هجرة الشباب والعقول؛ من أكبر المشاكل التي تعاني منها الدول النامية، خاصّة أثناء الحروب. الغريب في الأمر أنّ معظم هذه الدول لا تحاول القيام بأيّ عمل من شأنه إيقاف هذه الهجرة، باستثناء الخطابات الرنانة والحماسية، وسؤال تلك العقول المهاجرة: (أين حبّ الوطن والوفاء والإخلاص له؟). بينما نرى أبناء المسؤولين الخطباء، يتمخترون في بلاد الغرب ويتمتعون بأموالٍ هي من حق الشباب الذي تركَ بلادهُ مكرهاً.
بالمقابل؛ تنشط دول العالم المتقدم في استقطاب تلك العقول واستغلال هذه الفرصة، فتصطاد الشباب بطرق وأدوات مختلفة، وتمنحهم ما حرمهم منهُ مسؤولو بلدهم، لكن ما هو المقابل؟
قدمت الكثير من الدول الغربية منحاً وتسهيلات دراسية للطلاب السوريين، كي يكملوا تحصيلهم العلمي في جامعاتها، مستغلة ظروف الحرب التي تمر بها سوريا، وسوء الحالة التعليمية والعلمية التي حلت بالبلاد. تمت الدعاية لهذه المنح والتسهيلات بكافة وسائل الإعلام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، وافتتحت عشراتُ المكاتب الخاصة في دمشق وباقي المدن، والتي تؤمّن للطلاب القبولَ في الجامعات الأوروبية لقاء مبالغ تصل إلى 2000 يورو، بينما يودع الطالب مبلغ 8700 يورو في بنك أجنبي لتأمين الحصول على الفيزا. حتى أصبح خروج الطالب السوري لمتابعة تعليمه أمر مفروغ منه!
شروط مشبوهة لبعض المنح الدراسية
شروط بعض المنح الدراسية للسوريين مثيرة للشكوك، كمثال: قدمت جامعة ليون الفرنسية عام 2016 منحة خاصة بالسوريين، كان أحد شروطها أن يتحدث الطالب المتقدم عن العنف والقتل الذي تقوم به الدولة السورية ضد المواطنين!! إذاً ولكي تحصل على القبول يجب أن تكون معارضاً أو متلوناً تبيعُ وطنك!! إنها فرنسا بلد الحريات. فإن كنتَ طالباً متفوقاً وتتحدث الفرنسية بطلاقة، ولم تتحدث ضد سوريا، فلا أمل لك بمنحة جامعة ليون هذه…
تشترط كافة المِنح الحصول على مستوى عالٍ في اللغة المطلوب الدراسة بها، وهذا أمر طبيعي، فمِنح الدول المتحدثة بالإنكليزية مثلاً تشترط الحصول على شهادة TOEFL أو IELTS، وهذا يضطر الطالب دخول دورات لغة، خاصة وأنّ طلابنا يتلقون دروساً قليلة باللغات.
من أهم عناصر القبول في المنح الغربية هو ارتفاع معدّل التخرّج، وهذا قد نراهُ حقّ لهم، لكن ألا يعني ذلك أنّهم يستقطبون المتفوقين فقط في سوريا؟ وكمثال على ذلك شروط مِنح الـ DAAD الألمانية.
بدون شك؛ كل منحة أجنبية غربية مشبوهة. أقل ما فيها سرقة طالب سوري متفوّق، لتصل إلى درجة إعادة تأهيله علمياً واقتصادياً وأحياناً استخباراتياً، ليعود يوماً ما للعمل في سوريا. وعندما نقول استخباراتياً نعرف ماذا يعني ذلك، ولكم أمثلةٌ كثيرو فيما حصل في سوريا، وكيف تعاون أصحاب الشهادات العليا، خريجو جامعات الغرب مع دول الناتو والخليج، وكانوا النسخ الجاهزة للكراسي التي تخيّلوا أنهم سيجلسون عليها.
في بلادنا يُهملُ الطالب بشكل عام، والمتفوق بشكل خاص، فتأتي المؤسسات التعليمية الغربية لتسحبه إليها بكل بساطة، بينما يتفرج المسؤولون عليه، ويتهمونه ببيع الوطن! وبالتالي يصح قول العالم المصري أحمد حسن زويل: (الأوروبيون ليسوا أذكى منا، لكنهم يدعمون الفاشل حتى ينجح، أمّا نحن فنحارب الناجح حتى يفشل)!.
التمويل في المِنح
تخصص هذه المنح لطلاب الماجستير والدكتوراه، برواتب شهرية وأحياناً سنوية، والمطلوب الأول من الطالب هو إحساسهُ بالانتماء إليهم، بحجة القضاء على شعور الغربة الذي يُشكل عائقاً أمام تقدمه في دراسته، فيقيمون حفلات تعريف للطلاب الدوليين ويضعون أعلام دولهم التي تمثلهم، في البداية… لاحقاً؛ سيتم الاستغناء عن هذه الأعلام بعلم الدولة المُضيفة…
هناك في بعض المنح الاميركية ما يسمى منحة جزئية و منحة كاملة، في حال اجتياز الطالب لامتحان اللغة بعلامات عالية، يحصل على منحة كاملة، والجزئية لأصحاب العلامات الأقل، وهذا يُحفّز الطلاب على المزيد من الدراسة.
توجد منح أخرى تقدم تذاكر السفر مجانا للطالب، ومبالغ شهرية تجعلهم يعيشون حياة جيدة، بالإضافة إلى أن الطلاب المتفوقين، تقدم لهم فرص عمل ضمن جامعاتهم، فيتعاونون مع أساتذتهم في إنجاز الكثير من المشاريع.
بالمقابل؛ يتبرّجُ المسؤولون في بلادنا فوق المنابر وينتهزون أية فرصة للتحدث عن العولمة و آثارها الكارثية على الجيل، وعن أمركة الجيل وسرقة العقول، وهم فعلياً أسوأ من أية مؤسسة غربية ضرراً و “تطفيشاً” لهذه العقول. ونسأل كافة المسؤولين: (ماذا فعلتم للحفاظ على الطلاب المتفوقين في سوريا غير الكلام؟)…
دونية بعض الطلاب وغسيل أدمغة
في سؤال لمركز فيريل للدراسات لأحد الطلاب السوريين المتفوقين، والذي حصل على منحة أميركية، الطالب بكل شفافية، سيطرت على عقله الثقافة الأميركية، وحتى قبل سفرهِ بأيام قال حرفياً: (لم أعد أشعر إلا بأنني أميركي ولن أحزن عندما أذهب أو أسافر لأنه و ببساطة عقلي هناك عندهم)!!. مَن نلوم، هذا الطالب الذي بات التخلي عن وطنه سهلاً، أم نلوم الذي جعلهُ يصل إلى هذه المرحلة؟
في الواقع، اللوم على الإثنين، فهذا الطالب قصير النظر لأنه اعتبر المسؤولين هم الوطن، وبالمقابل هؤلاء المسؤولين وضعوا أنفسهم عن قصد مكان الوطن…
في الحالين الطالب والمسؤول رابحان والخاسر هو للأسف… سوريا.
تابعنا في مركز فيريل اتصالاتنا بهذا الطالب حتى بعد وصوله الولايات المتحدة، لنصل لأمر أشدّ إيلاماً؛ قال لمركز فيريل: (بتُّ محرجاً من كوني سورياً)!! هكذا بكل “وقاحة” قالها. نعم هذه وقاحة وشعور بالدونية، وعبارات لا يقولها سوى الدونيّون… هذه الدونية يتحمل الطالبُ والمسؤول “الحرامي” سببها. كتبَ أحد أصدقاء هذا الطالب تعليقاً له على الفيس بوك: (نفخر بك كونك سورياً تفوقت على الأميركيين). خلال دقائق، قام بمحوها وتنبيه صديقه لعدم ذكر أنه سوري وإلا حذفه من صفحته…
طالب آخر تحدث معه مركز فيريل، يتابعُ دراسة الماستر في هندسة الاتصالات بالولايات المتحدة، قال: (عندما علم أستاذي المشرف على رسالتي، بأنني أعمل وأدرس بنفس الوقت، كي أغطي نفقاتي كوني لستُ ممن حصل على منحة..) هل تعلمون ماذا فعل الأستاذ المشرف؟ لا لم يؤمن له عملاً في الجامعة أو منحة… يتابع الطالب: (أصبح أستاذي يمر عليّ في مكان عملي، فيأخذ مني ما أنجزتهُ من أبحاث، كي لا أذهب بنفسي إلى الجامعة، التي تبعد عني ساعتين، فيضيع نهاري كاملاً)… هذا ما يفعلهُ تماماً الأساتذة في جامعاتنا. لن نحدثكم عن وضع طلابنا، فقد خصصنا البارحة مقالة كاملة عن طلاب الدراسات العليا، وراتبهم الخيالي في مراقبة الامتحانات، والذي يصل إلى 96 ليرة سورية يومياً، عدّاً ونقداً… راجعوا المقالة.
راتب طالب الدراسات العليا عن المراقبة، عدّاً ونقداً… 96 ليرة سورية يومياً!!!
السؤال الذي نطرحه على الجميع: (أين تُفضّلُ أن تدرس؛ في جوّ علمي جيد وسكن مريح ومصروف شهري مقبول، واحترام من قبل أساتذتك، أم في جوّ مشحون وعلم سيء ومصروف يأتيك من أهلك أو تضطر للعمل، وأساتذة يعانون من مشاكل لا حلّ لها؟).
من الواضح أن قسماً كبيراً من طلابنا باتوا يفضلون الهجرة تاركين كل شيء وراءهم… بما في ذلك الانتماء لسوريا وهذا خطر كبير، الأخطر هو التنكّر للوطن والشعور بالنقص عند ذكر الهوية القومية للطالب…
على المقلب الآخر؛ هناك طلابٌ يرفضون كافة المغريات الخارجية، ويتحملون القهر وضيق الحال وظروف الحرب، ويتابعون تحصيلهم الدراسي، هؤلاء هم الجنود المجهولون في سوريا. سأل مركز فيريل أحد الطلاب المتفوقين في كلية الطب، والذي يتابعُ دراسة اختصاص الجراحة العصبية في دمشق، رغم أنّ كان بإمكانه السفر إلى أية دولة أوروبية، قال: (أعتبر ذلك خيانة… سوريا بحاجة إليّ كطبيب جراح، فهل أتركها في قمة حاجتها لي، وهي التي درستني مجاناً في مدارسها وجامعاتها). أمام هذا الطالب لا يمكننا سوى رفع القبعة تحية له، رغم أنّ كثيرين من “الفلاسفة” سيتحفوننا بآرائهم الببغائية.
إلى الحكومة والمسؤولين السوريين
الحل بأيديكم، بأن يتشبث الطالب السوري بأرضه، ونحافظ على العقول والأدمغة السورية من الخسارة…
ضعفُ انتماء الطالب السوري المُهاجر تتحملون أنتم سببَهُ أولاً، واستمرار نهجكم البالي وفسادكم هو استمرار لسياستكم في “تطفيش” العقول. لهذا، من حيث تدرون أو لا تدرون، أنتم تتعاونون مع أعداء سوريا ضد… سوريا.
إياكم أن تتحدثوا عن الانتماء للوطن وأنتم قامة في ضعف الانتمــاء
إياكم أن تلوموا هجرة الطلاب وأنتم الذين يسّرتم لهم بفســادكم، اتخاذ القرار
المطلوب منكم اتخاذ إجراء اسعافي، لإيقاف نزيف العقول، هذا إن كنتم فعلاً تريدون إيقاف نزيف سوريا… مركز فيريل للدراسات 16.08.2017. راجعوا المقالة التالية: