها مثل المحيطات التي تحمي أميركا، إضافة إلى وجود دولتين فقط بحدود برية معها.
عرف تماماً هواجس الدول التي قرّرت بأن حماية الولايات المتحدة الأميركية هو الضمان الوحيد ضد السيطرة “الروسية” أو “الصينية” التي أقنعوهم بأنها ستصبح أمراً خطيراً لأية دولة في العالم.
يعلم بوتين من دروس الحرب العالمية الثانية، أنّ الرئيس ترومان، صاغ رؤيته لدور الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية كما يلي: “إذا لاحظنا أن ألمانيا تتقدم في الحرب فيجب علينا أن نُساعد روسيا، وإذا رأينا أنّ روسيا هي التي تنتصر، فعلينا أن نساعد ألمانيا، وبهذه الطريقة، نجعلهم يقتلون بعضهم البعض بأكبر قدر ممكن”.
بوتين، الذي كان أول رئيس لجهاز الأمن الفدرالي الروسي FSB الذي حلّ محل KGB والذي قال عنه الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن: (بوتين شخصٌ فخورٌ بنفسه ومحبٌ لبلده. أراد أن تُصبح روسيا ذات نفوذ قوي مرة أخرى، وتمّ وضعه على الدرب، بوتين هذا لا يثق بالولايات المتحدة إطلاقاً).
عاد الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن ووصف بوتين: (فلاديمير بوتين كان مغروراً في بعض الأحيان وساحراً في أوقات اخرى إلا أنه كان صارماً دوماً).
لهذا فالرئيس الروسي متأكد، على عكس كل ما يُقال، أنّ واشنطن وفق مبدأ ترومان، لن تساعد أية دولة في العالم إلا من خلال ضخ المال والمنح العسكرية، لأن الميزة التي يتمتع بها الأميركيون، تتجلى في سخائهم.
حقق بوتين الكثير في الحرب الأوكرانية؛ فقد أفهم الجميع أن أميركا لن تدافع إلا بالمال والتنديد والإستنكار فقط لا غير. لا حرب نووية بل فقط تقليدية ولذلك تحتاج الدول إلى ساحات لتجربة أسلحتها الجديدة.أوكرانيا، المهندس باسل قس نصر الله. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 31.05.2022