هل يلتقي الأسد بأردوغان قبل حزيران؟ الدكتور جميل م. شاهين. الجزء الأول. مركز فيريل للدراسات. 09.01.2023.

هل يلتقي الأسد بأردوغان قبل حزيران؟ الجزء الأول. الدكتور جميل م. شاهين مركز فيريل للدراسات. 09.01.2023.

بعد اجتماعات أمنية سرية لم تنقطع طوال 11 عاماً رغمَ القطيعة الإعلامية، عادت تلك الاجتماعات إلى الأضواء لكن على مستوىً أعلى وبرعاية ومشاركة روسية مباشرة، تُوّجت في 08 كانون الأول الماضي باجتماع موسكو، الذي ضمّ وزير الدفاع السوري علي محمود عباس ونظيره التركي خلوصي أكار  ورئيسي المخابرات علي مملوك وهاكان فيدان برعاية وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. لم يكن الاجتماع مفاجئاً، فقد سبقهُ سيل من التصريحات سواء من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو وزير خارجيته وغيرهما من المسؤولين الأتراك، انصبت كلّها ضمن سياق التقارب مع تصريحات مماثلة لكنها شحيحة من دمشق. بعد هذا؛ إلى أين ستمضي الأمور وما مصلحة سوريا وتركيا ومواقف الدول الرئيسية، بالإضافة لمحاور أخرى نناقشها هنا “ضمن الحدود” ونزولاً عند طلب عشرات الرسائل التي وصلتنا من قرائنا الكرام.

هل من تغيير في الشروط السورية والتركية؟

لاشك أننا لا نعرفُ بنود الاتفاقيات التي قد يتم التوقيع عليها أو وُقّعت فعلاً، بما في ذلك اتفاقية أضنة2 والتي طالما تحدثنا عنها في مركز فيريل للدراسات. ما نكتبهُ هنا هو تحليلات سياسية ونظرتنا للموضوع، مع بعض المعلومات التي نحصلُ عليها هنا في برلين، خاصة من الجانب التركي وبطريقتنا.

حديث عن انسحاب الجيش التركي من المناطق التي يحتلها، هل حصل هذا فعلاً؟ بعد أن ينسحب آخر جندي تركي سنقول أنه حصل، قبل ذلك كلّه كلام استهلاكي رغم تأكيد وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو: (سنخرج من سوريا عندما يحصل فيها الاستقرار السياسي).

الكلام واضحٌ هنا أنّ تركيا تراجعت عن بعض شروطها ظاهرياً على الأقل والتي كان أولها؛ إسقاط الأسد. هذا الحديث بات من الماضي، حتى إشراك الإخوان المسلمين في الحكم أصبح موضع بحث، فتنظيم الإخوان صُقلَ وقاموا بتغييرات خارجية عليه بما يُرضي السعودية والإمارات ومصر، حيث استغنت أنقرة عن خدمات عشرات المعارضين من الإخوان.

إشراك سياسيين في الحكومة السورية القادمة “القريبة” محسوبين على تركيا وارد بقوة، عِلماً أنّ أمثال هؤلاء لم يغيبوا يوماً عن الكراسي، والوجوه معروفة سياسياً واقتصادياً وحتى فنّياً. فلا تتفاجؤوا ولا تنزعجوا.

من الشروط التي رشحت عن اللقاءات السورية التركية؛ فتح الأسواق السورية أمام البضائع التركية. ومتى كانت الأسواق السورية مُغلقة أمام تلك البضائع؟ وها هو رئيس (اتحاد غرف التجارة السورية) محمد أبو الهدى اللحام يقول يُصرّحُ: (البضائع التركية تغرق الأسواق السورية على الرغم من الحملات الحكومية التي تدعو لمقاطعتها. التهريب والتزوير وجد منفذاً لإغراق السوق السورية بها).

إذاً هناك إلى حدّ ما تراجعٌ في شروط الطرفين، مما يُقرّبُ احتمال التوافق أكثر من قبل، دون أن يُحتّمهُ.

هل ستخرج تركيا من الأراضي التي احتلتها؟

مَنْ يقرأ التاريخ التركي يُدرك أنّها لا تخرجُ من أرض احتلتها إلا بالقوة، لهذا نرى في مركز فيريل للدراسات أنّ كلام وزير خارجيتها مجرد وعد من “مُحتل” ولن يُحققهُ إلا بالقوة. تركيا زرعت عيونها و “عَلَمها” في الشمال وتنتظرُ جني الثمار بعد سنوات، تماماً كما زرع العثمانيون بذورهم في سوريا وهم يحصدون منذ سنوات.

للتذكير فقد نشرنا عن الموضوع، راجعوا البحث، ماذا قال رئيس مركز الدراسات التاريخية التابع للحكومة التركية يوسف هالاج أوغلو؟ وهو رئيس الكتلة النيابية عن حزب الحركة القومية ثالث الأحزاب في البلاد ولهُ 80 مقعداً في برلمان 2015، حليف حزب العدالة والتنمية. ماذا قال أوغلو هذا؟ (من حق تركيا أن تسترجع الموصل وكركوك إذا قررت واشنطن تقسيم العراق لأن الأتراك تركوا الموصل وكركوك لدولة عراقية موحدة).

رجب طيب أردوغان نفسهُ ماذا قال في تشرين الأول 2016 أمام تجمع لأنصاره بمدينة بورصة؟ قال: (إنّ حلب والموصل وكركوك كانت تابعة لتركيا حسب الميثاق الوطني لجمال أتاتورك الذي تخلى عن هذه المناطق).

الساذج مَنْ يُصدق أنّ الأتراك دون استثناء قد غيّروا أهدافهم وتراجعوا عن أطماعهم هكذا بين ليلة وضحاها. تركيا غيّرت جلدها فقط، ومَنْ يثق بتركيا عليه فحص ملكاته العقلية.

لماذا تتريث سوريا في مسار التّطبيع؟

بوادر التراجع التركي عن شروط أردوغان “الخطابية” وأنه سيصلي في المسجد الأموي إلخ…، بدأت منذ التدخل الروسي عام 2015. حاولَ الروس عدة مرات بما في ذلك فلاديمير بوتين شخصياً جمع رئيسي البلدين، ولم تنجح تلك المحاولات بسبب الرفض السوري. حدثت اجتماعات أمنية عدة مرات، كشفتها الصحافة التركية بينما التزمت دمشق الصمت وأحياناً النفي.

الحذر السوري مشروع ومُبرّر، لُدغت دمشق مرة من أنقرة. أن تُلدغَ مرة ثانية ومن نفس الجحر؛ فسيكون من المؤكد ساعتها أنّ السياسة السورية هي المسؤول الأول عن الأخطاء القاتلة القديمة والقادمة…

لا تثقوا بالأتراك؛ ودليلنا الحديث جداً هنا؛ في الوقت الذي تتقاربُ فيه دمشق وأنقرة، يطلعُ علينا مستشار أردوغان البارحة الأحد 08.01.2023 بتصريح “وقح” حول حلب. نعود لهذا الموضوع أيضاً في الجزء الثاني.

إلى أي مدى تُعارض واشنطن؟

يمضي البعض إلى أنّ كل تحرّك سياسي في العالم يجب أن يحظى بموافقة واشنطن أولاً، بينما على النقيض، يتحدث آخرون عن استقلالية قرارات الزعيم الفلاني أو الدولة الفلانية وأنها وقفت في وجه الولايات المتحدة.

لا هذا ولا ذاك. لا يمكنُ مقارنة الولايات المتحدة كانون الثاني 2023 بالولايات المتحدة كانون الثاني 1991، ومَنْ عاش تلك الأيام يُدرك الأمر.

الدور الأميركي تراجع وضعفَ لكنه مازال مؤثراً بصورة متباينة بين دولة وأخرى، فهو فعّال حالياً في أوروبا أكثر، وهذا نلمسه ولمسناه في الحرب الروسية الأوكرانية. كما أنّه متباين في دول الشرق الأوسط التابعة نفسها.

من هنا نرى في مركز فيريل أنّ المعارضة الأميركية لأيّ تطبيع مع سوريا، لم تعد بهذه القوة. تراجعت من مرتبة أوامر إلى مرتبة تحذير، لكنها موجودة.

كمثال هنا؛ المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحافيين بتاريخ 04.01.2023: (نحنُ لا ندعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد، الديكتاتور الوحشي نحضّ الدول أن تدرس بعناية سجل حقوق الإنسان المروّع لنظام الأسد على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، في الوقت الذي يواصل فيه ارتكاب فظائع ضد الشعب السوري، ويمنع وصول مساعدات إنسانية تُنقذُ حياة محتاجيها في المناطق الخارجة عن سيطرة قواته).

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اليوم التالي أي الخميس 05 كانون الثاني 2023: (قد أجتمع مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل السلام في المنطقة. نجمعُ وزيري خارجيتنا معاً ثم بناءً على التطورات سنجتمع على مستوى الزعماء). أليس هذا خروج عن الأوامر الأميركية؟

ماذا تستفيد الإمارات المتحدة من لعب دور الوساطة؟

بعيداً عن شعارات “الأخوة” والمصير المشترك و “الدّين الواحد” التي أُتخمت بها “حوصلة” السوريّين.

الإمارات تبحثُ عن دور سياسي هام. بحيادية أقول: نجحت الإمارات المتحدة عدة مرات حيث فشلت دول أكبر.

أبو ظبي تنوبُ بنفس الوقت عن الرياض والقاهرة، وإلى حدّ ما تل أبيب، بلعب هذا الدور، فإبعاد سوريا عن إيران وإضعاف النفوذ الإيراني المتنامي، أحد أهم الأهداف. عِلماً أنها تقود بنفس الوقت وساطة بين الرياض ودمشق وبالتالي بين دمشق والقاهرة.

أبو ظبي تريد أن تحجز لها دوراً في عملية إعادة الإعمار في سوريا، وهذا مكسب مادي واجتماعي وسياسي لها.

هذه معلومة مقتضبة من مركز فيريل للدراسات، قد نبحث تفاصيلها يوماً: (ستلعبُ الإمارات دوراً ما بين تل أبيب ودمشق، دور يتجاوز الحديث عن عظام كوهين).  من هنا نرى أنّ الموقف الإماراتي لا يحتاجُ بالضرورة لضوء أخضر أميركي طالما هناك تنسيقٌ ما مع تل أبيب.

ماذا تستفيد دمشق من التقارب مع تركيا؟

تطبيعُ العلاقات الديبلوماسية مع أية دولة هو خرقٌ للأوامر الأميركية والعزلة المفروضة على سوريا، فكيف إن كانت تلك الدولة عضو في الناتو؟

 التطبيع يعني “حلحلة” الحصار الاقتصادي أيضاً والقوانين المفروضة، بعد أن وصلت الحالة المعيشية للمواطن السوري إلى مرحلة الجوع بمعنى الكلمة وتجاوزت نسبة الفقر 80%. هنا لا يصح التفاؤل المفرط، وسنعود لهذا الموضوع بعد قليل.

التقارب يعني تحرير الأراضي التي يحتلها الجيش التركي دون قتال وفقد المزيد من الأرواح والعتاد، ويعني أيضاً توقف تركيا عن دعم المجموعات الإرهابية وسرقة المعامل والآثار والمنتجات الزراعية، ولا يعني أنّ المجموعات الإرهابية ستمتثل لأوامر أنقرة وتُسلّم سلاحها طواعية. معارك ضارية قادمة إن تمّ الاتفاق.

التقارب مع أنقرة، يعني القضاء على مشروع الانفصاليين في الجزيرة السورية المحتلة ومحافظتي دير الزور والرقة. أو على الأقل؛ تحالف ضد الانفصاليين.

ماذا تستفيدُ تركيا من التقارب مع سوريا؟

لاشك أنّ تركيا هي الرابح الأكبر مما جرى في سوريا على كافة الصعد، تماماً كما تربحُ من الحرب في أوكرانيا. لديها أوراق كثيرة تلعبها مع معظم الدول بما في ذلك سوريا، أوراق مع روسيا وإيران والإمارات والسعودية والولايات المتحدة وغيرها. نلقاكم في الجزء الثاني. هل يلتقي الأسد بأردوغان قبل حزيران؟ الجزء الأول. الدكتور جميل م. شاهين مركز فيريل للدراسات. 09.01.2023.

اقرأ أيضاً:

One thought on “هل يلتقي الأسد بأردوغان قبل حزيران؟ الدكتور جميل م. شاهين. الجزء الأول. مركز فيريل للدراسات. 09.01.2023.

Comments are closed.