إسرائيل تضمّ درعا والقنيطرة والسويداء

إسرائيل تضمُّ درعا والقنيطرة والسويداء، إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 24.02.2025 التحركّات الإسرائيلية الأخيرة واحتلالها للمزيد من الأراضي السورية، بموافقة وغضّ أبصار حكومة الأمر الواقع “المحتشمة”، ليست وليدة الساعة أو نتيجة لعملية التسليم والاستلام، بل سبقَ وتحدث عنها زعماء ووسائل إعلام، وأكدتها حكومة نتنياهو مِراراً، لكنها تجنّبت أيّ صِدام مع الجيش السوري آنذاك بانتظار الانهيار التام، وقد حصل.

مُعظم الأحداث الحالية سبقَ وخطط لها الصهاينة علناً وليس سراً، بل نشروا عنها كتباً ومذكرات منها “مذكرات موشيه شاريت” واسمهُ بالعبرية لمَنْ يريد التوسّع؛  משה שרת؛ أوكراني المولد وثاني رئيس وزراء لإسرائيل في الفترة بين عامي 1953 و 1955، أي بعد صديقهِ ديفيد بن غوريون. شاريت هذا ابن عائلة يهودية ثرية أسست تل أبيب على أنقاض تل الربيع المحتلة، يُصنّفُ كصهيوني معتدل، على فرض أنّ بينهم معتدلون. لهذا لم يبقَ بمنصبه طويلاً فعاد بن غوريون للحكم وعاد شاريت وزيراً للخارجية، ما نريد قوله في مركز فيريل بعد هذه المقدمة هو خلاصة الحديث بين الإثنين، والذي يعرفهُ كثيرون من قرائنا الكرام؛ قال بن غوريون مُخاطباً موشيه شاريت، بتاريخ 27 شباط 1954، أي قبلَ 71 عاماً:
(إنّ عظمة إسرائيل ليست في قنبلتها الذرّية ولا ترسانتها المسلّحة، ولكن عظمة إسرائيل تكمن في انهيار دول ثلاث هي مصر والعراق وسوريا. ليست العبرة في قيام إسرائيل بل في الحفاظ على وجودها وبقائها وهذا لن يتحقّق إلاّ بتفتيت سوريا ومصر والعراق)

وردَ هذا أيضاً في وثيقة Karangia Document “خنجر إسرائيل” لعام 1957. وكذلك برسالة إلياهو ساسون إلى موشيه شاريت، 25.03.1954. إلياهو هذا سنتحدث عنه بعد قليل، ولا تستغربوا أين عمِلَ سفيراً، في تركيا. نعم تركيا وهو ابن دمشق، نعم ابن دمشق.

وردت تفاصيلُ التقسيم وتفتيت سوريا والعراق ومصر، بعدة مذكرات لساسة صهاينة وأميركيين، وتنطبقُ إلى حدّ بعيد مع ما جرى ويجري وقد بدأ فعلياً في مصر، طرحنا بعضها في مركز فيريل.

أسرعَ جيش الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على عدة قرى سورية في محافظتي القنيطرة ودرعا فورَ تسليم السلطة بدمشق، مستغلاً الظروف السياسية والعسكرية وحالة الانهيار الشعبي قبلَ العسكري، ومترافقاً مع تدمير شامل لكافة مواقع وأسلحة الجيش السوري، بينما لم تتجرّأ حكومة الأمر الواقع على الشجب فقط، أمّا “جماعة التحرير” الذين ملأوا الدنيا صراخاً وتكبيراً  وأنّهم لن يتوقفوا إلا في القدس، فقد توقفوا وناموا على أرائك بشار الأسد في قصور “الشعب”، بينما القطعان مازالت خارج أسوار القصور تُهلّلُ للنصر الكبير!

أقام جيش الاحتلال باعترافهِ، 9 قواعد عسكرية ثابتة على الأرض التي احتلها بعد 08 كانون الأول 2024، بينها قاعدتان في جبل حرمون. بينما وافق نتنياهو، بتاريخ 15 كانون الأول 2024، على خطة تقضي بمضاعفة عدد سكان الجولان المحتل، بقيمة مبدئية 11 مليون دولار كمساعدات للمستوطنين الجُدد، أسماها “التنمية الديموغرافية للجولان”، هل سمعتم بها أو نقلتها وسيلة إعلام سورية؟  

فجأة تُصبحُ السويداء وسكانها “محمية” إسرائيلية، بعد تهديد بنيامين نتنياهو بمنع انتشار قوات تنظيم القاعدة “جبهة النصرة” الحاكمة لسوريا، مؤكداً التزام إسرائيل بحماية أهل السويداء من التهديدات الإرهابية، بنفس الوقت؛ أعلنت ميليشيات عسكرية هناك، تشكيلَ مجلس عسكري منفصل وعدم رغبتها الانضمام إلى الجيش السوري الجديد. هذا عكس ما سبقَ وأعلنت عنهُ ميليشيات ببداية العام الحالي 2025 ومنها “رجال الكرامة” و “لواء الجبل”، ضمن خارطة طريق لبناء وطنٍ قائم على العدالة وسيادة القانون، وبنبرة وطنية خالصة تؤكد ضرورة بناءِ “جيش سوري” غير طائفي أو فئوي، وأيّ قانون وعدالة تُبنى مع إلغاء الدستور وتنصيبِ التُبَع قيادات في جيش النصرة الجديد، بدوافع طائفية بحتة؟

خلال حفل دورة ضباط جيش الاحتلال يوم الأحد، أكّدَ مجرم الحرب نتنياهو أنّ جيشه سيبقى في جبل حرمون والمنطقة العازلة جنوب سوريا إلى أجل غير مسمى، وبنفسِ الوقت أمرَ حكّامَ الأمر الواقع بسحب عناصرهم من درعا والسويداء، فامتثلوا فوراً لأوامرهِ، وهدد بأن تل أبيب لن تسمح لهيئة تحرير الشام أو قوات النظام الجديد بالانتشار جنوب مدينة دمشق، كما أكد التزام إسرائيل بحماية الدروز في سوريا، وعدم التسامح مع أي تهديد ضدهم.

كانت السويداء قد خرجت على النظام السابق عدة مراتٍ، لكن بدموية أقل، ولاقت تعاملاً خاصّاً منه، حالياً وبسبب ضعف الخبرة السياسية والعسكرية والطائفية العلنية، وفّر الحُكّام الجدد الشروطَ التي يبحثُ عنها نتنياهو وقريباً سيجدُ السبب المباشر للتدخل المباشر وتنفيذ “ممر داوود”، هذا إن أحسنّا الظنّ بهم.

لوحظ بالبيان الصادر عن فصائل السويداء تعبير وطني هام آخر؛ “دمشق عاصمة سوريا الأبدية”، هذه إشارة صريحة لما يُخطط لهُ ونشرنا عنه في مركز فيريل من نقل العاصمة إلى الشمال.

وكما أُعلن بعدة مناطق في سوريا ومنها الساحل عن تشكيلات طائفية معيّنة، بعضها مسلح تحت عناوين برّاقة مثل المقاومة السورية، ولغايات انفصالية بحتة يقودها أناسٌ مجهولي النسب والهوية؛ جرى الإعلان في السويداء أيضاً عن تشكيل مجلس عسكري، مع دعواتٍ لحاملي السلاح للاجتماع بتاريخ 13.01.2025، لكنّ الفصائل المسلحة الرئيسية رفضت أية علاقة بهذا البيان المشبوه، ووُصِفَ المجلس العسكري بأنّهُ غير شرعي، وهذه نُقطة تُحسب لفصائل السويداء.


حتى اللحظة، محاولات تقسيم سوريا تصطدم بتيار وطني سوريّ قوي، من كافة الاتجاهات والانتماءات. إلى متى سيصمدُ هذا التيار وهل سيلقى دعماً جماهيرياً وإقليمياً واسعاً؟


ظهرَ تعبير ممر داوود حديثاً رغم أنّه مشروع “مرحلي” قديم. والمقصود به؛ خطٌّ جغرافي توسعي صهيوني يربطُ شمال فلسطين بشمال العراق عبر سوريا، وتقوم إدارة دونالد ترامب بمساعدة نتنياهو على تنفيذه بمساعدة حكومات المنطقة دون شك. يصبُّ المخطط هذا في مشروع إقليم الأنبار السني الذي يتصدى للخطر الإيراني، والأهم التصدي للصين.

قاعدة التنف التي تأسست في 03 آذار 2016، بالتنسيق بين المخابرات العسكرية الأردنية والأميركية، كانت أول نقاط تنفيذ ممر داوود وحمايته.

أمّا سهم باشان فهو تسمية العمليات العسكرية الصهيونية التي شملت 480 غارة جوية على مواقع الجيش السوري، وتدمير كامل سلاح الجو والصواريخ تحت عيون ومرأى السلطات الحاكمة. باشان منطقة مستوية في حوران والسويداء، ذات تربة بركانية خصبة تبعاً للتسمية العبرية والتزوير التاريخي، والمقصود أنها أرض إسرائيلية عِلماً أنها تاريخياً وحقيقة بدون تزوير، هي مملكة كنعانية “فينيقية” تعني الأرض المنبسطة باللغة الكنعانية، ثم أصبحت تابعة لمملكة آرام دمشق، وبعدها للغساسنة بنو أزد.

هنا يتم الخلط بين الرواية الدينية “الخيالية” والحقيقة التاريخية، فرواية تل أبيب “الخرندعية”، سفر التثنية، تقول: سُمّيَ ملك هذه المنطقة باسم عوج بن عوق Og، وكان عملاقاً قادماً من الشرق! نجا من طوفان نوح لأنه طويل القامة! لكنه قُتِلَ على يد موسى بأمر من الله!! إنها رواية كوكتيل لا ينفعُ حتى في قصة خيالية.  

نُكرّر رأينا في مركز فيريل؛ ما يحدثُ في سوريا حالياً، هو تكلمة لما بدأ فيه النظام السابق ولا جديد. الجولاني وحكومته وأتباعه هم استنساخ سيء للسابقين، وما عجزَ عنه بشار الأسد أو “ربما” رفضهُ علانية، يفعله وسيفعلهُ الجولاني وحكومته دون تردد. ويا طير الطاير. الحكام الحاليّون يأتمرون بأوامر أنقرة وتل أبيب، وهي واحدة مهما حاول الباب العالي التظاهر بإسلامه الكاذب.

قبلَ مسرحية التسليم والاستلام بشهرين، صرّح رجب طيب أردوغان بتاريخ 09 تشرين الأول 2024:

(هناك تحرّكٌ عسكري إسرائيلي نحو دمشق. الأطماع الصهيونية لا تقتصر على سوريا بل على الأراضي التركية أيضاً، بعد استيلائها على فلسطين وسوريا ولبنان)

في اليوم التالي لتصريح أيردوغان، ويا سبحان الله؛ توغلت أربع دبابات إسرائيلية بدءاً من 11 تشرين الأول 2024، وجرّفت أراضٍ زراعية ضمن المنطقة العازلة 1974، في محافظة القنيطرة، قرية كودنا، تل الأحمر. وقتها نشرنا عن الأمر فثار علينا “عاشقو” النظام السابق تكاكاً كما يثورُ غلينا عاشقو الجولاني اليوم. أمّا ماذا فعل بشار الأسد يومها؟ ما يفعلهُ اليوم الجولاني. ويا طير الطاير.

التحركات الإسرائيلية كانت فاضحة لما سيجري، حيث أزالت منذ 15 تشرين الأول 2024 حقل ألغام كامل من الشريط الحدودي في تلك المنطقة، لماذا؟

نعودُ الآن لما ذكرناهُ سابقاً عن إلياهو ساسون؛ هو سياسي ووزير إسرائيلي وُلِد في دمشق 1902، أيام الاحتلال العثماني لسوريا، مع بلوغه الثامنة عشرة وبمساعدة الباب العالي في آخر أيام العثمانيين، دخل التنظيمات اليهودية المتطرفة، ثم الوكالة اليهودية.  

الوكالة اليهودية يا سادة؛ هي حركة صهيونية، مَنْ أنشأها؟ السلطان العثماني عبد الحميد الثاني خليفة المسلمين، عام 1908 في يافا، باسم “مكتب فلسطين”، وعملها كان شراء أراضٍ من الفلسطينيين بأسعار زهيدة، بعد تهديدهم برعاية عثمانية “مباركة” وبدعم مالي من الصندوق القومي اليهودي، ومَنْ يا سادة أنشأ الصندوق القومي لليهود؟ الأتراك طبعاً عام 1901 وتحديداً بأوامر خليفة المسلمين “العظيم”. مقرُّ الصندوق في القدس وتحت حماية الاحتلال العثماني، ويرأسهُ ثيودور هرتزل صديق عبد الحميد الثاني.

بعد هذا التوضيح الضروي، نعود لإلياهو ساسون، الذي وبعد انضمامه للوكالة اليهودية بدأ بالترقي السريع وهجرته إلى فلسطين عام 1927، بسبب التضييق الفرنسي على نشاطاته وشكوك بكونه جاسوساً بين أنقرة ولندن ضد باريس. قابلَ إلياهو في فلسطين موشيه شاريت، ليُصبحَ مُساعدهُ وذراعه اليمين.

مع قيام دولة إسرائيل، فجأة أصبحَ إلياهو ساسون سفيراً لها في تركيا، ليكون أول سفير في أول دولة إسلامية تعترفُ بإسرائيل رسمياً، في آذار 1949. بعدها أصبح وزيراً لدى بن غوريون ثم أرسلَ إلى رئيس وزرائه المؤقت موشيه شاريت، بتاريخ 25 آذار 1954، مشروع تقسيم سوريا والعراق ومصر، قبل أن يصيبهُ شلل نصفي يُقعدهُ عن العمل ويموت لاحقاً.

لحظة؛ لم تنتهِ القصة بعد، ابنُ إلياهو ساسون هذا أيضاً أصبحَ سفيراً لإسرائيل في تركيا، وهو الذي ذكرناه ويُدعى موشيه إلياهو ساسون، بعدها سفيراً لإسرائيل في مصر حتى 1987، وشاهداً على أحداث كبيرة؛ تدمير المفاعل النووي العراقي 07 حزيران 1981، اغتيال أنور السادات 06 تشرين الأول 1981، وكان يجلس خلفَ السادات ولم يُصبْ بأذىً يا سبحان الله، ثم احتلال لبنان 06 حزيران 1982.  

ما يجري حالياً لا يخرجُ كثيراً عن السيناريو المكتوب إلا باجتهاداتٍ شخصية لأبطال المسلسل. الجولاني، وهذا اللقب الذي نستخدمهُ في مركز فيريل إلى أن نجدَ اسمه الحقيقي، وقد لا نجدهُ، الجولاني دُعيَ إلى مؤتمر القمة العربية “الشامخة” في القاهرة، وقد يذهب، بل عليه أن يذهب. رغم أنّ البيان الختامي لأشاوس الأمة العربية الإسلامية، قد وصلَ للتو من واشنطن بعد تدقيق تل أبيب، لكن على الجولاني تنفيذ الأوامر التالية، كي يتمَّ الاعتراف به رسميّاً وهذه معلومات خاصّة بمركز فيريل للدراسات:

 توطين 200 ألف فلسطيني على الأقل في ممر داوود حتى الشدادي

الانسحاب من الجنوب السوري بعد افتعال مناوشات في درعا والسويداء لتبرير احتلال الجيش الإسرائيلي.

أخيراً الاعتراف بإسرائيل ضمن حدودها القادمة، أي التنازل عن كلّ شبر  تريده حالياً تل أبيب، والتطبيع وقد بدأ بزيارات أتباع الحاخام “أبراهام حمرا” وابنهُ بنيامين صديق الجولاني، والرسائل بينهما أمر قديم لمَنْ يريد أن يعرف.

بعد أن يُنفّذَ الجولاني وحكومة تصريف الأعمال ذلك، تأتي المرحلة التالية. لهذا بقاؤه يرتبطُ بتفيذ الأوامر، ومعها الاعتراف به دولياً، وحتى حصوله على جائزة نوبل، فلا تسغربوا، وإلا. مركز فيريل للدراسات 24.02.2025