الحرب الكهربائية الخفية بين موسكو وواشنطن. الدكتور جميل م. شاهين. 30.12.2022. في الوقت الذي تتمكن فيه واشنطن، عن طريق أوكرانيا، من اختراق المجال الجوي الروسي والوصول إلى مائة كيلومتر من موسكو، وقصف قواعد ومطارات عسكرية نووية، لا نسمع عن اختراقات مماثلة من جانب الروس. فهل روسيا دولة سهلة المنال لهذه الدرجة؟ طالما روسيا “خاسرة” وبوتين مريض بالسرطان، كما أكد الغرب عدة مرات، وشعبيته في الحضيض والاقتصاد الروسي منهار، فماذا ينتظرون منذ شهور؟ الحقيقة أنّ الاختراقات متبادلة وما يُنشر عنها هو جزء مما يحدث، والفارق هو الماكينة الإعلامية التي تميلُ بقوة انتشارها وسيطرتها و “كذبها” دون شك لصالح الولايات المتحدة. سنعطيكم هنا مثالاً عن الأخبار التي لا تنشرها وسائل إعلام رئيسية غربية أو حتى شرقية. وجدناها على بعض الصحف المحلية وبتغطية مقتضبة، واستطعنا في مركز فيريل للدراسات الوصول لمعلومات أوسع نوجزها لكم بشكل سريع.
قصف وتخريب المحطات الكهربائية داخل الولايات المتحدة ليست مجرد ثلاثة حوادث في ولاية واشنطن، هناك أكثر من 108 هجوماً خلال 8 أشهر!
بتاريخ 21 تشرين الثاني 2022 الإذاعة المحلية KUOW Public Radio في ولاية Oregon تذكر التالي: حدثت أربع حالات تخريب، على الأقل، لمحطات كهربائية في الفترة الماضية، أي قبلَ التاريخ المذكور. الهجمات كانت منفصلة زمنياً ومكانياً. استخدم المهاجمون الأسلحة النارية أو قاموا بالعملية بأدوات أخرى، مما تسبب بانقطاع التيار الكهربائي عن بضعة آلاف من السكان.
الخميس 24 تشرين الثاني 2022: صرّح السيد Kenneth Worstell المدير الأمني لشركة Bonneville Power Administration للطاقة: (تعرضنا في الفترة الأخيرة لعدة هجمات تضمنت إشعال النيران في محطات الطاقة والتخزين الكهربائي، وتخريب أنظمة التحكم الكهربائية والتسبب عمداً في حدوث انقطاعات مؤقتة)
شركات Portland General Electric و Bonneville Power Administration و Puget Sound Energy تطلب من مكتب التحقيقات الفدرالي، التحقيق في عدة هجمات وتخريب متعمد حصلت في ولايات أوريغون وواشنطن أقصى الشمال الغربي.
السيّد John Lahti نائب رئيس الخدمات الكهربائية الميدانية حول هجوم عيد الشكر: (الواضح أنّ هناك من يتعمد إتلاف المحطات الكهربائية والتسبب بانقطاع التيار الكهربائي. ستكلفنا الأضرار الناجمة عن الهجمات الأخيرة مئات الآلاف من الدولارات).
بتاريخ 11 تشرين الثاني 2022 ؛ سيارة مسرعة تُطلق النار ليلاً على محطة Wateree Hydro في Ridgeway، ولاية كارولينا الشمالية متسببة بأضرار مادية بسيطة والشرطة تُجري تحقيقاً سريعاً. الكلام هنا نقلاً عن قائد شرطة Kershaw County، الشريف Lee Boan.
بتاريخ السبت 03 كانون الأول 2022، هُوجمت 3 محطات في كارولينا الشمالية، حيث اقتحمت سيارات دفع رباعي بوابات محطتين منهما. فتح المهاجمون النار من بنادق رشاشة على التجهيزات والمعدات، مما أدى لأضرار كبيرة في خزانات الكهرباء وانقطاع الكهرباء ليومين عن عشرات الآلاف من السكان. اضطرت الشرطة المحلية لاستدعاء مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI حسب الشريف بون.
شركة Duke Energy مالكة المحطات صرّحت، عقب الهجمات تلك، بأن إصلاح الأعطال يحتاج لأيام بعد انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 45000 مشترك، لكن يجب إبقاء المدارس مغلقة.
بتاريخ 07 كانون الأول 2022 استهدف “مجهولون” أربع محطات لكن هذه المرة في كارولينا الجنوبية، بعدها صرّح Kevin Wheeler المتحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي في مقاطعة كولومبيا بولاية ساوث كارولينا: (لا توجد معلومات تربط بين حادثة الأربعاء في ساوث كارولينا ووقائع السبت في نورث كارولينا).
محطة WLTX-TV التلفزيونية المحلية أجرت لقاءً مع عدة أشخاص شاهدوا ما حصل. وتم التكتم على جميع الأخبار تلك، وحُفظت القضية “إعلامياً” بسرعة ضد “صيادين” مجهولين أطلقوا النار دون قصد من الغابة القريبة! هذا السلوك أثار حفيظة شركة الكهرباء فنشرت بالاشتراك مع مقاطعة مور إعلاناً يتضمن “مكافأة” بقيمة 75 ألف دولار لمَنْ يدلي يمعلومات عن الفاعل أو الفاعلين. صورة الإعلان منشورة شاهدها. والإعلان جاء على لسان حاكم المقاطعة Roy Cooper
آخر الهجمات على محطات الكهرباء الأميركية
آخر الهجمات كانت يوم عيد الميلاد، الأحد 25 كانون الأول 2022 الساعة 2.39 فجراً، ثم الساعة 19:21، حيث استُهدفت أربع محطات، لكن في الجانب الآخر من الولايات المتحدة بولاية واشنطن مقاطعة Pierce County. الهجوم أدى لاشتعال النيران وانقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من آلاف المنازل، في مدينتي Kapowsin و Graham حيث استُهدفت محطتا Tacoma Public Utilities، ومثلهما لـ Puget Sound Energy. الشركتان صرحتا بأن أعمال الترميم تحتاج لبعض الوقت وعلى المواطنين توقع انقطاعات أخرى، بسبب الطقس.
مفاجأة من العيار الثقيل: 108 هجوم خلال 8 أشهر في الولايات المتحدة!
قبل نشر هذا التحقيق في مركز فيريل للدراسات وصلتنا مفاجأة من العيار الثقيل. كنّا أحصينا 20 هجوماً خلال عام 2022، لتفاجئنا صحيفة USA TODAY قبل قليل بنشر مقال بعنوان Attacks on power substations are growing الهجمات على محطات الطاقة تزداد، ورد فيها أنّ عدد الهجمات المُسجلة منذ بداية عام 2022 حتى نهاية آب أي 8 أشهر فقط هو 108 هجوماً، بينها هجمات حدثت في فلوريدا وكاليفورنيا لم نسمع بها.
ماذا يحدث في الولايات المتحدة؟
بعد ضغط الشارع ووسائل الإعلام الأميركية نتيجة تكرار الحوادث، خرج من وزارة الأمن الداخلي الأميركية Department of Homeland Security السيد Timothy Langan، مساعد رئيس قسم مكافحة الإرهاب في الـ FBI بتصريح اتهم فيه “الإرهابيين” المتطرفين بالتخطيط لمهاجمة محطات كهرباء بهدف إحداث الضرر الذي يؤدي إلى ضائقة اقتصادية واضطرابات مدنية. وزارة الأمن الداخلي أكدت كلام لانغان هذا بتصريح: (كان المتطرفون المحليون يطورون “خططًا موثوقة ومحددة” منذ عام 2020 على الأقل لزيادة الهجمات على البنية التحتية الكهربائية). Extremists have developed ‘credible, specific plans’ since 2020 to attack the US power grid, DHS says in new warning
مما صرِّحَ به هو إلقاء القبض على ثلاثة رجال من المؤمنين بالتفوق الأبيض والنازية الجديدة، التهمة؛ ارتكاب جرائم فدرالية تتعلق بمخطط لمهاجمة الشبكة بالبنادق، لكن لا محاكمات حتى الآن رغم مرور شهور على إلقاء القبض هذا، كما أنّ الهجمات استمرت بل تضاعفت بعدهم، مما يُضعفُ مصداقية تصريح وزارة الداخلية الأميركية.
تصريح آخر حديث مثير للانتباه جاء من أعلى سلطة داخلية؛ وزارة الأمن الداخلي الأمريكية DHS حذّرت من أنّ (البنية التحتية الحيوية. فيريل للدراسات) يمكن أن تكون من بين أهداف الهجمات المحتملة، من قبل “الجناة المنفردين”، والمجموعات الصغيرة التي تحركها مجموعة من المعتقدات الأيديولوجية أو المظالم الشخصية.
الواضح أنه تم إسقاط أية اتهامات لروسيا هنا، حتى لو ألقي القبض على روس وليس أميركيين يقومون بتلك الهجمات، سنجد أنّ الاتهامات تنصبّ على عدو مجهول، بذات الطريقة التي يتعامل فيها الروس مع أيّ تفجير مشابه. وتستمر الحرب الخفية التي لا نسمع عنها لأنهم لا يريدونها أن تتحول لحقيقة علنية واسعة ستجرّهم إلى حيثُ لا يريدون، بانتظار الصدام الكبير مع بكين وصدامات أصغر مع إيران وكوريا وصربيا وغيرها الكثير من الجمرات… نتمنى أن يكون العام 2023 أقل سوءاً من الراحل 2022. الدكتور جميل م. شاهين. 30.12.2022 مع تمنيات مركز فيريل للدراسات لمتابعيه الأكارم بحياة كريمة.