بعد فشل الإخوان المسلمين، أرباب بريطانيا والولايات المتحدة، في السيطرة الكاملة على دول الربيع العبري كمصر وتونس وليبيا، وبإدارة كاملة مشتركة من قطر وتركيا، بينما فشلوا حتى الآن في سوريا، وأول محطات فشلهم كانت مدينة حلب التي كان مخطط لها أن تكون “عاصمة الإخوان المسلمين”. يمكننا القول:
(النسخة القديمة للإخوان المسلمين في سوريا انتهت، وهم اليوم يعودون بحلّة جديدة ومؤامرة مُبتكرة).
الإخوان المسلمون أفعى سامة تُبدّل جلدها بشكل مستمر، هذه الأفعى موجودة في الداخل والخارج…
الإخوان المسلمون أفعى سامة تُبدّل جلدها بشكل مستمر، لتتماشى مع المتغيرات السياسية والميدانية والعسكرية والحسابات الإقليمية وتعقيدات الملف السوري، فالإخوان المسلمون مع وضد بآن واحد؛ مع الأكراد وضدهم، مع داعش وضدها، مع النصرة وضدها، مع التحالفات الدولية وضدها، أي بتعبير عامّي (حسب السوق منسوق). لهذا يقوم هذا التنظيم الإرهابي بابتكار طريقة جديدة وقديمة للعودة إلى الساحة عبر بوابة الدوحة وأنقرة وبأوامر من واشنطن، بطريقة خبيثة.
واشنطن تُعيد انتاج الإخوان المسلمين في سوريا والعالم
كانت وستبقى واشنطن الراعي الأكبر لكافة الحركات الإسلامية الأصولية والإرهابية، ولا تنخدعوا أبداً بما تقوله ضد الإخوان المسلمين، هي تقوم بإعادة تصنيع تنظيم الإخوان المسلمين بما يلبي مصالحها ويخدم سياساتها، في مصر والعراق واليمن وليبيا وفلسطين والسودان وتونس وســوريا.
جاء الخلاف القطري مع السعوديين والإماراتيين، والتهمة الساذجة “تقارب قطر مع إيران”! بعد أن وصلت شعبية تنظيم الإخوان المسلمين إلى الحضيض، حتى بين صفوف المسلمين السلفيين والمتطرفين،
فجأة بعد زيارة ترامب، تنقلبُ الأمور رأساً على عقب! وبعد أن تم تحييد تركيا من قبل الروس وإبعادها عن الولايات المتحدة في الملف السوري، خاصة بعد الانتصار في حلب.
الهدف من هذه الغوغاء الإعلامية هو تحضير تنظيم الإخوان المسلمين للمرحلة الجديدة، من خلال إعادة العلاقات بين الدوحة من جهة وموسكو وطهران من جهة أخرى، ليتم الدخول في العملية السياسية في سوريا عن طريق الحلفاء، كما يحدث في أتفاق الأستانا حالياً، حيث أنّ تركيا، وهي الراعي الأكبر للإخوان، مفاوض أساسي وضامن للإرهابيين في مناطق خفض التوتر.
استطاعت سوريا خلال سنوات الحرب، تجميع المسلحين في أربع مناطق معظمها مُحاصر من قِبل الجيش السوري، هي: محافظة إدلب امتداداً إلى غرب وشمال حلب. ريف حمص الشمالي. غرب درعا والقنيطرة. وأخيراً غوطة دمشق الشرقية.
في هذه الأثناء برزت أهمية جبهات حيوية أخرى، قام الجانب الأميركي بممارسة ضغط خطير فيها، فردت موسكو بتعجيل الاتفاق مع تركيا، لتفسح روسيا المجال أمام الجيش السوري لإسقاط مشاريع واشنطن الجهنمية في الجبهة الجنوبية درعا وجبهة البادية التنف وحدود السويداء، وتم تحرير جزء كبير من البادية بزمن قياسي، بعد عملية كبرى مكونة من ستة محاور .
الآن؛ يحشد الجيش السوري قواته بعد التفرغ من ريف غرب دمشق وأحياء القابون وبرزة وتشرين والوعر في حمص، باتجاه درعا لحسم الوضع فيها، وقد أدت العمليتان إلى نجاح باهر في إسقاط المخطط الأمريكي هذا، وكان أهم سبب وراء استعجال اتفاق مناطق خفض التوتر الأربع. لكن لدى واشنطن دائما خطط بديلة، حيث تعمل حاليا على إنشاء مجموعات مسلحة تابعة لتركيا، لزجها في إدلب، بحجة محاربة النصرة. ليتم تسويق هذه المليشيات وفرضها لاحقاً، كأمر واقع وقوة عسكرية لا يستهان بها، مما يؤدي لتصنيفها معارضة معتدلة، ستشارك مستقبلاً بالحكم السياسي في سوريا.
(المجموعات الإرهابية التي تؤسسها تركيا في إدلب هي من الإخوان المسلمين، وسيتم تسويقها لاحقاً على أنها معارضة معتدلة، تمهيداً لمشاركتها في الحكم بسوريا).
تعمل واشنطن بعدة اتجاهات وتدعم أطرافاً متناقضة ومتعادية: مسلحو الأكراد وقسد، مسلحو الإخوان المسلمين، مسلحو داعش، مسلحو النصرة. الهدف، بعد تلاشي فرضية اسقاط النظام، هو فرض عملاء واشنطن في إدارة شؤون سوريا مستقبلا، بحيث يشمل أيّ اتفاق سياسي قادم، عملاء واشنطن خاصة قسد والإخوان.
تركيا منبع الشر دائماً
تسعى أنقرة لتأسيس “الفيلق الأول” التابع لفصائل المعارضة السورية المسلحة. حسب المصادر؛ يضم الفيلق سبعة عشر فصيلا من الفصائل العاملة في شمال سوريا، بما في ذلك مقاتلو “درع الفرات”، وأيضاً تجمع “فاستقم كما أمرت” وجيش إدلب الحر وجيش الإسلام وغيرها من فصائل المعارضة المسلحة المدعومة أمريكيا وتركياً. الضحية هم السلفيون الوهابيون الذين يمثلون ذراع آل سعود بسوريا…
ما من شك بأن أردوغان خبيثٌ ومتواطئ مع واشنطن وتل أبيب، وهمه أن يبقى سلطاناً عثمانياً، هو يسعى لربط المنطقة من جرابلس وإعزاز ومارع إلى الباب ودارة عزة وريف غربي حلب وإدلب كاملة وشمالي حماة، لتكون المنطقة الممتدة من إدلب لشمال حلب والرقة والحسكة ضمن السيطرة الأمريكية، موزعة بين الإخوان من جهة وقسد من جهة ثانية.
كيف سيرد الحلف السوري؟
حذر بوتين مؤخراً من مشاريع تقسيم في مناطق خفض التوتر، لكن السؤال لماذا أتى هذا التحذير الآن؟
السبب هو ارتياح موسكو لسيطرة الجيش السوري وحلفائه، على أجزاء كبيرة ومهمة من البادية، وتحركه السريع باتجاه جبهة الجنوب بتغطية سياسية وعسكرية روسية. هنا جاء التحرك الأميركي السريع من خلال أنقرة والدوحة، لتنفيذ سيطرة مليشيات الأخوان على الأرض.
أردف بوتين: (لن تنتظر روسيا أن يأتي الإرهاب إليها من سوريا). وهذا دليل على بدء تجهيز التكفيريين القوقاز والشيشان والتركمنستان والأذر، ومسلحي آسيا الوسطى في النصرة وداعش، لنقلهم إلى تركيا ثم للدول المحيطة بروسيا، أي أن عملية القضاء على جبهة النصرة من قبل موسكو ودمشق ستكون بسرعة قبل البدء بخطوة الإخوان المسلمين، حيث قال لافروف أن اجتماع الأستانا المقبل، سيحدد مناطق تواجد النصرة وحلفائها داخل مناطق خفض التوتر، وسيجري وضع الخرائط الخاصة بهذا الغرض.
يُحيط الجيش السوري بإدلب من ثلاث جهات بقوات كبيرة، وموسكو لديها قاعدة حميميم القريبة، وهي لن تخاطر بها بالتعويل على تنظيم متلون تركي غدار، يهدد مصالحها. القيادة السورية لن تقبل بأي حال أن يكون هناك تواجد لإخوان أردوغان لفترة طويلة، تجعلهم جزءاً من تشكيل عسكري ضمن صفوف الجيش السوري أو العملية السياسية.
لهذا كله، وبعد الوصول إلى التنف وفك حصار مطار دير الزور، سنرى تحركاً كبيراً باتجاه الشمال لضرب مخططات أمريكا المبنية على قسد والإخوان.
مصلحة أردوغان الاقتصادية والسياسية حالياً مع روسيا، ويعلم أنّ الأكراد السوريين سيعودون عاجلاً أم آجلاً إلى حضن دمشق وموسكو، وأن واشنطن تستخدمهم بشكل مؤقت وتدعمهم ضد تركيا كي لا تتمرد عليها بشكل نهائي، لكن لن يطول الأمر فالأغلبية العربية العشائرية في الحسكة موالية لدمشق، وهي قادرة على قلب الموازين بسرعة، بالإضافة لتواجد عسكري سوري في الحسكة والقامشلي، كنواة وقاعدة للجيش السوري والقوات الرديفة مستقبلا.
المخطط الذي تنفذه الدوحة وأنقرة خطير جداً، ليس على القيادة السورية، بل على المجموعات المسلحة نفسها، والمسلحين يكتشفون يوماً بعد يوم كم هم أغبياء… صراع دموي قادم بين الإرهابيين في إدلب، والنصرة ستكون كبش الفداء وقد بدأوا يدركون ذلك، فخطب الجمعة في مساجد إدلب باتت تُهاجمُ أردوغان دائماً بعد أن كان إلههم الأوحد!!! أنقرة تحسب حساب تمرد النصرة، لهذا تحاول القيام بعملية درع ادلب بإعداد قوة كبيرة تستطيع خوض حرب دامية.
مخططات أمريكا تتساقط الواحدة تلو الأخرى، من حلب إلى تدمر وشمال حماة وريف اللاذقية والبادية وريف دمشق… وكلما فشلت في مكان تعود إلى خطة أخرى جديدة… وهكذا. سوريا وحلفاؤها بيدهم الأوراق الأقوى، ومخطط أعدائها متفرّعٌ ومشتت لكنه دائماً خطير، لكن الجيش السوري يحملُ وحلفائه دائماً المفتاح. زيد م. هاشم. تحرير وصياغة: إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 03.06.2017