العالم 2022، 1937. هل نحنُ قُبيل حرب عالمية؟ الدكتور جميل م. شاهين

العالم 2022، 1937. هل نحنُ قُبيل حرب عالمية؟ الدكتور جميل م. شاهين. 12 حزيران 2022. بشكل أو بآخر، تتشابهُ الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم وإلى حد كبير مع مثيلتها في فترة الثلاثينات من القرن الماضي. فهل نحنُ الآن في مرحلة تحضيرية لحرب كبيرة قد تصل إلى العالمية؟ أم هي مجرد فترة عصيبة ستمر لتصبحَ ذكرى سيئة في التاريخ؟ وإن مرتْ، فكم من الوقت سيمضي قبل قدوم مرحلة مشابهة أشد خطورة؟ سأبحثُ هنا بشكل مختصر أوجه التشابه والاحتمالات.

عندما يصبح ميزان القوى غير مؤكد ينشأ الخطر، لأن كلا الجانبين يمكن أن يتوقع النصر

إنذاراتٌ منذ سنوات

سياسيّون وزعماء ومراكز أبحاث ووسائل إعلام عالمية لم تنقطع تتحدث عن اقتراب الحرب العالمية الثالثة، بينما أكد بعضهم أنها بدأت فعلاً في أوكرانيا. المصادر الشرقية تحدثت كثيراً عن الموضوع، ماذا عن المصادر الغربية؟

لن نبتعدَ زمنياً كثيراً، ونكتفي بما قاله أذكى سياسي أميركي Henry Kissinger قبل خطاب الرئيس باراك أوباما عن “داعش” بتاريخ 11 أيلول 2014. قال كسينجر مبتسماً للمذيع Stephen Colbert الذي طلب طمأنة الشعب عن احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة: (سوف تجد الجواب في كتابي الجديد “النظام العالمي”).  إذا رجعنا لكتاب كسينجر الذي نُشر قبل أيام من المقابلة أي في 09.09.2014 نجد: (ما يسمى نظاماً عالمياً اليوم لم يعد قائماً. نحنُ نعيش قُبيلَ منعطف عالمي خطير سيؤدي لتفكك الدولة الحديثة…).  

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفي لقاء مع صحيفة Ouest-France نُشر بتاريخ 01.11.2018 قال: (إنّ الأجواء التي تعيشها أوروبا حالياً تشبه تماماً الأوضاع في حقبة الثلاثينيات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، من حيث الانقسام والانغلاق القومي وتبعات الأزمة الاقتصادية... تشهدُ أوروبا تفكك كافة النُظم التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى وأزمة 1929 الاقتصادية.)

يختم ماكرون كلامه بالقول:

(نعيشُ الآن زمنَ ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية). 01.11.2018

الإعلام الإسرائيلي أدلى بدلوه أيضاً؛ صحيفة هآرتس العبرية، الخميس 17 آذار 2022: (يقتربُ العالم من حرب عالمية ثالثة، ونحنُ اليوم أقرب إليها من أي وقت مضى).

أشهر موقع تحليلي عالمي، Foreign Policy، نشر في 30 أيار 2022، متحدثاً عن كتاب بعنوان  Victory at Sea “الانتصار في البحر” للكاتب الأميركي Paul Kennedy:

(المعارك البحرية في عام 1945 تتشابهُ كثيراً مع الوضع اليوم. فحاملات الطائرات، ومعها الغواصات والمدمرات والطرّادات، لا تزال هي العامل الرئيسي الذي يتحكّمُ بمسار الحرب. لا تزال الولايات المتحدة الأقوى بحرياً، وهي تُسيطرُ على المحيط الأطلسي وغربي المحيط الهادئ والبحر المتوسط، وهذه مناطق المعارك البحرية في الحرب العالمية الثانية… لكن…).

الصين بدأت تتفوق على الولايات المتحدة في البحر

هذا أمرٌ خطير وأحد مُحرضّات نشوب حرب كبيرة على الأقل بين بكين وواشنطن. كنّا نشرنا قبل أربعة أيام في (العالم هذا المساء من مركز فيريل للدراسات) عن قُرب إبحار حاملة الطائرات الصينية الجديدة من الجيل الثالث Type_003 ، وقبل وقتها المحدد السنة القادمة 2023. وكأن الصين في سباق مع الزمن. حاملة الطائرات الصينية تستطيع حمل 40 طائرة حربية مقاتلة وطائرات نقل ومروحيات. يبلغ طولها 320 متراً، وحجم الإزاحة 100 ألف طن، وتُعتبرُ أضخم حاملة طائرات خارج الولايات المتحدة وتنافسُ حاملات الطائرات الأميركية، وهنا لبّ الموضوع.

تجاوزت الصين الولايات المتحدة في حجم وسرعة بناء السفن التجارية والعسكرية، بل هناك تراجع كبير في بناء كافة أنواع السفن بما في ذلك الحربية في الولايات المتحدة. واليوم تمتلك بكين أكبر أسطول بحري تجاري في العالم يُمثلُ 43,1%، أي نصف سفن العالم التجارية تقريباً، تابعة للصين. كما أنها الأولى عالمياً بعدد القطع الحربية البحرية 777 قطعة، تليها روسيا بـ604، فالولايات المتحدة بـ484 قطعة بحرية. لاشك أنّ قدرة البحرية الأميركية أفضل، ظاهرياً على الأقل، لكن العدد يغلبُ الشجاعة.

مقارنات بين عام 1937 و 2022

أستعرضُ معكم أبرز أحداث عام 1937، وأترك لك؛ أيتها القارئة والقارئ الكريمَين، إيجاد مثيلها هذه الأيام، إن وُجد.

ميثاق سعد آباد لمواجهة السوفيت

بإيعاز من بريطانيا؛ وبتاريخ 08 تموز 1937 تمّ التوقيع في قصر “سعد آباد” في طهران على ميثاق عدم اعتداء بين الدول؛ أفغانستان وإيران والعراق وتركيا. مدة الميثاق خمس سنوات وهو مسجل في عصبة الأمم المتحدة. بريطانيا أطلقت عليه “ميثاق وفاق الشرق الأوسط” ليتحول لاحقاً وحسب تخطيطها إلى حلف لمحاصرة الاتحاد السوفيتي. زعيم الأكراد العراقي “بكر صدقي” صاحب مجازر “سميل” ضد الآشوريين في سوريا عام 1933، رحّب بالحلف لأنه البديل عن العروبة دون أن يعلم أن  بين بنود الاتفاق شرط تركي: (محاربة الأكراد وتعقّب المنظمات الكردية).

استمرار الحرب الأهلية الإسبانية الطاحنة 1937

تواصلت الحرب الأهلية الإسبانية Guerra civil española التي بدأت بعد انقلاب 17 تموز  1936ضدّ الجمهورية الثانية، لتدخل عدة دول فاعلة بالحرب بشكل مباشر، فكانت غارات طيران الجيش الألماني النازي مع إيطاليا، عبارة عن تدريب على الحرب العالمية الثانية.  جرت الحرب بين الجمهوريين اليساريين حلفاء الشيوعية، والقوميين اليمينيين حلفاء ألمانيا وإيطاليا بقيادة الجنرال فرنشيسكو فرانكو General Francisco Franco.

 في هذه الحرب، تبدلت مواقف فرنسا من حيث الوقوف إلى جانب القوميين أي مع ألمانيا وإيطاليا والبرتغال والفاتيكان وضد الاتحاد السوفيتي، فهاجمت مدينة Málaga في 03 شباط 1937، وارتكبت فيها مع الألمان والقوميين الإسبان “مجزرة مالقة” بقتل أكثر من 10 آلاف مدني حاول الفرار من المدينة بعد سقوطها.

  هنا توسعت الحرب الأهلية الإسبانية، فامتدت شمالاً  نحو إقليم الباسك، وشرقاً نحو برشلونة التي استطاع الشيوعيون السيطرة عليها. ليتم تدمير مدن بكاملها بمساعدة الطيران الألماني والإيطالي، ويقتل المئات من الجيش البولوني الذي كان يقاتل بجانب السوفيت.

بعد أن سيطرت قوات فرانكو على الساحل الشمالي والشمالي الشرقي ثم مدريد، وهذا جرى مع بداية العام 1939، كانت فرنسا ومعها بريطانيا أول مَنْ يعترف بحكومة الجنرال فرانكو المدعومة من النازيين في شباط 1939. كما جهّزت الحكومة الفرنسية “مخيمات” للاجئين قبل انتهاء الحرب الأهلية في إسبانيا. أُطلقَ على الحرب الأهلية الإسبانية “بروفة الحرب العالمية الثانية”.

الاتحاد السوفيتي 1937

أهم ما كان يجري عام 1937 في الاتحاد السوفيتي هو “التطهير العظيم” Great Purge. بدأ قبل عام ثم مع إقرار المادة 58-14 والتي تنصّ على  تهمة “التخريب المناهض للثورة”. أمرَ جوزيف ستالين بتصفية كلّ من تثبتُ ضده التهمة، فراح ضحية هذه التصفية 120 ألفاً وهو أقل تقدير لعدد قتلى التطهير، بينما سُجن عشرات وربما مئات الآلاف. تخلّصَ ستالين من معارضيه، أو حتى ممن يُشتبه أن يصبح معارضاً! داخل الحزب الشيوعي نفسه وداخل الكرملين، فأعدم رئيس الوزراء السابق أليكسي ريكوف ووزراء وسفراء سابقين وأعضاء قيادات الحزب وقادة جيش وأطباء… بعد الانتهاء من قيادات كبيرة في الجيش الأحمر  انتقلت المحاكمات إلى قطاعات أخرى رسمية وشعبية، فتصل إلى المثقفين والفلاحين وكل مَنْ اتهم بأنه ينتمي للطابور الخامس. ليتبيّن بعد سنوات طويلة أنّ معظم التهم كانت كاذبة وملفقة، وأشهرها محاكمات موسكو الصورية ضد التروتسكيين ومحاكمة الجنرالات الثمانية في الجيش الأحمر أو قضية Tukhachevsky ، ومحاكمة الواحد والعشرين، الذين حكم عليهم بالإعدام ونفّذَ الحكم مباشرة… كلها كانت تستند إلى وثائق مزورة.

اليابان تحتل الصين 1937

في 07 تموز 1937، أطلق جنود يابانيّون النار على جنود صينيين فيما سمي بحادثة Marco Polo Bridge Incident جسر ماركو بولو في بكين. اليابان كانت تحتل “منشوريا” وعلى مقربة من العاصمة الصينية. بدأت المعركة بين الجيشين وقبل نهاية تموز، استطاع الجيش الياباني احتلال بكين ومدينة تيانجين.  لتحل لاحقاً طوكيو أجزاء واسعة من الصين ويرتكب اليابانيّون مجازر وحشية بحق الصينيين والروس في إقليم منشوريا وكذلك في نان كينغ وغيرها، حيث كان الضباط اليابانيّون يتبارون مَنْ يستطيع قطع الرؤوس بالسيف بسرعة أكبر.

أول هجوم ياباني ضد الولايات المتحدة

حصل أول اشتباك مع الجيش الأميركي، فقصف الجيش الياباني في 12 كانون الأول 1937 الزورق الحربي الأميركي  USS Panayالذي كان يقوم بإجلاء الرعايا الأميركيين في نهر Yangtze في الصين. كما قصفَ ثلاث ناقلات بترول ومنشآت للشركة الأميركية Standard Oil Company, Inc.، ثم اعتذرت اليابان بحجة أنّ العلم الأميركي لم يكن واضحاً فوق الزورق، مع العلم أنّ عدد القتلى الأميركان لم يتجاوز 3 أشخاص.

الولايات المتحدة الامريكية 1937

مع بداية العام، استلم الرئيس Franklin D. Roosevelt ولايته الثانية، وفاز عن الحزب الديموقراطي بنسبة 61%. كانت الولايات المتحدة تمرّ بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها. روزفلت حاول عن طريق خطة New Deal إنقاذ البلاد، فنجح إلى حد ما.

بدأ التقارب الكبير مع الغرب الأوروبي، رغم محاولة روزفلت البقاء على الحياد. ليأتي خطابه الشهير بـ “خطاب الحجر الصحي” في مدينة شيكاغو ضد ألمانيا وإيطاليا واليابان في 05 تشرين الأول 1937، فينسفُ كلّ حياد تدعيه الولايات المتحدة. في الخطاب؛ طالب روزفلت باتباع سياسة عزل الدول الثلاث لأنها تتبع سياسة توسعية استعمارية! واعتبارها دولاً “منبوذة”.

في ألمانيا 1937

استمر تأميم البنوك والشركات لكن تحت بند وضعها قانونياً بتصرف حكومة الرايخ الوطنية الاشتراكية. بينما واصل الجيش نشاطاً كثيفاً في صناعة السلاح، حيث افتتح مصنع طائرات Heinkel-Werke Oranienburg وبخط موازٍ تنشيط الصناعات الأخرى، كبناء السفن وصناعة السيارات، فافتتِحَت في برلين بتاريخ 28 أيار 1937 شركة فولكس فاغن.

بريطانيا وعلى لسان رئيس وزرائها Arthur Neville Chamberlain: الاتحاد السوفيتي أكبر عدو لأوروبا. 1937.

بريطانيا وفرنسا تسترضيان Adolf Hitler كي يقف درعاً في وجه الاتحاد السوفيتي. 1937.

أحداث أخرى هامة في عام 1937

في أيار 1937 استلم رئيس الوزراء البريطاني Arthur Neville Chamberlain منصبه الجديد. تشامبرلن عُرف بالليونة ومحاولة مهادنة هتلر وعقد اتفاقيات معه. والعلاقات مع ألمانيا لم تكن سيئة كما نتخيّل، ففي آذار 1937؛ تمّ التوقيع على “اتفاقية الكوك الدولية” بين بريطانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وبولندا،  أبرمت ألمانيا وبريطانيا العظمى وهولندا وبولندا وبلجيكا اتفاقية حول اتفاقية الكوك الدولية. لإنشاء كارتل لتصدير فحم الكوك ودخلت حيز التنفيذ في أبريل 1937 وكانت حصة ألمانيا هي الأكبر، كله لاسترضاء هتلر كي يقف درعاً في وجه الاتحاد السوفيتي.

13 أيار 1937 وقعت حوادث عنف ضدّ اليهود في مدينة Brest، أقصى غرب بيلاروسيا والتي كانت تتبع آنذاك لبولونيا، أحرق المُهاجمون عشرات المتاجر اليهودية، وأصيب حوالي 50 يهودياً بجراح مختلفة دون تسجيل أيّة وفاة، ولا يمكن مقارنتها بأية حوادث عنيفة كالتي سترد بعد قليل، رغم ذلك اعتبرت الحادثة بعد سنوات “مذبحة” وسميت “مذبحة بريست”! وبُوّبت تحت المصطلح المُصطنع؛ معاداة السامية.

مذبحة البقدونس parsley massacre: جرت في تشرين الأول 1937 ولأسبوعين، ذهب ضحيتها 20 ألفاً في الدومينكان وهايتي، وكانت ضد أصحاب البشرة الداكنة. المسؤول عنها Rafael Trujillo رئيس الدومينكان، وكان القتل من نصيب كلّ مَن لا يستطيعُ نُطق كلمة Perejil بشكل صحيح. الديكتاتور رفائيل ارتكب العديد من الجرائم الأخرى، فحاول اغتيال رئيس فنزويلا بيتانكور، واغتال الكاتب الإسباني غالنديز وألموينا وقتل عشرات من زعماء المعارضة، وحاكَ مؤامرات ضد الدول المجاورة في كوبا ونيكارغوا وكوستاريكا وفنزويلا. عِلماً أنه الرئيس الوحيد الذي فاز  بنسبة أكثر من 100%، حيث تجاوز عدد المصوّتين بنعم، على استفتاء جاء بعد تمرّد 1930، عدد الشعب.

في 06 تشرين الثاني 1937: انضمت إيطاليا إلى معاهدة Antikominternpakt بين ألمانيا واليابان، وهدفها الرئيسي محاربة الشيوعية، تلاها انسحاب إيطاليا من عصبة الأمم المتحدة في 11 كانون الأول.

هل هناك حرب عالمية ثالثة في الطريق إلينا؟ رأي مركز فيريل للدراسات

تتشابه الأحداث الحالية والتي سبقت الحرب العالمية الثانية في نواحٍ عدة، لكن نتمنى ألا تعقبها حرب عالمية ولو بعد حين. بعد مراجعات كثيرة لما سبق الحرب العالمية الثانية، وجدنا حقائق كثيرة تتغاضى أو تزوّرها كتبُ التاريخ، خاصة وأنّ الذي يكتب هذا التاريخ هو المنتصر.  

من خلال ما مرّ، نرى أنّ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة كانت مخططاتها تنصبّ ضد الاتحاد السوفيتي والشيوعية، والهدف الرئيسي كان تدميرهما، لهذا دعموا أودلف هتلر ، أو على الأقل تنازلوا له في عدة محاور اقتصادية وسياسية، عسى أن ينوب عنهم بشعبه وجيشه.

دمروا الشيوعية وفككوا الاتحاد السوفيتي معتقدين أنّ الخطر زال، ويمكنهم السيطرة على العالم وتسييره بما يخدم مصالحهم. لكنّ روسيا عادت وإلى حدّ ما وصلت لمرحلة قريبة من قوة الاتحاد السوفيتي، لهذا أعادوا الكرّة لكن مع عدو لها أضعف من هتلر، وبالتالي هم أمام احتمالين؛ أن يُسلّموا بأنهم ليسوا أسياد العالم، وعليهم تقاسم هذه السيادة مع موسكو وبكين حالياً. والاحتمال الثاني ألا يستسلموا وهذا سيقودنا دون شكّ نحو حرب عالمية بمعنى الكلمة، لكن متى؟ كي نصل لهذه المرحلة هناك: حروب أصغر إقليمية وفوضى عارمة ومجاعة حتى في أوروبا وانهيار اقتصادي عالمي وأوبئة. عسى أن يكون ما ورد تنبؤ خاطئ ويعم السلام المعمورة. الدكتور جميل م. شاهين. 12.06.2022