العالم يحترق. الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center For Studies FCFS Berlin. 04.08.2021
التغيّر المناخي حصل وبدأنا ندخل مرحلة اللاعودة. علينا التأقلم مع الاضطرابات والتطرّف المناخي والاستعداد له. فيضانات. عواصف بأنواعها. ذوبان الجليد وارتفاع منسوب البحار. جفاف وموجات حارّة و… حرائق. ماذا بعد؟ مركز فيريل للدراسات
ككل عام وفي هذا التوقيت، تشتعلُ حرائق الغابات حول العالم، وكما نشرنا قبل عامين في مركز فيريل حول حرائق سوريا ولبنان، البشر هم السبب بحدوث 96% من حرائق الغابات حول العالم… الأمر ينطبقُ على روسيا وتركيا وكافة الدول التي تشتعلُ فيها الحرائق اليوم في حوض المتوسط وباقي أصقاع الأرض.
العالم يشتعل
عندما نتتبع صورة الأقمار الصناعية للحرائق المشتعلة حالياً، يظهر الأمر مخيفاً. الحرائق شملت اليونان وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا ولبنان وروسيا والولايات المتحدة وكندا. الجديد هذا العام أنها اخترقت الدائرة القطبية الشمالية لتشعل غابات سيبيريا وشمال كندا… بعضها تمت السيطرة عليه والأغلبية مازالت السيطرة بعيدة، حيث يعملُ الطقس الجاف الحار على زيادة توسّعها بينما الحكومات مشغولة بالصناعات الحربية والأطماع العسكرية وعاجزة عن تأمين التجهيزات اللازمة لإخماد النيران…
تركيا ليست الأسوأ حتى الآن
الوضع في تركيا سيء دون شك لكنه ليس الأسوأ. انتشرت الحرائق في 30 مقاطعة من أصل 81 وشملت 111 موقعاً معظمها في المناطق الجنوبية الغربية حيث المنتجعات السياحية وأهم مدينتين للسياحة الصيفية؛ أنطاليا ومدينة Marmaris، تذكرون هذه المدينة؟ هي التي كان يُمضي فيها أردوغان إجازتهُ في تموز 2016 عند حدوث الإنقلاب ومن مطار دالامان الدولي أقلعت طائرته قبل أن تقصفَ مروحية الفندق الذي كان يُقيم فيه، يومها أنقذتهُ المخابرات الروسية، والسيناريو يتكرر والطائرات الروسية تُحاول جاهدةً مساعدته في إطفاء الحرائق، فهل تنجح وهل الأمر مقصود؟
لاشكّ أن الموجات الحارّة المتتابعة والجفاف المترافق مع الرياح القوية، ساعدت في انتشار الحرائق لكن ليس إشعالها. أردوغان في وضع مُحرج بسبب الانتقادات والتقصير في السيطرة على الوضع المأساوي، لهذا سارع لاتهام حزب العمال وعناصر خارجية باشعال النيران أثناء زيارته السريعة لأنطاليا، ليعود وينشغل بالوضع في تونس وليبيا وسوريا متناسياً صرخات سكان القرى المنكوبة.
هنا في ألمانيا، آلاف السياح الألمان غادروا المنتجعات التركية عائدين إلى ديارهم، أضعاف هذا العدد عادت أيضاً بمن فيهم السياح الروس، بجملة واحدة: موسم السياحة قُضي عليه في الشواطئ التركية الجنوبية لعامين على الأقل.
خسائر بالمليارات
نائب وزير الثقافة والسياحة نادر ألب أصلان، بتاريخ 17 آذار 2021: (نتوقع استضافة 34 مليون زائر أجنبي في عام 2021. دخل تركيا من السياحة في عام 2020، بلغ 12.5 مليار دولار، تقديراتنا أن يصل الدخل إلى 23 مليار دولار، في 2021). كلامهُ صحيح، تركيا أصبحت الخيار الأول للسياح من ألمانيا وروسيا وأوكرانيا وبولندا وبريطانيا وهولندا وغيرها. طقسٌ مشمس حارّ وطبيعة جميلة وخدمات فندقية جيدة بأسعار منافسة.
بناءً على هذه النظرة المتفائلة تمت الموازنة التركية ومعها التحضيرات للموسم السياحي الذي توقف بمنتصفهِ في المناطق المنكوبة، لهذا فالتقديرات الحالية تُشير إلى تراجع السياحة 20% مبدئياً وبالتالي خسائر بين 4 إلى 5 مليار دولار، مثلها لإعادة بناء ما خربته الحرائق، أما الغابات فتحتاج لعشرات السنين كي تعود كما كانت.
المعارضة التركية انتقدت الحكومة متهمة إيّاها بالتقصير في خدمة الطوارئ، هنا ردّ وزير الزراعة بالقدرات الكبيرة الموضوعة لمكافحة الحرائق ومنها 16 طائرة إطفاء و908 سيارة إطفاء و9 طائرات مُسيّرة. ليأتي الرد حول تدخل الجيش للمساعدة بما في ذلك المسيرات التي استخدمت في الحروب بالعشرات وبيعت بالمئات، بينما لم يتم تصنيع سوى 9 منها للطوارئ! هاشتاغ #تركيا_تحترق غزا منصات التواصل الاجتماعي، والاتهامات تتسع حول أنّ الصراع بين أثرياء السياحة وشركاتهم هو السبب بإشعال هذه الحرائق بشكل مُتعمّد…
الوضع الأخطر… في روسيا
روسيا تُساعد وغاباتها تحترق
المساعدة الخارجية لتركيا جاءت من روسيا أولاً ثم من أوكرانيا وإسبانيا. روسيا التي تُعاني من حرائق واسعة جداً في الشرق السيبيري لم يسمع بها كثيرون… أين يكمن الخطر الحقيقي في حرائق روسيا؟
المهندس Ali Kerimow: (إن ذابت التربة الجليدية فالمنشآت والمنازل المقامة عليها ستنهار). طبعاً بدأ الانهيار ففي مدينة Norilsk حيث تكون الركائز الاسمنتية للمباني على عمق 10 أمتار على الأقل، ظهرت التشققات في الجدران وسُجّل 246 مبنى ومنزل في قائمة الخطر، واعتبر مبنى من أصل ثلاثة غير صالح للسكن.
وزارة البيئة الروسية: (الأضرار الناجمة عن ذوبان الجليد الدائم يمكن أن تصل إلى ما يعادل 57 مليار يورو بحلول عام 2050.) مبلغٌ كبير وخسائر فادحة. هذا ليس كلّ شيء… وباعتراف السلطات؛ مساحة ما احترق حتى 02.08.2021 هو 4 مليون هكتار أي 40 ألف كم مربع، ما يعادل مساحة لبنان أربع مرات. تخيلتم الرقم؟
تسرب غاز الميثان الخطير
ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق والذي زادته الحرائق في شرقي روسيا بدأ يُطلق كميات كبيرة من غاز الميثان. كيف؟ التربة والصخور الجليدية تعمل كحافظات وحواجز تمنع تسرب الكميات الهائلة من الغازات الناجمة عن تفسخ النباتات والحيوانات المدفونة ضمنها منذ آلاف السنين. ارتفاع الحرارة فتح فجوات ضمنها لتسرّب غاز الميتان إلى الهواء والذي بدأ الصيف الماضي 2020 وتفاقم هذا الصيف بصورة أكبر.
البرفسور الألماني Nikolaus Froitzheim وفريقه من جامعة بون، اكتشفا الصيف الماضي انبعاث غاز الميثان شمال سيبيريا وبكميات كبيرة. الخطورة الأكبر أنّ استمرار ارتفاع الحرارة والقضاء على الغطاء النباتي مع انبعاث غاز الميتان وأكسيد الكربون في الغلاف الجوي، سيُفاقم أزمة المناخ ويزيد من الكوارث. لهذا استعدوا للأسوأ مناخياً… مركز فيريل للدراسات. 04.08.2021